مفاتيح الحراك الوطني بين مطرقة الثورة وسندان الدولة (6)
في مقالة سابقة (خيال الظل) ذكر الأخ محمد حسان مدفوعاً من الخلفية التي ينتمي إليها ومجتهداً قدر إستطاعته لصرفي عن الوجهة القاصدة التي أسير نحوها وفق مقتضيات البحث والتحليل الجاد (للوصول الى بواطن ومستنقعات الحالة الراهنة التي تمثل المخبأ التأريخي للجزور الحقيقية للأزمة التي يحلو للبعض تسميتها أزمة عدم الثقة وهي أزمة نقاء عرقي)، ليؤكد لنا أن العلمانيين فقدوا ورقتهم الرابحة في الملتقى بغياب حزب الشعب (خلف الظل)، واليوم عبر مقاله (نظرية إرترية تنقذ العالم) يتجرأ على تأريخ الساهو المشرق ،لمجرد أنه مااستطاع التمييز بين النقيضين (السلم والحرب)، فجعل أحكام السلم تطبق على أحكام الحرب وهو عين الجهل .
إذا كان ذلك كذلك فيمكنه بنفس النظرية التقليدية (الجاهلة) تجريم الصحابي الجليل أبوعبيدة إبن أبي الجراح لكونه قتل أباه (أثناء الحرب) ومن الطبيعي حينها أن يقشعر جلد هؤلاء (الجهلاء)، لأن القتل يعتبر جريمة فقط في حالة السلم وليس العكس ، وبما أن مجاهدي الساهو كانوا في حالة حرب مع مسيحيي إرتريا وتقراي فلا يمكن تطبيق قواعد السلم على حالتهم ، لأن ذلك يعتبر جمعٌ بين النقيضين وهو القتل في حالة السلم والحرب، وبدون الوعي بهذه الحقيقة يمكن للجاهل أن يتحدث عن أحكام التعزير ويصف المجاهدين بالمجرمين لأنهم لقنوا الأعداء دروساً في الأدب والفروسية النادرة ودافعوا عن حياض الإسلام وأموال المسلمين في إرتريا من إعتداءات لصوص تقراي المدعومين من حكومة الإمبراطور بغرض ترهيب المسلمين وحصارهم حتى يبتعدوا عن القضايا الوطنية المصيرية المرتبطة بموقفهم من الوحدة .
ومايؤكد هذه القراءة ماذكره مفوض الإمبراطور في مؤتمر صحفي عقد في مايو 1951م معبراً عن تزمره الشديد من مجاهدي الساهو( واصفاً إياهم بالشفتا حيناً واللصوص حيناً آخراً حسب التعبير الذي يخدم أغراضه السياسية (الإستعمارية))، ذلك لأنهم حالوا بينه وبين جولته الى القرى والمدن الإرترية لكسب التأييد لمشروع الوحدة ، وقال إن أفواج الشعب الإرتري باتت تخشى القدوم لمبايعة الحكومة الإثيوبية ، وذلك نتيجة العمليات الفدائية والكمائن والغارات المسلحة التي كان ينفذها أبناء الساهو بكل قوة وجسارة ، ذلك مايسمونه إجرام ولصوصية لمجرد أنهم تأثروا بمصطلح المستعمر الذي أراد من إطلاقه إخماد نار الإنتفاضة وهي في مهدها وقبل أن تمتد وتنتشر ،وهذا مايتضح من قوله مضيفاً (أي المفوض): إن السير برفقة حراسة مشددة تستفذ هؤلاء الشفتة (أي الساهو المجاهدين) أكثر وأكثر وتعرض الشعب للمزيد من العمليات الدموية (يقصد بالشعب المسيحيين الذين تجمعوا من كل صوب للقاء المفوض ومنحه الولاء)، ولذلك غضَّ المفوض الطرف عن تنفيذ برنامجة الإستعماري المخصص لإفساح أرضية جديدة لمشروع الوحدة بسبب قوة المقاومة (من المجاهدين الساهو) التي نسفت مخططاته عن بكرة أبيها (وليس بفعل قوة اللصوص وقطاع الطرق حسب تعبير المفوض والسذج من شاكلة محمد حسان) فإذا كان هذا شأن المستعمر فما بال الذين باتوا يمارسون أدوار المستعمر وبملئ إرادتهم ، هل هو تعبير عن إمتنانهم لأن المستعمر خدم أغراضهم الإثنية البغيضة بتجريده الساهو من حق الإعتراف بمجاهداتهم وبطولاتهم المستحقة.
في الوقت الذي نجد غياب مثل هذه المواقف الجريئة والتضحيات العظيمة من غيرهم في ذلك الوقت (على مستوى المرتفعات والمنخفضات)،ماعدا خروقات لصوص وشفتا تقراي ومسيحيِّ إرتريا الذين كانوا مدفوعين من قبل المخطط الإستعماري ولذلك كان لديهم دعم سخي من قبل الحكومة الإثيوبية وذلك لحماية الوجود المسيحي في المرتفعات من الإنقراض بفعل قوة التهديد الذي مثله جهاد أبناء الساهو المغاوير (آباءنا وأجدادنا)، لكنها الأقلام المشبوهة التي يحملها أمثال محمد حسان تصنع المستحيل لتشويه تأريخ الساهو قبل وبعد الثورة ، لحصر البطولة في إطار المنخفضات وكفى (هذا لمن أراد أن يعي حقيقة ماكان يدور في ذلك الزمان من الحادبين حقاً على مصلحة الوطن).
