مـن هنــا وهنــاك!
جابـر سـعيـد ـ أرض الهـرم
حـروف مكـررة مـن صفحـات التاريخ الارتـرى المعاصـر:
مضـت الأيـام مثلمـا مضـت أجيـال تعاقـبت على التعامـل مـع خـلافات أهلـية بسـيطة او مـركـبة، كان مسـرحهـا الموارد والمـراعى وبعض القضايـا الاٍجتماعـية الاخـرى، وكان أبطالهـا شـباب الأمـس الأكثـر صفـاءا ومـروءة ومـودة وكـذلك تـرفعـا عـن الصغائـر، وكانـوا رؤسـاءهـا شـيوخ عقـلاء هم واجهـات القبـائـل والعشـائـر والفخـوذ التى نفخـر بهـا لـذاتهـا، كانـوا اولـئك الـرجـال يسـمون العـيب عيبـا ويعتبـرونه مهـانة، والشـهامة مفخـرة ويتباهـون بهـا لمـا لهـا مـن وقـع طـيب على النفـوس، كانـوا بلسـمـا للجـراحـات وأهـلا للمـروءة والكـرم الارتـرى الـذى يبـدأ بالتـرحـاب وتقـديم الحـليب الأبيض، وينتهى بالمـودة وحلـو الكـلام وماطـاب مـن لحم الضـان مقـدمـا أو زادا. تـلاهـم جيـل الحـركة الـوطـنية التى وضعـت اللبنـاة الأولى للنضـال الـوطنى، وهـؤلاء كانت أدواتهم شـعـبية خالصـة، وأهـدافهم كانــت تبـدأ بجمـع الهمم للاٍصطفـاف فى تظاهـرات جماهيـرية صاخـبة مـن أجـل نصـرة الـوطن والمواطن، وتنتهى بتحـريـر النشـرات الـدورية وكتابة المـذكـرات المـوجهة الى مـواقـع النفـوذ آنـذاك، كانـت تـلك المـذكـرات قـويـة ومعبـرة ـ لأنهـا كانـت مـدعومة بأحـزاب أربعـة كان خامـسـهم يعــرض خـارج الحظيـرة الـوطـنية نتيجـة لاٍرتبـاطه الثقافى والـدينى باٍثيـوبيـا الاٍمبـراطـور وكنيسـته التى مارسـت السـياسـة أكثـر مـن الـوعـظ الـدينى، ونتيـجة لـذلك التآمـر تفـرقت الصفـوف المتـراصة وألحـق الأذى بالشـعب الارتـرى ـ حينئـذ رضى شـعبنـا مـرغمـا بالاٍتحـاد الفيـدرالى المشـئوم والـذى بـدوره تآمـر علـيه نفـس المتآمـرون، فحولـوه بالتـدليـس والاٍرهـاب المسـلح الى وحـدة قسـرية مـع اٍثيـوبيـا هـيلى سـلاسـى … ولـــكن مـاالـذى يـرغـم القـوى الـوطـنية التاريخـية على الشـتات وقـلة الحيـلة فى الـوقت الحاضـر، هـل هى أسـباب داخـلية أم خارجـية لا تطالهـا أيـدينـا !!؟.
