نبوءة أشعيا (إساياس) – ትንቢተ ኢሳያስ
- تقديم
- النبي المقدس
- الفاعلون
- امتداد معركة شري
- آمال إقامة دولة الأقاعز
- الحرب الأولى – (1998 – 2000)
- الحرب الثانية – (2020)
- نبوءة الأمهرا وطموح إساياس
تقديم
هذه زاوية أخرى للقراءة تختلف عن القراءة السابقة حيث ترتكز على التقليل من قوة المؤثرات الخارجية وتضع المؤثرات المحلية واللاعبين الإقليميين في المقدمة، ومن ثمّ تفاعل إقليمي سيستمر حتى يأتي بخرائط جديدة في عموم المنطقة. يقود هذا العمل أقدر قادة المنطقة وأكثرهم خبرة في نسج المؤامرات وإدارتها بالتعاون مع حليفه “الشاب – الموهوب”.
لا شك أن كبير صانعي أزمات المنطقة وكما ظلّ يصرّح ويلمّح في أحاديثة المتكررة، قد فعل فعلته، وأطلق صافرة البداية لحرب الأغبياء حيث الجميع يجزم بأن الدمار في صالحه ويعتقد ان كل روح تزهق جزء من آلته الدعائية التي تعمل ليل نهار لشرعنة موقفه الداعي لاستمرار القتل وتدمير مقدرات الشعوب.
إساياس أفورقي، أطلق مشروعه الذي صرح به بقوله “إذا أردت أن تدير إثيوبيا عليك بتقسيمها” ومن ثم أشعل نيرانا هائلة في جسد إثيوبيا التي ظلت تخاف من ان يبتل طرفها قد أغرقها حتى هامة رأسها في حرب الكينونة والسيادة الوطنية إسماً وشكلاً، وحرب الدماء الرخيصة واقعاً مُعاشاً.
هذه الحرب، في ظاهرها اشتعلت لتحقق مصالح مجموعة ما في إثيوبيا كما يبدوا للوهلة الأولى. ولكنها حرب خاصة جدّاً. صاحبها “ساحر كبير” يدير الموقف من الفكرة مروراً بالترتيب والإعداد، وانتهاءً بالتنفيذ.
هذا الساحر هو الشخص الذي تردّد إسمه أكثر من إسم عاصمة التقراي وعبر جميع مراحل الحرب المستعرة، في الوقت الذي نجده شخصياًّ حتى هذه اللحظة يلتزم الصمت المطبق وهو الذي يهوى الفتيا في كلّ شؤون الجوار أكثر من شأنه الداخلي.
النبي المُقدّس!!!
في الإعلام الإثيوبي وفي أحد البرامج التي يديرها أحد نشاطي اليوتيوب الإثيوبيين نسمع أحد المتداخلين وبحماس منقطع النظير وربما بناءً على عقيدة صلبة يؤمن بها ومن ثم يُسقط منها إلى الواقع، فيقول “نبوءة إساياس التي ظللنا نقرأها في العهد القديم سنرى جزءً منها اليوم.” ويستمر في القول بأنّ “إساياس الذي قال أنه يرغب في السير في شوارع مقلي سيحقق ذلك قريباً وَحْيُ إساياس سيتحقق”. واستكمل متداخل آخر بالقول بأن “إساياس أفورقي شخص لابد وأنّ لإثيوبيا أن تندم لعدم معرفتها بكيفية تفكيره ورؤيته. هذ الرجل الإثيوبي النموذجي والسياسي العبقري لا بد أن تتمسك به إثيوبيا” واستمر البرنامج في ذلك النهج في وصلة إطراء لإساياس أفورقي باعتباره من ورّط لهم الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (ህወሓት) في الوضع الذي دخلت فيه باشعال فتيل الحرب المربوط في ذيلها.
وبمرور خاطف على نبوءات إساياس في العهد القديم من الكتاب المقدس نجد أنه أحد أنبياء بني إسرائيل الذي قدم في كتابه ما يقرب من 60 نبوءة والتي من بينها إبادة شعوب وسيطرة أخرى، ثم تأسيس دولة أو أمة إسرائيل وأشياء أخرى يمكن ربطها بموضوعنا اليوم، من قبيل السخرية على الأقل، إلا أنّنا لن نخوضها كسبا للوقت والمساحة.
