نخب الثقافة الاسلامية في إرتريا .. فقدان الاستراتيجية
لو كان ممكنا تلخيص كل ما أريد قوله في هذا المقال في جملة واحدة لقلت: يا نخب الثقافة الاسلامية والعربية في إرتريا أوقفوا الهتاف والتفتوا إلى العمل الاستراتيجي !. إلا ان الأمر اكبر من ان يلخص في مجامع كلم؛ يحتاج إلى اثبات تلك الفرضيات، والبحث عن الحلول، وفتح حوار فكري ينتقل بنا من مرحلة التألم من الجرح إلى مرحلة وضع الأصبع على الجرح، من مرحلة الشعور بالمشكلة إلى مرحلة حل المشكلة، من مرحلة ردود الأفعال إلى مرحلة الفعل. وإذا كان الأمر كذلك ، فهل لنا أن نتساءل؛ هل صحيح ان نخب الثقافة الإسلامية والعربية في إرتريا اليوم تعيش مرحلة التألم فحسب؟ هل هي في المرحلة الأولي ( مرحلة الشعور) أم انها تتعدى حدود ذلك إلى مرحلة العمل وانتظار النتائج المرجوة؟ هل هذه النخب تفتقد إلى العمل أم تفتقر إلى الاستراتيجية ( العمل المؤسس)؟ ومهما يكن من أمر، فإن من الصعوبة بمكان ان تنحصر الإجابة عند حدود (نَعَم أو لا)،كما أنه من الصعوبة بمكان أن تتوافق تقييماتنا – جميعا- حول مستوى رأي واحد؛لأننا ننظرإلى تلك الفرضيات من مستوى مفاهيم معينة ، وبيئات وتجارب مختلفة . ولكننا في الوقت ذاته؛ يجب أن نعترف بوجود انكسار، واعوجاج في طريقة إدارتنا بل وتفاعلنا مع قضايانا السياسية والثقافية ، ومن ثم البحث عن معالجات وحلول معتمدين على تراكم تجاربنا وتطور معارفنا واخذ الايجابي من تجارب الشعوب الأخرى.أي؛ تصحيح طريقة التفكير حول الأهداف الجمعية للكيان الإرتري، وهو الهدف الكلي للمقال.
من هي النخب المقصودة في المقال؟
اطلاق نخب الثقافة الإسلامية في إرتريا في هذا المقال يجب ألا ينصرف إلى نخب الحركة الاسلامية الإرترية فحسب؛ فمقصدي ههنا- كما هي طبيعة الأشياء- يشمل الشكل ( الجيوثقافي ).أي الجغرافية الثقافية التي لا تتأثر بفكرة العقيدة. وفي هذا الإطار، أنا من الذين ينظرون إلى عنصر الديانة المسيحية في المنخفضات- منطقة كرن مثلا- كمن هو مدافع عن الثقافة العربية ؛ أو هو أكثر قدرة في الانسجام والتعايش مع عناصر الثقافة الاسلامية والعربية ، مهما تحدث ذلك الإنسان أوانتمى إلى لغات أخرى.لأن تأثير البيئة الثقافية أو الجيوثقافية تؤدي دور الانسجام والتعايش بشرط توفر العدالة والمساوة.فأنا حينما أتحدث– مثلا- إلى عضو البرلمان السويدي؛ إرتري الأصل، أرهي حمَّدناك ؛ كما لو أتحدث إلى عنصر الثقافة الاسلامية والعربية في إرتريا. فأرهي حمَّدناك- كمثال رمزي- باحث عن الحرية والعدالة والمساواة ؛ مثله- تماما- كمثل حامد تركي أو حسين خليفة أو أحمد محمد ناصر أو محمد نور أحمد أو حسن علي أسد أو إبراهيم محمد علي…(إلخ). بينما لو أنك أخذت نموذجا آخر فتحدثت إلى حروي تدلا بايرو أو إلى الراحل سيوم عقبامكئيل لربما وجدت بعض ارتباك في اتجاهات تفكيرهما حول الثقافة العربية في إرتريا ، لكونهما من بيئة ثقافية مختلفة(جيوثقافية تجرنية) ، ومع هذا كله فهما في نهاية المطاف كانا يمثلان أكثر عناصر الثقافة التجرينية إيمانا بالمبادئ العامة للعدالة السياسية والثقافية ، وهذاعكس الذي تجده لو أنك تحدثت إلى مسفن حقوص أو أدحنوم قبريماريوم، بل أبعد من ذلك ؛ أن عنصر الثقافة التجرينية الذي تربي في ظل حركة تحرير إرتريا أوجبهة التحرير الإرترية أو قوات التحرير الشعبية (1958-1980) أكثر قدرة وانسجاما مع عنصر الثقافة العربية ، مقارنة بذات العنصر الذي لربما تربى في ظل الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا(1969/1975-1991)؛ وذلك لاختلاف التوجه السياسي والثقافي والاهداف العليا لكل تلك الكيانات (البيئة الثقافية للكيان).إن تجربة السيطرة القائمة في إرتريا (1980/1991- 2013..) بقيادة أسياس أفورقي وظلال (الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا) أظهرت الكيان الإرتري في موقف ظالم ومظلوم، كما أظهرت الصراع الثقافي الارتري(دولة الثقافة التجرينية أم دولة الثنائيىة الثقافية العربية والتجرينية) في مرحلة التطبيق من طرف واحد. ومن يبصر إلى كليات الساحة الإرترية السياسية والثقافية سيميزها بشكل عام إلى كتلتين أساسيتين . كتلة حاكمة في إرتريا؛ وهي تمثل الطرف الظالم ، وأما الكتلة الأخرى فتتمثل في عموم المجتمع الإرتري الذي يقاسي مرارة الحياة داخل ارتريا أو خارجها في مناطق اللجوء والمهجر. ولأن الثقافة العربية وعموم مناطق المسلمين في إرتريا هي التي شهدت ضربة الظالم الأولى، حيث أخِذ ابناؤهم ومثقفوهم وعلماؤهم ومربوهم في ظلمة الليل إلى معتقلات أبدية – لا يعرف الحي من الميت فيها- ومورست ضدهم العنصرية الثقافية ، حيث حرموا من التوظيف واجبروا للهجرة العكسية ، حيث لا طائل هنا تحت الاطناب للدخول إلى عمق المفاصل الموجعة، بقدرما تقتضيه الضرورة للاشارة إلى تلك الحقبة التطبيقية الخطيرة في تاريخ المجتمع الإرتري ، وهي فترة لم تصبح تاريخا مدونا ؛ بل أخذت شكلا أكثر شمولية ، ما اطلقت إليه في مقال سابق ب( اليت الإرتري المحروق)؛ الذي على انقاضه يقف اليوم أسياس أفورقي. إذن النخب المعنية في هذا المقال أشمل من ان تنحصر في عناصر التفكير الاسلامي التنظيمي بل تأخذ الاطار الثقافي القائم على مطالب المساواة والعدالة المنتهكة في إرتريا.
وأما الاستراتيجية المعنية هنا؛ فهي ذات الاستراتيجية التي تقوم على الرؤية والاهداف، وتستخدم اتجاهات ثابتة ومتغيرة للوصول إلى تحقيق الاهداف الكلية. لا شك في ان هنالك تعريفات متعددة لمفهوم الاستراتيجية، وهي سهلة المنال عن طريق (الغوغلة) أو البحث عنها في google. لأننا اليوم في عصرة الصفحة الالكترونية بمداد إلكتروني.
