ملتقي بروكسل وإنقسامات معسكر المعارضة

حقق فيها وكتبها : صالح علي آدم

الخرطوم – جامعة النيلين

مقدمة :

كأي مواطن ارتري مسكون بحب وطنه أتابع سلوكيات النظام والمقاومة في آن واحد (أو سميها المعارضة كما هو شائع)، ولم أجد عناءا كثيرا في معرفة مكامن قوة وضعف النظام ، كما لم اجد صعوبة في تحديد موقفي منه، لأنه نظام ديكتاتوري مغرور بنفسه ولا يخفي نواياه ولا برنامجه الإقصائي، ولكني واجهت صعوبة في فهم أسباب ضعف المعارضة وتشتتها وإنقساماتها المستمرة التي لا تنتهي، فأخذت علي عاتقي سبر أغوار هذا الموضوع من خلال دراسة منهجية، تكون مدخلا للباحثين من الشباب من بعدي ، وذلك بالرغم من صعوبة الحصول على معلومات من هذا النوع . ووجدت أنّ ضعف المعارضة ناتج عن أسباب كثيرة مركبة ومعقدة غاية التعقيد يصعب فصل كل سبب منها عن الآخر ودراسته بمفرده ، منها ما هو موضوعي يتعلق بالتاريخ والجغرافية وتركيبة الشعب الارتري وطبيعة نشأته وتكوينه وانهاك قدراته في حرب طويلة خرج منها اكثر بؤسا وتشتتا، وتغير طبيعة العدو من عدو أجنبي إلى أخ عدو ظالم، وكذلك تقلبات السياسات والمصالح الاقليمية والدولية، ومنها أيضا ما هو ذاتي يكمن في المعارضة ذاتها وتاريخ نشئة كل فصيل منها ، والأيديلوجيات التي يؤمن بها، وطموحات أفرادها وجماعاتها، وتعدد مصادر التأثير عليها ودعمها السياسي وتمويلها المادي، وتناقض مصالح وتطلعات قواعدها، وغيرها من الأسباب التي لا تسمح هذه المساحة للتوسع في سردها . و لازلت أجتهد وأعمل في جمع معلوماتها الأولية وتحليلها وترتيب أبوابها وفصولها، ويبدو أنني سأحتاج إلى زمن طويل وإمكانات أفضل مما هو متاح للوصول إلى نهاياتها . ولكن ما جري أخيرا في بروكسل وخوفي من انشقاق آخر في التحالف دفعني الي كتابة هذه الورقة حتي لا يرتبك جمهور المعارضة كما حصل في صيف 2007م ، وحتى يعمل لمنع حدوث إنشقاق جديد ويحاسب من تسببوا فيه، ان حدث لا قدرالله .

أصوات وطنية تنادي بوحدة  تنظيمات المعارضة :

منذ إعلان الإستقلال بعد الإستفتاء وخطاب أساياس المعروف في تلك المناسبة بأن – لا تنظيمات في ارتريا المستقلة غير الجبهة الشعبية –  ووضوح ملامح الديكتاتورية الأولي في إرتريا، إرتفعت أصوات وطنية تنادي بنوع من أنواع وحدة العمل بين تنظيمات المعارضة التي أستثنيت من العملية السياسية، لكبح جموح أسياس المدمر، وإنقاذ البلاد وإرساء الديمقراطية والشراكة والتعايش العادل بين مكونات الشعب الارتري . وبالرغم من عدم وضوح صيغة وكيفية الوصول للوحدة المطلوبة وعدم وجود تجربة ارترية سابقة يمكن ان تكون قدوة ومثال يحتذي به (هذا لو استثنينا تجربة الكتلة الاستقلالية القصيرة الأمد )، وكذا بالرغم من تمسك بعض التنظيمات بعدم التحاور مع الآخر- من قبيل لا حوار مع الإنقلابيين ولا مع الإسلاميين ولا مع التنظيمات القومية – ما وضع عقبة كأداء أمام تحقيق الهدف المنشود لسنين طويلة، إلاّ إنّه وبعد مخاض عسير وهبوط وصعود تمكنت المقاومة أو ما يطلق عليها بالمعارضة الوصول لإطار وحدوي ممثلا في التحالف الديمقراطي الارتري . ومهما يقال عن التحالف بأنه دون الطموح إلاّ أنّه بلا شك – ومع تواضع أدائه وقصوره وهشاشة بنيانه – يمثل أرقى صيغة جماعية وصل إليها العقل السياسي الارتري في هذه المرحلة ، وهو ثمرة نضالات وحوارات شاقة وتجربة متقدمة علي ما سبقها في المسرح السياسي الارتري يجب البناء عليها وتطويرها والانطلاق منها، وعبرها إلى آفاق أرحب نحو بنيات سياسية وتنظيمية قوية وفعالة لتأصيل وتوطين الديمقراطية والقبول بالآخر كثقافة ارترية، لذا يعتبر المساس بهذه التجربة وتجاوزها وهدمها – لدي الغالبية العظمي من معسكر المقاومة – عودة إلى المربع الأول قبل عقد ونصف من الزمان حيث التناحر والإقتتال، ومن هنا تأتي الحساسية  تجاه أي عمل إنفرادي إنتقائي يتجاوز هذه التجربة أو يتجاهلها، كما كان حال ملتقي بروكسل الأخير.

ولم تنتهي الدعوات والنداءات بوحدة العمل المعارض بقيام التحالف الديمقراطي الارتري بل برزت أصوات جديدة قوية – من داخل التحالف ومن خارجه، بالذات من المثقفين والكتاب والإعلاميين وغيرهم – تنادي بتنسيق وتوحيد وتكامل جهود التحالف مع منظمات المجتمع المدني في المهاجر المختلفة، والشخصيات الوطنية، والزعامات الأهلية والدينية، والمثقفين والمتعلمين، والناشطين، وكل شرائح المجتمع الفاعلة ، لتصب في إتجاه واحد يتجاوز مكامن الضعف – في العمل الاعلامي والدبلوماسي بالذات – لتشكل معا سيلا شعبيا هادرا يجرف نظام الديكتاتورية . ومن هذا الفهم جاءت – كما اعتقد –  فكرة وقرار التحالف بعقد ملتقي حوار واسع للتغيير الديمقراطي، لايقصي أحدا من معسكر المقاومة، وتشارك فيه كل الشرائح المذكورة أعلاه جنبا إلى جنب، ومع التحالف، ومن هذا الفهم  أيضا جاء توجس كل الحادبين علي المصلحة الوطنية من ملتقي بروكسل لأنه في نظر الكثيرين من هذه الفعاليات يصب في إتجاه معاكس تماما لأهداف الملتقي الجامع .

ما هي الأهداف المعلنة لهذا الملتقي !!