ربما النقطتين الهامتين في تشبيهاتنا بهذه النبوءات هما سحق “سومر” التي يدعي بعض التقراي أنّ أصلهم يعود إليها، وإذلال “مصر” التي تواجه مصيراً غامضاً جراء التصرف الإثيوبي المحتمل بالبدء في المرحلة الثانية من ملء سد النهضة (سيتم التوسع في تناوله في القراءة التالية).
تقول النبوءات بأنه سيتم إذلال سومر ومصر ويتم على انقاضهما تأسيس دولتين طائعتين تابعتين لدولة أو أمة اسرائيل، الأمر الذي يشير بشكل ما إلى دولة إسرائيل المأمولة من الفرات إلى النيل.
وبما أن العقيدة الأورثودوكسية جزء أصيل في الصراع القائم أو الحملات الجارية لإشعاله من كلا الجانبين، فإن تعبير “نبوءات إساياس” سيكون له وقع مختلف لدى من يجد فيه ما يدعم موقفه، وخاصة الأمهرا المصطفّين مع إساياس والمتخندقين بجانبه ضدّ التقراي، العدو المشترك لهما.
الفاعلون:-
أولهم هو الذي يقود الصراع بخبرته الكبيرة في التآمر وصناعة الأزمات، رئيس دولة إرتريا إساياس أفورقي، وهو المحرك الأساسي للعبة. وهو صاحب الحفلة الحقيقي الذي يمتلك كل خيوط اللعبة بحسب القراءات التي بنيت على ماضي الاقليم وحاضره واستناداً إلى مجريات الأحداث في إثيوبيا.
ينحدر إساياس من أسرة هاجرت من تقراي إلى إرتريا منذ ما يقرب من مائة عام ولم تنقطع هذه الأسرة عن اصلها التقراوي حيث كان جده أبرهام ووالده أفورقي كثيري التردّد إلى تقراي وخاصة منطقة تمبين حيث كان جده الأكبر حقوس مرطتشا ولدي-كيدان ሓጎስ ምርጫ ወልደኪዳን حاكما لها. وكان لجده هذا شقيق يدعى كاسا، وهو الذي حكم أجزاءً من إثيوبيا وبعض المناطق خارجها تحت اللقب الملكي “يوهانس الرابع”. هذا بحسب إحدى أكثر الروايات مصداقية للباحث الإرتري هيلي منقشا عقبيت، ولكن في واقع الأمر لا أحد يعرف بصفة يقينية ما هو أصل إساياس أفورقي ولا حتى إسمه الثلاثي.
يليه قائد إقليم التقراي في إثيوبيا الدكتور دبرطيون قبري-ميكائيل والذي يعني إسمه الأول “جبل صهيون” والذي يراه قومه من التقراي القائد النموذجي الذكي الذي يسعى لتحقيق أمل شعبه في السيطرة على المنطقة، ودون مواربة. ويضربون في ذلك مثالا ونموذجا لهم، دولة إسرائيل، قليلة العدد ولكنها ولعوامل أخرى تمكنت من إخضاع كل الدول العربية.
بناءً علي الواقع في تقراي التي ظلت تذل إثيوبيا الكبرى، وتلك الثقة الشعبية في قيادته المتمكنة، يراه التقراويون رمزا للتحدي ونموذجا قادراً على تحقيق حلم دولة تقراي الكبرى التي ستضم مساحات شاسعة من أراضي إثيوبيا قد تصل إلى ثلث إقليم الأمهرا وكامل إقليم العفر بالإضافة إلى كلّ أراضي دولة إرتريا.
ثالث الأثافي الموقد لإحراق المنطقة برمتها هو القائد الأكثر بروزاً في هذه الحرب رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد وهو ابن لرجل مسلم من قومية الاورومو وامرأة أورثودوكسية من قومية الأمهرا، ولكن هناك معلومات متضاربة عن الأب البيولوجي للرجل.