هل هناك صراع في إرتريا.. وماهو طبيعته .. وكيف نتفاعل معه؟
لا شك في أن هناك صراع متأصل في إرتريا ، مثله كمثل الصراعات في بقية المجتمعات في العالم. وطبيعة الصراع في إرتريا ، هو صراع ثقافي في المقام الأول ، صراع حول السيادة الثقافية. بين مؤمن بأن الثنائية الثقافية ( دولة الثقافة العربية والتجرنية ) هو الاتجاه الأمثل والعادل ؛ يتبني هذا الجانب – بكل صدق- المسلمون والعادلون من ابناء المسيحية في إرتريا. وبين طرف يرى سيادة الثقافة التجرينية وتنوير الدولة الإرترية باللغة والثقافة التجرنية؛ يناور في هذا الاتجاه حملة الثقافة التجرينية في المرتفعات الإرترية ؛ وعلى الأخص ابناء الحماسين الذين لربما يريدون تمثيل دور مايشبه بدور أبناء شمال السودان في تاريخ السودان، أو تمثيل دور مايشبه بدور قومية الأمهرا في تاريخ إثيوبيا. وهاءلاء وءولئك لم يستوعبوا قانون التداول والتغير في مسيرة البشر. إن الظلم إنما يزيد من قوة وعزيمة العنصر البشري المظلوم .ليس هنالك في تاريخ البشرية حادثة واحدة تكشف امكانية بقاء المظلوم- للأبد- خاضعا لسنن الظالمين. حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي نراها اليوم نموذجا للعدالة الداخلية، كانت بالامس القريب تشهد تخلفا في بعض مفاهيم المساواة . فهذه – مثلا- ولاية ( فرجينيا) كانت تعيش حتى منتصف الستينات في عصر العنصرية،إلى عام 1967 كان يمنع منعا باتا ان يسكن الزنجي (أفريكان أميركان) في أحياء سكن الرجل الأبيض ( الوايت أميركان)! واليوم هاهو البطل الإفريقي ممثلا في ( براك أباما) يحكم أمريكا بأسرها وفق قانون المدينة. وهاهو الجنوب السوداني ذهب بأرضه فصالا لتأسيس دولته الخاصة، حينما انعدمت الثقة في تقاسم السلطة والثروة ، وتجاوز حدود انتهاك كرامة الانسان. وهاهم الأمهرا اليوم يتحولون إلى مجموعة عادية ضمن تركات التاريخ الاثيوبي؛ حينما آلت مقاليد السيطرة الى قوى تجراي الحاكمة. الغلبة القادة في إثيوبيا ؛لربما تكون لأبناء الأرومو ؛إذا ما تجاوزوا مشكلة فقدان الاستراتيجية. أخذ الصراع الحديث في إرتريا في النمو حقبة بعد حقبة. ففي حقبة الأربعينات والخمسينات من القرن الفائت تمثلت أجنحة الصراع الثقافي في مبدأ استقلال إرتريا من عدمه ، حيث تميزت تلك الحقبة ببعض مظاهر الوضوح والتعبير عن الإرادة . كذلك ، طفحت مشكلة اللغة الرسمية على سطح الصراع الثقافي المحمول على أجنحة السياسة الانضمامية إلى إثيوبيا أو استقلال إرتريا. عرفت قوى التدخل الدولي في المنطقة بأن المسلمين وحملة الثقافة العربية في إرتريا لن يتهاونوا في مسألة الثقافة واللغة فذهبوا إلى الارادة التوفيقية؛ وهي إقامة دولة الثنائية الثقافية واللغوية. مهما اختلفت التقييمات حول تلك الحقبة ؛فإنه وحسب ما يبدو لي، تعتبر تلك الحقبة أكثر وضوحا وصراعة في المطالب والحقوق.وأماحقبة الصراع الثانية فيمكن ملاحظتها منذ منتصف الستينات من القرن ذاته. حيث اصبحت الثورة الإرترية واقعا ملموسا ومؤثر، في وقت لم تنال منها آلة الدعاية التشويهية الاثيوبية التي كانت تحاول اظهار الثورة الارترية في مقام العدو للمسيحيين في إرتريا وإثيوبيا. في هذه الحقبة بدأت نخب الثقافة التجرينية إلى التحول من فكرة انضمام إرتريا لى إثيوبيا إلى فكرة الكيان الإرتري المستقل ، وفق أيدلوجية سياسية معينة، وهي الفترة التي كانت تشهد فيه الثورة الإرترية عثرات تبني نظرية سياسية وإدارية لقيادة الثورة، واستيعاب مضامينها ، ومواجهة متطلبات النمو والتطور. بعدُ القيادات العليا للثورة عن الميدان والحياة اليومية لحركة الثورة ، في ظل تجربة حديثة ومجتمع مبتدأ في تبنى ثورات مسلحة ، ووفاة القائد الثوري المؤسس حامد إدريس عواتي في فترة مبكرة ، كلها كانت تمثل بوادر تحديات مباشرة لاستمرارية الثورة المسلحة . كذلك كانت هنالك مشاكل التنافس المناطقي داخل الثورة. كان أبناء السهول الغربية المسلمة ( بركة) أو ابناء عموم البني عامر ينظرون إلى الثورة الإرترية أو جبهة التحرير الإرترية باعتبارها صناعة خالصة لهم ، الأمر الذي يجب ان يمثلوا فيها دور القيادة والريادة، في وقت كان ابناء البحر الأحمر المسلمون ينظرون إلى ضرورة ان تكون لهم شخصيتهم الأساسية داخل الثورة الإرترية. ومن هنا وهنالك كانت تتصاعد اصوات لاصلاح مسارات الثورة وتبني أيدلوجية سياسية محددة في قيادة الثورة. في ظل تلك التموجات وبروز بوادر الانشقاقات داخل الثورة ؛ تم تأسيس أول كيان طائفي في الساحة الإرترية منذ أواخر 1969م ( حزب التحرير) بقيادة الرئيس أفورقي ( 1968 – 2013 ..) ، ومعه نخب تجرينية من الحماسين ، حيث بعضهم تم تصفيتهم في عمليات منكع المعروفة. كان هذا الاتجاه يمثل مرحلة جديدة لطور من أطوار الصراع الثقافي في إرتريا. أي ، وضعت نخب الثقافة التجرينية من ابناء الحماسين استراتيجية جديدة لتقوية مكانتهم داخل الثورة الإرترية. كانوا يعتقدون أن حقبة الأربعينات والخمسينات من ذلك القرن قد انتهت بتحول المجتمع الإرتري نحو مراحل الكفاح المسلح. فقد وضعوا شكلا ومضمونا للفرضية التي يجب ان تسير عليها الثورة الإرترية ونتائجها. أو بتفصيل آخر، إن تلك النخب المسيحية التجرينية لم يلتحقوا بالثورة الإرترية من أجل افشال مسيرة الثورة – كما يذهب بعض الكتاب- وإنما جاءوا من أجل النضال وانجاز استقلال إرتريا ، ولكنهم في الوقت ذاته وضعوا شروطا غير قابلة للمساومة ، وهي عدم افلات إرتريا من فلك الثقافة التحرينية، وتسخير نتائج الثورة الإرترية لصالح الوجهة الثقافية التجرينية، كما وضعوا أهدافهم بعيدة المدى وشقوا طريقهم نحو النضال المسلح. أخذت تلك الأهداف إطارا نظريا فلسفيا تبريريا كما هي الحالة في ( نحنان علمانان أو نحن وأهدافنا) وإطارا تنظيميا كما هي أطوار الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا، وإطارا نخبيا ممثلا في القوى المسيحية التجرينية المستنيرة في المهجر، والتي دعمت مسيرة الجبهة الشعبية بالمال والفكر،ولعبت الدورالمؤثر في القوى الدولية المعتنية بالصراعات الثقافية وتقوية المد المسيحي في إفريقيا. سٌخِّرت لهذه الأهداف مقومات قيادية مستمرة ، تمثلت في شخص أسياس أفورقي وهورأس