الهدف المعلن لملتقي بروكسل هو ” توسيق سياسات الإتحاد الأروبي والولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضايا القرن الإفريقي ” وهذا الأمر في ظاهره يبدو حسنا، ولكن كل مراقب غير ذي غرض خاص ويعرف أبجديات السياسة يعي أين وكيف تصنع قرارات الإتحاد الأروبي والولايات المتحدة وأين تلتقي وأين تتباين، كما يعرف عدم واقعية هذا الهدف وبوجود أجندة أخرى وراء مثل هذا الملتقي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية هناك مؤسسات ومطابخ متعددة ومعروفة لصنع القرار، منها البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاجون ومجلس الامن القومي والكونجرس والأحزاب والشركات الكبري العاملة عبر القارات وأجهزة الاستخبارات والمراكزالمختلفة، وغيرها مما خفي أمره وعظم شأنه. مع العلم بأن هذه المؤسسات تتصارع احيانا فيما بينها، يحاول كل منها إعتماد وجهة نظره في إتخاذ القرار إلاّ أنّ جميعها ينطلق من أمر واحد دون غيره، وهو مصالح الولايات المتحدة الامريكية ، كما تأخذ هذه الجهات في الإعتبار مصالح الدول الحليفة لها والمهمة لمصالحها الحيوية في المناطق المختلفة من العالم (مثلا: إثيوبيا في القرن الإفريقي، نيجيريا في غرب افريقيا، وبريتوريا في جنوبها، والسعودية في الشرق الاوسط ، واليابان في شرق آسيا) وناهيك من أنْ  تتأثر سياسات أمريكا وقراراتها بندوة هنا أو هناك يعقدها بعض المبتدئين، فإنها لا تأبه لدماء الآلاف التي تسيل رخيصة في بقاع شتي من العالم في حالة تناقض أي فعل مع مصالحها الخاصة .

أما الإتحاد الأروبي فهو تحالف يتكون من عدة دول ذات توجهات وسياسات مختلفة وفي بعض الأحيان مصالح متناقضة، تتفق في برنامج للحد الأدني كما هو حال التحالف الديمقراطي الارتري -مع الفرق الشاسع بالطبع في المستوي والشكل والمضمون- ولا يزال الإتحاد في طور التكوين يتلمس طريقه بصعوبة في بناء مؤسساته وهياكله، وتتنازع قرارته في بعض الأحيان بعض الجهات والتكتلات والتوجهات السياسية في داخل كل دولة من دوله، محاولة دفع الاتحاد تجاه سياساتها كلما وجدت لذلك سانحة، ومن الصعوبة بمكان توحيد السياسات الأوربية فيما بينها في ندوة مثل ندوة بروكسل ناهيك من الادعاء الصبياني بتوحيد سياسات أروبا مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في مثل هذه الندوة !!

إنّ التاثير على سياسات الولايات المتحدة أو أروبا لها مداخل أخرى تتطلب مجاهدات من أنواع مختلفة ليس منها عقد ملتقيات إستعراضية دعائية لتسويق الذات الخاصة على حساب المصالح العامة. وحتي لو إفترضنا جدلا بأن مثل هذه الملتقيات والندوات يمكنها التأثير علي توحيد وتوجيه السياسات الأوربية والأمريكية بهذه السهولة، فان خلفية وتوجهات القائمين علي ملتقي بروكسل وأصحاب المصلحة فيه، والسرية المفرطة التي أحاطوه بها لمدة عامين وطريقة الاعداد له، وإخفاء مصادر تمويله، والتعتيم على أسماء الرؤوس الحقيقية الذي تقف وراءه – وذرالرماد في العيون بإعتبار هؤلاء مجرد مدعوين – وإخراجه من خلال أبواق مغمورة لا وزن لها، ومحاولة إخفاء أجندته الحقيقية، والإنتقائية التي سلكوها في تحديد المشاركة فيه، كشفّ نواياهم وأهدافهم كجماعات تسبح عكس التيار الوطني للمعارضة الإرترية .

ولوضع النقاط علي الحروف وتحديد أهداف هذا الملتقي الخفية لا بد من معرفة الرؤس الحقيقية التي تقف في الظلام وراء هذا الملتقي ، ومعرفة دوافع كل منها وتحديد أدوارها ، وطبيعة مصالحها التي تسعي إلى تحقيقها من وراء هذه المقامرة، فمن هي هذه الجهات؟

  1. 1. استشارية الاتحاد الأروبي للسياسات الخارجية

يوحي إسم هذه المنظمة بأنها جهاز رسمي من أجهزة الإتحاد الأروبي- وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه بعض الناس – لكنها في الحقيقة هي منظمة مدنية بلجيكية تهدف إلى تقديم النصح للإتحاد الأروبي في علاقاته الخارجية، وتتلقي منه الدعم والتمويل لنشاطاتها، ومع إنّ مرئياتها ونصائحها غير ملزمة للإتحاد، ولا يتدخل الإتحاد في شؤونها في الظاهر، إلاّ أنها قريبة جدا من بعض الدوائر في المفوضية الأروبية بشكل شخصي، ويتم الإستفادة منها من قبل هذه الدوائر للترويج لبعض القضايا المراد تمريرها في المفوضية أو البرلمان الأروبي . ولرئيسة هذه المنظمة – مرجام فان ريسن الطموحة – علاقات مع الجبهة الشعبية وبالذات مع ذراعها الذي كان يعمل في الخارج والمعروف بــ “إييرا”، وتتبني هذه السيدة حاليا وجهة نظر النظام الإرتري في الصراع الإثيوبي الإرتري .

كان – ولا زال – في المفوضية والبرلمان الأروبي، وفيما بين الدول الاروبية ، بل في داخل كل دولة منها، خلاف حول التعامل مع النظام الارتري، ففي حين يري البعض التعامل معه بــ”العصى” لطبيعته القمعية واللاحضارية والإستفزازية، يري بعض آخر – ولأسباب خارج نطاق هذه الورقة – التعامل معه من خلال تقديم “الجزرة” وتدجينه واحتوائه من خلال منحه الهبات المادية التي هو في أمس الحاجة إليها، وكذا السماح له بالتحرك في بعض المساحة في شؤون القرن الافريقي، وذلك من قبيل “إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئ منه” . وكان رئيس المفوضية السابق جورج ميتشل وبعض أعوانه من أصحاب سياسة “الجزرة” ، وقد مضوا قدما في إستدعاء أساياس إلى بروكسل وتطييب خاطره ببعض الكلمات و”بدوره المهم في قضايا القرن الإفريقي” ومنحه 122 مليون يورو، مما أثار عليهم غضب ومعارضة بعض الجهات الأروبية التي لا يستهان بمواقفها، وكان على سياسيي “الجزرة” الإلتفاف على معارضيهم وتبرير مواقفهم تجاه النظام ، وكان من الطبيعي في هذه الحالة الإسبتجابة أو على الأقل إستحسان تحرك ميرجام فان ريسن ومنظمتها، وبعض الإرتريين أصحاب الأغراض الخاصة لعقد مثل هكذا ملتقي ينادي بالتحاور مع النظام ويحرم مواجهته، بمعني آخر إنّ ملتقي بروكسل هو رسالة داخلية موجهة إلى دوائر سياسة “العصى” في الإتحاد الأروبي، ومفادها إنّ الإرتريين المعارضين يفضلون أسلوب “الجزرة” والتحاور مع النظام ويرفضون منازلته، وذلك من أجل تبرير الدعم الذي قدموه له من الإتحاد الأروبي .