وفى عـام 1958م بـدأ الشـعب تنظيم صفـوفه مـن جـديـد بقيـادة شـابة حملـت اٍسـم ,, حـركة التحـريـر الارتـرية،، ومـن ثم جـاءت الأجيـال المؤســسة لحـراك سـياسـات أكثـر ديناميكـية، وكان ميـلاد جبهة التحـريـر الارتـرية التى جمعت الشـتات وألـفت القلـوب ووحـدت الأهـداف، وهى التى أورثتنـا الكفـاح المسـلح الـذى أصبح منهاجـا وثقـافة وطـنية ختمـت نضالاتنـا بتحقيـق التحـريـر والاٍسـتقـلال الـذى سـرق هـو الآخـر مـن نفـس الشـخوص السـابقة، أو قـل بنفـس النهـج السـابق … نعلم لمـاذا سـرق ومـن الـذى سـرقـه، ولكننـا نجهـل كـيف سـرق ومـن المسـئول عـن ذلك .. فى تـلك الحقـبة التى سـبقت السـرقة ويالهـا مـن حقـبة، فى تـلك الحـقبة مـن الـزمـان رغم قسـوتهـا وغـلاء أثمـان متطاباتهـا ـ كنـا نعيـش على الأمـل والـرجـاء، ومـن خـلال أدخـنة مـدافـع الـثورة ورصـاصهـا الـذى عــرف دائمـا وجهته الصحيحة، وأيضـا تحـت أزيـز الطائـرات المعادية والحـرائق الكيـدية التى طالـت قـرانـا الثـورية، مـن خـلال كل تـلك المصائـب كنـا نـرى اٍنبـلاج الصبـاح الأتى عبــر جثامـين الشـهـداء ودمـوع اليتـامى وامهاتهم الأرامـل، وكنـا فـرحـين بعـذاباتنـا لأن الاٍرادة حينئـذ كانـت ذاتـية، والمعاول كانـت فى أيـدينـا، والهـدف كان واضحـا والخطاب موحـدا، ولــــــــــــــكن جـاء مـن أفقـدنـا اٍرادتنـا .. جـاء الغـريب الـذى ظل بيننـا غـريبـا الى يـوم رحيلـه مـن غيـر عـودة، جـاء باٍسـمنـا وهـو فى الحقـيقة ليـس منـا ولا يحمـل سـماتنـا، جـاء فجـأة واختـفى فجـأة ولــكن بعـد ان أفقـدنـا حصيلة الأربعـون عامـا التى سـبقت تاريخ مجيـئه .. قاتـل ألله الـذين جاؤوا يحملـونه، ورحـم مـن تصـدوا له .. ذلك الغـريب كان سـبب بـلاؤنـا وغـربتنـا، فقـد ظلمنـا ظلم الحسـن والحسـين ثـم شـجـع مـن يظلمنـا حتى السـاعة، أمـا مـن تقمص دوره باٍسـمنـا وأخـذ يطحـن ويعـجن عظامنـا، كان جاهـلا يحمـل مالآ يعلم ومالآ يناسـب شـعـبه المتـدين، وهـذا قطـع شـك كان السـبب والمتسـبب عمـا نجـن فيه الآن والبقـية فى الطـريق اذا لم نتـدارك الأمـر عاجــلا … !!.
فى عـام 1991م خـرج المسـتعمـر الآثـم فتحقـق الحلم الجميـل، والـكل فـرح فـرحـا عظيمـا، وتـوجه قطـاع كبيـر مـن الجماهيـر نحـو الـوطن بشـكل كيفى مـن غيـر تـرتـيب أو تفكيـر، والبعض الآخـر بـدأ حـزم أمتعـته للـرحيـل على مهـل، وبعض الفصـائـل الاٍرتـرية العامـلة أسـتبشـرت خيـرا، لعلهـا كانت فى اٍنتظـار اٍتصـال وطنى مباشـر أو حتى غيـر مباشـر مـن الجبهة الشـعـبية، ظنـا منهـا ان فتـرة التناحـر والتآمـر والقتـل والاٍقتتـال قـد ولـت، وهـذا هـو الأمـر الـذى لم يتحـقق حتى اللحـظة . أمـا البعض الـذى كان على درايـة سـابقة بالشـعبية وسـياسـاتهـا الشـوفـينية والطائفـية، لم يتـوقـع منهـا اٍتصـال أو تحـرك وطـنى يـدعـو الى جمـع القـوى الـوطـنية للتفاكـر معهـا حـول المسـتجـدات أو الاٍسـتعـداد لمواجهة متطلبـات مـرحلة البنـاء والتعميـر، فالشـعـبية سـبق أن أتصلـت بـه مـرارا بطـريقتهـا الآثمـة المعتـادة، ودمـاء اٍتصـالاتهـا الآثـمة كانـت دائمـا على مـداخـل كافـة دور القـوى الـوطـنية، والـكل يعلم تـلك الاٍتصالات الغـادرة التى لم تنقطـع