الرمح في انزال تلك النظريات والفلسفات إلى أرض الواقع ، والانتقال بها من مرحلة إلى مرحلة ؛وفق السلوكيات والقدرات التي سبقت الإشارة إليها في مقال دور النخب الغائب. إن قراءة ( نحنان علمانان) وفهم الأيدلوجية الثقافية والسياسية والإدارية التي قادت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ستظل مهمة لاستيعاب الحاضر واحتمالات المستقبل في إرتريا . لا اجد مساحة لأكرر ما كتبته حول هذه القضايا تفصيلا وتحليلا في ( كتاب إرتريا ومشكلة الوحدة الوطنية في حقبة الكفاح المسلح). تحول الصراع الثقافي الإرتري في هذه المرحلة ، إلى اساليب التجاهل واخفاء الحقائق والتدثر خلف أيدلوجيات فكرية وسياسية . المرحلة الثالثة للصراع الثقافي في إرتريا 1975-1987 شهدت هذه الحقبة تحول الجبهة الشعبية من طور المناورة إلى طور التمكن والسيطرة ، وتفعيل دور النخب في المهجر من اجل الاكتفاء الذاتي سياسيا وثقافية واقتصاديا. بل قررت النخب القيادية وواجتها السياسية في الجبهة الشعبية بقيادة رمضان محمد نور ، وبالتنسيق مع القوى شبهة الاستراتيجية المماثلة في إثيوبيا ( قوى تجراي) قررت انهاء اي وجود سياسي ثقافي في الساحة الإرترية ، وفي مقدمة ذلك تصفية كيانات الثورة الإرترية الأخرى. اظهرت تلك النخب إرتريا على زي ثقافي تجريني قولا وعملا من خلال الدراسات والتثقيف السياسي الداخلي والفرق الفنية المنتشرة. حيث انتهت هذه الحقبة بالمؤتمر الثاني للجبهة الشعبية في 1987 ، والذي طرحت فيه نظرية الدولة الحرة من منطلقات تكتيكية. لقد عادت قوى الاعلام والاحزاب السياسية السودانية المشاركة في ذلك المؤتمر مؤمنة – بما لا يترك مجالا للشك- أن الجبهة الشعبية هي إرتريا وإن الثقافة التجرينية هي ثقافة إرتريا. حيث بدأت النخب السودانية نظرتها الايجابية تجاه الجبهة الشعبية. والحقبة الرابعة لأوجه الصراع الثقافي في إرتريا هي ما بين 1987و1997، شهدت هذه الحقبة تسخير مقومات القوة والسلطة لأنزال الأمر الواقع ضد الثقافة الإسلامية والعربية في إرتريا. حيث شهدت إرتريا منذ استقلالها اختلالا واضحا في معايير المواطنة التي كادت ان تحدد وفق البعد أوالاقتراب من الثقافة التجرينية. لقد استخدمت نخب الثقافة التجرينية في إرتريا السلطة ومقومات الدولة لإضعاف الثقافة الإسلامية والعربية في إرتريا، وهي اخطر مرحلة من مراحل النمو السياسي والثقافي في إرتريا. إنه منذ قيام بوادر التنازع داخل الجبهة الشعبية حول تطبيقات دستور عام 1997 ، واشتعال الحرب الإرترية الإثيوبية(1998-2000) ، ومرورا بانشقاقات كيان الجبهة الشعبية في 2001 ، وانتهاء إلى ما يشبه بتفكك التعاقد الثقافي التجريني وتقلص التفافه حول خلاصات وجهة الجبهة الشعبية، فضلا عن استمرار المنهجية الدكتاتورية في حكم إرتريا؛ غيرت اليوم صورة الصراع من كونه موجها ضد فئات ثقافية وايدلوجية معينة إلى ما يشبه بالحريق العام في إرتريا.
كيف تتعامل نخب الثقافة العربية مع الصراع؟
من الناحية السياسية ظل المسلمون ونخب الثقافة العربية في إرتريا يمثلون الدور الرئيس في المبادرة الوطنية وتحقيق السيادة الوطنية . فهم اصحاب فكرة قيام الكيان الإرتري المستقل ، مثلما هم الذين يدافعون بشكل جاد عن المساواة الثقافية من خلال تعميد اللغة العربية والتجرينية للدولة الإرترية. فمن يعتقد أنه يمكن ابعاد المسلمين وحصرهم في ركن قصي من الحياة السياسية والثقافية فهو مخظئ أو جاهل بطيعة الأمور وبطبيعة التاريخ في المنطقة، ولكنه في الوقت ذاته إن لم تكن لنخب الثثقافة العربية استراتيجية معينة في مسيرة عملهم فلن تكون لهم القدرة في تعديل صورة الصراع بشكل فاعل وعاجل. هنالك عدة صور متفرقة في إطار محاولات هذه النخب لفهم الواقع الإرتري ومحاولة مواجهة تلك التوجهات ،يمكن ابرازذلك كما يلي:
- دورالعملاق: عثمان صالح سبي:
لن أوفي عثمان صالح سبي؛ قدره وحقه؛ من خلال هذه الأسطر القليلة ، بقدرما أشير إلى فهمه العميق للمسألة الإرترية ، ولكيفية بنا شخصية الثقافة العربية في إرتريا. وربما يقول قائل أليس سبي هو الذي احتضن اسياس أفورقي ،وساهم في بناء شخصيته السياسية والعسكرية؟ ألم يكن عثمان صالح سبي هو مهندس الانشقاقات في الساحة الإرترية؟ وأنا أقول لم يكن كذلك، إنما كان عثمان سبي ينطلق من ثقة بناء الذات، ومن فهم استراتيجي مفاده: أن إرتريا لن تكون مكتملة بغياب العنصر المسيحي من الثورة الارترية، وإن قوة الثقافة التجرينية يجب أن يواجه بقوة الثقافة العربية، وأن قوة المسلمين يجب ان ترتكز على التعليم الحديث. ولذلك ؛عمل عثمان صالح سبي في تقوية هذه المبادئ، وأفنى حياته في سبيل التعريف بالشخصية الوطنية الإرترية لدى القوى الدولية ، وبناء القدرات العسكرية والميدانية للثورة الإرترية، وتسخير ميزانيات كبيرة لترجمة عشرات الكتب حول القضايا الإرترية من لغات أخرى إلى اللغة العربية، وجنبا إلى جنب، عمل في تأليف عدد كبير من الكتب المفصلية والمرجعية حول تاريخ وجغرافية وثقافات إرتريا، ومثل ذلك انصرف سبي – حثيثا- إلى دعم وإنشاء مؤسسات تعليم ابناء إرتريا في السودان، إلى جانب المنح والفرص الدراسية لطلبة إرتريا في شتى دول العالم العربي. إن الجهود التي بذلت في بناء جهاز التعليم الإرتري بكل مؤسساته ومناهجه ومخرجاته؛ كانت توازي جهود دولة لا جهود فرد أو تنظيم. لم يخطرفي بال عثمان صالح سبي تسخيرجهوده لخدمة أبناء حرقيقوا أو ابناء البحر الأحمر؛ ولكنه ظل يعمل في سبيل بناء قاعدة يرتكز عليها ابناء الثقافة الاسلامية في إرتريا، في ظل وطن تتوازن فيه المصالح ، وتتجسد فيه العدالة السياسية والثقافية.ولد عثمان صالح سبي؛ليقود أمة ودولة، ولكن، ولسوء قدرإرتريا ؛أحيط سبي؛ بنخب غير مستجيبة لسنن التطور، نخب تقدمك لتقودها؛ ثم تطعنك من الخلف. إذ لم ولمَّا تستوعب نخب الثقافة الإسلامية والعريبة في إرتريا أهمية الإلتفاف حول قائد مقتدر؛ يستوعب شروط القيادة ؛ويتميز بقدرات وعطاء غير محدود. إن غياب عثمان صالح سبي متزامنا مع تمكن مشروع نخب الثقافة التجرينية في 1987 ترك الباب مصرعا أمام أفورقي ؛ لينفذ مشروعه ؛ دون أية قوى تربك خطواته من الداخل أو من خارج إرتريا.