أما أهداف السيدة مرجام  فان ريسن واللوبي الإرتري الذي قدم لها المشورة ، تتلخص في وتوجيه الأنظار إلى الصراع الإرتري الإثيوبي للتخفيف على النظام الإرتري، وتبرير تصرفاته الداخلية والخارجية بإعتبارها رد فعل علي ظلم وقع عليه من إثيوبيا والمجتمع الدولي، وبدلا من فرض العقوبات عليه يجب إنصافه أولاَ بترسيم الحدود، ومن ثم مطالبته بتقويم سلوكه. ولتحقيق هذا الهدف كان لابد من تقسيم  معسكر المعارضة إلى أبيض وأسود ، وبالتالي إبعاد كل من لا يتفق مع هذه الرؤية عن الملتقي حتي لا يفسده، وعلي رأس هؤلاء التحالف الديمقراطي الارتري . وخير دليل علي هذا الموقف هو ما أجابت به السيدة مرجام  على سؤال موقع عواتي دوت كوم بخصوص المعايير التي إعتمدتها في توجيه الدعوات للمشاركة في الملتقي حيث حددت ثلاثة معايير وهي :

  • التنظيمات التي ترغب في التفاوض مع النظام الارتري
  • التنظيمات التي تتبع وسائل سلمية للتغيير
  • التنظيمات التي لا تتلقي دعما من دول القرن الافريقي

وبصريح العبارة اعتبار من لم يتم دعوتهم عملاء لدول القرن الافريقي (والمقصود هنا إثيوبيا) وإرهابيون لا يرغبون في التفاوض ولا في السلام !! واستغربَ الكثير من كتاب المواقع تجاهل السيدة بان احد المشاركين وممن اشاروا إليها بهذه المعايير، ويقفون وراء هذا الملتقي هو رئيس أول تنظيم دخل إثيوبيا وتعامل معها وكان له بها معسكر لقوة مسلحة ويتلقي دعمها حتي اللحظة !!  كما رفض الأمريكي المعروف السيد دان كونيل المهتم والخبير بالشأن الارتري مثل هذا الزعم وأشار إلى ضرورة فهم تعقيدات المشكل الإرتري وإشراك كل أصناف الطيف السياسي في أي عملية سياسية تتبناها أروبا أوغيرها .

  1. 2. مجموعة “اييرا”

كان للجبهة الشعبية إبّان حرب التحرير طواقم من المتعلمين الناشطين أقاموا علاقات علنية وسرية واسعة مع المنظمات الداعمة والكنائس الثرية وبعض دوائر النفوذ في أروبا وأمريكا، وحققوا بذلك دعما ماديا ولوجستيا وسياسيا مكن الجبهة الشعبية من الإنفراد بالساحة الارترية، وكان معظم هؤلاء يعمل تحت غطاء منظمة “إييرا” للاغاثة . وبعد الإستقلال إرتقى بعض من هؤلاء سلم السلطة في أعلى مراتبها – حسب مزاج الديكتاتور – في حين لم ينل البعض الآخرمنهم نصيبه من الكعكة التي عمل من أجلها وإعتقد أنه مستحقها، ورضي البعض من هؤلاء المبعدين بقدره وإنزوى ، ولكن زمرة قليلة منهم أبرزهم المدعو باولوس تسفاجرجس (المعروف بودي بعتاي) لم تستسلم وواصلت نشاطاتها واتصالاتها التي أقامتها سابقا في عهد الثورة . مشكلة هذه المجموعة تتمثل في إزدواجية الرؤي والمواقف، يرون في النظام القائم ثمرة لإنجازاتهم وتجسيدا لتوجهاتهم، ويسكن وجدانهم ، يدافعون عن دستوره المقبور الذي شاركوا في كتابته، يعادون من عاداه، ويحاربون من حاربه (اثيوبيا ، جبهة التحرير ، الاسلاميين ، التنظيمات القومية ، التنظيمات الحقوقية، المواقع الاعلامية الحرة ، منظمات المجتمع المدني التي لا تنصاع لمخططاتهم ولا تأتمر بأمرهم ، وغيرهم ممن ينادي بالتغيير الجذري) ، ولكنهم في نفس الوقت ينتقدون أساياس ورعونته وسلوكه وفرديته ، كما يكرهون ويحقدون علي أصحاب الحظوة من حوله من رفاقهم القدامي، ولا يألون جهدا في النيل منهم، وإحداث نوع من الإصلاح الفوقي في النظام القائم، ولكن دون المساس بتركيبته الثقافية والإجتماعية والسلطوية. حقا انها عقدة مركبة لا يحسد عليها صاحبها .. يعادون النظام ولكنهم في نفس الوقت لا يطيقون المعارضة التي سبقتهم ، ولا يريدون التحدث إليها ولا الإقتراب منها، بل يخافون منها ويتوجسون من برامجها وأطروحاتها، ويعتبرونها خطرا ماثلا يجب تدميره، إنّها معاناة حقيقية – شوذوفرينيا أو بالعربية إزدواجية الشخصية – تنعكس على مواقفهم المتأرجحة وتصرفاتهم الغريبة ، وهناك ظاهرة تتميز بها هذه المجموعة وهي العمل في الظلام  وتحريك الأمور من الخلف كما تدربت عليه في “إييرا” القديمة .

بعد تحرك ما يعرف بمجموعة الـ15 في الداخل جمع باولوس تسفاجرجس 13 شخصا جلهم من أصحابه مضافا اليهم القليل من خارجهم في المانيا، عرفوا فيما بعد بمجموعة الـ13 وارسلوا وفدا إلى أسمرة لإقناع أسياس ببعض الاصلاحات، واستقبل اسياس وفدهم وتحدث اليهم ولا يعرف احدا فيما تحدثوا ، ولكن – بعد إعتقال مجموعة الـ15 وكل من أتهم بالإنتماء إليها – أنصرت هذه الجماعة كيفيا وخبي صوتها .