أكثر ما تعجبت له هو تَرنُح محمد حسان لشدة سكرته بما يؤمن به (العلمانية) وعدم تمييزه وخلطه بين الحابل والنابل ، وعدم شعوره بالحياء وهو يقع ويترنح ولايكاد يقدرعلى نصب قامته ليقول أن جمع المتناقضين مستحيل بل يعتبره أساس الجهل ، متناسياً أنَّ لكل قاعدة شواز ، والواقع في هذه اللحظة يقول أولاً: أن حسان هو أكبر وأوضح شزوز يمثل قاعدة الجمع بين المتناقضين (لو عَقِل) ، لأنه ينتمي الى فصيلة الإنسان الذي يعتبر المثال الحي والواضح لإمكانية الجمع بين المتناقضين ، لأن الإنسان كما نعلم روح وجسد متناقضين في التكوين لكن رسالتهم واحدة ، وهذا مايجمعنا بالتنظيم الديني (وحدة الموضوع الأخلاقي والإتجاه الوطني)، وعليه لن أضيع وقتي في تفهيمك لأن القراء فهموا هذا بالبديهة لكنك تعاني من عسر هضم (أعانك الله وشفاك ) ، ثانياً : أنه جمع بين العلمنة والأسلمة وهو جمعٌ بين متناقضين فالدين يدعوا الى الإيمان والعمل (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )(يأيها الذين آمنوا لما تقولون مالاتفعلون كبر مقتًا عند الله أن …..) أما العلمانية فهي النقيض لأنها تفصل الإيمان عن العمل (أي تفصل الدين عن الحراك الوطني (العام)) بفصل تعاليم وقواعد الدين الأخلاقية (المعبرة عن شرط إكتمال الإيمان) عن القواعد والموجهات التنظيمية العامة للدولة والمجتمع .
ومع كل ماذكرته أُحِبُّ إفادتكَ بأنَّ صدري لا يضيق عن ذكرِ الحقائق أياً كانت ، لكن الكذب والزيف ليس له مكان لدينا ، فإذا أردت المساهمة فيجب أن تكون مراعٍ لحقوق الإختلاف وأخلاقياته، إذ أن النقد البناء وارد ولكن الصفاقة والتطاول الأهوج يورد المرء في المهالك ، لهذا إجعل هدفك هو الحقيقة لاشئ غير الحقيقة ، ولاتظن أن القراء بدونك سيصبحون عمياً أو سكارى ، فهم يميزون جيداً بين الكذبِ والصواب وبين الحقيقةِ والزيف وبين القدرةِ والعجز، فأرح نفسك جهد الإدعاء بأنك قارئ الفنجان ،لأن القراء ليسوا بحاجة الى تفسيراتك وتحليلاتك غير الموضوعية هذه وغير المستندة على أرض الواقع ، ثم ياأخي لماذا تصورني وكأني إمتلكت مساحة التعبير وضيقت مجال التنظير بينما المجال كما أراه واسع يكفك وكل من لديه قراءة جادة تفيدنا جميعاً ، أم هو المبرر لعجزك عن إتيان هذا المجال (الإجتهاد)….أنصحك أن لا تخشى شيئاً فقط أفرك رأسك هذا لعل ثروات إرترية خاملة يتم إكتشافها لديك تفيد المريد قبل أن يدنو المَلَك من الجِيد ، هذه هي نصيحتي لك ولكل أخ ٍ هاوي ٍ يجيد أسلوب القهاوي ومذهب الإنتماء الببغائي والدفاع عن مجتمع غاوي (المجتمع الغربي) ثقافته فارغة وسياسته مليئة بالبلاوي فأين أنت ياأخي مما يعاني منه شعبنا تحت أقدام فرعون وهو خاوي .
أخي لا تتجاهل فالوقت ليس في صالح شعبنا والحل في أيدينا إن شرعنا في التحرك الآن لرفع الظلم وليس لإستخدام عبارات الترف والرفاهة الذي تستخدمه في مقالك ، أخي إما أن تأتي الى الميدان أو تغلق عليك الجدران لتترك الرجال يعملون في صمت ،أما ماتردده عن مقلي فهو خالٍ عن الصحة ولذلك عليك أن تعلم أن هذه المدينة ومدن تقراي أصبحت أرض معسكرات اللاجئين ولا تجمع بداخلها سوى الشرفاء من أبناء إرتريا الذين رفضوا الضيم وقرروا أن يعيدوا سيرة الجهاد الأولى (التي سميتها شفتنة ولصوصية) وهم ضباط صف وجنود من أبناء الساهو (بكامل ماتحمله هذه القومية من قبائل وبطون) ماجاءوا الى هذه المنطقة لاجئين إلا لذلك ومن أجل إكمال العدة والتجهيزات التي لم تتوفر لإخوتهم الذين إنتفضوا قبل عام في شرق أكلي قوزاي فتم إخماد ثورتهم بكل بساطة ، وعبرة بذلك الدرس جاءوا لا للهجرة والبحث عن ملذات النفس ومطالب الذات الإقتصادية التي تقلل من شعورهم الحي بالإنتماء للوطن بل لرفع لواء الجهاد ، وبعد إكتمال الأسباب ستسمعون مايسر لأن المروءة قد تجمعت هنا في مقلي ومناطق اللاجئين لهذا السبب ، أما مريض النفس فهو الذي لا يرى غير ملذات الروح والجسد الوضيعة فيمعن بقلمه وكل حواسه لممارسة شهوة الضياع والتيه وهواية جلد الذات والآخرين دون وعي لعله بذلك يبلغ أسباب الإفاقة مما هو فيه وهيهات هيهات، ولولا ضرورة تنوير الرأي العام بحقائق الوضع الذي تم إخفائه في مرحلة ماقبل وبعد إنطلاق شرارة الثورة ليتبصر الناس ويتعلموا من هذه الدروس الواقعية مالم يتعلمه من عاش تلك المرحلة ، لما رفعتُ قلماً وكتبتُ مقالاً ، ولو الأمر يبدأ وينتهي عندي لتجاهلت حديثك لكن هذا المنبر هو إعلامنا الذي تبقى لدينا لنكمل عبره ماتوقف من مسيرة نضالنا فمع من أنت ، هل أنت واعٍ ٍلما يصدر منك أم تراك غائب .