- دور رسل التعليم الاسلامي والعربي:
في مختلف عهود الاستعمار في إرتريا ؛هنالك شخصيات وطنية سخرت جهودها للرسالة التعليمية. هنالك ، في كل مدينة إرترية نور يشع من نور تلك الشخصيات. ولكن وبشكل أخص أشير إلى دور المعاهد الاسلامية في حقبة الاستعمار الإثيوبي. لقد أدت تلك المعاهد دور المحافظة على تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين، لاسيما في كل من قندع واسمر وكرن وأغردات وغيرها من المدن والقرى الرئيسة. ربما يعتقد بعض الناس أن تلك المعاهد إنما كانت تقوم على تعليم الصلاة والصيام ، والتوعية الدينية فحسب. والحقيقة أن رسالة تلك المؤسسات كانت ترتكز على مشروع الثقافة الاسلامية والعربية في المقام الأول، من خلال تسهيل العملية التعليمية لدى المجتمع الإسلامي في ظل استعمار اثيوبي لا علاقة له بتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية. وكمثال لتلك الشخصيات التي وهبت نفسها لهذه الفكرة أشير إلى محمد علي زرؤوم ، وهو صاحب رسالة شاملة في محاربة الجهل ونشر الوعي والثقافة في مناطق عنسبا وعموم ضواحي مدينة كرن. إن الطريقة التي سلكها هذا العَالِم في التدريس وتخريج طلاب أقوياء في دراسة اللغة العربية واستيعاب الثقافة الاسلامية بكل فنونها ، كانت طريقة منهجية متفردة. لقد اعتمد محمد علي زرؤم ؛على القدرات الذاتية في تأهيل المعلم ؛ فقد ابتدع فلسفة الإعتماد على الذات في اعداد المعلم الذي يقوم بعملية التدريس في المعهد، وذلك من خلال تأهيل المستويات العليا من الفصول لقيوم أفرادها بتدريس الفصول الدنيا أو الفصول اللاحقة ، بينما هو يقوم بدور الارشاد والإدارة؛ إلى أن اكتملت الرسالة واستوى الأمر حينما شهد الرجل بأم عينيه حملة الرسالة وقد عادوا إليه بعلم وفير من ساحات الجامعات العربية في الخارج. كما أشير إلى الأستاذ حسنين عافه ؛ الذي أدى دورا مفصليا في انتشار مؤسسات التعليم في كثير من مناطق إرتريا. لقد كان حسنين عافه أكبر من أن تستوعبه هذه الأسطر. استخدم الإثيوبيون وسائل ترغيب وترهيب لإثنائه عن فكرة البقاء مجرد مدير معهد في كرن، وطلبوا منه ان يتبوأ مقاعد عليا في مؤسسات الدولة؛ لما كان يمتلك من قدرات علمية ولغوية كبيرة. لم يلتفت حسنين عافة إلى التوجهات الإثيوبية بل انما شق طريقه في سبيل رسالته الرامية إلى حماية الثقافة الاسلامية وايجاد سبل انتشارها.
أدعو كل من لديه قدرة ،من ابناء إرتريا ،إلى تبني دراسات تفصيلية حول تلك الشخصيات ودور تلك المعاهد والمدارس الإسلامية ؛ في تثبيت دعائم الثقافة الاسلامية من الانهيار الكلي، في ظل سياسات الإستعمارات المتتالية. ما أشير إليه هنا لا يتعدى حدود الحرف الأول في سير ذلك العطاء الكبير. ان رصد تلك الأدوار في شتي مراحلها ، وفي مختلف مناطقها وشخصياتها، في إرتريا والسودان، سيشكل إضافة معرفية مهمة في مسيرة إرتريا.
- محاولات إعادة بناء جبهة التحرير الإرترية من جديد:
بعد فوات الأوان ، وبعد أن تقطعت السبل؛ واكتمل مشروع الاختراق الكامل ، واخواء الجبهة من مضامينها النضالية؛ حاولت بعض عناصر الثقافة العربية إعادة الروح في جبهة التحرير الإرترية، والعودة بها إلى داخل عمق الأراضي الإرترية ، وعدم الاستجابة لتوجهات قوى الجيش السوداني الرامية – حينذاك – إلى سلب جيش الجبهة من سلاحه ومقوماته العسكرية وكرامته الانسانية. استوعبت بعض تلك العناصر؛ أن مسألة دخول جبهة التحرير الإرترية – هروبا – إلى السودان؛ إنما كان في إطار مخطط استهدف الجبهة واستهدف إلى خلق اختلال في موازين القوى الثقافية في إرتريا. قاد مشروع محاولة الإبقاء على كيان جيش الجبهة ؛ عبد الله إدريس محمد. وقد مرت هذه التجربة بعدة منعطفات ؛ لكنها، في جملتها؛ لم تتمكن من تحقيق أهدافها، وبناء قوة جديدة تعمل في إعادة النصاب إلى وضعه الطبيعي.