قـط، فكم مـن اٍسـود أشـاوس غيبتهم يـد الغـدر، وكم من شـيوخ التحـريـر تم اٍختطافهم غـدرا ـ ومـن ثم تعـذيبهم والتنكيـل بهم حتى المـوت، وفى وقـت آخـر ألحـق بهـم العشـرات مـن اٍسـود معارك التحـريـر وعشـرات الآلاف مـن شـبابنـا الـوطنى غـررت بهم الشـعـبية وغيبتهم غـدرا، ويكفى ان نـذكـر المعارك الاٍنصـرافية التى تمـت ضـد أكثـر مـن دولة مجاورة، كمـا نـذكـر اٍتصالهـا الغـادر الـذى جـاء بغـرض تغـييب المناضـل القائـد عبـد ألله اٍدريـس، وهـو الاٍتصـال الـدمـوى الـذى تـم على خلـفية ,, اٍجتمـاع لنـدن،، المشـهـور .. ومـن غـرائب الاٍمـور أن يحـدث ذلك اللئـم فى العاصـمة السـودانـية، تـلك الـتى دعمـت الشـعـب الاٍرتـرى وثـورته عبـر مـرحلة الكفاح المسـلح ومابعـده، والمعـروف أن حكومة الاٍنقـاذ الـوطنى منـذ مجيئهـا فى نهاية الثمانينات، دعمـت الجبهـة الشـعـبية أكثـر مـن غيـرهـا، اٍذ كانـت الشـعـبية صاحـبة الحـظ الأوفـر مـن دعم الخـرطوم آنـذلك، حـيث كان نصيبهـا مثـل نصـيب الأسـد ماديـا وعسـكـريـا ومعنويـا، وهنـا يحضـرنى المقطـع القائـل ,, أتقى شـر مـن أحسـنت اٍلـيه،، أو ,, اٍن أكـرمـت الكـريم ملكـته واٍن أكـرمـت اللئيم تمـرد،، وبالمقابـل كل الارتـريـين والسـودانيـين الشـرفاء سـيظلـوا يتـذكـرون ,, أن حكومة الجبهة الشـعـبية كانـت أول حكومة تقـدمـت بشـكواهـا غيـر المؤسـسة لمجلـس الأمـن ضـد الحكومة السـودانـية الصـديقة، وشـعبهـا الشـقـيق الـذى سـنظل نحـفظ له أيـاديه البيضـاء ومواقفه الكـريمة حتى تبـنت حكومته نظـام أسـياس القهـرى للمـرة الثانـية لا قـدر ألله،، … مـن جهة اخـرى تجـدر الاٍشـارة الى ان غـدر الشـعـبية بالقائـد عبـد ألله اٍدريـس تـم قبـل شـهـر مـن دخـولهـا العاصـمة ,, أســمـرا،، وعلى وجـه التحـديـد فى مساء يـوم 24 أبـريـل 1991م، وكان ذلك الاٍتصـال الغـادر اٍشـارة بالغـة تنـم عـن مكنـون سـياسـات قيـادة الجبهة الشـعـبية التى درجـت على تصـفية كافة القـوى الـوطـنية الاٍرتـرية التى تخالفهـا الـرأى، وقطـع شـك سـيسـتمـر هـذا النـزيف المـدمى واللجـوء القبـيح، وسـتظل قيـادة الجبهة الشـعـبية محافـظة على هـذا النهـج اللئيـم مالم تتـم وحـدة سـاحتنـا الارتـرية للتعجيـل باٍقتلاعهـا. أيضـا بعض القـوى الصادقة مـع نفسـهـا آنـذاك كانـت تشـتـرط فى المقـام الأول، ضـرورة تـأمـين الــوطن بواسـطة قـوة عسـكـرية وطـنية تمثـل كافـة الكيانـات السـياسـية، بالاٍضـافة الى تكوين قـوة أمـن يطمـئن لهـا المـواطن، ومـن ثم كان مفتـرضـا أن يـأتى دور جيـل البنـاء والتعميـر بشـتى قطاعاته، وكان بعض الشـخوص الـوطـنية تتعجل بـدأ العـد التنـازلى لتكوين قـوى الأمـن وتحـديـد مهامهـا ـ وبينمـا كان النـاس يتفاكـر فى كيـفية اٍخـراج البـرامج الـوطـنية الشـاملة، جـاء رد قيـادة الجبهة الشـعـبية الـذى تحـدث بلسـان متعجـرف آمـر، وأوضـح ان الجبهة الشـعـبية لا تعتـرف بكيانـات أو فصائـل سـياسـية، وأكـدت بأنهـا سـتسـتقبل فقـط القادمـون كأفـراد، وأضافـت بأنهـا سـوف تتعامـل مـع مـن سـيـأتى بغيـر تـلك الصـفة بوسـائـلهـا الخاصـة، تـلك التى يعـرفهـا كل المناضلـين الشـرفاء الـذين غابـوا بغـدرهـا أو القابعـون منهـم فى السـجون.