أخي لا تحسبنَّ أنَّ نقدي للبناء التنظيمي القديم ينطلق عن وعي ناقص (كماذكرت سابقاً) ، بل ينطلق عن وعي شامل إن لم نقل كامل (هذا إن سمحت لي الكتابة بعيداَ عن إعتراضاتك المتواضعة لصرفي عن التواتر الذهني المُعِين على إستقراء إمتدادات هذا الوعي وصولاً للفائدة العامة المرجوة ) ذلك لأن نبع هذا الفهم العميق (إرتري 100%) ، وماتدفق إلاَّ ليعبر عن المتطلبات الحقيقية الساقطة عن طاولة الحوار عن عمد ، ذلك أن الغرف المظلمة التي تدير الحراك الوطني هي غرف شبيهة بغرف المؤتمرات والإجتماعات واللقاءات البينية والمكوكية أي البعيدة عن الرقابة والتي لاتسمح لأحد خارج دائرتها المنغلقة المشاركة أو حتى الإطلاع على ما يحدث ،ولذلك تمثل هي وبجدارة أهم بؤر تجميع الأزمة والإبقاء على مكوناتها بصورة رافضة لمبدأ التغيير ….. لماذا ؟؟؟… لأن من تخفى بداخلها لا يريد أن يتم تدارك الخلل التنظيمي الذي يديرون من خلاله الواقع السياسي بصورة إعتباطية مخلة بقواعد التنظيم الصحيح ، والنتيجة هي تفريغ كامل لمحتوى الحراك الوطني من نبع طاقاته الإرترية (القومية والدينية) التي بطبعها لا تتفجر إلا داخل أوعيتها التنظيمية الخاصة بها ، كما أن حضورالإجتماعات والمؤتمرات والملتقيات حق تنظيمي عام يملك كلٌ إرتري له الرغبة في الحضور أو الإضطلاع على مجرياته من خلال حق بثها حيَّة عبر وسائل الإعلام ، وذلك تحقيقاً لمفهوم أن الحكم والرقابة الديمقراطية هي من الشعب وللشعب ، وإلاَّ صار مجرد شعار تنظيمي مع وقف التنفيذ ، وذلك ما يميز الآليات التنظيمية التي ندعوا لها عن التي نقوم بنقدها ، إذ أن مجرد إلقاء تصريح صحفي أو بيان ختامي أو إفتتاحي من قبل القيادة لا يعبر عن الصورة الواقعية التي يريد المواطن أن يشهدها كي يتطور من خلال تقنية حراكها التنظيمي ومن خلال أساليب العرض والتفكير السياسي للشئون العامة التي تخص الحراك الوطني العام والحراك القيادي على وجه الخصوص ، وذلك لمعرفة مستويات الأداء والكفاءة والقدرة المتوفرة بداخله ، وفوق ذلك معرفة مواطن الخلل في البناء الوظيفي والمفاهيمي المحرك للعملية السياسية للمجتمع الإرتري ، لأن الفرد الإرتري كمواطن أصبح بإمتلاكه لإرادته وقراراته وحقوقه السيادية يمتلك حق المواكبة والحضور الذهني والمعنوي المستمر المتابع لتفاصيل الحدث الذي يديره الحراك الوطني (السيادي والسياسي والقانوني والإقتصادي والمدني والأمني والعسكري )، ومن حقه تحديد قراءته وموقفه تجاه كل مايحدث لحظة حدوثه (وإلا فقد الحراك معناه أوالفائدة المرجوة منه)، وبذلك فقط يمكننا تحقيق التعددية (الإيجابية) للحراك الوطني والتي يجب أن ننتقل الى أوعيتها طوعاً، كمسار جديد يمثل جسر العبور الوحيد الى واقع الديمقراطية (الجزيرة الغير مأهولة حتى يكتمل الإنتقال)، وكأرضية مهيئة لنمو الفكر الوطني ورعاية نضجه حتى يصبح الثمرة الصالحة لتغزية الحراك الوطني العام (للمؤسسة السيادية والسياسية والمدنية) ، ومما يخدم هذا الغرض هو ربط القيادة بآلية رقابة فاعلة تجعلها لا تشعر بالحصانة المتوفرة لها اليوم (نتيجة منحها حق التخفي والشعور بعدم الخوف من المساءلة أو المحاسبة على الأخطاء التي إعتادت إرتكابها وهي تعمل خلف الكواليس ، أي وهي تمارس دورها التنظيمي والإداري بعيداً عن متابعة وحضور المجتمع من حولها لتفاصيل مجريات اللقاءات والإجتماعات والملتقيات التي تديرها على مستوى التشريع والتقرير والتنفيذ أو على مستوى أوعية البرلمان و الوزراء وأي وعاء عام مرتبط بسيادة المجتمع وخدمة مصلحته) ، آلية رقابة مدعومة بتلفزة إعلامية حيَّة ناقلة للحدث وعلى الهواء مباشرة ، كي تعكس مشهد القيادات وهي تعبِّر عن وجهة نظرها ومواقفها السياسية الحقيقية تجاه قضايا وشئون المجتمع الإرتري المختلفة، بلا أقنعة وحُجُب للتخفِّي مما يسهل على المجتمع ممارسة دور الرقابة الأخلاقية والمطالبة الآنية بكل ما وعدت به القيادات وماأصدرته من تعليمات في شكل قرارات ، إنها بحق آلية رقابة سيادية لكونها تعمل على نقل الأداء الوطني الى مستوى الشفافية والإستقامة المنشودة لكشف الخلل والعيوب فور ظهورها ، وبذلك تستطيع مؤسسات