- محاولات خلق التوازن من خلال قوى التنظيم الموحد (اتفاقية جدة):
كان التنظيم الموحد نتاجا لتوحد ثلاث تنظيمات : جبهة التحرير الإرترية بقيادة عبد الله إدريس محمد وقوات التحرير الشعبية بقيادة عثمان صالح سبي واللجنة الثورية بقيادة عبد القادرجيلاني. من الناحية المبدئية؛ إن تأسيس هذا الكيان في تلك المرحلة من أطوار الثورة الإرترية كان يمثل خطوة في الاتجاه الاستراتيجي في ميدان مواجهة الجبهة الشعبية ، واجبارها على التعايش مع القوى السياسية الأخرى ، وخلق توازن سياسي وثقافي وعسكري في الساحة . إن اجتماع عثمان صالح سبي وعبد الله إدريس محمد في ميدان عمل سياسي وعسكري موحد كان يشير إلى أهمية وخطورة تلك الخطوة. ومن هذا المنطلق وجدت فكرة تأسيس التظيم الموحد استجابة واسعة النطاق من الجماهير الارترية ، ومن بعض الدول العربية المهتمة بالساحة الإرترية، فضلا عن أنها وجدت عناية ودعما ماديا سخيا من الملك فهد بن عبد العزيز. ولكنها؛ وكطبيعة الحالة الإرترية؛ ارتدت مفاهيم استراتيجيات التوحد،واشتعلت فتنة التهم المتبادلة وانتشرت القبلية والاقليمية واختلط الحابل بالنابل؛ فسرعان ما عادت قوى التنظيم الموحد إلى مواقعها الأصلية، مع بعض تغيرات مواقف أفراد هنا وهناك. خسر الإرتريون خسارة جسيمة ونهائية بفشل وحدة التنظيم الموحد في تلك المرحلة.
- محاولات خلق التوازن من خلال الحركة الاسلامية :
برزت بوادر الحركة الاسلامية منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ، ولكنها أخذت وضعها العلني إثر غياب جبهة التحرير الإرترية من الساحة أو بعد دخول جبهة التحرير الإرترية – مهزومة- إلى داخل العمق السوداني. قادت تيارات الحركة الاسلامية الإرترية بعض القيادات الاسلامية التي كانت تناضل داخل جبهة التحرير الإرترية وبقية تيارات فصائل الثورة الإرترية. وكان في مقدمة تلك القيادات محمد اسماعيل عبده وعمر حاج ادريس وحامد تركي ، إلى جانب عناصر وكوادر طلابية في كل من السودان ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت وغيرها من الأقطار العربية. كانت تيارات الحركة الاسلامية تعتقد بأن المسلمين في إرتريا في طريقهم إلى فقدان بوصلة الثورة الإرترية. كما أنها كانت تعتقد ان الثورة الارترية قد انحرفت عن مساراتها الحقيقية ، لاسيما فيما كان يتعلق بديانات وثقافات المجتمع الإرتري. وبتأثير عدة أمور تمكنت التيارات الاسلامية من توحيد صفوفها ؛ إلى ان تم اعلان ماكان يعرف بحركة الجهاد الاسلامي الإرتري، في 1988م. هنا تغير خطاب الحركة الاسلامية؛ وأخذ طابع المواجهة العاجلة مع الجبهة الشعبية سياسيا وعسكريا ، باعتبار أن الجبهة الشعبية لم تكن لتسمح للقوى الإرترية الأخرى لممارسة نشاطها السياسي والعسكري ضد المستعمر الإثيوبي داخل الأراضي الإرترية. إلى جانب ذلك اتسم خطاب الحركة السياسي بعدم الرضى والقبول مع بقية التنظيمات السياسية الأخرى.وحسب ما يبدو لي، أن الحركة الاسلامية الإرترية – في تلك المرحلة ( حركة الجهاد الاسلامي الإرتري) – عملت دون رؤية واستراتيجية محددة . فما كان يدور في أروقتها الداخلية وقاعاتها المغلقة ؛هو ما كانت تصدره للرأي العام؛ من خلال بيانتها. كذلك أنها تبنت إقامة دولة اسلامية في إرتريا ، وقالت كل ما كان لديها جملة وتفصيلا في لحظة واحدة ،وفي مرحلة مبكرة؛ الأمر الذي اظهرها في موقف الخطورة لدى قوى الثقافة المسيحية والتجرينية في إرتريا. كان يمكن ان تمثل الحركة الاسلامية البديل المنقذ لإرتريا لو أنها عملت وفق اهداف واستراتيجية محددة في ظل فهم واضح للثابت والمتغير في العمل السياسي ،وتمييز الأصل من الفرع في خلافاتها المذهبية الداخلية. وملف الحركة الاسلامية الإرترية ، مثله كمثل ملفات القوى السياسية الإرترية الأخرى، مليئ بالتشرذم والتحزب والتخلف والانتماءات المذهبية والفكرية والقبلية والاقليمية والانشقاقات المتتالية. إلا أن الحركة الاسلامية ممثلة في تياراتها وتنظيماتها – اليوم- تعد من أكثر الحركات الاسلامية في العالم نضوجا واستيعابا لمبادئ التعايش مع الآخرين. فهي صاحبة الالتزام في مؤتمراتها وتطورها. بل تعد تيارات الحركة الإسلامية في هذا المجال صاحبة تجربة مرنة في تغيير قياداتها وتعديل اسماء كياناتها حسب الحاجة. فمثلا؛ الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية ؛ انما هو نتاج لحركة الجهاد الاسلامي الإرتري ثم حركة الخلاص الإسلامي الإرتري، كما تناوب على رأس قيادته كل من عرفة أحمد محمد ، يليه خليل محمد عامر، واليوم صالح محمد عثمان. كما أن حركة الاصلاح الإسلامي بقيادة (أبي سهيل) محمد أحمد ؛إنما هي نتاج آخر لحركة الجهاد الإسلامي الإرتري، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن المؤتمرالاسلامي الإرتري بقيادة حسن سلمان. إن من بين مشكلات الحركة الاسلامية الإرترية اليوم؛ أنها لاتزال غير مدركة حجم كادرها وامكاناتها البشرية؛ فهي لذلك لمَّا تتمكن من ان تخوض بكادرها وجماهيرها العريضة معارك سياسية حقيقية على ارض الواقع، وهذا يشكل فقدان روية ، وفقدان استراتيجية. أمام هذه القوى وغيرها من قوى الثقافة العربية فرصة للتحول من خانة الضعف إلى خانة القوة. عليهم أن يتجاوزوا عقبة من يكون الرئيس، ويلتفتوا إلى عمل مؤسس لبناء شكل ومضمون الدولة الإرترية المتوازنة. إن المجتمع الإرتري اليوم لا ينتظر قدوم (صلاح الدين ارتري) ليطبق الشريعة الاسلامية فيه،وانما ينتظر لمن ينقذه ، ويفك اسره، وينزل العدالة والمساواة على ارضه.
