منظمات المجتمع المدني بين الدور والمفهوم

أضاءة على رؤية سدري

بقلم آمال علي

المشهد السياسي الارتري المعارض اصبح زخما بالكثير من الاحداث في السنوات الماضية. تنظيمات و احزاب عدة تداخلات وتفاعلات من خلال الدخول في تكتلات هنا وهناك,ما تلبث ان تنقسم الى اجزاء اكثرمما كانت عليه  الى بروز ونشوء تنظيمات جديدة بعضها على اسس اثنية او عرقية واخرى دينية  او اقليمية . و تفاعلت للاحداث السياسية وخاصة في العاميين الماضيين لتصل الى قمتها  بانقسام التحالف الديمقراطي الذي كان يضم عدد من قوى المعارضة السياسية.وكذا عقد ملتقى الحوار  في صيف العام الماضي 2010 . ولكن بروز منظمات المجتمع المدني الارترية في المهجر في السنوات الماضية و طموحها للعب دور فعال في العملية السياسية قد يكون من اللا حداث الجديرة بالاهتمام في الساحة السياسية.

مواطنون من اجل الحقوق الديمقراطية في ارتريا والمعروفة اختصار  ب: سدري, هي احدى منظمات المجتمع المدني حديثة النشئة وربما من اكثرها اثارة للجدل . فعلى مدى عامين من عقد المؤتمر التأسيسي للمنظمة عام 2009 .وحتى وصولها الى مؤتمرها الثاني حظت سدري على اهتمام الوسط السياسي والمدني الارتري.  طرحت الكثير من التساؤلات حول ماهية الطرح الذي تقدمه سدري  والدور الذي تطمح الى لعبه على المستويين السياسي والمدني.

المؤتمر الثاني لسدري كان استجابة واضحة لكثير من التساؤلات على المستويين الداخلي و الخارجي. وربما نستطيع القول انه اتى كمحاولة جادة لالقاء الضوء على  المحاور الرئيسية التي تشكل رؤية المنظمة و مفهومها للمجتمع المدني ودوره في العملية السياسية الارترية.

فمن المرتكزات المهمة التي انطلقت على اساسها المنظمة  كانت قراءتها للواقع السياسي للمعارضة الارترية من جهة والحكومة في ارتريا من جهة اخرى . وكذا بلورة رؤيتها لامكانيات التغيير ووسائله.

ترى المنظمة أن الاحزاب السيايسية الارترية المعارضة ,لم تتمكن من العمل على تأطير خلافاتها .  ولم تنجح حتي اللحظة في توفير مناخ للعمل المشترك . اضافة الى التساؤلات حول امتلاكها لقرارها السياسي المستقل.  وانعدام امكانية تفعيلها لنشاطاتها في محيط جغرافي محايد. ويأتي احتكار الجبهة الشعبية للسلطة في ارتريا بعد اللاستقلال وما تبع ذلك  من سياسات خاطئة  ,كعامل اخر فاقم من حدة الازمة السياسية المتراكمة. فالواقع السياسي القائم في ارتريا ليس وليد حكومة مابعد التحرير فقط انما هو وبدون شك نتيجة لافرازات مرحلة الكفاح المسلح.  فالفصائل الارترية في فترة الكفاح المسلح,  والتنظيمات المنبثقة عنها عانت من حالة انعدام الثقة  فيما بينها. ونتيجة لذلك تضاءلت فرص تحقيق المصالحة الوطنية التي كان يطمح اليها الشعب الارتري. فالندية والتنافس صارا سمة اساسية للعمل السياسي بدلا العمل علي تحقيق الاهداف المرجوة . وتم كذلك استبعاد واقصاء الحوار  رغم كونه عامل مهم ووسيلة فعالة في التقارب السياسي مما ضيق من فرص وامكانية احداث اي تغيير.

اما على صعيد قراءة الوضع السياسي داخل ارتريا . تنطلق المنظمة في رؤيتها من الاتي: تحولت ارتريا  الى دولة يغيب فيها القانون, حيث تنعدم ابسط الحقوق الاساسية للمواطن الارتري ناهيك عن الحريات الاخري كحرية الصحافة  والتعددية السياسبة. وكذاغياب قوى سياسية بديلة  تقراء الواقع بشكل صحيح و تستوعب التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد الكيان الارتري ,وتمتك رؤية استرتجية للتغيير وخلق حالة من الالتفاف الجماهيري حولها. اما الوجه الاخرى للمعضلة الداخلية يكمن في حالة اليأس والغضب التي تستهللك المواطن الارتري في الداخل برغم رغبته الواعية للتغيير الذي لاافق يحمله سوى ما أذن به الخالق.