خرج مسفن حقوص إلى أروبا وساندته هذه المجموعة وقامت بتنظيم وتمويل بعض الملتقيات له في هولندا وبريطانيا وامريكا، بغية تعبئة وتجنيد بعض الاشخاص لتنظيمه الجديد. وتأسس الحزب الديمقراطي بقيادة مسفن حقوص، ولكن دخلته من خارج هذه المدرسة بعض الشخصيات ذات التجربة النضالية الطويلة والمعروفة باستقلالية شخصياتها وتوجهاتها ومواقفها، كما دخله شباب مستنير لا يعاني من عقد الشعبية، واعي لأهمية التحالف والعمل الجماعي فيه، حيث وضعت هذه الشخصيات بصماتها على الحزب، ودفعت به للإنضمام إلى التحالف والمشاركة في نشاطاته وفتح مكتب للحزب في أديس أبابا، كما استطاعت اقرار وطنية ورسمية اللغة العربية في برنامجه. ويبدو أن هذه التوجهات لم تروق لبقايا جماعة “إييرا” المتنفذة، ولذا صارت تتململ في مواقفها تجاه الحزب دون أن تبتعد عنه كليا أو يتضائل تأثيرها عليه، وعانى الحزب من إنشقاق جماعات متوترة قصيرة النظر، تارة بحجة عدم ذهابه إلى إثيوبيا، وأخرى بحجة ذهابه وفتح مكتبه هناك. ووجدت جماعة “إييرا” المعزولة في الفترة الأخيرة ضالتها في ولديسوس عمار الذي صارت مواقفه وتصرفاته تتطابق معها أكثرمما تتطابق مع مسفن حقوص والحزب الديمقراطي ، مما جعلها تدفع بالأخير تجاه ولديسوس وتدفع بهما جميعا خارج التحالف .

ومن المعلوم بأن ميدان عمل هذه الجماعة ينحصر في أروبا وأمريكا والتي تعتبرها مناطق نفوذ مقفولة عليها، وويل لمن يقترب منهما، ولسوء حظ هذه الجماعة برز في تلك المناطق عدد كبير من منظمات المجتمع المدني ومؤسسات إعلامية من مواقع إلكترونية (عواتي دوت كوم) وإذاعات وغيرها، أجادت دورها وقامت بنشاطات اعلامية وجماهيرية وديبلوماسية، وما ظلّتْ هذه المنظمات المدنية ساحة إلاّ وتجمعت جلها في مظلات جامعة مثال “نيكس أو الشبكة الأروبية للمجتمع المدني الارتري” و “سوليداريتي – أو التضامن – في أمريكا”، وصارت تعي دورها الوطني وتستوعب تعقيدات المشكل الارتري، وتتبني التغيير الجذري وإسقاط النظام بكل الوسائل المتاحة، وأصبحت هذه المنظمات تتفاعل وتتناغم وتتعاون مع التحالف في أهدافه الجماعية وتوجهاته الوحدوية، مما أقلق مضاجع تلك الجماعة وجعلها تفكر في إقامة منظمة تتناقض مع تلك المنظات القائمة المتناغمة مع التحالف، تربكها وتتنافس معها، وتروج لأفكارالجماعة، في ظاهرها منظمة مجتمع مدني، تديرها من خلف ستار وتكون بوقا لها تربك من خلالها المقاومة من انصار التغيير الجذري ومنازلة النظام، فكان ميلاد “سدري” وفرقعاتها الاعلامية التي تروج لسياسات هذه الجماعة . أسس سدري أحد أعضاء الجماعة في امريكا يدعي الدكتور أرأيا دبساي  قبل وقت غير قصير من إعلانها الرسمي، حيث إنحصرت عضويتها الأساسية داخل الدائرة لبعض الوقت، ولكن كان من الضروري إخراجها إلى العلن بعد تزيينها بلبوس من خارجها، وبشكل يخدم أهدافها ويخفي إرتباطها الفعلي بالجماعة المشكوك فيها من الجميع . وبدء الدكتور رحلة البحث عن أشخاص يصلحون للعب دور البوق الأجوف، ووجد ضالته في لندن حيث اربعة فتية ناشئين يحملون أسماء إسلامية (عبدالرحمن سيد ، وسليمان حسين ، وصلاح ابوراي ، وطاهر دبساي) تشابهت عليهم البقر وإختلطت لديهم الرؤى وظلوا يقفذون من شجرة إلى شجرة، ومن غصن لآخر بحثا عن الأضواء والأدوار وبأي ثمن ، فاستوعبهم الدكتور وإختفي من ورائهم في الظلام ، بعد أن أسند اليهم مهمة نشر غسيله المتسخ . فما يسمى بـ”سدري” في حقيقته ما هو الا بالون إختبار أطلقته جماعة “إييرا” تجاه النظام والمعارضة معا، ولكن باتجاهات مختلفة ، تودد واستجداء تجاه الاول واستفزاز وارباك تجاه الآخر. ومن أجل هذا الغرض (إستجداء النظام وإستفزاز المقاومة) ولدت فكرة ملتقي بروكسل الإستعراضية في لقاءات عضو الجماعة المدعو “كاساهون شوكول” مع صديقتهم القديمة مرجام فان ريسين ، وما لبث أن إنضم إليهم ولديسوس عمار – صديق الجماعة الجديد – كأحد المستفيدين الأساسيين في تغييب الآخر وتلميع الذات.

  1. 3. ولديسوس عمار وحلم زعامة المعارضة

بعد هزيمتها العسكرية في 1982 سقطت كل الأقنعة الأيدولوجية والفكرية وتمزقت جبهة التحرير الإرترية إلى عدة شرائح – أخذت شكل المكونات الإجتماعية الإرترية المعروفة والتي تحالف بعض منها فيما بينه – أبرزها جبهة التحرير الارترية وجبهة التحرير الارترية (المجلس الثوري) ،حيث إدعى كلا الطرفان بأنه الإبن والوريث الشرعي الأوحد لجبهة التحرير العظمى، وإعتبر غيره مارقا ومخربا وطائفيا وغير ذلك من النعوت. وأنفرد المجلس الثوري بالإدعاء بأنه “التنظيم الوطني (الوحيد) الذي يضم كل شرائح المجتمع الإرتري” وبالتالي هو وحده دون غيره ممثلا للشعب الإرتري والمنوط به قرار الحرب أو السلام مع الجنرال منجستو أو الجبهة الشعبية بعد الإستقلال، وكان أكثر الطرفين فجورا في خصوماته مع كل من كان له رأي آخر، كما كان أعلاهم صوتا واكثرهم إصرارا بالمجاهرة بهذه الفرية التي لم تسندها الحقائق علي الارض، ولم تتماشي مع متطلبات المرحلة في رص الصفوف التي كان الجميع في امس الحاجة اليها – وكان لولديسوس في ذلك الوقت دورا ملموسا في تأجيج الخلافات، وشحن النفوس بالضغائن، وبلورة مثل هذه الإدعاءات من خلال كتاباته المعروفة آنذاك – ومن هذا الفهم طرح المجلس لاءاته المعروفة التي تمسك بها طويلا وهي : لا للتفاوض والعمل المشترك مع جبهة التحرير (الإنقلابيين) ولا مع التنظيمات الإسلامية (الاصوليين الطائفيين) ولا مع التنظيمات القومية (دون الوطنية) ولا مع غيرهم (مارقين ومخربين وقبليين) ممن يخالفه الرأي . وترجمة لهذه اللاءات :

  • رفض كل المبادرات وأجهض كل المحاولات التي هدفت إلى إقامة مظلة جامعة للمعارضة قبل وبعد الإستقلال .
  • رفض المشاركة والتوقيع علي المذكرة المشتركة التي بعثت بها التنظيمات إلى أسياس أفورقي بعد إعلان الإستقلال .
  • إنطلق في حوارات وتفاهمات إنفرادية مع النظام بعد التحرير فشلت في منتصف الطريق ولم تثمر شيئا .

