معسكرات اللاجئين كانت مرآة تعكس وجه القضية
بدأت معانات الشعب ألأرترى بعد احتلال إثيوبية لإرتريا واستباحتها لكل مكونات البلد,ونتج عن ذلك الفوضى وألإغتيالات والتجسس وهى وسائل يعتمد عليها المستعمر في تمكين نفسه في بسط نفوذه ونهب مقدرات البلد المحتل,وهذا الشيء بدوره أدى إلى نزوح الكثيرين إلى الدول المجاورة,وفى عام1967 والأعوام التي تلتها تكونت معسكرات سمسم الستة,وفى عام 1975 أستمر اللجوء بأعداد هائلة هربا من بطش نظام الدرك واكتظت مدن شرق السودان باللاجئين,
وأذكر مدينة ود الحليو التي كانت مركز تجميع أللاجئين ,وبعد ثلاث سنوات تم تفريغها وتأسيس معسكرات جديدة,تكونت ثلاث معسكرات في ضواحي مدينة الشواك,وثلاث معسكرات في السوكى,ولاحقا تم تكوين معسكري أبو رخم.
كانت المعسكرات لسان حال ارتريا في المهجر,حيث أبقت ألقيم ألاجتماعية ألارترية نقية,وكانت تعكس التراث والعادات والتقليد تلقائيا من خلال الممارسات أليوميه لأهآلى المعسكر متمثلة في طريقة الكساء والغذاء والأدوات ألتي يستعملونها في الظروف العدية أو في المناسبات ألاجتماعية.
وكانت المعسكرات هي الروافد التي تغذى الثورة ألارترية,ومن ألجدير أن يقال ,إذا كان المقاتلون يمثلون خط الدفاع ألأول فإن أبناء ألمعسكرات كانوا خط الدفاع الثاني,إذا كان المقاتلون
كالخلايا التي تدافع عن الجسم المصاب, فإن المعسكرات كانت كالخلايا التي تزود الجسم بالاحتياجات.أن الفصائل المسلحة دون معسكرات تظل ناقصة لا أظنها يطلق عليها ثورة فالثورة
أشمل من ذالك.
إن كثرة المعسكرات في المهجر وصمود المقاتلين في الداخل كانتا من العوامل الرئيسية التي تضفى الشرعية على القضية ألارترية,وكان يتجلى ذلك عندما يأتي بعض أصدقاء الثورة
أو ما يهمهم ألأمر من المنظمات ألإقليمية أو ألدولية فإن المعسكرات كانت من المعالم ألتي
تبرز وجه القضية,وهى أول مايتلقاها القادم قبل ذهابه إلى الميدان,فيعرف الزائر قوة الثورة
من كثرة المعسكرات وإصرار أهلها تمسكهم بالقضية .
وماذا بعد؟
بعد أن تم تحقيق الغاية المنشودة, نرى اليوم بعض ألأشخاص من الوزراء أو القادة يقللون من
شأن المعسكرات ويستفزون ما بقى منهم فيها.وهذا هو ما بقى بوسعهم,ليس في صلاحياتهم ما
يقولونه غير هذا,قد ضاقت وتقلصت طموحاتهم واختزلت إلى جيوبهم وبيوتهم فقط,وبقى الشعب
كله يئن تحت وطأة الفقر والمرض,ولم يجد اللاجئون سوى ألإهمال والبؤس وال ألآم,لا ألعئدون
وجدوا الحياة الكريمة ولا الباقون وجدوا تقديرا لما تحملوه من بؤس عيش,ولما أدوه في فترة ألكفاح,وأن تهميش أللاجئين واستفزازهم غير مقبول.وشتان ما بين ألابن ألبار الذي يعترف بفضل والديه ويجزيهم خير جزاء ,وما بين ألابن ألعاق الذي يجحد بفضلهما,وكذلك شتان ما بين
مسؤل يعترف بحق اللاجئين ودورهم ومابين ذاك الجاحد الذي ينكر حقهم.
كلنا نتذكر جيدا في فترة النضال أنه عندما يذهب مسؤل أيا كان ومن أي فصيل كان,لزيارة دولة
ما بصفة رسمية أو غير رسمية,كان أول ما يأتي على لسانه هو أللاجئين,يقول:-
أن لنا في ألمهجر عدد—-من المعسكرات يتراوح تعداده إلى—-نسمه,وأملنا كبير كي تساعدونا
بالسلاح والمال لكي نتمكن من تحرير بلدنا ونقصر أمد بقاء أللاجئين بالعراء.