الدكتور أبي أحمد، رجل مخابرات يقال عنه انه خبير فض المنازعات بحسب مؤهله العلمي ومن ثم برز على سطح الأحداث في الإقليم بحنكته وقدرته على الإقناع، وصانعاً للسلام الإقليمي، وحاملاً الآمال بقيادة المنطقة نحو التحول الديمقراطي السلمي، وبالوحدة الطوعيه بين كافة شعوب إثيوبيا أولاً، ثم لاحقاً كامل الإقليم.
آخر من نرغب على إضافته في قائمة الموت هو (الشخص أو المؤسسة) الذي دأب التقراي على استخدامه في إذابة الحدود بين إرتريا والتقراي إعداداً لتأسيس دولة تقراي الكبرى على انقاض إرتريا وهو المدعو تسفاطيون الذي قدم بعضا من خباياه في حديث لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية التي قدمته بمعنى إسمه “أمل صهيون” “Hope of Zion” في محاولة منها لاستعطاف القراء من الصهاينة أملاً في دعمهم لما يقدمه. كما وصفت الصحيفة في مقدمتها مكتبه المنزلي، بأن “علم إسرئيل يزين الخلفية الرئيسية لمكتبه”.
لم يفرط “أمل صهيون” في مهمته أثناء حديثه للصحيفة حيث طالب اسرائيل بنجدة الصهاينة في إرتريا وتقراي من الحرب التي تدور رحاها فوق أراضيهم وتستهدفهم بسبب هويتهم. ودعا إسرائيل للتحرك الفوري لحماية مصالحها الإستراتيجية وحثها على أن تمد له يد العون ليتمكن من إسقاط إساياس أفورقي وانقاذ الصهاينة في بلده الذين أسماهم بشعب التقرنية الذين يواجهون كل هذه التصفية والتطهير العرقي.
إسمين آخرين نشير إليهما بالحاضرين الغائبين وهما يوهانس الرابع الملقب بملك ملوك صهيون بالحبشة والآخر هو القائد العسكري ليوهانس الرابع صاحب الإبادات الجماعية الموسعة في إرتريا والتطهير الديني الشامل للمسلمين في إقليم وللو الإثيوبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهو “ألولا أبا نقا” الذي تسمي الجبهة الشعبية لتحرير تقراي حملاتها العسكرية باسمه تيمنا بأفعاله وربما أملا في تكرارها.
امتداد معركة شري
وعلى ذكر يوهانس وقائده العسكري ألولا يمكن ملامسة بعض الأمور الشخصية والعائلية لأسرة الحكم في تمبين التي يعود نسبها إلى الرأس سهلي ميكائيل والتي نشير إليها بما يناسب حديثنا اليوم بأسرة إساياس التي تعود إلى حقوس مرطتشا ولدي-كيدان ሓጎስ ምርጫ ወልደኪዳን وبين أتباع شقيق حقوس المدعو “كاسا مرطتشا ولدي-كيدان” ወልደኪዳን ካሳ ምርጫ الذي أصبح “ملك ملوك صهيون يوهانس الرابع” والذي كان القائد العسكري الرأس ألولا إنقدا (ألولا أبا نقا) صاحب الثقة المطلقة لديه.
بعد مقتل يوهانس وتفشي الصراع على السلطة والإقتتال الداخلي بين نبلاء التقراي الذين يدعون بعودة أصولهم إلى النبي سليمان عليه السلام فيقولون بأنهم السلمونيين التقراي (هناك أيضاً السلمونيين الأمهرا)، أخذ جدّ إساياس الكبير حقوس مهمة استعادة ملك تمبين وأمجاد السلومونيين التقراي على عاتقه مما وضعه في مواجهة القائد الأشهر ألولا الذي كان يحمل قدراً من الولاء لنسل ولي نعمته يوهانس الرابع
وبالرغم من الصراع الخفي مع الرأس منقشا إبن يوهانس الذي كان يسعى دوما لاسترداد ملك والده ومن أجله دخل في تحالفات مع المهدية قتلة والده. ولكنه لم يفلح في ذلك، بينما كان عمه حقوس (جد إساياس) يرغب في تسلم زمام الامور باعتباره كبير الأسرة، كما أنه كان يحمل غلّاً ضد ألولا لأسباب موضوعية.