حينـذاك فقـدت البوصـلة دقتهـا فتعـددت الاٍتجاهـات وظهـرت الطموحـات اللعـينة التى سـبق أن هـدمـت اٍهـرامـات وألغـت بطولات، فقـد أسـتحـدث ثوار الأمـس عشـرات الطـرق البـديلة للطـريق التاريخى الـذى مهـدته أجيـال تـلـو الأجيـال .. تفـرق الثـوار مابـين عشـرات الـولاءات، فغـاب الـزخم الـوطنى الـذى كان درعـا لنـا فى درب التحـريـر والاسـتقـلال، لم نجــد تحـلق الفـرسـان الـذين صنعـوا المسـتحيـل، فقـدناهم حينمـا أنكسـرت الآمـال التى كانـت معلقـة على ,, جبهة التحـريـر الارتـرية،، وهى مـن غيـر شـك أصابت وأخطأت فى بعض القضايـا، وأخطـأت فى البعض الآخـر أخطاءا تشـابه الجـرم او هـو الجـرم ذاته، والاٍخفـاق فى تـرتـيب الاٍمـور مـع المنظـم العالمى محسـوب عليهـا مهمـا كانـت هنـاك محاذيـر أو مبـررات، وليـس سـرا ان قـرار اٍخـراج الجبهـة مـن الميـدان ومـن ثـم تجـريـدهـا وتصفيتهـا صـدر مـن قبـل جهـات قـوية جـدا ـ هـذا القـرار كان اكبـر مـن القـرارات الـذاتـية والمحلـية والاٍقليمـية .. اذن هـو قـرار صـادر مـن دول عظمى فشـلت قيـادة التنظيم على التعامـل معهـا فى الـوقت المناسـب، فالقيـادة هى المسـئولة عـن توجـيه السـياسـات، وكـذلك عـن النتائـج بصـرف النظـر مـا اذا تـم ذلك بسـبب جهلهـا أو عنادهـا أو ربمـا لحـرصهـا على الممـول والموجـه آنـذاك وكأنهـا تقـول ( واحـدة فى اليـد ولا ألـف طائـر)، على أى حـال ذلك الأمـر أٌقـرب الى الجهـل منه الى التبصـر، هـذا السـر قـد يتم اٍعـلانه يومـا مـا بواسـطة نفـس الجهـات التى كانـت مـن وراءه، وهـذا سـيحـدث حتمـا رغم صمـت قياداتنـا التى أمسـكت عـن فـك طـلاسـمه لأكثـر مـن عشـرون عـامـا، ورغم هـذا السـبب أو ذاك التشـهيـر الـذى يتطـوع به بعضنـا، تظـل جبهة التحـريـر الارتـرية محـط آمالنـا وموقـع كـرامتنـا وفخـرنـا.. والنتيجـة المـرة الماثـلة أمامنـا الآن هى فقـداننـا للجيـل الأحـدث ,, جيـل البنـاء والتعميـر،، .. فقـدنـا الجيـل المنـاوب او المفتـرض انه البـديـل الـذى يحـقق اٍسـتمـرار النضـال الـوطنى، لم نجـده نحـن ـ نعم نحـن بقايـا الأمـس القـريب الـذين تعـلق مسـتقبـلهم ومسـتقبـل أبنـائهـم بجبـهة التحـريـر الارتـرية، كمـا لم يجـد لهم كاتب التاريخ أو مصـورالشـخوص أثــرا او بقايـا، والمفتـرض أنهم السـلـوى التى تحفـظ تـوازن الميـزان ـ واٍلآ مـاذا تعـنى كلمـة ,, كادر،، الـتى حشـرناهـا حشـرا فى حنايـا أدبياتنـا عبـر الأربعـون عامـا الماضـية مـن تاريخ شـعبنـا الـبطل.