وعندما يزور المعسكرات يقول:نحن من أجلكم وبكم نحيا وننتصر.
ومما اذكر عندما تما تأسيس معسكرات السوكى الثلاث ,كان مدير اللاجئين أسمه “فاضل” وفى أول اجتماع له مع أهل المعسكرألذى كنت أتواجد فيه,أفاد المدير:أن إدارة اللاجئين سوف تبذل قصارى جهدها ولكن بما أن المعونات ألتي تأتى إلينا شحيحة ولذلك يجب عليكم أن لا تعتمدوا
كليا على المساعدات بل عليكم أن تعملوا في المشاريع الزراعية,لاسيما القطن والفول,هناك موسم الحش(إزالة الحشائش الضارة للزرع)وكذالك موسم الحصاد(جمع القطن),لم يعجب هذا
الرأي أهل المعسكر,فرد أحدهم على لسان الحاضرين:نحن لاجئون وهذه الكلمة تعنى أشخاص
فقدوا وطنهم ,وسلب حقهم ألاحتلال,والآن نحن في غير وطننا ننتظر العودة ولايمكن أن يطلق علينا عمال.
رد المدير:أنتم عمال ولاجئين في آن واحد.
ورد الحضور بكلمة جامعة:لا كلا لم نكن ولن نكن عمال,نحن لاجئون نعمل مع من يقارع العدو الذي يحتل بلدنا,وإذا كنا كما تقول ننشغل بالعمل وإعالة أسرنا هنا فذالك يعنى لامجال للمقاومة,نحن أتينا هنا من أجل إيصال أطفالنا ونساءنا إلى بر ألأمان ومن ثم نعود للميدان ولم
يبق هنا إلا العجزة,وكذالك نحن نريد أن نرى أبناءنا يشبون ويلتحقون بالثورة ليصبحوا مقاتلين لا ليكونوا عمال هنا في أرض ألمهجر.
أثناء الحوار كان من بين الحضور شخص يتهجم بالألفاظ كثيرا على المدير,أراد المدبر أن يسكت الرجل قائلا:كما السيف المعلق خلفي على الجدار(مشيرا بيده)هو ذو حدين,أيضا أن
ألقانون والمنسب الذين أمثلهما ذو حدين,ولذلك كل شيء يجب أن يبق على حدود المعقول
رد الرجل:أنت لا تعلمنا المعقول والقانون,أنت الذي تقول للاجئين حديثي القدوم أنتم عمال فروا
وأعملوا في المزارع,وبعد ستة أشهر أو سنة سوف ترفع تقريرك إلى الجهة ألأعلى منك مفيدا
بأننا قد انخرطنا في المجتمع وأصبحنا عمال في مشاريع القطن,وبذلك لا تأتى المساعدات وحينها
سوف نكون مشغولين في البحث عن لقمة العيش التي نضعها في ألأفواه الفاغرة للأطفال الذين ينتظروننا بفارغ الصبرفى البيوت,وحينها لا يوجد من يفكر في الثورة,لأنه لا يمكن لك أن تفكرفى أمرين في آن واحد,وأن تعمل في جهتين في آن واحد.
سأل المديرأنت—يا من—من اسمك أنت أيها المتحمس أكثر من غيرك—هل أنت ارتري أم بني
آدم؟.نظر الرجل إلى من حوله بنظرة توحي بطلب المساعدة لرد على هذا السؤال,فتدخل أحد الجالسين بقوله:قل له أنت ألاثنين,فقال ألأول كلا لو قلت ألاثنين سيقول لي أنت أيضا كذلك,أنت لاجئ وعامل—أتجه الرجل نحو ألمدير ثم قال:أنا ارتري
قال المدير :أنت ارتري فقط –
قال نعم
ضحك المديروقال أنت ارتري فقط ولست بني آدم ,وماذا إذا تكون هل حيوان؟
رد الرجل:في الحيوانات ما يتمنى ألإنسان أن يكنى بها—وأنت يا مدير تتمنى من قلبك أن يقال لك أنك أسد
قال المدير هذا صحيح ولكن لا أنفي أو أنكر آدميتي ومن ثم هناك فارق ما بين حيوان وحيوان والإنسان لا يتمنى أن يلقب بالحيوان.
قال الرجل:هناك أيضا فارق ما بين إنسان وإنسان,هناك حالات لا يقبل فيها ألإنسان أن يلقب بالعامل.