- محاولات طرح مصالحة وطنية:
عقب تحرير إرتريا في 1991 طرحت مجموعة من القوى السياسية الإرترية فكرة المصالحة الوطنية ؛ حيث بعثوا مضمون ذلك في خطاب الى ما كان يعرف بالأمين العام للحكومة الإرترية المؤقتة ( وهو الرئيس المستمر أسياس أفورقي). حيث شكلت تلك القوى جبهة متحدة أو محورا لما كانت تعتقده بأنه يمثل قوى الثقافة العربية في إرتريا؛ والتي تمثلت في كل من حركة الجهاد الاسلامي الإرتري بقيادة عرفة أحمد وجيهة التحرير الإرترية بقيادة عبد الله إدريس وجبهة التحرير الإرترية المجلس الوطني بقيادة آدم صالح شيدلي. لم تجد هذه المبادرة المبكرة أي بادرة استجابة من قبل أسياس أفورقي ؛ الذي تمكن حثيثا من نسج علاقاته التكتيكية مع الدكتورحسن عبد الله الترابي والحكومة السودانية؛ الأمر الذي فرض خيارات ضيقة على القوى السياسية الإرترية. حيث أملى السودان على قيادات الثورة الإرترية ( المعارضة الإرترية) قرار مغادرة السودان؛ إما إلى جهة دولية أخرى وإما تسليم إرادتها إلى الجبهة الشعبية الحاكمة في إرتريا. وقد تعددت اتجاهات القوى السياسية حول ذلك؛ فمنهم من اختار الذهاب إلى إرتريا ومنهم من غادر السودان، وآخرون من دون هاؤلاء وؤلئك فضلوا سياسة ( الكمون والسكون). وهنا يجب أن أشيرإلى أن السودان الرسمي يعد صاحب القدح المعلى في ارباك برنامج القوى السياسية الإرترية في تلك المرحلة. وكيفما كان الأمر فإن تلك القوى استمرت في محاولاتها لتوحيد اطروحاتها وتشكيل قوى ضغط على حكومة الجبهة الشعبية إلى أن تمكنت في 1996م من تكوين ( التحالف الوطني الإرتري). ويبدو أن ذلك التحالف كان قد قطع اشواطا متقدمة في المجالات الميدانية العسكرية وتوحيد الأجنحة العسكرية. في 1999م أصبح هذا التحالف جزءا من التحالف الأوسع لقوى المعارضة ؛ وهو (تجمع القوى الوطنية الإرترية) أو ( التحالف الديموقراطي الإرتري). والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المقام هو ماذا استفاد تحالف 1999 من تحالف 1996؟ والإجابة حسب وجهتي هي لا شيئ ، لأننا أمة لا تحترم تجاربها السابقة، ولاتحترم القاعدة القائلة ابدأ من حيث انتهى الآخرون، أمة تحب أن تبدأ من الصفر.
- محاولات خلق التوازن من خلال الطرح الفيدرالي:
منذ عام 2002 برز طرح جديد وجدير في الأفق الإرتري ، حيث تبنت مجموعة من النخب الإرترية في أوربا، وتحديدا في السويد ، فكرة الحكم الفيدرالي في إرتريا، وتنادو في إطار الحركة الفيدرالية الديمقراطية الإرترية؛ بقيادة بشير اسحاق. أخذ شكل هذا الكيان اتجاها منهجيا في دعوته النظرية وتبشيره بفكرة الفيدرالية، وفي سبيل ذلك عقد عددا من الندوات والمحاضرات تنظيرا لمفهوم الفيدرالية ومدى ملامسته للواقع الإرتري. ولا شك في ان ذلك الطرح أحدث حراكا فكريا حول طبيعة الوضع السياسي الإرتري، والنظر إلى مستقبل الحكم وضرورة تبني نموذج الحكم الفيدرالي من اجل ضمان المساواة السياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية في إرتريا. حاولت هذه العناصر اعطاء اصطلاح واضح لطبيعة الدولة الإرترية القائمة ، حيث ذهبوا إلى وصف النظام الحاكم والقوى التجرينية الملتفة حوله ب (الشيفونية) وأضاعوا وقتا طويلا في بلورة مضامين ذلك ، ومدى تطابق الحالة الاصطلاحية بواقع الحالة الإرترية القائمة. لكن ومهما يكن من أمر، فإن الحركة الفيدرالية سرعان ما غيرت طريقتها ، وسرعان ما التحقت بالركب العام ، فشكلت مجرد تنظيم ضمن مكونات التحالف الوطني الديموقراطي . وهنا غاب دور الحركة الفيدرالية المرتقب. أي ؛ أن ساحة النخب العربية والاسلامية لا تزال تفتقر إلى البناء الرأسي المتماسك. او بتعبير آخر الجميع يذهب إلى العملية التنظيماتية التقليدية دون الالتفات إلى بناء خلفيات فكرية للمشروعات المطروحة . وفي هذا السياق جاء في مقال سابق( دور النخب الغائب) ذكرالحركة الفيدرالية. ولعل بعض أخوة كرام – انتماءً أو ذوقا- لم يستسيغوا ماذهبت إليه من سياق، لغة أومضمونا. وأنا لا يسعني إلا أن احترم وجهاتهم ، وحرقتهم من اجل الدفاع عن كيانهم ؛ وهذا يزيد من احترامي لهم. لن يأتي يوم أقف فيه – رغم اني لا أملك سوى التعبير الحر- أمام تنظيم إرتري يدعو للعدالة والمساواة ،وليس أحد اهتماماتي حمل القلم من أجل النيل من شخص أو تنظيم ، وفي الوقت ذاته، أرجو ألا يأتي يوم أسخر فيه قلمي من أجل المدح وقول ما ليس أحد قناعاتي. إنني عند وجهتي فيما يتعلق بنخب الحركة الفيدرالية، فإضافة إلى ماسبق ذكره؛ أن مشكلة الصراع المزمن في إرتريا قائم على الاتجاهات الثقافية ، وإن القوى التي وقع عليها الظلم لا تزال على شاكلتها القديمة ، كما لو أنها في عقود السبعينات الماضية . لا تزال قوى الثقافة الإسلامية والعربية تفتقر إلى الاستراتيجية . أي ، أنها تعمل ولكنها على شكل أفقي متمدد ليس فيه بناء رأسي. فإذا كنا نعتقد – ولو جدلا- أن المشروع الذي أتي به أسياس أفورقي ؛ هو مشروع نخبي تجريني ؛ فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو أين كانت تلك النخب ؟ أين كان يعيش ولدآب ولدماريام ؛ في الكر والفر اليومي أم خارج قطار الجبهة الشعبية؛ في مواقع التخطيط؟ لماذا تهافتت نخب الحركة الفيدرالية إلى المزاولة اليومية وسط القوى السياسية الإرترية بكل تمددها وتعددها؟ وما الفرق إذن بين تنظيمات القوى الإرترية القديمة وبين هذه النخب الحديثة مادامت تكرر صدر البيت من القصيد وليس أن تأتي بعجزه ؟ إن مشروع الحكم اللامركزي؛ مهما تعددت مسمياته ؛هو قناعة معظم القوى السياسية ، وتاليا؛ وحسب وجهة نظري؛ فإن الإضافة الكبرى التي انتظرها المجتمع الإرتري من نخب الحركة الفيدرالية كانت تتمثل في البناء الفكري لكليات المشروع، من خلال منظمات مدنية قوية ومنهجية. حينما تعرضت الحركة الفيدرالية عقب تأسيسها بعدة سنوات لبعض الخلافات الداخلية؛ أخذني الظن الحسن؛ فقلت أن هذه النخب إنما تريد أن توهم الرأي العام بما يشبه الانشقاق؛ بينما هي تخطط لترتيب وضعيتها الداخلية وتقسيم أدوارها ، ليذهب فريق لمزاولة السياسة التقليدية من خلال التحالف الديمقراطي – الواقع- وفريق آخر يخطط لتمكين مشروع القوى التي تعرضت لظلم مخطط . لا يظنن أحد أن من يعمل في ( قَوْنَنَة) ملفات الظلم، ثم يقدمها للمنظامات الدولية أقل أهمية من ذلك الذي يحمل حقائب السياسة اليومية. ألم نركيف أن أوضاع حكومة عمر البشير قد تأثرت تأثرا بالغا من خلال أبناء دارفور الذين عملوا – بشكل مخطط – على صياغة ملفات خطيرة حول أوضاع السودان، وقدموها للمنظمات الدولية المعنية. لا احد يمكنه أن يتجرأ فيقلل من شأن الحركة الفيدرالية ودور قياداتها داخل التحالف الديمقوراطي أو في ملتقى الحوار الوطني أو مؤتمر أواسا ، بل أن سكرتيرها العام بشير اسحاق قد أدى دورا مهما وفتح آفاقا جديدة في أسس العلاقات الخارجية، وذلك في فترة عمله في مكتب العلاقات الخارجية للتحالف الديمقراطي، وهو دورلا ينكره الا جاحد. كما أنها من حيث الممارسة الداخلية تعد الحركة ضمن التنظيمات الملتزمة في عقد مؤتمراتها واعلان مواقفها الوضحة تجاه القضايا المطروحة. وما ذهبت إليه إنما يتعلق بمسألة الدور البنائي المرتجى الذي كان يمكن ان تؤديه هذه النخب من خلال طرحها وطريقة مواجهتها لمفهوم الصراع في إرتريا. أي، أن المشروع الفيدرالي الذي تقدمت به الحركة والطريقة التي تناولت بها القضايا كانت توحي بمؤسسية فكرية وبحثية ، وليس الذهاب إلى الطريقة التنظيماتية التقليدية التي تملأ أفق الساحة الإرترية.