سـيناريـو الاٍنفضـاض الكيفى الـذى سـبق عـودة الـوعي:
عنـدمـا وصـل القـوم الى مفتـرق الطـرق، سـأل سـائـل عـن وجهة هـذا وذاك، وجـاءت الاٍفـادات بخبـر غيـر مفيـد !!، حـيث قالـت بأســف بالـغ:
وصـل الجمـع الى مفتـرق الطـرق تحـت اٍمـرة اليـأس وقيـادة الاٍحبـاط، وصلــوا الى معابـر الفـرقة وأفـواههم تتمتـم بمـا لا يعـنى شـيئـا، يتمتمـون بالعـدم وكأنهم يعبـدون الشـيطان .. فى تـلك اللحظة بـدأ الاٍنصـراف الكيفى على النحـو التـالى:
* متفاؤل وعائـد وطمــوح عــادوا الى الـوطن لعله يحتفى بهم ويضمـهم فى حنايـا صـدره الحنـون، ولــكن هيهـات ـ فالـوطن الـذى وقـع أسـيـرا فى يـــد ,, فـرعـون،، لم يمـلك حنـانـا يقـدمه للعائـدين، فهـو منـذ ذلك التاريخ اللعـين مازال يبحـث عـمـن يهـبه بعض الحنـان، حينـذاك عـاد البعض مسـرعـا ومـن لم يحالفـه الحـظ غـرق شـهيـدا فى بحـر الظلم الغويـر، ومـن نجـا مـن المـوت العاجـل قـطع شـك سـيظل مطأطـئ الـرأس حتى يجتمـع القـوم حـول مبـادئ عــــواتى الفارس والاٍنســـان.
* وهنـاك زيـد وزائـد ومـزيـد ومـن كانـوا حولهم فقـد تولاهـم ألله بـرحمـته فأختارهم الى جـواره حتى لا يشـهـدوا ولـيمة الـذبـح والفـرقة والسـحـل الجماعى أو هجـرة شـعب بأسـره، وهم الـذين سـبق أن شـهـدوا جحافـل الـوفاء واللاٍيثـار وناضلـوا مـع كل ذوى الـرؤوس المـرفوعة أبـدا، وكـذلك مكارم الأخـلاق وكل جميـل يـذكـر به الثـوار والمجاهـدون الأبـرار.
* أمـا مثابــر وعائـد وطمـوح وكل صاحـب ثــأر وطنى طمـوح ـ فقـد أجلـوا المعـركة الفاصلة ليـوم الجمـع العظيم، فأرتحلـوا الى حـيث معاقـل العلم والتعلم ـ محتفظـين فى مخابئ جـلابيبهم بتـذاكـر العـودة المأمولة قـريبـا اٍن شـاء الـرحمـن.