العمل الرقابي أداء دور فاعل لتصحيح الحراك وضبطه حسب مايقرره دستور إرتريا بضرورة وجود مراقب فني ملم بقوانين ولوائح وقواعد التنظيم لكل مرفق يقوم بمهام رقابته وذلك لتوثيق الحدث وتحليله لرفع اللَّبَس عن القضايا المثارة حوله وعكس الواقع الذي تمارسه القيادات بكل شفافية (حيث يشترط أن يكون المراقب والمصور من موظفي الشعبة السيادية المختصة بشأن رقابة هذا الوعاء الوطني)، وهو الأمر الذي يجعلنا نركز البحث ونرفع الغطاء عن كل مايبرر للأزمة أسباب إستمرارها ، ومن ثم نعتقد أن لا صلاحية لأحد في الحيلولة دون وصول المجتمع الإرتري لهذا المستوى التنظيمي المتقدم ، وليس من العقل ترك هذا الأمر لهوى الأفراد الذين سيتم إنتخابهم من قبل الشعب (بعد إسقاط النظام)، بل لا بد من حسم الأمر ووضعه موضع التنفيذ عبر مؤسسات سيادية مهامها إعتماد مثل هذه الآليات التنظيمية وحماية دورها الرقابي بصورة تخدم مصالح المجتمع وتبعد المصالح المتعارضة معها (أي مصلحة أصحاب النفوذ ورأس المال)، وبما أن هذا الدور الرقابي يمارس مهامه داخل أقبية العمل السياسي (الحكومي) فإنه يحتاج الى مؤسسة سيادية مختصة بهذا الشأن ولعدمها نقترح مجتهدين إنشاء مجلس السيادة الوطنية (شعب السيادة السياسية)، حيث يضم هذا المجلس ستة شعب هي :
- 1. شعبة السيادة السياسية. 2. شعبة السيادة المدنية .
3. شعبة السيادة القانونية . 4. شعبة السيادة الأمنية .
5. شعبة السيادة العسكرية . 6. شعبة السيادة الإقتصادية .
يتم إنتخاب عضوية الأمانة العامة (الأمين النائب والسكرتير) للمجلس السيادي ولكل شعبة من شعب هذا المجلس في مؤتمر السيادة الوطنية الذي من مهامه الأساسية المساهمة في تجديد الأساس الوطني للمؤسسات السيادية المراقبة للحراك الوطني العام (السيادي والسياسي والمدني والإقتصادي والقانوني والأمني والعسكري) ، ومن مهامه حماية سيادة كل مكون وطني (قومي وديني) كحق مقدس لايسمح لأحد بإنتهاكه مهما كان مركزه السيادي أو السياسي أو الإجتماعي.
ذلك أن وضع الأسس الأخلاقية التي تنظم الحراك الوطني وتمنح كل مكون إرتري حقوقه السيادية (والتي يأتي على رأسها حق تقرير المصير) ، ليس الهدف منها التشكيك بنوايا الرباط الوطني بل التأكيد على أن هذا الرباط ليس لديه مايبيته ليحول بين مكونات الشعب الإرتري (القومية) وحقوقها السيادية ، لكن رفض إرساء هذه الحقوق هو الذي يجعل مبدأ تقرير المصير أداة لرفع الظلم عن المكون الإجتماعي ولن يؤدي ذلك بصورة إعتباطية الى الإنفصال كمبرر إنتهازي يتحين الفرص ، كما يحسب ويظن أصحاب القراءة السطحية ، كلا … هذا مالم ولن يحصل إن تم الإعتراف بتلك المؤسسة السيادية الحامية لتلك الحقوق والرافعة عن العلاقة السياسية الحرج وهي تربط تلك المكونات ببعضها البعض تحت التاج السيادي للدولة ، ومن ثم فإن غياب هذه المؤسسة (مجلس السيادة الوطنية) بفعل عدم الإتفاق على مبدأ إقامة مؤتمر للسيادة الوطنية هو الذي سيرجح مبدأ الإنفصال، وليس مجرد تدوين هذا المبدأ (تقرير المصير) ضمن مواد الدستور وتشريع آليات تنظيمية مفسرة ومنفذة له كإحدى إجراءات تفعيل الحقوق السيادية . وهو ما سيصعب هضمه لدى العقول التقليدية (العلمانية) التي ترى أن السيادة حق لا يتجزء فإما أن يؤخذ كاملاً أو يترك كاملاً ، والقصد من هذا التمويه هو تمرير فهم السيطرة والإخضاع القسري الكامل للشعب كترجمة عملية لمعنى السيادة التي آلت إليهم عبر صناديق الإقتراع ، والتي تساوي مابين حق إمتلاك الأرض وحق إمتلاك الشعب ، لتحصر الخيارات الديمقراطية في خيار تنازل المواطن الإرتري ضمنياً بعد تنازل المجتمع عن الحقوق السيادية المستحقة وذلك بمجرد رميه لورقة إقتراعه في سلة إنتخاب سيده، لجعل تلك الخطوة من المواطن بمثابة قبول صريح لمبدأ خضوعه لسيادة النائب وتنازله عن كل حقوقه السيادية ضمنياً (وهذه هي اللعبة التي تمارس ضد الشعب وتفرغ الديمقراطية قبل إرساء مؤسساتها) فهل بلغت اللهم فاشهد ، لتأتي من بعد ذلك القوانين داعمة لسياسة فرض الهيمنة التنظيمية من قبل القيادات المنتخبة بصورة يقال أنها ديمقراطية (وهي كما أوضحنا ديكتاتورية) ، وبعد تنفيذ هذه