ملاحظات على كتاب( اللغة العربية وعلاقاتها باللغات الإرترية) الجذور والامتداد
بقلم / محمد عبد الرحمن آدم
انجامينا- تشاد
الحلقة الثانية
لا أريد في هذه الحلقة أن أتطرق للفصل الثالث الذي أثبت فيه الباحث عمليا تكاتف اللغات الإرترية بشقيقتهن اللغة العربية وتأثر كل منها بالأخرى، ولكنني سأتناول الفصل الخامس الذي أجرى فيه الباحث مقارنات واسعة شملت بالإضافة إلى اللغة العربية والجعزية والتجرية والتجرنية تسع لغات سامية هي ( العبرية، السريانية، الأكادية، الأوغاريتية، ) والحق أن هذه الدراسة التي تنصب في إطار علم اللغة المقارن تعد من أكثر الدراسات الإنسانية حيوية ونشاطا، لما لها من أهمية بالغة في تحديد هوية الشعوب، وبالرغم من تلك الأهمية فإنها تكاد تكون من الحقول النادرة في الدراسات العربية، والمكتبة العربية تكاد تكون خالية من هذه الدراسات، وتكمن وعورة هذه الدراسات وندرتها في تعدد الأدوات والوسائل، وقلة المصادر والمراجع المدونة باللغة العربية، وبالرغم من هذه الصعوبة فقد انطلق فيها الكاتب انطلاقة الجواد الجموح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس بلا احتشام، واستطاع أن يقوم بهذه المقارنة من جميع النواحي الأسلوبية والمعجمية، وعلى المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية، ووفق فيها الكاتب كل التوفيق، والحق أن أي قارئ يقرأ هذا الكتاب الثمين لا يجد صعوبة في تلمس وعورة هذه الدراسة، وكذلك الجهد والوقت الذي أنفقه الكاتب لإنجاز هذه الدراسة.
ومع ذلك ثمة نقد يوجه إلى الكاتب مفاده أن الكاتب تجاهل آثار اللغات الحامية في اللغات ( الجعزية والتجرية والتجرنية) والمعلوم أن الشعب الإرتري – وكما يؤكد الكاتب نفسه- خليط من عناصر حامية وسامية عربية انصهرت في بوتقة واحدة على مر التاريخ وشكلت هوية وثقافة مميزة، ولا شك أن ذلك سيترك أثره في اللغات السامية الإرترية على جميع المستويات، الصرفية والتركيبية والمعجمية والأسلوبية، ومع ذلك فإن الكاتب تجاهلها أيما تجاهل، ويبدوا ذلك واضحا في بعض الخصائص التي تخالف فيها الجعزية والتجرية والتجرنية اللغات السامية، والتي ترجع إلى الحضور الحامي في هذه اللغات، ولكن الكاتب لا يحلو له أن يعزوه إلى تأثير الحامية فيها، ونراه دائما يكتفي بعبارة ( وربما ذلك من تأثير أجنبي ) فكيف هذا يا دكتور وقد كنت تحدثنا عن قدم اللغة البلينية الحامية أو كما كنت تسميها (لغة الملوك) في المنطقة، ألم يكن للغة الملوك أثر على لغة الرعية؟؟؟!
فمثلا تقديم المفعول على الفعل الذي ميز الجعزية من بين اللغات السامية ظاهرة مطردة في اللغات الحامية ومنها القرعانية ” لغة القرعان في تشاد” وكان على الباحث أن يخصص -على الأقل- مبحثا حول أثر اللغات الحامية في الجعزية والتجرية والتجرنية وحتى العربية.
وليس ذلك فحسب بل تجاهل أيضا- ضمن الأمور التي تجاهلها- اللغات الحامية في المنطقة، وكان عليه أن يعقد فصلا يتناول فيه هذه اللغات، ويردها إلى منابعها، ولكنه لم يفعل بالرغم من أن عنوان الكتاب يتطلب ذلك.
وكان يتوجب عليه أيضا أن يضع جدولا دقيقا يبين لنا التوزيع اللغوي في إرتريا، موضحا من خلاله الجماعات الناطقة بهذه اللغات، كما تجاهل الكاتب التوزيع القبلي في إرتريا، ويبدوا أن الكاتب تعمد ذلك ربما بحجة أن ذلك يعد عاملا مباشرا في إثارة النعرات القبلية، وليس ذلك بصحيح على الإطلاق، إذ كان بإمكانه أن يذكر جميع القبائل مع التوزيع الجغرافي لها في المنطقة دون أن يتطرق إلى المسائل الحساسة التي من شأنها أن تؤجج تلك المفاهيم العنصرية والقبلية.
وكان عليه كذلك أن يورد طرفا من الأدب الإرتري الذي يتمثل في الشعر والخطب والأمثال والحكم ومقارنتها بالآداب السامية من جهة، والآداب الحامية من جهة أخرى، وهو مرتع خصب يتأكد من خلاله تحديد هوية الشعوب، وإبراز الفنون المشتركة والمتباينة، وكذلك العادات والتقاليد التي أهملها الكاتب بالرغم من أهميتها البالغة وصلتها الشديدة بموضوع الدراسة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7275
أحدث النعليقات