ولكن عوامل داخلية (تبلور إتجاهات داخله تدرك أهمية العمل المشترك وترغب فيه – كما سنري ذلك في مواقف المؤتمر الوطني وجبهة الإنقاذ لاحقا) وإقليمية تفرضها ضرورات العمل في دول الجوار القريبة من الوطن، أجبرته الالتحاق بركب مظلة تجمع القوة الوطنية الارترية، وانكفئت لاءاته في الظلام  يُهمَس بها في مجالس بعض تياراته المتشددة .

وبعد ان تهيأت للتجمع الوطني عوامل الإنطلاق نحو آفاق القوة، منها ذاتية (تأييد الجماهير الارترية له ووضع آمالها عليه) وإقليمية (إستعداد دول الجوار- إثيوبيا والسودان واليمن وبعض الدول العربية – وتحمسها لدعمه) ودولية (لفت إنتباه الدول والصحافة الغربية وإستعداد سفاراتها – من بينها السفير الامريكي في أديس ابابا – لحضور جلسات مؤتمره الختامية وإفصاحهم عن النظر في إمكانية دعمه) إنسحب المجلس الثوري من التجمع وأثار غبارا كثيفا ضاربا عرض الحائط بكل الإنجازات التي حققتها الوحدة والآمال التي وضعتها عليه الجماهير، وكانت حجته في البدء هي رفضه اجماع التنظيمات علي رئاسة حروي تدلا بايرو للتجمع، وتفضيله على المرحوم سيوم عقبانكئيل، وكانت النتيجة مدمرة للمعارضة جمعاء وتمثلت في :

  • رسوخ مفهوم “المعارضة ضعيفة ومقسمة” لدي الجماهير الارترية ودول الجوار والمجتمع الدولي كافة، ومن ضمنها الدول التي كانت تتمنى أن تجد لها شريكا ارتريا موحدا وجادا بديلا لنظام أسياس الذي فشل في التصرف كدولة متحضرة تلتزم بالمواثيق الدولية .
  • إختلاط الرؤي واهتزاز الثقة بالنفس وبالآخر، لدي الكثير من الشباب والمثقفين والمتعلمين في الداخل والخارج الذي كان بالامكان الإستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم لتصب في تجاه تحقيق الهدف الوطني وإسقاط النظام .
  • إهتزاز هيبة التحالف وتنظيماته المناضلة، وكنتيجة لذلك تطاول بعض السفهاء والمراهقين للنيل منه، وفي بعض الحالات طرح فقاعاتهم بديلا له (مثلا: طرح “سدري” نفسها بديلا للتحالف) ، بل النيل من الثورة الارترية برمتها وتجاسرهم علي شتم شخوصها ورموزها وتاريخها والإستخفاف بنضالاتها وتضحياتها والتشكيك في مصداقيتها .
  • والأدهي والأمر من ذلك كله إرتفاع معنويات النظام وأعوانه وتمكنه من حشد بعض المترددين والإنتهازيين والمرعوبين إلى صفوفه .

وكانت الحجة التي أسسوا عليها إنسحابهم ضعيفة وواهية لم تقنع أحدا ، وكان لا بد من استحداث حجة قوية تبرر فعلتهم ولو أمام قواعدهم وجزءا من الشعب الاتري فقط ، ولجئوا إلى السهل المتاح في عقلية ووجدان الشعب الارتري ، وأدخلوا يدهم في صندوق مشاكل التعددية الارترية القديم المتجدد وخرجوا بالفقرات 4 و5 من ميثاق التجمع المتعلقة بـ”حقوق القوميات وحق أتباع كل الاديان في تطبيق شرائعهم في شؤونهم الخاصة” – التي سبق لهم ان وقعوا عليها وساهموا في صياغتها – وفسروا كلمة “شرائعهم” بانها تعني “تطبيق الشريعة الاسلامية”، وأثاروا غبارا كثيفا حولها لدفع الناس إلى إصطفافات ونكأ الجراحات، وكان لهم ما أرادوا، حيث تلقف دعوتهم بعض الغوغاء ومن في قلوبهم مرض، وجري ما جري من جدل عقيم عمق عدم الثقة القائمة اصلا، وذلك كله تحقيقا لأهدافهم التنظيمية الضيقة .

وكان الإنسحاب من التجمع القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للتيار الوحدوي المتصاعد داخل التنظيم والرافض لمقولة ولديسوس في مؤتمرهم بمدينة قوندر الاثيوبية الداعي إلى ضرورة “تنصيب رئيس مسيحي للتنظيم لعدم أهلية المسلمين لقيادة مرحلة التغيير الديمقراطي”، فانقسم التنظيم عموديا وأفقيا. وعاد “المؤتمر الوطني” إلى التجمع وسط ترحيب التنظيمات ومباركة الجماهيرالارترية، إلى أن قام التحالف الديمقراطي الارتري – الذي ضم بجانب عضوية التجمع المجلس الثوري والحزب الديمقراطي والحركة الفيدرالية- بضغوطات وترتيبات يعلمها الجميع، وأتت التنظيمات بالمناضل حسين خليفة رئيسا للتحالف حتي تتجنب المنازعات على القيادة وتبحر تجاه أهداف التحالف المرسومة.