السيادة من خلال قوة التحايل والخداع يجيئ دورإستخدام الشعارات التمويهية التي تهدف لملأ الفراغ التنظيمي (لغياب المشاركة بصورة تعبر عن ترجمة حقيقية لمفهوم التعددية الإيجابية ) بالدعاية وتركيب وسائل المكياج لإخفاء حقيقة الموقف والممارسات وتغليفها بأجمل مالدى قواميسهم اللغوية لتطمين الشعب بأن الحقوق السيادية لازالت سليمة مصانة، ومن ثم لا نتعجب عندما نرى النائب المنتخب من قبل الشعب يتحول من وكيل يعمل للصالح العام الى وكيل يعمل لترسيخ مصالحه (الذاتية والحزبية) الداعمة لبقاءه على مقعد السلطة ليس أكثر، وهذا واقع مشاهد في مرحلة الثورة والدولة فهل ننتظر مشاهدته بعد إسقاط النظام…؟! ، إنها لحقيقةٌ تأريخية تلك التي نحذر من وجودها وإستمراريتها إن لم نحمي حقوقنا السيادية بإقامة مؤتمر السيادة الوطنية كخطوة في طريق تأسيس مجلس السيادة الوطنية بشعبه الستة المعبرة عن وجود حزام سيادي للمجتمع لا يجرء أحد على تخطيه (حاكماً كان أو محكوم) .
ومع ذلك يأتي أخي حسان ليقول أن البقر تشابه على ابو نضال ، وقد كفاني القارئ الحصيف عن الرد بإدراكه حقيقة الشخص الذي تشابه عليه البقر ، وذلك عندما صَعُب عليه التمييز بين التنظيم السيادي والتنظيم السادي (مع وجود فارق كبير بينهما) ، ولهذا أوءكد لهذا الشخص إيماني الواعي بأن المكون التنظيمي للبناء القومي بالإضافة الى كونه مكون مادي (له جزوره الضاربة في تربة الوجود الإرتري) هو أيضاً مكون معنوي يحتاج الى بناء تنظيمي (سيادي) يعبر وبصورة حركية عن قيمه الدينية ومبادئه الأخلاقية التي تسوسه وتعبر عن خطابه الأيدولوجي ، وهو مايجب أن نحققه بعد إسقاط النظام الديكتاتوري ، وذلك من خلال تشكيل بناءه الوطني (السيادي والسياسي والقانوني والمدني والإقتصادي والأمني والعسكري) المستقل ، بغرض حفظ أصالة المكون القومي والديني داخل تقسيمات التكوين الدستوري العام للدولة الإرترية الحديثة ، لتحديد خارطة الآليات التنظيمية المستقلة لكل مكون (قومي وديني)حسب مخرجات مؤتمر السيادة الوطنية .
إن كنت مصرَّاً على معرفة تفاصيل شخصيتي أخي حسان لكي تكتفي أوتبتعد فأنا موافق ، لأنني بالفعل رأيت حساسية الموقف بالنسبة لك وتذكرت حينها الشبهة التي وقعت على الجند فظنوا أن يهوذا هو عيسى إبن مريم فقاموا بصلبه ، وهو الدور الذي شعرتُ أنَّ حسَّان بدأ يمارسه منذ عدة حلقات ، ولهذا قررت نصيحته بأن يكون لبنة في هذا البناء الوطني الأصيل وأن لا يكون معولاً هوايته هدم مايبنيه الآخرين فهل رفعت عنك الشبهة أخي حسان أرجو ذلك :
إسمي علي أحمد سراج من مواليد مدينة أغردت ، والدي من أبناء الساهو (قبيلة الأساورتا / تلابش عري) وهو من منطقة أيرو ملي ، عمل والدي بالبوليس (أواخر الأربعينيات – مطلع الستينيات) وبعد إعتقاله صرف عن عمله إثر شكوك دارت حول علاقته بحادثة أغردت الشهيرة التي نفذها الثوار (الساهو) أثناء زيارة مفوض الإمبراطور والتي بعد تنفيذها قام أحد الجنود بتوجيه سلاحه نحو الجماهير الإرترية فحصد أرواح كثيرة ، ثم بعد خروج والدي من السجن إنتقلنا بصحبته الى مدينة على قدر وعمل في مشروع براتلو (الإيطالي) ، وفي أواخر الستينات لجأ والدي بالأسرة الى السودان وسكن السواقي الجنوبية (محطة السبيل) ، إلتحق بالثورة عام 1970 حيث إنضم للجبهة وأنا حينها أثناء دراستي ليلاً كنت أعمل بمطعم الإخلاص في الفترة النهارية بكسلا ،إلتحقت عام 1972 بمنحة دراسية الى ليبيا، وعندما إستشهد والدي 1974 في الحروب الأهلية (التي إندلعت بيين قوات التحرير الشعبية وجبهة التحرير في منطقة زاقر (منطقة حماسين)) أي بعد عامين من الدراسة في ليبيا، ذهبت الى إيطاليا لكنني لم أستطع البقاء هناك عندما تملكني شعور قوي بضرورة الإنضمام للساحة والدفاع عن الثورة (ممثلة في جبهة التحرير الإرترية) من تهديدات الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وتحرير تقراي ، أما والدتي فهي من سكان مدينة بارنتو إسمها فاطمة قاسم على ناجي ، حيث أن جنسية والدها يماني (تاجر معروف) ووالدتها من جبرتا منطقة مسيام (إسمها آسيا عطا عبد الواسع)…فهل لبيت طلب الشعب الإرتري على لسانك .