ان الحديث عن منظمات المجتمع المدني  في المهجر ودورها في النضال من أجل ارساء مفاهيم الديمقراطية وسيادة القانون,  محور آخر من محاور رؤية منظمة مواطنون من اجل الحقوق الديمقراطية في ارتريا.  تميز المنظمة وبوضوح ما  يعرف بمنظمات المجتمع المدني في السياق الارتري. وبالعودة الى التأريخ النضالي لشعبنا ,وتحديدا في اربعينات او خمسنيات القرن الماضي.لعبت منظمات المجتمع المدني دور مهم واساسي في الدفاع عن الهوية والكيان الارتري. فعلى سبيل المثال لا الحصر وردا على محاولات نظام الامبراطورهيلي سلاسي  النيل من الكيان الارتري بحل مؤسسات الحكومة الارترية في فترة الحكم الفدرالي ,واجه النظام الاثيوبي مقاومة حادة تمثلت في اضراب شامل قاده اتحادا العمال والطلبة الارتريين في نهاية الخمسينات. ادى كل ذلك الى خلق حالة من الوعي الوطني لدى الشعب الارتري في حينه. ويمكن القول ان تلك المؤسسات  المدنية قد مهدت لنمو وعي الانسان الارتري للانتهاكات التي كانت تمارس ضده .والتي بلورت بدورها ادراكه لحقوقه وهويته الوطنية .ويمكننا اعتبار تلك المرحلة اللبنة  التي انطلقت من رحمها بوادرالحركة الوطنية الارترية. والتي تمثلت في حركة تحرير ارتريا وهي اول حركة سياسية ارترية شملت مختلف مكونات الشعب الارتري . وجعلت من استقلال ارتريا هدفا لها.

وفي الاطار نفسه يأتي خطاب سدري ليميز بين تلك المنظمات والمنظمات الجماهيرية في فترة الكفاح المسلح. فتنظيمات المراة والعمال واتحاد الطلبة الارتري وغيرها ,كانت روافد مهمة للثورة الاترية و ادت دورا فعالا في عملية التحرير .ولكنها ظلت تابعة للمؤسسة السياسية ومرتبطة بالقرارها السياسي .مما ينفي عنها سمة منظمات المجتمع المدني.

منظمات المجتمع المدني الناشطة في المهجر تواجه هي الاخرى تحديات كثيرة. من ابرزها عدم وجود اطار يوحد رؤياها ويؤطر استراتجية عملها وكذالك تأثرها بالثقافة السياسية الارترية السائدة سلبا بدلا من الـاثير عليها ايجابا. ويلعب المهجركمكان, دورا سلبيا في الحد من دورتلك المنظمات وتأثيرها المباشر على الداخل.

ومن هنا اتت سدري محاولة لردم الثغرة في الاطار المدني. فبدأ من انتشارها العالمي والمرتبط بوجود عضويتها في بلدان عدة الى سعيها الفعال في العاميين الماضيين للعب دور تنويري تجسد في العمل على تعزيز ثقافة ومفاهيم الحوار ومفهوم الديمقراطية. استطاعت هذه المنظمة الوليدة تحديد مكانتها في الحراك السياسي والتأثير عليه ايجابا.

يبقى التساؤل الاكبر قائما ومطروحا في ما يميز منظمة مواطنون من أجل الحقوق الديمقراطية في ارتريا عن غيرها.

تعتبر سدري نفسها مجاوزة للجغرافيا كعامل معيق للعمل والتأثير. فاعضاء المنظمة منتشرون في كل مكان . ونسيجها هو خليط من الامكانيات البشرية الواعية ومن خلفيات اجتماعيه متعددة , مما يؤهلها الى لعب دور مهم في نشر الوعي بالحقوق الوطنية وترسيخ مفاهيم الحوار والعمل مع كل اطياف المعادلة السياسية. الى جانب ترسيخ مفاهيم اللاعنف كوسيلة اساسية لاحداث التغيير الايجابي في ارتريا. وكذا تحقيق الديمقراطية باعتبارهما الضمان الوحيد لخلق حالة من الاستقرار الداخلي للمواطن الارتري.

ومن المحاور الاكثر اثارة للجدل في الطرح الذي تبنته سدري هو تعزيز ثقافة الحوار الذي لايمكن عزله عن عملية التحول نحو الديمقراطية. هذا الحوار الذي ينفتح نحو الداخل و يشمل امكانية الحوار مع الحكومة الارترية في ظل توفر المناخ المناسب لتحقيق طموحات الشعب الارتري في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية . يأتي هذا الطرح الجديد في رؤيته وتفاعله مع المشهد السياسي الارتري تجاوزا لما اعتبر من المحرمات  على مستوى المفهوم السياسي المعارض.

التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني الارترية  ومنها سدري شائكة ومعقدة. وربما يكون من ابرزها في رأي امكانية فصلها بين ماهو سياسي وما هو مدني. فالحراك السياسي الارتري قد يأتي بتحولات تضع منظمات المجتمع المدني في المحك بين الحفاظ على حياد الايجابي نحوالتغيير الديمقراطي وآخر سلبي في مواجهة القرارات السياسية المعارضة التي تتفاعل على اسس و مفاهيم مختلفة.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10367

نشرت بواسطة في يناير 18 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010