جاء ولديسوس علي رأس تنظيمه بعد وفات سيوم عقبانكئيل، وجاء يحمل معه إلى التحالف (أو كما يسميه هو إستخفافا “ويزرو كدان” اي السيدة التحالف) اللآت القديمة ولكن بثوب جديد “لابد من تنظيم طليعي يقود التحالف الديمقراطي الارتري علي غرار فتح (وعرفات) التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية ووياني التي تقود الجبهة الثورية لشعوب اثيوبيا”  و”هناك بين التنظيمات من هو مؤهل لقيادة مرحلة التغيير الديمقراطي وهناك من هو دون ذلك لانه مصنف بالإصولية وما دون الوطنية” و “لابد من قيام كتلة  طليعية (رقم 1) من المجلس الثوري والحزب الديمقراطي وجبهة الانقاذ (حينها بقيادة عبدالله آدم)” و “كتلة المثقفين والدكاترة (ولديسوس وتنظيمه) والوزراء (مسفن حقوص) والسفراء(عبدالله آدم – والذي استبدل الآن بأدحنوم)” وغيرها من الاطروحات الإقصائية، بمعني آخر لابد أن تقبل تنظيمات الرعاع في التحالف بموقعها (رقم 2) و”بمكانها الطبيعي في المؤخرة” (ولديسوس في عواتي دوت كوم 2004: نحن دجنا الإسلاميين ونزعنا انيابهم) وتعترف عن طيب خاطر وامتنان بطليعية وريادة تنظيمه وكتلته، وتتخذ من ولديسوس- ياسرعرفات أو ملس زناوي الارتري !! وجاء انشقاق التحالف في 2007 علي خلفية مثل هذا القول والاصرار عليه ووضع الآخرين امام خيارين لا ثالث لهما : الاول- الإذعان لمثل هذه المقولات والقبول بإستحقاقاتها السياسية والإجتماعية، والثاني- رفضها والتصدي لها ومن ثم تحمل محنة انشقاق التحالف وتبعاته. ولم يكن جوهر الخلاف على منصب الرئاسة كما صوره البعض – عمدا أو جهلا – وصدقه الكثيرون، حيث هناك فرق شاسع بين الرئاسة العابرة ذات الطبيعة الإدارية – والتي تتم في التحالف بالتداول الدوري مدته سنة واحدة لا اكثر- وبين الزعامة التي تتطلب مواصفات أخرى غير مواصفات الرئاسة ولا تُأخَذ بمجرد الرغبة فيها, ولا تعطي بمجرد الحلم بها، بل هي آمال وطموحات واهداف للجماهير تجسدها علي فرد من افرادها ينال ثقتها وحبها من خلال نضالاته وتضحياته. وكان لإنقسام 2007 سلبيات أكثر تدميرا وإساءة للمعارضة وللشعب الارتري كافة مما سبقه من إنشقاقات.

وتقدمت مجموعة التحالف السبعة (أو كتلة رقم 2 كما سماها ولديسوس) بمبادرتها المعروفة لرأب الصدع  و”إعادة التحالف إلى مكانه الطبيعي”، وفي نفس الوقت قام ولديسوس بالدعوة لإجتماع (كتلة1) في المانيا لإستكمال هيكلها التنظيمي وتكريس الإنقسام بشكل دائم ، ولكن خططه باءت بالفشل الذريع ، وعاد وقبل بالتفاوض حول المبادرة مكرها وعلى مضض وذلك للأسباب التالية :

  • إنتفاض قواعد (وبعض قياداته) جبهة الانقاذ الوحدوية التي أجبرت رئيسها عبدالله آدم على عدم حضور الإجتماع الذي دعى إليه ولديسوس ومطالبتها بالإنسحاب من الكتلة .
  • إستحسان الحزب الديمقراطي ورئيسه مسفن حقوص لمبادرة السبعة ووحدة التحالف ورفضهم لسياسة تسمية الكتل بالأول والثاني وإضفاء الطليعية والريادة على الذات .
  • إعلان أدحنوم قبرماريام – الذي كان خارج مظلة التحالف – قربه من مجموعة السبعة وتأييده لمبادرتها وإبداء إستعداده للعمل على إنجاحها .
  • الموقف الإثيوبي الحازم بدعوة الجميع إلى إجتماع وإعلانهم فيه عدم التعاون مع كل من يرفض الوحدة .
  • المواقف المبدئية لمنظمات المجتمع المدني والناشطين خاصة والرأي العام الارتري عامة الرافض للانقسامات .

وهكذا وجد ولديسوس نفسه وحيدا بين حلفائه ومعزولا من الجميع مما أجبره على الرضوخ والقبول بالعودة إلى التحالف، وإنتصرت الإرادة الجماعية الواعية لمهامها الوطنية، والتأم شمل التحالف الديمقراطي الإرتري، الذي انتخب تولدي قبري سلاسي رئيسا له كخيارا ثالثا بين الخصوم .

وكرد فعل علي هذه العودة غير الطوعية – وبالإضافة إلى فشل مرشحه (منجستآب اسمروم) لرئاسة التحالف في المؤتمر التوحيدي- خفض المجلس مستوي مشاركته ونوعية ممثيله في التحالف لأدني مستوي ممكن، وكرس جهده كاملا لعملية تحوله إلى “حزب الشعب” ومن ثم إلى “حزب الشعب الديمقراطي ” المنتظر – وذلك بمعية الحزب الديمقراطي والحركة الشعبية – بل وإنبري ولديسوس وحزبه في معركة محمومة ضد التحالف للتقليل من شأنه ومنافستة واعاقة نشاطاته الخارجية والاعلامية وغيرها، وسعي للتودد والعمل مع كل من يحقد علي التحالف ويحاول التشهير به، كما أخذ على عاتقه من داخل التحالف مهمة إشعال الفتن وإثارة الشكوك والتنابذ بالقول وتضخيم الخلافات الإجرائية الصغيرة التي يمكن حلها وتجاوزها بالحوارات والتفاهمات والإجراءات الادارية . وفي هذا السياق جاءت مساهمة ولديسوس إعدادا وتخطيطا ومشاركة في الفرقعة الاعلامية التي خطط لها في الظلام، وسميت بملتقي بروكسل، ومن هنا جاءت مصلحة ولديسوس لنعت بعض تنظيمات التحالف “بطالبان وادي سوات” والتشهير بها وبالتحالف في الدوائر الأروبية والأمريكية، وألتقت مصالحه ومصالح “كاساهون شيكول” والسيدة مرجام فان ريسن لإبعاد التحالف عن الإتحاد الأروبي وتلميع شخصية ولديسوس ومن لف لفه.

وكان ولديسوس يأمل بعد نهاية الملتقي في بروكسل وغياب التحالف عنه، دق الدفوف في وسائل الإعلام ، وإشعال الشموع في المواقع الالكترونية، وتشييد سرادق الإنتصار على التحالف ، لتضليل الرأي العام الإرتري، وبعض الشخصيات المعجبة به ، بأنه المنقذ للشعب الإرتري و”المتنفذ لدي أروبا وأمريكا والمالك لمفاتيحها” وأنه زعيم التنظيم الطليعي المعترف به عالميا، والمؤهل الوحيد لزعامة المعارضة ولوراثة النظام، وبالتالي تبرير أي مغامرة جديدة يخطط لها للإنقسام عن التحالف ومحاولة الإلتفاف عليه. لكن يبدو ان رسالة التحالف إلى الإتحاد الأروبي والإدانة الشديدة لملتقي بروكسل التي إنطلقت من كل الوطنيين الإرتريين والمنظمات المدنية كافة أفسدت عليه العرس، وانكفأ هو وأعضاء قيادته بأسمائهم حينا وبالمستعارة حينا آخر،  يدافعون دفاعا مستميتا عن ملتقاهم في بروكسل ويهاجمون ويدينون رسالة التحالف إلى الإتحاد الأروبي (ملاحظة: لم يكتب أي شخص من الحزب الديمقراطي أو من الحركة الشعبية دفاعا عن هذا الملتقي، وكل الذين ملئوا المواقع ضجيجا وصراخا هم قيادات في حزب الشعب) . لقد فشل مخطط تهميش التحالف والقوي الوطنية المناضلة من أجل التغيير الجذري وفشل معه التمهيد لديكتاتورية ثانية في ارتريا .