- دور المجتمع الإرتري:
إن المشروع الذي أدار به أسياس أفوقي دولة إرتريا لم يكن مجرد مشروع دكتاتوري يحتكر السلطة فحسب، ولكنه مشروع يدعو إلى تغيير جذري للواقع الإرتري ثقافيا وسياسيا، وفي سبيل ذلك دخل أفورقي في معركة حقيقية ضد المجتمع، وضد كل ما له علاقة بالثقافة العربية. لا شك أن السنوات الأولى من عمر الدولة الإرترية المستقلة (1991-1994) كانت مربكة، حيث ظلت قوى المجتمع الإرتري في حالة ترقب لحالة النظام الإرتري، وكان كثير من الإرتريين يتوقعون انفتاحا تدريجيا من قبل الحكومة نحو آفاق المصالحة الوطنية، وتبنى برنامج جاد لعودة اللاجئين ، إلا أن مؤتمر الجبهة الشعبية الثالث كان قد قطع الشك باليقين في استمرارية النظام الإرتر لتحويل إرتريا إلى سجن ودولة معزولة، وتمكين أدوات (تجرنة) الدولة والمجتمع بشكل حاد. وقد استخدمت في سبيل نجاح ذلك المشروع عمليات الاعتقلات الظلامية ، والتصفيات الجسدية المباشرة وغير المباشرة. لقد تم التخلص من شخصيات مستنيرة ظلت تتحمل عبئ التوازن الثقافي طورا بعد طور داخل الجبهة الشعبية، فمن منا لم يهزه صوت ( عمار الشيخ) بجماله ووظائفة اللغوية المتكاملة. كان ذلك يعبر بدقة عن استمرارية التصفية الجسدية الضرورية التي واكبت مشروع الجبهة الشعبية. لقد أدت عناصرمستنيرة دخل إرتريا دورا كبيرا لكشف كليات البرنامج العنصري الذي طبق في إرتريا. لقد جلس محمد سعيد ناود وجها لوجه مع أسياس أفورقي وقال له إن مشروعكم ( مشروع حكم إرتريا) في غاية الاختلال الثقافي والسياسي ، ثم تفرغ ناود لابراز وجه إرتريا المشرق من خلال تأليفه ونشر كتبه بشكل دقيق وحثيث في سباق مع الزمن ومع فترة العمر التي كانت متبقية. ومثل ذلك وقفت شخصيات في مقام محمد نور أحمد أمام مشروع ماعرف بالتعليم بلغة الأم ، بل أن عناصر الثقافة العربية من داخل الجبهة الشعبية ذاتها أدت دورا مهما في الوقوف ضد التجرنة الزاحفة. لقد تغنى الفنانون المبدوعون أمام الحاكم الظالم ووصلوا رسالتهم القوية ، وكان ثمن كلماتهم أرواحهم الغالية ، إذهم مغيبون في سجون الظلم في إرتريا. وخيرا مافعل باسم القروي من خلال مقاله (ثورة الكلمة المكبوتة في أرتريا) الذي جسد فيه أغنية (هلينا .. يئمبرك أبينا ) للفنان إبراهيم قورت. فقد جعلني استمع إلى تلك الأغنية مرات عديدة وأنا أتدبر قيمة المضمون الذي حمله ذلك الفنان . وخيرا ما يفعل أبناء مؤسسة (شروق للأداب والفنون) وفنانهم الشاب المبدع عبد العزيز مرانت ، لما يقومون به من دور يمثل خيرخلف لخيرسلف من خلال تجسيد أغنيات إدريس محمد علي ، وتجسيد الفن الإرتري المعبر. وقف أهالي إرتريا من أولي الثقافة الإسلامية والعربية ضد مشروع محاربة الثقافة العربية. في 1995 وأنا على حضرة وفد للاتحاد العام للطلاب الإرتريين في السودان ، لتجهيز مناطق عمل القافلة الثقافية الصحية الطلابية الثانية للاتحاد ، والتي تم رفضها رفضا قاطعا من قبل اتحاد الشبية والحكومة الإرترية، شاهدت موقفا مشرفا لمجموعة من تجار اسمرا ، من أبناء الجبرتة. فقد لمحت أعدادا كبيرة من النسخة العربية لجريدة إرتريا الحديثة ، داخل احد متاجرهم الذي كنا نتردد فيه. سألت أحدهم عن سر تكدس إرتريا الحديثة في ركن خفي من (الدكان) فقال لي أحدهم بنبرة واثقة ” نحن مجموعة من التجار لا يقل عددنا عن 15 شخصا ألزمنا انفسنا بشراء كل منا عشر نسخ يوميا من الجريدة ثم نختزنها هكذا أو نوزعها مجانا” قلت له وما هدفكم من ذلك؛ قال” لاننا نريد ان ندعم استمرارية الجريدة العربية ، لأن الحكومة تحاول أن تبرر بأن النسخة العريبة من الجريدة ليس لها قراء وليس لها عائد فيجب ايقافها”. قلت إذن التاريخ يعيد ما يشبه من الماضي التليد لنضالات أبناء الجبرته الذي لم يجد بعد الأنامل القادرة على التوثيق الأمين.هذا النموذج من أبناء إرتريا لم يكن اهتمامهم بالمضمون الذي كانت تحمله النسخة العربية من الجريدة بقدرما كان اهتمامهم بالمشروع الثقافي وإبقاء جذوة الحرف العربي في ظل الصراع الموجه .إن احداث ومواقف أبناء ارتريا داخل الوطن جديرة بأن تجد – على الأقل – عناية التوثيق المتماسك
أين الخلل.. ثم أين الحل ؟
الخلل؛ إن مشكلة إرتريا ظلت مرتبطة بعنصر الصراع الثقافي ؛ ممثلا في اتجاهي الثقافة العربية التي ترتبط بالحضارة الإسلامية ، والثقافة التجرينية بكل ما ترتبط به من حضارة مسيجية في المنطقة ، من بينها ( حضارة أكسوم)، فضلا عن أن خطورة الصراعات الثقافية تكمن في عدم الوضوح ، وعدم الصراحة، وعدم الاعتراف. انها ظلت تأخذ شكلا جذريا في السر داخل الكيانات السياسية ، وتفعل ما يفعله مرض السرطان في جسد الكائن الحي ، كما أن خطورتها تستخدم الدين والثقافة والجغرافيا في تعبئتها السرية. كما أن الخلل يكمن في اختلاف طبيعة المكون البشري لكلا الثقافتين. حيث أن عناصر أو نخب الثقافة التجرينية تتبع سنن التطور في تمكين أهدافهم، بينما نخب الثقافة العربية يفتقرون إلى الاستراتيجية التي تمكنهم من الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى ، يفتقرون إلى البناء الرأسي . كما أن عنصر الثقافة التجرينية – لطبيعته التكوينية- ينطلق من منهج الاخفاء والتستر وتنمية ما يريد من أهداف، والعكس تماما، أن عنصر الثقافة الاسلامية يعاني من ترتيب أولوياته ، ويخلط ما بين السر والعلن فيما يهدف ، خطابه السياسي الخاص مثل خطابه العلني. كذلك أن قطاعات واسعة من أولى الثقافة التجرينية في المرتفعات وقفوا بشكل حاد مع مشروع النظام الحاكم ، والتفوا حول مشروع الحكم الظالم ، في الفترة من 1991 إلى 1997، وهي الفترة الخطيرة التي شهدت فيها مناطق عموم المسلمين في المنخفضات حملة حكومية شعواء ضد معلمي المعاهد الاسلامية وضد المثقفين وضد عامة المجتمع؛ الأمر الذي أظهر إرتريا في موقف داخلي متناقض.