* ومـن كان فى رفقة هجيـر وهاجـر وهجـرة فقـد ركب البحـر مهاجـرا الى ماوراء البحـار، والبعض الآخـر تعلـق بأجنحة الطيـران الى الجـنة أو النـار أو الى حـيث يقصـد الطائـر ولا يقصـد المهاجـر، هؤلاء النفـر مـن شـعبنـا البطل كانـوا ضحايـا الصـدمة الأولى التى زلـزلـت كيـان عـدد لا يسـتهـان به، فى بـدء هجـرتهم حـرصـوا على تمـزيق تـذاكـر العـودة حتى لا تـرنـوا أفئـدتهم الى أرض الاٍصـول ومـراتـع الصبـا، وبعـد تـذوق المـر وكآبة المسـكن ووحشـة المـوطن الجـديـد بالاٍضـافة الى طـيف الـوطن الـذى يطاردنـا مناديـا أينمـا ذهبنـا، أقـول بعـد تـذوق المـآسـى أسـتجـدت قناعـات وعلـت أصـوات تبعتهـا شـهقات فأنهمـرت دموع العـز التليـد، حينهـا فقـط أرتفعـت الأصـوات بمـا يشـبه عـودة الـوعي القـديم، فهاجـت الجماهيـر مـرددة الهتافـات تلـو الهتافات، فأصبح الشـعار الجـديـد ,, اٍليهـا ياقـوم لنعجـل باٍعـلان النهايـات،، وتحـرك القـوم بمـا يشـابه جحافـل الواحـد والسـتـين، الـكل ردد هـذه الجملة، وزاد عليهـا قائـلا: لابـد مـن العـودة الى أرض المـورد والمـرعى، لابـد مـن العبـور اٍليهـا حتى لـو بلغـت بحـور الـدمـاء السـوق أو الـركب، رددوهـا بقـوة المـارد الشـاب، قالـوهـا رجـالا ونسـاءا بعـزيمـة المناضـل المعلم عنفـوان الشـباب، ومـن بينهم شـيوخ يصبحون ويمسـون وأفواههم تـارة تمتم بالـدعـاء وقـراءة آيــات النصـر والشـهادة، وتـارة اخـرى تحـث الشـباب بحتمـية مواصلة المشـوار الـوطنى الـذى بـدأه القائـد عــواتى، والبعض حـلف ان لا يــوارى جثمانه فى دار المهجـر أو يسـتوطن ,, اٍدريـس وحليمة،، فى ديـار غيـر ديـارهم، ومنـذ تـلك اللحظة بـدؤوا النضـال بمختـلف الوسـائـل، ولـم ينسـوا أعـلان الـدعـوة ونشـرهـا بـين الأهـل فى كل مكان، بـل فى كل بقعـة يتواجـد فيهـا فـرد اٍرتـرى مازالـت كلمة اٍرتـريـا تعنى عنـده معنـا عظيمـا، ومازالـت تجـرى فى شـرايـينه بقايـا كـرامة ونخـوة وعـز وطـنى عنيـد.
* أمـا الأكثـرية الغالـبة القابعة هنـا أو هنـاك فقـد أسـتبـدلـت سـلطانهـا بسـلطان النـوم، وغلبهـا النعـاس فتحـركـت متكاسـلة الى حـيث يوجـد ,, مـرقـد أهـل الكهـف،، وهنـاك نـامـوا دونمـا اى اكتـراث ـ لا يعلمـون مـا اذا كان الـوقت ليـلا أم نهـارا ـ وأغلـب الظـن سـيظلـون نيـامـا ثـلاثـون مفـردة اخـرى أو ثـلاثمائة عـام أو يـزيـد، هـذا مالم يفـزعهم زلـزال عـودة الـوعى الـوطنى الجـديـد، الـذى حـدث نتيـجة للصـرخة الـداويـة التى أطلقهـا شـعبنـا مؤخـرا مـن كل مـكان ,, اٍليهـا ياقـوم لنعجـل باٍعـلان النهايـات،،.