كيف تم اخراج ملتقي بروكسل ؟

كان لابد على ثالوث بروكسل جمع بعض أصحاب الأصوات العالية الذين لا غاية لهم غير الوقوف تحت دائرة الضوء، وكذا بعض الأبرياء من الإرتريين الطيبين الذين يريدون المساهمة ما أمكن، ولكن تنقصهم معرفة تعقيدات القضية الارترية ، ونوايا وطموحات بعض السياسيين، بالاضافة إلى بعض الذين ولجوا بوابة المعارضة من خلال انتمائهم العقدي لبعض الكنائس المضطهدة في ارتريا، ومن هذا المنطلق يتوجسون من تنظيمات التحالف ذات الاغلبية الاسلامية ، ومن منظمات المجتمع المدني الليبرالية . هؤلاء معا اسموا انفسهم “ذي تاسك جروب: بمعني مجموعة العمل” واسمتهم مرجام فان ريسن “ريفرنس جروب: بمعني المجموعة التي تجمع المعلومات”، وتكونت هذه المجموعة بقيادة كاساهون شيكول وتحت الإشراف الكامل للثالوث مرجام + كاساهون شيكول + ولديسوس عمار،وبالطبع تم استعمال بعض اعضاء “سدري” ضمن الـ “ريفرنس جروب” كأبواق يستفاد من اسمائها، وبقى الثالوث (ما عدا كاساهون شيكول) في الظلام، حيث ساهمت السيدة مرجام بـ 70% من الميزانية الكلية (الميزانية الكلية = مبلغ 300 الف يورو) التي تم التستر عليها، وساهم باولوس تسفاجرجس بالباقي (30%) من أموال كنسية، وقام ولديسوس بدور إعداد قوائم الحضور والموجه السياسي للـ “ريفرنس جروب” .

ماذا كانت نتائج هذا الملتقي؟

كان الملتقي فرقعة اعلامية يريد كل طرف من أطراف الثالوث تحقيق أهدافه منها :

  • فالسيدة مرجام كانت تريد تخفيف الضغط على النظام الإرتري، ومنع فرض العقوبات عليه، وقد فشل هذا الهدف لأن الإتحاد الأروبي تنصل من الملتقي وواصل نقاشاته حول فرض العقوبات على نظام أساياس .
  • وهدف فلول “إييرا” كان إنتزاع قرارمن أروبا بحصرالتغيير في ارتريا بـ “الوسائل السلمية” ومن خلال الحوار مع النظام ، ولم يتحقق ذلك لانه لا الحضور من أروبا ولا من أمريكا وقعوا على ما خرج به الملتقي، بل تنصلوا عنه، مع أن أغلبهم كانوا من أنصار وأصدقاء الشعبية سابقا أو حاضرا.
  • وكان هدف ولديسوس هو تلميع ذاته وتجاوز التحالف وتأكيد طليعيته وفعاليته، والإحتفال بذلك لتضليل الرأي العام الارتري، ولكنه فشل حيث أكد عدد من الحضور – من ضمنهم دان كونيل – ضرورة مشاركة الجميع، كما دانت منظمات المجتمع المدني في أروبا وأمريكا وكثير من قادة الراي العام الإرتري هذا المسلك، وإنقلب السحرعلى الساحر، وإنزوي ولديسوس في عملية دفاع عن النفس وتبرير فعلته بدل الإحتفال بها .

وخلاصة القول إنّ نتائج الملتقي كانت صفرا للسيدة ميرجام + صفرا للسيد كاساهون شيكول وزمرته + صفرا للسيد ولديسوس وحزبه + صفرا (في التأثير على سياسات أروبا وأمريكا أو التوحيد بينهما) والنتيجة الكلية = صفرا مربعا، أما نتائجه السلبية فتمثلت في تعميق عدم الثقة في أوساط المعارضة كافة والتي تتطلب الكثير من الجهد لمعالجتها، حيث القسم الأعظم من تنظيمات التحالف ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام الإرتري يرفض ويستنكر، وحزب الشعب يشيد ويدافع ويتوعد، والحزب الديمقراطي والحركة الشعبية تلوذان بالصمت، والبعض يجامل ويشيد بالنتائج متجنبا الخوض في الموضوع ، (ملاحظة: بعض منظمات المجتمع المدني جمد عضوية أفراد منه شاركوا في الملتقي ، وهم الآن تحت إجراءات المساءلة والمحاسبة).

لماذا يتصرف ولديسوس وحزبه بهذه الطريقة ؟

“هناك البعض ممن لا يقبلون شروط التعايش في إرتريا، يريدون الآخر بدون ثقافة ولا دين ولا لغة ولا أرض ولا طموح خاص به ” (الكاتب ابراهيم طعدي : عواتي دوت كوم  25 نوفمبر 2009).

للاجابة علي السؤال اعلاه سألت عدد من الناشطين الارتريين من قيادات سياسية وصحفيين وكوادر وبعض العامة، وكانت أجوبتهم وأحكامهم مختلفة، وهي قابلة للتحليل وعلي مسؤولية أصحابها ولخصتها كالآتي:

