من يقف وراء مصطلح ( مسلمي المرتفعات والمنخفضات)؟
في الآونة الأخير ظهر على السطح مصطلح قديم متجدد في الأدبيات السياسية لبعض الساسة مسمى ( مسلمي المرتفعات والمنخفضات) ونظراً لخطورة المسمى وإنعكاساته على السلم الأهلي والإجتماعي وكثرة تداوله بين بعض المثقفين كان لا بد من الوقوف على منشأ المصطلح ومدلولاته وهل هناك مسلمين في إرتريا بمسمى (مسلمي المرتفعات والمنخفضات) ؟ ومن يقف وراءه؟ لكي يتضح للقراء الكرام حتى لا تختلط الأوراق.
المرتفعات الإرترية هي التي تشمل أقاليم ( حماسين _ أكلوجوزاي _ سراي) وهي المناطق الباردة في مناخها ، وأما المنخفضات الإرترية ( المناطق الحارة) هي التي تشمل أقاليم ( قاش بركة _ الساحل الشمالي _ سنحيت _ ساحل البحر الأحمر _ ودنكاليا).إذاً يتبين من ذلك أن المسمى (المرتفعات والمنخفضات) هو تقسيم جغرافي للمناطق الإرترية بدون التقسيم الإثني والعرقي كما يتوهم البعض ولم تظهر من قبل بالتقسيمات التي يريد منها البعض وضع شرخ في النسيج الإجتماعي الإرتري بحيث جميع المسلمين في إرتريا مستقبلهم الديني والوطني هو بوحدتهم وتماسكهم الذي عرف عنهم منذ عهود. ويبدوا لي هناك بعض الأطراف بعلم أو بدون علم تريد أن تفتح جبهة جديدة بين المسلمين لصالح أطراف وأجندة خارجية تتربص بالشعب الإرتري.
برز على السطح مصطلح ومسمى(مسلمي المرتفعات) بقوة بعد مؤتمر أواسا عندما فقدت بعض القيادات السياسية مواقع تنفيذية كانت تتوقع أن تحصل عليها في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني الديمقراطي وعدم تقبل النتائج الإنتخابية التي أفرزت شخصيات من المرتفعات أو محسوبة على المرتفعات حسب زعمهم . وفي الواقع هو تخيل ومرض البرانويا لبعض الساسة بأن المكتب التنفيذي للمجلس الوطني تسيطر عليه مجموعة من المرتفعات .وإذا نظرنا في هذه التهم بعين فاحصة نجدها لا تستند إلى دليل مادي ملموس حيث تم ترشيح وإختيار الدكتور يوسف برهانو من قِبل جبهة الإنقاذ لكي يترأس المكتب التنفيذي وذلك عندما وجدت الرأي العام يميل إلى شخص مسلم لترأس المكتب التنفيذي ، عليه إختيارهم للدكتور يوسف برهانو لم يكن بإعتباره ممثل المرتفعات وإنما بسبب مسلم لكسب الجولة عند الرأي العام. ولكن المشكلة التي نعيشها نحن الإرتريين الطموح والأفكار الشخصية لبعض القيادات السياسية يتم تحويلها إلى مطالب إقليمية وقبلية لتأجيج وتأزيم الوضع الإجتماعي لا صلة لها بالمطالب الوطنية.
وهناك بعض من المثقفين والسياسين يعتبر أهل المرتفعات تاريخياً وروحياً (خاصةً المسيحين منهم) تبعاً لإثيوبيا وربما يأتمرون بأمرهم أيضاً. وهذا خطأ كبير نقع فيه نحن مسلمي المنخفضات بأننا نعطي الحق لأنفسنا لإستخراج شهادة الوطنية وحسن السير والسلوك للآخرين.المسيحيون في إرتريا مكون إجتماعي مهم وقدموا نضالهم ضمن الثورة الإرترية ونجدهم اليوم أيضاً في صفوف قوى المعارضة الإرترية لم يكونوا من طالبي الإنفصال حتى لو حصل ذلك في الخمسينيات إبان الإستعمار الإثيوبي بالإنضمام إلى إثيوبيا الأم بالمقابل كنا نحن في المنخفضات من المطالبين بالإنضمام إلى السودان (الجانب الغربي من إرتريا) ولكن فلنقل تلك أمةٌ قد خلت ، ألم نكن نحن أهل المنخفضات من يطالب بحق تقرير المصير؟؟ وبل في ثمانينيات القرن الماضي ألم نكن نحن أهل المنخفضات من كان يحكم جزء من بركة تحت الحكم الإثيوبي تحت قيادة دنباي قطين ومن معه ؟؟
في تقديري أهل المرتفعات (إن صح التعبير) لا يٌخشى أن تؤتى إرتريا من قبلهم وذلك بإعتبار أهل كبسا يتميزون بكبرياء وعزة نفس وإستاذية قل ما تجدها في المنخفضات. أهل المرتفعات حتى لو كانوا تاريخياً أو روحياً مرتبطين بإثيوبيا بسبب الدين وهذا مفهوم كما نحن المسلمين مرتبطين بالعرب أكثر من غيرهم بسبب الدين ، ولكن مع ذلك هم يرون أنفسهم أفضل من إثيوبيا وبالتالي الإملاءات الإثيوبية لا تأخذ طريقها في ترويضهم والعمل ضد إخوتهم في الأجزاء الأخرى من إرتريا !! وهذا وفق تحليلي بعد القراء ة النفسية والإجتماعية لشعب كبسا مع المعطيات الواقعية في التعامل مع إثيوبيا .