ملخـص السـيناريـو:
*** أرتحـل هـذا وهاجـر ذاك وطـار البعـض على عجـل، ونـام أهـل الكهـف فحـل مكان القـوم المبعثـر ,,الهـر والفـأر،،… أمـا مـن لم يجـد مكانـا فى ألـة البحـر او الطائـر المهاجـر أو خاصمه النـوم وسـلطن عليه السـهـاد، فقـد ظـل مهـرولا مابـين الحـدود والحـدود، الى أن هــداه ألله للاٍتجـاه نحـو أرض الجـدود، فـذهـب الى هنـاك عاقـدا العـزم ليفنى حياته أو يقضى أيامه فى البحـث عـن ضالة القـوم، لعله يفلح كمـا أفلـح السـابقـون .. عقـد العـزم ولـكن غـاب عقـله السـليم ورافـقه الحـظ المنحوس بسـبب غيـاب الجيـل المنـاوب، وكمـا يقولـون ,, قليـل الحـظ يجـد فى الكـرشـة عظم،، فقـد نسـى المنحوس ان يحمـل معه رايـات عـواتى والسـيف والـرمح والعصـا وأحجـبة الـوحـدة الـوطـنية التى أوصى بحملهـا الـزعيم الـوطنى الشـيخ عبـد القادر محمـد صالح كبيـرى، وأجازهـا الشـيخ أبـراهيم سـلطان علي، وسـار عليهـا الشـيخ اٍدريـس محمـد آدم منـدر ومجلسـه الأعـلى، أيضـا تـرك ,, صاحبنـا قليـل الـحظ،، قـربة المـاء والـزاد ونعــله ,, الشـدة،، فى مـرقـد أهـل الكهـف أو مفتـرق الـدروب، فهيـا بنـا نلحـق به ـ على رأس جحافـل عظيمـة تـزحـف بكبـريـاء وشـمم نحـو الـوطن تحـت قيـادة ,, الجيـل المنــاوب،، ولنحمـل معنـا رايـات عـــواتى الخفـاقة والـزاد وتـلك المعاول التى نعـرفهـا ويعـرفـون، فالسـفـر كمـا تعلمـون قطعـة مـن نـار، كمـا النضـال غيـر محـدد بـمواقـيت زمـنية.
عـودة حمـة تأسـيـس الأحـزاب الـوهمـية:
تبـقى البعض الـذى لا يتعـظ ولا يعـى الفـرق مـابـين درس الأمـس واليـوم، هـؤلاء أسـتحـدثـوا أدوات قـديمـة جـديـدة ـ أدوات معـوقة أتـوا بهـا مـن مسـتودع الملفات القـديمة، هـذا البعـض أعجـب فجـأة بتـلك الممارسـات والأدوات ـ ولـكن بعـد ان أقلـع عنهـا المتهافتـون على سـبـاق التكوينـات السـياسـية على النمـط العشـائـرى والقـبلى، وفيمـا بعـد الأقليمى، الآن نشـط نفـس الشـخوص مـن جـديـد لتكـرار ذات السـلوك السـابق ولـكن تحــت مسـمى أحـزاب أكثـر وهمـية، نعم أحـزاب ولـكن مازالـوا أهلهـا مولعـون بمـا سـارت عـليه الأمـور منـذ عقـود مضـت .. حقـا كثـرت الفصائـل كمـا كثـرت المسـميـات الحـزبـية الجـديـدة التى خلـت مـن أبسـط أبجـديـات ومفاهيم الحـزب .. والممارس الآن قطعـا لا يعـرفـه الآ صناعـه وكفى، لأن المفاهيم الحـزبية المتعارف عليهـا بـريـئة مـن مـايؤسـس أو يعجـن، ربمـا قـد يـكونوا على علم ودرايـة بمايفعلـون، ولكنهم يتعمـدون تجاهـل الاسـس الحـزبـية بغـرض عجـن الأشـياء ببعضهـا حتى لا تبتعـد الأمـة عـن سـابق دينهـا السـياسـى أو …. !!، هـذا النهـج الجـديـد بالتأكيـد ليـس صادرا عـن جهـل صـرف، وتحصيـل حاصـل جهـده المبـذول تؤكـده العـين التى تعكـس ماتـراه مـن أفعـال، وتثبـته الألسـنة المـرددة لأقـوال تسـمعهـا الأذن على مـدار اليوم، أى ان الحـال مازال فى حاله الأول، والممارسـات والمكائـد والمماحكات اليومـية مازالـت كمـا كانـت، بالاٍضافة الى التحالفـات المنبـوذة التى تؤكـد ان ,, حليمـة مازالـت تحمـل اٍسـمهـا،، مـن غيـر ان يتبـدل عقـلهـا للأفضـل أو يتعقــل حلمهـا لمصلحة الـوطن والمواطن، مـن المؤسـف حقـا ان نعيـش فى القـرن الحـادى والعشـرون مسـتخـدمـين أدوات القـرن السـادس عشـر، ومـن المؤسـف أيضـا ان يتـم تغييـر مسـميـات كياناتنـا السـياسـية وتظل ذهـنيتنـا تحمـل أثقالهـا السـابقة.