أما بخصوص تقسيم المقسم وتجزيئ المجزئ فانظر معي من خلال هذا الحدث من الذي سعى للتقسيم العنصري لإرتريا (مرتفعات ومنخفضات) ، ومارس تلك التجزئة ضد أبناء الساهو(بجميع مكوناتهم القبلية)، وهو الأمر الذي دفع حامد إدريس عواتي الى تحذير رفقاء السلاح (من تلك المنطقة أي المنخفضات) مغبة الإستمرار في هذا النهج ، وبالفعل تأكدت فراسته إذ تم تفريغ الثورة وإفشالها بفعل هذا السلوك الإثني ، وعوضاً عن تصحيح هذا المسار الآن وبعد عقدين من الإستقلال ، ها أنت تستظل بتلك الخلفية وتكشف عن إستمرار وجودها وعن إستمدادك منها القوة لتُعبِّر عن إستعلاءك القومي ليس أكثر، والدليل إستخدامك لعبارات الجبهة الأمامية للنظام كتكرار وتجديد لمواقف سابقة تفشت في مفاصل الثورة بفعل أبناء هذه المنطقة ، وبالتالي ماأنت إلا إنعكاس لذلك الواقع (دريت بهذا أو جهلت)، حيث أن أبناء المرتفعات عموماً والساهو خصوصاً كان يُنظَرإليهم على أنهم جبهة مضادة (أي جبهة أمامية للعدو)، ولهذا ذكرتُ في مقالة سابقة أن التأريخ سيعيد نفسه ، ولكن هذه المرة سنبني تنظيمياً سياسياً لا تختلط الأوراق الإثنية بداخله ولن تتعكر مياه حراكه الوطني حتى لا يجد أمثالك مايصطادوه .
وإليك أخي القارئ قصة واقعية حدثت عندما كنت في جبهة التحرير الإرترية ، وكتقدمة سأذكر لكم حقيقة أن قوات التحرير الشعبية عندما إنشق منها إسياس أعاد التنظيم تأسيس هياكله من البعثيين والقوميين وكوادر وجنود جيش جبهة التحرير الذين إنسلخوا من الجبهة ، ومن ثم إستطاع هذا التنظيم الجديد من خلال التنسيق بين قياداته العسكرية (من أبناء المنطقة) وقيادات عسكرية من جبهة التحرير (من أبناء المنطقة) من تحرير منطقة أغردت ، حيث تم تقسيم المدينة الى قسمين ، قسم تحت إدارة الجبهة والآخر تحت إدارة قوات التحرير الشعبية ، وأطلت في القسم الأخير(التابع لقوات التحرير) النظرة العنصرية برأسها من خلال سكان المنطقة الذين قالوا موجهين حديثهم لمن كان من المرتفعات (المسيحيين والساهو) نحن حررنا منطقتنا فلماذا لا تذهبوا وتحرروا مناطقكم ، هذا ليس غريباً ولكن الأغرب هو الذي صدر من القيادات العسكرية المنتمية للمنطقة الغربية حيث لم تحرك ساكناً بل إكتفت بسماع هذه العبارات وكأنها لا تعنيها، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في كونهم حسياً إنفعلوا وتجاوبوا قبولاً للحدث ومباركةً له، وحتى لا يظن القارئ أنني واقع تحت تأثير رغبتي في تحليل الأمر لصالح هدف (إثني) لن أضيف شيئاً،…..
يكفي القارئ أن يتابع إنتقال هذا الشعور الخفي الى طور التنفيذ داخل قوات التحرير الشعبية ، وذلك بإفتعال خلاف بين قائد المعسكر آدم صالح (من أبناء المنطقة) وعلي عمر (مشهور بعلي حنة من الساهو) ، كجزء من خطة (النقاء العرقي) الراغبة في تصفية أبناء الساهو المنتميين لمعسكر (حشنيت) الذي كان آدم صالح قائده ، وبينما تشكلت لجنة صلح بقيادة على هادي تسعى لفض الخلاف المفبرك غداً صباحاً ، وهو ماكان سيفشل المهمة ولذلك صدرت ليلاً أوامر من آدم صالح بتصفية الساهو (علي حنة ومن معه داخل المعسكر) ، وبالفعل بدأت المدفعية بتوجيه ضرباتها باتجاه موقع الساهو الأمر الذي دفعهم للرد حتى فقدوا (6) شهداء وكانوا في وضع لا يؤهلهم للدفاع عن أنفسهم بعد أن غدر آدم بهم فقرروا الإنسحاب الى السودان كي لا يفقدوا شهداء آخرين خاصة وأن عددهم لايزيد عن الـ (40) جندي .