قام آخر من الجالسين وقال:يا حضرة المدير لا علاقة بين السؤال الذي طرحته أنت وبين المسألة ألتي كنا نتناقش حولها,نعم نحن لاجئين ارتريين ,وليس بالضرورة أن يكون كل أرترى لاجئ ,هناك من بقي في بلده ولا تلقى عليه صفة لاجئ,ونحن أيضا أبناء آدم ولكن ليس بالضرورة أن
نكون عمال,إن رغبت في أن ترى عمال ارتريين فأذهب إلى المدن الكبيرة سوف تجدهم ,منهم من يريد أن يحسن وضعه ويقتنى لنفسه شيئا,ومنهم من يبحث عن فرصة الخروج إلى الخارج,
أما نحن لا خيار لنا غير انتظار العودة,نحن هنا لاجئون سجلنا أنفسنا ونبقى فيها قيد ألإقامة الجبرية ولا نخرج منها إلا بإذن.
إنفض ألاجتماع دون التوصل إلى شيء.
وبعد ذلك بعدة أشهر جاء إلى المعسكر وفد رفيع المستوى من ألأمم المتحدة يترأسه المندوب السامي,أجتمع مع أهل المعسكر وتمت مناقشة ألأوضاع المعيشية.
ومن جانبهم شرح أهل المعسكرالصعوبات التي تعتريهم في العيش من شح المساعدات (الصرفية) ومشاكل مياه الشرب وغيرها.
اقترح المندوب وسألهم عن رأيهم في ألاقتراح:عما لو وزعت عليهم أراضى زراعية وكذلك
بضعة رؤوس من النعاج أو الماعز لكل أسرة,وأضاف إذا وافقتم على هذا المشروع سوف أناقشه بدوري مع الجهات ذات ألاختصاص في الحكومة السودانية.
تدخل مدير أللاجئين قائلا:لا توجد هنا أراضى زراعية فائضة تعطى للاجئين,أن كل ما هنالك مشاريع زراعية يمكن أن يعمل فيها اللاجئون كعمال.
رد ألمندوب يقول:نحن لا نحدد مكان بعينها لتوزيع أراضى ,قد يكون هنا أوفى مكان آخر يتم ترحيلكم فيه,هذا يتوقف على ما سنتوصل إليه مع ذوى ألاختصاص.
قام أحد المجتمعين متحدثا:أنتم تريدون توطيننا ثم بعد ذلك شطب اسم معسكرات أللاجئين ونسيانها وبالتالي نسيان القضية ألارترية برمتها,يا سعادة المندوب نحن نريد المعسكرات ألارترية في السودان وغيرها,أن تكون حاضرة ,وتضعونها نصب أعينكم في ألأمم ألمتحدة,وأن لأهالي هذه ألمعسكرات قضية عادلة,وإلى حين إيجاد حل سلمى عن طريقكم,وإن لم يكن نحلها بأنفسنا بالقوة عن طريق نضالنا,وإلى حين ذلك أنتم يا أمم ألمتحدة عليكم دعمنا بالغذاء والتعليم
والصحة, أما أن تعتبروننا مواطنين وتوزعوا لنا أراضى زراعية,لا نرى في ذلك فائدة لنا أنه
سيكون ثمن نسيان القضية.
هذه حالة المعسكر الذي كنت فيه,وهى مليئة بالحيوية والتمسك بالوطن والعمل الدءوب دون يأس وثقة بالنفس بقدوم يوم النصر عاجلا أو آجلا.
بهذه الروح جاهد وصابر أهل ألمعسكرات الذاخرون بالفضيلة والشهامة والمفعمون بالحيوية
والتفاني إلى أبعد الحدود, هؤلاء لهم التحية فهم وإن كانوا كثيرو الفقر وقليلو الغنى ولكنهم
كثيرو القناعة وعديمو الجشاعة,هم إن كانوا قليلو التعليم ولكنهم كثيرو الحكمة,هم وإن كانوا
قليلو الثقافة والسياسة ولكنهم كثيرو السماحة والإيمان بقضيتهم,هم وإن كانوا قليلو الزاد فيما
يمتلكون لأنفسهم إلا أنهم كثيرو التزويد لثورتهم بأنفسهم,هم كثيرو التفاؤل والمرح وقليلو التشاؤم
والزجر,كثيرو التواصل مع أرحامهم وقليلو القطيعة مع خصومهم,هم كثيرو التضحية وعديمو
ألأنانية,هم الجديرون بالحياة الكريمة,ولا يستحقون ألإهمال والتهميش.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7688
أحدث النعليقات