ونحن أهل المنخفضات إذا صح تسميتها أو جزء منا هم من يجرون المجتمع الإرتري إلى تقسيمات المنخفضات والمرتفعات بدءاً بالثورة الإرترية إبان التقسيمات العسكرية المناطقية التي أثبتت فشلها بل كرست المناطقية والقبلية في المجتمع مازلنا نحن في الجيل الثاني من الثورة الإرترية ندفع فاتورة تلك الأخطاء وكل تصرفات التنظيمات السياسية الإرترية هي ردود أفعال غير مدروسة سياسياً ولا إجتماعياً ولا حتى إستراتيجياً ، فمثلاً جبهة التضامن كونت وإنشئت على عجل من أمرها وهلل وكبر أصحابها بإعتبارها تمثل طيف واسع من مجتمع المنخفضات (المسلمين) مما فسر من قبل إخوتنا في الوطن أهل المرتفعات الطرف الآخر (المسيحيين) بأنهم هم المستهدفين من هذا التجمع مما عجل في توحيد ألوان الطيف المختلفة تمثل المرتفعات تحت حزب الشعب الديمقراطي الذي سرعان ما حدث فيه التصدعات والإنشقاقات وفشلت فيه الجهود التوحيدية كما فشل قبلهم مشروع جبهة التضامن الذي أصبح إسم على ورق بدون فاعلية تذكر والإخفاق الذي شهدناه في مؤتمر أواسا من قِبل جبهة التضامن خير دليل . فشلت تجربة الطرفين لأنها مبنية على إصطفافات أقليمية وقبلية مناطقية باطلة والشعب الإرتري بفهمه ووعيه وتجربته الثرية بالنضال لا يقبل بمثل هذه المسميات التي أثبتت فشلها في الماضي والحاضر . ولكن بعض الساسة للخروج من عجز الإخفاقات التنظيمية والسياسية يطرحون أفكار تارةً إقليمية وأخرى قبلية دون جدوى !!
ويبقى السؤال من المستفيد من هذا السجال ؟ هناك طرفان مستفيدان من هذا السجال وهما النظام الإرتري والحكومة الإثيوبية. النظام الإرتري مستفيد بإنشغال قوى المعارضة الإرترية بنفسها في تصنيف بعضها بين المرتفعات والمنخفضات. والحكومة الإثيوبية مستفيدة في نجاحها في تشتيت وتفتيت قوى المعارضة وإشغالها في تصنيف بعضها وتشكيك البعض الآخر وبالتالي إضعافها أمام التحديات حتى تتمكن من إنشاء وتكوين كنتونات أخرى موازية للمعارضة وذلك بسبب ضعف وعجز المعارضة.
ومثل هذه الإصطفافات هي التي تتسبب في تقويض الأمن والسلم الأهلي وزعزعة تماسك البنية والنسيج الإجتماعي الإرتري.
المطلوب هو في هذه المرحلة ليست الإصطفافات الإقليمية والقبلية والمناطقية والدينية والعرقية والإثنية إنما المطلوب تضافر جميع الجهود في إزاحة هذا النظام الدكتاتوري وإرساء دعائم الديمقراطية والحكم الرشيد تكفل للجميع الحقوق والعيش بالكرامة الإنسانية دون إقصاء أو تهميش أحد بسبب عرقه أو إقليمه أو قبيلته. وإلا سوف نصبح الوجه الآخر للنظام حيث إننا اليوم في المعارضة نطالب بحقوقنا بسبب الإقصاء والتهميش الذي مورس علينا من قِبل النظام الذي نلعن فيه صباح مساء فهل نكرر نفس الأخطاء التي يمارسها النظام ؟
وبالله التوفيق
عامر ضرار أبو آمنة
02/09/2012
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25598
أحدث النعليقات