دخل الطرفين (حقوس وألولا) في معركة مميتة في منطقة “شري” التي انتهت بمقتل حقوس أثناء المعركة وإصابة ألولا التي تسببت في وفاته بعد أسابيع قليلة من انتهائها وهو الأمر الذي تطلب هروب أبرهام ابن حقوس (والد أفورقي والد إساياس) على عجل إلى الشمال وعبور نهر مرب وطلب الحماية من الإيطاليين 1897. ومنذ هذا التاريخ لم ينقطع أبرهام وإبنه أفورقي عن إرث جدهما في تمبين كما أوضحه الباحث هيلي منقشا عقبيت.
بالعودة إلى الواقع فإننا نجد قدرا من الإستمرار لهذا الصراع التاريخي الذي تجدد برفض ملس زيناوي وجماعته الإنصياع لأفورقي الطامح لاستعادة مجد أجداده. ولم تكتف مجموعة الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (ህወሓት) بذلك بل استدعت صراع جد إساياس، حقوس مرطتشا مع القائد العسكري ألولا فأسمت حملتها التي تدعي أنها للدفاع عن كرامة شعب التقراي وتقرير مصيره بحملة “ألولا أبا نقا” نكاية في إساياس وتيمنا بمقتل جده على يدي ألولا ثم هروب باقي أسرته المدحورة إلى خارج التقراي نحو إرتريا.
آمال إقامة دولة الأقاعز
ثم بعودة أخرى إلى تفاصيل ومجريات الواقع، نجد أن التقراي قد أعدوا لمعركة الهوية التقراوية لمدة عقدين من الزمن. عملوا خلالها على الاستعداد لهذه المواجهة بتجنيد كل من ينتمي لهذه الهوية. ومن أجل ذلك سعوا لتوريط الشعب الإرتري من قومية التقرنية وإعدادهم للدخول في الحرب الحالية بجانب التقراي باعتبار صلاتهم الثقافية والدينية واللغوية وربما العرقية المرتبطة بالتقراي.
تمكن التقراي من إنجاز عمل منظم بدقة فائقة وتكوين شبكات علاقات عامة ذات اهتمامات متشعبة في الاوساط الإرترية متحدثة التقرنية وأتباع الكنيسة الأورثودوكسية. وكانت الاداة الرئيسية فيه مجموعة تسفاطيون ومن خرجوا من رحمها من فروع الأقازيان والعديد من أتباعهم من الإرتريين المرتبطين تاريخيا بالهوى التقراوي.
وفي هذا الصدد اكتسب التقراي تعاطف الكثيرين من النخب التقرنياوية أيضاً حيث عقدوا العديد من المؤتمرات من أجل دعم تلك الهوية المستحدثة الساعية لتحقيق الوحدة بين التقرنيا في البلدين وإبادة أو ترحيل الشعوب الأخرى التي تقطن أراضي إرتريا ومن ثم يصلون إلى دولة التقرنية أو دولة الأقازيان أو دولة تقراي الكبرى.
هذه الدولة التي ظل يحلم بها الكثيرين من الإرتريين التقرنيا والإثيوبيين التقراي منذ منتصف القرن الماضي والتي جدّد عملية التأسيس لها كبير منظري فكر التقراي-تقرنيا المعاصرين ولد-آب ولدي-ماريام، وهو الذي تم وصفه بأنه من أسرة هاجرت من تقراي إلى إرتريا ومن ثم لا يعتبر إرتريا من أصول إرترية. بقي أن نشير إلى أن هذه الدولة كان قد ورد ذكرها ضمن آمال ألولا أثناء تفاعلات ما بعد مقتل يوهانس الرابع.
كما نجد ان مجمل أحاديث وتشبيهات من هم في صف حكام التقراي من الإرتريين في الحرب الاهلية القائمة في إثيوبيا ترمي إلى أنهم في الأصل تقراويون وأن هويتهم الحقيقية هي التقراي وأن إرتريا بالنسبة إليهم دولة صنيعة الإستعمار أتت لتفرق بينهم وبين إخوانهم وبني جلدتهم من التقراي.