شعر آدم صالح بطعم النصر لحسمه المعركة لصالح المخطط رقم(أ) ولإكمال الخطة والإنتقال الى الخطوة التالية (ب) كان لابد من القضاء على الساهو تماماً أي التخلص من وجودهم داخل التنظيم ، تحرك آدم متوجهاً الى معسكر هوميم الذي يتراوح تعداد أبناء المنطقة حوالي (5000) جندي بالإضافة الى أن الإدارة والقيادة كانت منهم بينما لم يتراوح عدد أبناء الساهو الـ(407) جندي ليس بينهم قيادي أو إداري ، وبعد وصوله تحدث مع إدارة المعسكر مبشراً إياهم بتنفيذ الخطة (أ) بنجاح ، ومن أجل إنجاح الخطة (ب) عقدوا إجتماع سري مع إدارة معسكر هوميم واتفقوا على أن محاولة نزع الأسلحة من جنود الساهو مستحيل مالم نقنعهم بأن هذا الإجراء عام ، وبالتالي إلتقى المسئول آدم وبقية إدارة المعسكر بالمجندين قائلين لهم أن هناك فتنة حدثت في معسكر حشنيت وتم إخمادها ولهذا الغرض جاء مسئول من هناك للإجتماع بكم لشرح الوضع ولكن تلافياً للوضع الذي حدث هناك نرجوا من الجميع ترك سلاحه قبل الدخول الى الإجتماع طالباً منهم الإستماع جيداً لحديث المسئول الهام جداً ، وبعد دخول كل القوة الى الإجتماع منزوعة السلاح بدأ المسئول حديثه لكسب الزمن حتى تأتي القوات المتفق معها لإعتقال الساهو ، مرَّ وقت قليل وبعده شعر الجميع بقوة تلتف حولهم ويقوموا بإعتقال وأسر جميع أبناء الساهو (الـ407) ، وبذلك نجح المخطط (ب) ولكنهم لم لم ينجحوا في تحديد الطريقة التي يتخلصوا بها من هؤلاء المساجين لأن تعدادهم كان كبيراً، ولهذا إستمر إعتقالهم الى أجل ، وعلى الطرف الآخر بلغ المناضل علي حنة ماحدث بعد إنتشاره فقام وعلى الفور بإستدعاء المسئولين من أبناء الساهو المنتمين للجبهة ، ولكن لم يلبي نداءه غير أربعة أفراد بقيادة الشهيد سعيد صالح ، حيث إجتمعوا به في منزل آدم برولي وتم الإتفاق على أن يقوم جيش جبهة التحرير بفك الأسرى الـ407 ومن ثم يحصلوا مقابل هذه الخطوة على خريطة المخازن المنتشرة للسلاح والتموين والتي كانت بحوزة رفقاء علي حنة الذين كاد آدم صالح أن يقوم بتصفيتهم رغم أنهم كانوا حراس المخازن الأقوياء.
عاد الأربعة الى الميدان وإلتقوا سراً بالقيادة العسكرية للجبهة وشرحوا لها الوضع الذي يعيشه الـ407 سجين من أبناء الساهو والضرورة الملحة لفك أسرهم، كما شرحوا لهم خطة الإستيلاء على المخازن لصالح جبهة التحرير ، لكن القيادة لم تتجاوب بعد ما علمت أن آدم صالح أصبح مسيطراً على جيش قوات التحرير الشعبية (والسبب لا يتضح الآن بل بعد دخول الجبهة السودان حيث أكملت الجبهة مابدأه آدم صالح (في قوات التحرير الشعبية) بإعتقال أحمد ناصر ومن معه من أبناء المرتفعات ، لم يقتنع الأربعة بقول القيادة بأن ذلك شئون داخلية ولذلك وضعوا خطة وقاموا بتنفيذها بحكمة وقدرة قتالية عالية تكشف معدن المخطط (الشهيد سعيد صالح من الساهو) ، وبعد غروب شمس اليوم الثالث بدأ الهجوم على معسكر هوميم من ثلاثة جهات ، وإستمر الحصار يومين ونصف وماأن زاد الضغط شعر آدم صالح بخطورة الإنتظار حتى تنقشع المعركة خوفاً من الهزيمة ، ممادفعه هذا الشعور الى خطوة إنتهازية لإستغلال المساجين (الـ407) لخدمة أهدافه الخسيسة ، ولما عرض الأمر على أبناء الساهو محاولاً تخفيف غيظهم وغضبهم منه بترديد عبارات الثناء والإطراء لما يتميز به الساهو من معدن تصقله الحروب وتقويه ولا تجعله مائعاً ، أجابه حينها الساهو بالقبول لعدم وجود خيار آخر لخروجهم ولأنهم في دخيلة أنفسهم قرروا الإبتعاد عن الثورة بعد إكتشاف فراغها من الروح الوطنية الأصيلة تماماً كما فعل رفيقهم البطل علي حنة .
وما أن بلغوا الخطوط الفاصله بينهم وبين عناصر الجبهة شعروا بعدم تركيز النيران الى جهتهم كإشارة على أن هذه النيران صديقة وبالفعل قامت عناصر من الجبهة بإستقبالهم وإيصالهم الى السودان حسب الإتفاق الذي تم مع علي حنة ، بينما إشتدت نيران المدفعية بصوة أكبر بعد ذلك لخلو المنطقة من وجود أصدقاء وهكذا بدأ آدم صالح وجيشه بالإنسحاب رويداً رويداً حتى دخل السودان ، وعادت القيادات الأربعة منتصرة حاملة معها مخازن السلاح والتموين ، ولم تشهد الجبهة نصراً بهذا الحجم من قبل ، وتلك هي عزيمة الرجال التي حققت نصرها على من لا يؤمن بحقوق الساهو الوطنية حتى يمارس عليهم العنصرية ….