  • يبدو إن ولديسوس لا يحسن قراءة التركيبة الإجتماعية والسياسية للشعب الارتري، ولهذا يتعاطي السياسة كما يتعاطاها مؤيد فريق كرة قدم تتلخص الرياضة عنده في تسجيل الاهداف علي مرمي الفريق الآخر.
  • الرجل طموح جدا وطموحه يتجاوز إمكاناته وإمكانات تنظيمه، ولذا يتبنى أطروحاته المعروفة لكسب شريحة متطرفة من قومية التقرنية، عساها أن تحمله إلى السلطة كما فعلت بأسياس من قبل ، حينما طرح لها نفس الاطروحات، انه معجب باسياس ويحاول تقليده .
  • الرجل لا يفهم السياسة إلاّ كونها “مصارعة ديوك” وللاسف يمارسها بهذا العقلية، وهذه العقلية هي التي تضعف التحالف وتجره إلى خلافات لا تنتهي، كلما خطى التحالف خطوة إلى الأمام إلاّ وجاءت مشكلة يثيرها ولديسوس وحزبه تعود به إلى المربع الاول.
  • في هذا التنظيم بعض العقلاء الذين غمرتهم حياتهم الخاصة، وابتعدوا من مركز القرار فيه ومن المحزن أن يقودهم رجل لا يصلح للسياسة .
  • الرجل صحفي في مهنته ، ويمارس السياسة بأساليب الإثارات الصحفية، إنّه سياسي غير موفق ويضرتنظيمه أكثرمما يضر بالآخرين، متي كانت السياسة هي اثارة النزاعات وتضخيم الخلافات؟ السياسة فن تتطلب حنكة في كسب الأصدقاء وتحييد الأعداء وليس الإكثار منهم ، السياسة هي فن الممكن ، وادارة المتاح ، وليست تمنيات وأحلام .
  • الرجل أيدولوجي ماركسي لا يؤمن بالديمقراطية وتعدد الأحزاب، ولكنه يؤمن بـ”دكتاتورية النخبة” ، ويعتقد أن وحدة الدولة والشعب تأتي بتخلي الجميع عن أديانهم وقبائلهم وقومياتهم ، إنه مثالي، لا يعرف إختيار كلماته مما يجعله يصطدم بأصدقائه قبل أعدائه.
  • الرجل يعتقد إنه أستاذ فذ يجب أن يستمع له الجميع، كما يعتقد بأن الناس تكابرعن الإعتراف بمواهبه وهذا سر غضبه ومشاكساته الدائمة ، إنه عنيف جدا لا يقبل أن ينتقده أو يعارضه أحد، إنه مغرور لحد الدمار.
  • الرجل طائفي وإنتهازي للنخاع ، ويعتقد أنّ المسلمين لا ينتصرون ابدا ، وتاريخهم كله هزائم ، والتغييرالمرتقب يحققه من أراد توحيد إرتريا مع اثيوبيا ونجح ، وأراد أن يقود عملية التحرير لوحده ونجح، وأراد أن ينفرد بالسلطة ونجح ، وولديسوس يريد أن يجرب حظه مع من ينجحون دائما .
  • الرجل يستهدف بعض الشخصيات والتنظيمات ويحاكمها بأنها عدوة التجرنية وعدوة المسيحيين، لكن هذا أسلوب قديم إستعملته جماعة (الإندنت) ضد قادة الرابطة الاسلامية ، وكذا إستعمله أسياس ضد قيادات جبهة التحرير، ولكن المسحيين وقومية التجرنية التي يحاول تضليها لم تكن كما كانت سابقا، وهناك شريحة وطنية صاعدة من المثقفين والمناضلين من أبنائها لا تنطلي عليهم فتن ولديسوس، وعلى المستهدفين تجاوز فتنته وتجاهلها وبالعمل الوطني، وهكذا سوف يكتشف الناس زيف إدعاءاته المغرضة .
  • الرجل زكي ويعرف ما يريد الوصول اليه ولكنه طائفي ومغرور.
  • اذا كانت الحرية التي يتشدق بها ولديسوس تتيح له الكفر بما يريد الكفر به، ألا تتيح نفس الحرية لغيره الأيمان بما يريد الأ يمان به ؟

ومهما كانت هذه الأحكام علي الأفراد والتنظيمات فإن المهم فيها هو غياب فهم عام لمتطلبات المرحلة التي تستدعي رص الصفوف لمواجهة نظام جائر وإرجاء التنافس علي السلطة قبل ان يحين اوانها .

ما سرد أعلاه هو ما يتعلق بسلوكيات التنظيمات والمجموعات الذي يعرقل فعالية المعارضة ويضعف من قوتها , ولكن بقى لنا أن نناقش بعض المصطلحات والمفاهيم السياسية والأيدلوجية التي تشكل وقودا للخلافات، وتتخذ كاسلحة وأقنعة لتبرير محاربة الآخر في صفوف المعارضة ، ولكن في سانحة اخري انشاء الله . ومن ضمن هذه المصطلحات :

  • · العلمانية
  • · الطائفية والإصطفاف الطائفي
  • · الوسائل السلمية  “الحرب والسلام”
  • · التفاوض مع النظام
  • · تلقي الدعم من دول الجوار
  • · مضامين المقاومة والمعارضة

wadjamil@yahoo.com

وبالله التوفي

10/12/2009

ملحوظة: تقوم نفس الدوائر التي عقدت ندوة بروكسل بعقد ندوة اخري في لندن في 18- 19 من الشهر الجاري اسموها هذه المرة بـ “ندوة السلام” يشترك فيها 31 شخصا، والجديد في هذه الندوة هو بروز الرأس الحقيقي لندوة بروكسل باولوس تسفاجرجس (ودي بعتاي) الي العلن ليتولي الامر بنفسه ولكن بنفس الادوات القديمة.

بدون تعليق

مسؤول حزبي يكشف عن نية الحكومة في الحوار مع المعارضة

قال انه ياتي ضمن برنامج للاصلاح السياسي الشامل

فرجت.نت خاص

كشف مصدر حزبي اريتري تابع للجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة , الحزب الحاكم في اريتريا , عن نية الحكومة في الحوار مع بعض الاطراف المعارضة  في الخارج , ذلك في اطار برنامج للاصلاح السياسي الشامل وضعته الحكومة ضمن اولوياتها في المرحلة المقبلة  ويهدف الي ارساء نظام حكم ديمقراطي  يعتمد التعددية السياسية  ويتيح الفرصة للاحزاب المعارضة  بالمشاركة في السلطة , مشيرا الي  اتصالات تمهيدية غير رسمية جرت بالفعل  مع بعض قيادات المعارضة , التي رأت الحكومة امكانية الحوار معها نظرا لبرامجها الوطنية علي حد وصف المصدر والتي قد تساهم في انجاح عملية الاصلاح السياسي  اضافة الي بعدها عن التأثيرات الخارجية .

وشدد المصدر الحزبي علي رفض الحكومة الاريترية القاطع لما اسماه بالاتجاهات السياسية المعارضة ذات الصبغة الاقليمية والقبلية والطائفية المدفوعة من قبل قوي خارجية لا تريد الاستقرار لاريتريا.

هذا وكان قد نقل في وقت سابق عن مصادر اعلامية  مقربة من التحالف الديمقراطي الاريتري تأكيدها علي لقاءات عقدت بين قياديين من حزب الشعب والحزب الديمقراطي الاريتري ومسؤولين من الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة  في أحدى العواصم الأروبية.

الي ذلك وصف مراقبون للشأن الاريتري خطوة الحكومة في الحوار مع المعارضة , بأنها انتقائية في اشارة الي حزب الشعب والديمقراطي الذين لايختلفان في توجهاتهما السياسية والفكرية كثيرا عن الحزب الحاكم , وانها محاولة يائسة للخروج من العزلة الدولية  والازمة الاقتصادية  والدبلوماسية  التي يعانيها النظام , ومحاولة ايضا للالتفاف  علي تهديدات دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاخيرة  فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية المقدمة للحكومة الاريترية  وربطها بأجراء اصلاحات دستورية وسياسية تضمن توسيع مساحة  الحريات والمشاركة السياسية     وحماية واحترام حقوق الانسان  والافراج عن السجناء السياسيين .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=439

نشرت بواسطة في ديسمبر 17 2009 في صفحة تقارير. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010