وفي هذا الإطار نسمع أيضاً ومن قلب التقراي صراخا عاليا ينادي بانفراط العقد الوطني الإثيوبي وأن التقراي لم يعد لهم مفر من إستعادة دولة أكسوم الأقازيانية الكبرى التي تكون عاصمتها أكسوم وميناءها عدوليس وتتمدد خريطتها إلى كل ما تصل إليه أيدي حكامها.
هذا الحال وهذه الخريطة السائبة التي تتمدّد بقدر ما تصل إليه أيدي أصحابها ربما يذكرنا بدولة صهيون الأخرى، إسرائيل، التي تتغير خريطتها بقدر توسعها في إحتلال أراضي الأمم الأخرى المجاورة، كما أوردنا المقارنة بين الحالتين في حديث سابق في الثاني من أكتوبر 2017م تحت عنوان ((أمل صهيون – جبل صهيون)).
الحديث عن هذه الدولة المأمولة لا يتوقف على الاكاديميين والسياسيين والنشطاء فحسب، بل نجده يمتد الى المؤسسات الدينية التي يعلوا صوتها بذلك هذه الأيام. على سبيل المثال لا الحصر، نجد احد القساوسة الكهول يصرخ بأعلى صوته “من الآن فصاعداً لا تدعوا في صلواتكم لإثيوبيا وحكامها. من الآن فصاعداً أدعوا لتقراي والأقازيان وستكون إثيوبيا جزءً من التقراي في القريب العاجل، ثم أخذ يردد نشيد الدعاء المتعارف عليه بتبديل إسم إثيوبيا بتقراي. وأكد هذا القسيس الكهل على أن التقراي مرتع صهيون وهي التي تملك التابوت الأصلي. وأنها بصدد إعلان استعادة مملكة أكسوم الأقعازية.
وعليه نجمل بالقول بأن حلم إقامة تقراي الكبرى التي تضم إرتريا بعد استئصال شعبها من غير التقرنيا لم يكن وليد اللحظة بقدر ما هو مشروع تبنته بعض القيادات العميقة في الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ህግሓኤبالإضافة إلى كامل قيادات الجبهة الشعبية لتحرير تقراي ህወሓት.
المراحل التنفيذية من مشروعهم هذا لم تبدأ اليوم حيث يقول التاريخ المدون بأنها مستمرة ودون توقف. ولكننا نذكر هنا ما شهدنا ونشاهد منها في عصرنا الحالي حيث استمروا في سياسة التهجير والإبادة المنظمة ثم التغيير الديمغرافي. نذكر جميعاً أنهم وإبان مراحل الكفاح المسلح قد قاموا بتهجير ممنهج لسكان المناطق الغربية من إرتريا تارة بالترويع وتارة بالإخطار بالإخلاء بسبب المعارك المحتملة، ومن ثم دفع المواطنين منهجيا إلى الخروج الفوري إلى السودان ثم أتى استكمال المشروع برفض النظام الإرتري عودة اللاجئين إلى ديارهم لمدة ثلاثين عاماً بدعوى عدم التوافق مع الكيانات الدولية على أسلوب ونظام عودتهم.
الحرب الأولى (1998 – 2000) – من هو كبير تقراي
قد نَدَّعي بأنَّها حرب حدود بين دولتين فجرها نزاع السيادة على منطق”بادمي” ولكن واقع الحال يحمل ما هو أكثر من ذلك، حيث بدأت الخلافات بمطالبة زيناوي بالتخفيف من سيطرة الأمن الإرتري على مجريات الأحداث في إثيوبيا تخفيفاً عليه من ضغط المجتمع الإثيوبي الذي كان يصفه حينها بأسوأ الأوصاف، ربما أقلها القائلة بأنه “دمية في يد إساياس”.