إن دوافع سرد الأحداث التأريخية بتفصيلها ليس سطحي أي من قبيل إثارة الغيظ أو التشفي (بل كما كان عليه شان عمر إبن الخطاب رضي الله عنه إذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع)، أي من أجل عكس الصورة الحقيقية التي يحاول البعض إخفائها للظهور بمظهر المحتكريين للوطنية وأصحاب السجل النضالي الكبير وهم الذين كانوا السبب الرئيسي في فشل الثورة ، ولإعتقادنا أن المواجهة الصريحة هي المخرج الحقيقي من الأزمة ، وليس الصحيح زعم الجهلاء أن الوقت كفيل بعلاج إرهاصاتها.
وأكثر مايغيظ الشرفاء المجاهدين هو إلغاء تأريخهم المُشَرَّف ومحاولة إظهارهم بغير ما هم عليه ، الأمر الذي يدفعنا دفعاً لذكر الحقيقة بكاملها حتى وإن كانت ستشكل صدمة أو مايشبه الصعقة لمن كان يظن أن التأريخ هو ما قرأوه عبر تلك الأقلام المتحاملة ضد الساهو ، ومن ثم نرجو أن يستعد الحادبون على مصلحة الوطن لحدث تغيير مجرى التأريخ الى غير الوجهة التي إعتادها ، والتي جعلتهم بعيدين عن واقع الحال الذي تفشى وتمركز في تلك المراحل السابقة ، ذلك أن الثورة عندما إنطلقت بيد أهل المنخفضات ، لم تكن شرارتها تهدف الى شئ سوى الإعلام بوجود ثوار ليس أكثر ، لأن أدال مثلاً لم تكن معركة شرسة كالتي يخوضها أبناء الساهو ، بل كانت مجرد إعتلاء للجبل وإطلاق للرصاص على الهواء معلنين بدأ الثورة ، كما أن تقوروبا كانت معركة إطلاق رصاص ليس أكثر ، لأن المسافة التي تفصل الثوار عن العدو كبيرة لاتؤهلهم للنيل منه، وبعد إفراغ الذخيرة بهذا الأسلوب يعودوا منتصرين لمجرد أنهم لم يمت منهم أحد .
حتى جاء أبناء الساهو ليضفوا على الثورة معنى التضحية والفداء والمواجهة الحقيقية عبر الإلتحام بالعدو والنيل منه عن قرب ، وذلك مالم يعهده أبناء المنخفضات لكنهم بسبب التدافع والغيرة بدأوا يُظهِرون هذا الأسلوب بعد ما إلتحق وللو بالثورة ونفذ عملياه الشهيرة، إذ أنهم الى وقت إستشهاد عواتي (على فراش المرض) كان ثوار المنخفضات على مقربة من الحدود السودانية لكي يأمِّنوا سلامتهم إذا تعرضوا لهجوم مباغت أكبر من قدراتهم ، هذه الحقيقة يدركها تماماً من عاشها ، لكن وما إن إنضم في أواخر 1962 أحمد وللو ومعه تسعة أفراد من الساهو إلى الثوار، تزمروا بعد عام من ذلك التأريخ من أسلوب تحركهم البطيئ الذي لا يقبل مبدأ الإحتاك المباشر بالعدو والهجوم داخل المدن ،وذلك لإختلاف طبيعة وتكوين الساهو عن غيرهم ، وعندما فاض بوللو الكيل خطط لعملية كبيرة داخل مدينة منصورة ثالث أكبر المدن بالمنطقة الغربية ، فأخبر القيادة بأن لديه خطة تستهدف أكبر معسكر للبوليس الإثيوبي داخل المدينة وقال نستطيع نحن العشرة تنفيذها أي معه التسعة من أبناء الساهو ، فرحبوا بفكرته وتمنوا له النجاح ، وعند الساعة الخامسة بعد العصر نفذ الأبطال العملية الجريئة في وضح النهار مما أزهل البوليس الأثيوبي وهو يرى المعسكر يتفجر بفعل المتفجرات التي وضعت حوله وكمية الرصاص التي كانت تحصدهم ، فماكان من البوليس إلا أن إستدعى قوات الكمندوس التي تدخلت على الفور لتستمر المعركة حتى العاشرة من صباح اليوم التالي ، حيث إستشهد قائد المعركة (أحمد وللو) وانسحب البقية بذكاء دون وقوع إصابة في صفوفهم ، وبينما خلد الإثيوبيين هذه المعركة على طريقتهم بصلب البطل أحمد وللو وسط ساحة المدينة بحضور المفوض وحاكم الإقليم وكبار الضباط معلنين مع مراسيم تعليق البطل أن قائد التمرد (أي الثورة) قد قتل لإحباط الروح المعنوية وقطع الطريق على من يفكر في مثل هذا العمل الجريئ ، نجد التجاهل الصريح من قبل إعلام الثورة لهذه المعركة التي لم يستطيعوا أن يسجلوا مثلها منذ إنطلاقتها ، هذا ماحدث من قبل أدبيات الجبهة رغم أن المعركة كانت في دارهم ، كيف نتجاهل ماكان لهذه المعركة من فضل في إنتشار صيت الثورة ، هذا مع تمنياتنا أن يأتي اليوم الذي نحتفل فيه بذكرى هذه الملحمة الخالدة كإحدى الملاحم الوطنية الأعلى سهماً والأقوى صدىً في تأريخ الثورة إسوةً بأدال وتقوروبا اللتين نحتفل بهما كل عام ، في الختام نعلن بأن صورة الشهيد أحمد وللو وهو معلق على الحبل سوف نعرضها إن تمكنا من الحصول عليها في الحلقة القادمة بإذن الله.
كل من سيدعمنا بمالديه من تأريخ الساهو المشرق سنكون له ممتنين ولمشاركة الإخوة الآخرين منتظرين .
أبو نضال (علي أحمد)
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7507
أحدث النعليقات