ومـن ناحـية اخـرى نعلم ان تكوين الأحـزاب لابـد أن يتم بتـوارد خواطـر وطـنية خالصة تخـدم الـوطن وشـعبه، والأمـر سـواء مـا اذا تم ذلك عـن قـرب أو عـن بعـد مكانى، ومـن ثم يفتـرض ان يتم تجميـع الأفكار السـياسـية لـتصبح بـرنامجـا للحـزب بعـد فحصهـا ومـراجعتهـا بواسـطة جهـات متخصصة، أى ان البـرامج الحـزبية لابـد ان تحمـل الثـوابـت الـوطـنية التى تحـقق رغبـات الجماهيـر على صـدر صفحاتهـا الاولى ـ وفى مقـدمتهــا مـوقف الحـزب مـن قضـية الأرض والثقافة، بالاضافة الى الأمـن الشـامـل ( العـدل والتعليم والصحة والحـريات والحقـوق … )، ومـن ثم تتحـدث عـن المشـهيات التى تهيئه للـدخـول الى عالم اليـوم، أيضـا يجـب ان يطـرح بـرنامج الحـزب لعـامة الجماهيـر الـوطـنية بغض النظـر عـن مواقعهـا الجغـرافـية، وبغـرض اٍرواء عطشـهـا السـياسـى ومعالجة نفورهـا مـن الظلم الـذى أورثهـا الحقـد والعـداء قـديمـا وحـديثـا، وفيمـا بعـد يمـكن تأطيـرهـا فى صـفوف الحـزب باٍرادتهـا الكاملة وعـن وعي كامـل يحـقـق أهـدافهـا السـامـية ومطالبهـا التاريخـية غيـر القابلة لتسـويفات أو مسـاومات، هـذا بعكـس الأحـزاب اللا أحـزاب التى تحمل أســماء مخالفة لثقافة المجتمـع وأهـدافه الـوطـنية التى ناضـل عقـود متتالية مـن أجـل تحقيقهـا، أو تـلك التى تحمـل مجـرد أسـماء وكفى .
شـكـر ورجـاء:
شـكـرا للأسـاتـذة عمـر جابـر عمـر وبشـيـر اٍسـحق ميـكال ـ على المعلـومات القيـمة التى تفضلـوا بتقـديمهـا لنـا، ولـكن يـرجى ان يواصلـوا مهامهم التوثيقى بعيـدا عـن ثقافة (هابيـل وقابيـل) لأنهـم فى الهـم شـرق، وهم (بعض) الـذين عاصـروا تـلك الفتـرة وهنـاك العشـرات بـل المئـات، ونحـن فى اٍنتظار هـذا البعض الآخـر الـذى نأمـل ان يمـدنـا بمعلومـات أوفـر مـن غيـر ان يكسـر ,, الماعـون الكبيـر،، ـ وفى نفـس الـوقت يفصـل مـابـين الشـريكان السـابقـان باٍيـراد معلومات أخـرى مـن واقـع معايشـته للأحـداث ولـكن مـن غيـر اٍصـطفاف، كمـا نتمنـى على شـبابنـا ان يناضـل سـويـا مـن أجـل تخليص الـوطن مـن قبضـة ,, الفـرعـون،، وان يتحـاور بلـطف مسـتخـدمـا جميـل الكـلام وأرقـه، مـن أجـل اٍفشـاء ثقـافة الحـوار الهـادئ واٍظهـار الحقـائق الضائـعة، وجميـل ان يـدلى كل منـا بـدلـوه مـن غيـر ان يسـيئ للآخـر أو يجنـح بالمـركب نحـو الصخـور القاتـلة.
عيـد مبـارك .. وكل عـام وشـعبنـا البطـل حــرا عـزيـزا، مصـرا على صنع مجـده باٍرادته الحـرة بعيـدا عـن الأوصيـاء وسـماسـرة الفـرعـون، ولنعجــــل بالعــودة لنعلـن النهـايات معــــــا.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6260
أحدث النعليقات