تطور الأمر بعد ذلك إلى التعامل التجاري الذي كان في صالح نظام إساياس وهو الذي كان يشتري المنتجات الزراعية والحيوانية من داخل إثيوبيا ومن المزارعين مباشرة بالعملة المحلية وبأرخص الأثمان ليقوم بتسويقها في الخارج ليحصد من خلالها العملة الصعبة.
بعد اعتراض مجموعات الضغط داخل حزب الجبهة الشعبية لتحرير تقراي على ذلك صرح زيناوي لإساياس أفورقي بالإستياء داخل جبهته من تلك التصرفات الإرترية مما زاد من غضب إساياس الذي كان حينها أكثر تمسكاً بمشروع تقراي الكبرى والتي يتخيلها إلا تحت إمرته شخصيا لاعتبارات تتمثل في النسب كما أسلفنا، والقوة العسكرية حيث أن إساياس في ذلك الحين كان يقود قوة عسكرية اعتبرت حينها (1991 – 1998) الأكثر كفاءة والأفضل تنظيماً والأوفر تسليحاً في عموم منطقة القرن الإفريقي.
وفي المقابل، ملس زيناوي الذي يواجه مشاكل متعددة، كان يتأرجح بين:-
- المشروع الأصل الذي تم من أجله إخراجه ورفاقه لميادين التمرّد ليلعب دور المكمل والداعم لإساياس أفورقي الذي سبق ان تم ابتعاثه إلى داخل جبهة التحرير الإرترية لينفذ المهمة الرئيسية، وهي هدم الثورة الإرترية القائمة واحتلالها لصالح مشروع تقراي-تقرنيي (تقراي الكبرى).
- المشروع البديل الذي استحدث أمام زيناوي وبعد إحساسه بإمكانية إحكام السيطرة على إثيوبيا الكبرى وتطويعها لحكمه واستغلال مواردها لصالح مجموعته ثم رفع مستوى المعيشة والتعليم والحضارة في إقليم تقراي الذي ظل في ذيل اهتمامات إثيوبيا عبر التاريخ. وهذا المشروع سيرتقي بملس زيناوي ومنظومة التقراي إلى الارتقاء فوق أحلام إساياس ومن ثم اختار زيناوي أن يتمسك بإثيوبيا الكبرى متى ما ظلت طائعة لأوامر التقراي.
هنا انفراط في العقد بين طرفي التقراي في المعادلة والمعروفين اختصارا بـ”الشعبية” و”الوياني” ووجب التصرف العاجل لتأكيد من هو الأقوى ومن هو صاحب تقراي الكبرى، حيث بدأ إساياس باتخاذ إجراءات انتقامية كان أولها التمسك بإرتريا المستقلة، ثم قرر اتخاذ خطوة إضافية نحو الإستقلال الكامل بإعلان العملة الإرترية (1997) دون تفاهم مع الشريك التقراوي مما دعا هذا الشريك لتصرف مماثل كان مردّه رغبة حكومة التقراي في أديس أبابا في التعامل مع إرتريا بالعملة الصعبة، ثم اتخاذ خطوات من شأنها التقارب مع الشعوب الإثيوبية تمهيداً لاحتمالات مآلات العلاقة مع “الشعبية” والخوف من بطش الشقيق الشقي في إرتريا.
إزدادت التفاعلات، ثم مع سخونة حوار الأشقاء الهادف ربما للوصول إلى الطرق المسدودة تم جلب كل عوالق المشاكل بين الطرفين إلى السطح، إلى أن تم الانفجار المأمول فوق إحداها وهي مشكلة منطقة “بادمي”.
إندلعت الحرب فوق أرض بادمي التي ما لبثت أن تحولت إلى حرب شاملة عبر خط الحدود الممتد لأكثر من ألف كيلومتر، وأبادت عشرات الآلاف خلال سنتين من الاقتتال الدامي.
بعد بحار الدماء هذه تم إيقاف أنهر الدماء والوصول إلى التحكيم الدولي بعد انهاك الطرفين عسكريا وعجزهما عن الحسم، إلا أنّ الحرب لم تتوقف ههنا حيث استمرت باردة ومدمرة لكل معالم الحياة، خاصة في إرتريا ذات الموارد الأقل والعلاقات الدولية الهشة.