فهل الحل -اليوم- يكمن في التعبئة المكشوفة ضد عموم الثقافة التجرينية من خلال غرف الباتك والرأي العام المفتوح؛ أم أن الأمر يحتاج إلى تبني خط استراتيجي يعمل في بناء الذات من خلال نخب مقتدرة والتزام خطوط حمراء للخلافات الداخلية. إن الصراعات بمعناها هذا (حقي وهذا حقك) عملية ملازمة للطبيعة البشرية ، وهذه الطبيعة البشرية قادرة لتحويل الصراعات السلبية إلى منافسات التطور حينما يكون هنالك فهم وتوازن ، إذ لا يمكن حل معاضلة رياضية غير قابلة للموازنة. عدم التوازن وعدم الاعتراف بحقائق المكون الإرتري الثقافي والعرقي والسياسي ؛ هو المشكل الرئيس في مآلات الاختلال القائم في إرتريا. إذا فكرت نخب الثقافة العربية إلى رد الظلم بالظلم فإنها لن تصل إلى التطور المطلوب،والثورات التغييراتية التي تقوم على رفع الظلم بظلم آخر هي ثورات فاشلة. الثورة دائما يجب عليها أن تدعو إلى مبادئ وقيم حقيقية للحل الجذري . الهتاف لا يحل مشاكل صراعات ولا يبني توازن .
يجب التركيز على مؤسسات تخدم اللغة العربية وتقوية الثقافة العربية بدلا من الحديث عن اللغة العربية. انظروا كم عدد تنظيماتنا وكم عدد مؤسساتنا الحقيقية التي تخدم الثقافة العربية؟ انظروا كيف أن الكتاب العربي الإرتري قليل الانتشار وعديم الطباعة الكفؤة . انظروا كتابا في مقام ( إرتريا و التحديات المصيرية ) لحامد تركي ؛ لا تجده اليوم في المكتبات العامة ؛ لأنه لم يجد إعادة الطبع. وخيرا ما فعلت جبهة الثواب الوطنية باهتمامها بطباعة ونشر كتاب واحد وهو(جذور الصراع حول لغات التعليم في ارتريا( لأبي بكر الجيلاني، وليتهم يذهبوا لأبعد من ذلك ليمثلوا نواة لمؤسسة عربية إرترية تعمل في هذا المجال، وبهكذا يمكنهم أن يثبتوا دعامة الثواب الوطنية. لن نخدم اللغوة العربية في إرتريا إلا بالنشر الموجه، وهي الدعامة الأساسية لمواجهة ثقافة زاحفة بثقافة أخرى مستقرة وثابتة.
كذلك الحل يكمن في مزيد من التوثيق: أدعو كلا من : أحمد محمد ناصر ، حامد صالح تركي ، محمد نور أحمد ، حسن علي أسد، عبد الله محمود ، حامد ضرار، بشير اسحاق ، محمد صالح أبوبكر، عثمان صالح، على محمد محمود و يس محمد عبد الله ، وغيرهم للكتابة حول تجارب الساحة السياسية الثقافية في إرتريا. لأن كتاباتهم ستختلف عن كتاباتي – مثلا- وكتابات الآخرين الذين قرأو الاحداث ولم يشاركوا في صناعتها. خصصت بالذكر هذه الأسماء ليس للحصر وإنما لمعرفتي بقدراتهم الكتابية ، وخاصة وأن معظمهم تربطني بهم علاقات نقاش وتفاكر حول كثير من القضايا . لن تكتمل حلقة بناء مشروع متكامل إذا لم يتم توثيق حقيقي وأمين للتجارب الإرترية السابقة. كتب ابراهيم محمد علي وأصدر كتابه حول تجربة جبهة التحرير الإرترية ،وبذلك أوفى بما وعدنا به. وأرجو ان تكون له مساهمات أخرى حول تجربة الأحزاب الداخلية في الثورة الإرترية ( حزب العمل – مثلا). التاريخ يجب أن يكتب بكل اشراقاته وانكساراته، بكل تجاربنا الناجحة أو القادحة. إن احدى أهداف مشروع أسياس افورقي ربما كانت تنطوي على عدم استقرار أوضاع إرتريا وشغل جيل الثورة الإرترية بمعركة الحاضر دون توثيق الماضي ودون استشراف المستقبل.
كما أن الحل يكمن في ان تتبنى قوى الحراك الشعبي والشبابيي مبادرات عاجلة لتوحيد أطرها وجهودها من اجل الضغط في اتجاه التغيير العاجل في إرتريا.
والحل أولا وأخيرا ، وجنبا إلى جنب كل ما ذكر؛ يكمن في مشروع ازالة النظام القائم ، واحلال بديل سياسي عادل. ان مستقبل إرتريا مرهون اليوم بتسريع الخطى لإحداث تغيير سياسي . أي، أن تتوحد أدوات العمل التكتيكي والاستراتجي لإنقاذ إرتريا من النظام الحاكم ، وهنالك ستتغير الأوضاع ، هنلك داخل الوطن سيكون الصراع مختلفا ، سيتحول إلى صراع تنافسي إيجابي.
13 اكتوبر 2013
محمود عثمان إيلوس
eylos1@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34203
أحدث النعليقات