الحرب الثانية (2020) – ربما تحت شعار ካብ ንስኻ ትበልዖ ቆፎ ይብላዓዮ
إساياس أفورقي لم يهتم بالدمار الشامل الواقع في حياة الشعب الإرتري الذي لا يهمه منه شيء إلا الجندي الذي يجبره على القتال من أجل تحقيق آماله بالفوز بإرث أجداده، حكام تقراي في عاصمة الحكم آنذاك “تمبين”، ومن ثم أمل المرور فوق أشلاء أشقائه وأبناء عمومته في مقلي.
من أجل هذا الهدف، حاول إساياس أفورقي التحالف مع كل الإحتمالات (الأورومو، الدمحيت، قنبوت7، المحاكم الصومالية الخ..) سعيا للوصول إلى غايته حتى وجد ضالته في أبي أحمد، فوضع له كل التنازلات بين يديه لتحقيق الإنتقام والوصول إلى المرحلة الأولى من غايته المنشودة، ثم تكون المرحلة الثانية على عاتق أهل الثقة لديه من التقراي “حركة شعب تقراي الديمقراطية” ደምህት المعروفة إرترياً بـ”الدمحيت” وهي التي ستتسلم المهام الأساسية الحساسة في إدارة إقليم تقراي في المراحل الأولى بعد استكمال هزيمة (ህወሓት) وبالتعاون مع حركة فنقل التي قد يكون لها قدر من الولاء لأبي أحمد.
إذن هي حرب شعواء خاضها أبي أحمد إسماً وإساياس أفورقي تخطيطاً وتنفيذاً حتى يتم تدمير كل مقدرات حكومة الجبهة الشعبية لتحرير تقراي (ህወሓት) وينتقم منهم شر انتقام ثأراً لكرامته وكرامة جده المذبوح في شري.
نبوءة الأمهرا وطموح إساياس
هذه الحكاية وكما جلبت الماضي البعيد ليؤثر في الحاضر القائم فإنها ستمضي بما حملت للمستقبل. وللقصة بقية وعوالق لا يمكن حلحلتها إلا بحوار الغالب والمغلوب ستشهدها أجيال تعيسة أخرى. وستظل أبواب المعاونين والحلفاء مشرعة لمن أراد دخولها والتأثير على مجرياتها.
وبما أن باب التحالفات سيبقى مفتوحا باستمرار فالأمهرا وبالرغم من أنهم العدو الألد لطرفي التقراي فإنهم الأقرب للعب دور رمانة الميزان في المستقبل كما فعلوا في الحرب الحالية، وإليهم ستؤول كل المكاسب في المستقبل.
وقد شاهدنا أن راهن الأمهرا على إساياس وأعدوا له شريكاً مناسباً يتحدث لغة مرنة ويعد بمستقبل أفضل فمكنهم هذا الثنائي من تحقيق مبتغاهم. ولكن ينتهي أمل إساياس هنا وتنحسر أحلامه في “السير في شوارع مقلي” بحسب ما أشار إليه قرينه أبي أحمد في لقاء سابق وتتحقق نبوءة ذاك المتداخل الذي أشرنا إليه أعلاه.
ثم ربما قد نجد في إثيوبيا من سيرى في إساياس قديسا يجب على إثيوبيا التمسك به ولكن لغة إساياس القائمة على التآمر وحدها لا تكفي لعبور الأمهرا السلس إلى السلطة، ومن ثم فإن إساياس بالنسبة إليهم مرحلة انتهت بنجاح، وأن القادم شيء مختلف تماماً عما هو واقع وعما مضى.
لاحقاً، الأمهرا في المستقبل القريب استناداً إلى واقع حرب التقراي الماثلة ومئالات إثيوبيا والإقليم (زاوية قراءة مختلفة قليلاً).
بشرى بركت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=44641
مادة تأريخية دسمة تربط أحداث الماضي بوقائع الحاضر. تسلسل تأريخي سلس جدا يحاول ربط الأحداث الجارية بوقائع تأريخية حاول الكاتب جاهدا إثبات أنها تفسرما يحصل الآن.