نظرة الإسلام الى الشخص المعاق
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أما بعد :
دعيت في نهاية الأسبوع الماضي 4/7/2010 م لإلقاء محاضرة في منطقة(هلزويين) القريبة من مدينة برمنجهام البريطانية ، وكان عنوان المحاضرة ( نظرة الإسلام الى الشخص المعاق ).
ونحن نعلم أن العوق هو الحبس والصرف والتثبيط كما قال صاحب القاموس المحيط :
ويقول صاحب مختار الصحاح : عوق ( عاقة) عن كذا ، حبسه عنه وصرفه .
ينادي الإنسان بإسمه وليس بشكله :
علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننادي الناس بأحب أسمائهم اليهم وليس من
اللآئق أن ينادي الإنسان غيره بأوصاف مقززة تثير الأحقاد والضغائن في النفوس ، وتقطع أواصر المحبة في القلوب .
وسؤالك للأخ عن اسمه مؤشر على اهتمامك به ودليل على حرصك عليه ، خاصة إذا بدأت تكرار اسمه أثناء حديثك معه، عندها يشعر أنك مهتم به وليس كما يفعل البعض يسأل عن الاسم ولو سألته مرة أخرى عن اسمك تلعثم وحك رأسه!!
وهكذا إذا أردت أن تكسب الآخرين فاذكر أسماءهم لأن ذكر اسم الإنسان يزيد الود والمحبة ويزيل الوحشة ويزرع الإنس وهو دليل التحضر وعلامة الرقي .
فلا ينبغي أن ننادي الإنسان بالمقعد،و المعتوه ،و العاجز ، والأصم ،والأبكم ،والأطرش ، والأعرج ،وغيرها من الأسماء ، وكما قال الله تعالى :( ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولانساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولاتنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) . ولقد سمعت أن طه حسين عندما جاء لإختبار المعاينة الى المعهد الأزهري ودخل على اللجنة المختصة قال له أحدهم : اجلس يا اعمي واقرء سورة كذا، فتركت هذه الكلمة في نفسه اثرا سيئا ظهر فيما بعض في مثل كتابه ( الشعر الجاهلي ) وغيرها من الكتب والمحاضرات والمقالات .
وهذه الفئة ليست عاجزة إنما العاجز هو المجتمع الذي لم يستطع استيعابهم ، وهم ليسوا بمعاقين إنما المجتمع هو الذي اعاقهم ، فهم يتمتعون بقدرات وامكانيات احيانا تفوق قدرة الأصحاء الأسوياء.
الإعاقة ومراحل التاريخ :
كان الفراعنة يتخلصون من الأطفال المعاقين ، وكان القانون الروماني يطلق على الأصم المعتوه والأبله، وكان الفيلسوف آرسطو يرى أن أصحاب الإعاقة السمعية لا يمكن تعليمهم وكذلك أفلاطون يرى إخراج المعاقين من مدينته الفاضلة لأنهم لا يؤدون المطلوب منهم لنجاح هذه المدينة ، وكان القانون الإنجليزي القديم يحرم بعض فئات المعاقين من الحقوق والواجبات التي لهم.
التحضر والسموا في ايام المجد الإسلامي:
فقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بكل فئات المجتمع وحرص المسلمون على الرعاية الكاملة للضعفاء وذوو الاحتياجات الخاصة ،والمتأمل في آيات الله تعالى يجد نفسه أمام آيات كثيرة توحي بهذا المعنى قال تعالى : {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم } سورة التوبة ،وقد تكرر في القرآن لفظ : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}.
عتاب من الله لأشرف خلقه :
كان الرسول العظيم – صلى الله عليه وسلم – جالسا فى مجلس دعوي يعتبر من احد اهم المجالس الدعوية التي ضمت زعماء قريش وصناديدهم ، وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام معروف عنه حرصه على هداية الناس وخاصة اهل مكة ، فلعله كان يريد أن ينفرد بهم في هذا المجلس ، ونحن نعلم أن احد الحجج الواهية التي تحججوا بها لعدم دخولهم في دين الله الكراهية والتأفف والترفع عن مجالسة الضعفاء والفقراء والعبيد ، فلما جاء عبد الله بن ام مكتوم وهو يقول : يا رسول الله علمني ، فتغير وجه النبي واعرض عنه ، وطبعا ابن ام مكتوم لم ير عبوس وجه النبي ولا اعراضه عنه ، ولكن الله عز وجل اراد أن يعلمنا مراعاة شعور المرضى، وسجل ذلك في محكم تنزيله قرآنا يتلى الى يوم الدين ، ومن خلال الآيات يعلمنا الله عز وجل أن المعاق الذي يشع قلبه بنور التوحيد أفضل عند الله من سادات مكة وصناديدها وكان صلى الله عليه وسلم كلما رآه هش له ورحب به وقال :[ أهلاً بمن عاتبني فيه ربي. ]
وكان عليه الصلاة والسلام يعامل المرضي واصحاب الإحتياجات الخاصة معاملة حسنة فيها كثير من الرحمة والحنان ، وكان يعطيهم حقوقهم المادية والمعنوية ، ويكلفهم بالمهام والمسؤوليات كما سنري، وتواصلت المسيرة ايام الخلفاء الراشدين اهتماما ومراعاة وتواصلا وبذلا وعطاء مع كل مريض صغيرا كان او كبيرا .
أول إحصاء للمعاقين في العالم :
فقد طلب امير المؤمنين / عمر بن عبد العزيز/ رحمه الله من وزرائه وولاته إحصاء كل معاق يعيش تحت ظل الخلافة الإسلامية الراشدة .
اما الخليفة الوليد بن عبد الملك فقد بني في عام 88 هجرية مستشفى خاص لبعض اصحاب العاهات ، واصدر امرا بتخصيص خادم لكل مقعد وقائد لكل اعمى .
اول مرة وربما آخر مرة وزارة ووزير لرعاية المعاقين :
عين الوليد بن عبد الملك احد وزرائه الأفذاذ المعروف بالعلم والحكمة والقضاء، عينه وزيرا لشؤون الزمني وهو اسحاق بن قبيصة الخزاعي ، وقد قال اسحاق رحمه الله عبارة ينبغي أن تكتب بماء الذهب وتعلق في جميع وزارات الصحة في العالم ، قال رحمه الله :{ لأدعن الزّمِن أحب إلى أهله من الصحيح}.
وقد أنشأ الأمويون مستشفيات ودور رعايا لأصحاب الإحتياجات الخاصة ، فقد أنشأ الخليفة المأمون دار لرعاية العميان ودار للنساء العاجزات في بغداد وغيرها من المدن
كما أنشأ السلطان قلاوون مستشفا ضخما لرعاية المعوقين:
كتب وتخصصات وعلوم :
قد اولى علماء الإسلام قديما وحديثا اهتماما كبيرا لهذا المجال فقد الف الرازي كتابه ( درجات فقدان السمع ) وشرح بن سيناء اسباب حدوث الصمم ، وقد تطور العلماء فى ذالك كثيرا وقد كتبوا عن مسببات الإعاقة وطرق الحماية منها ، وقد اطنب علماء الشريعة على تذكير المريض واهله بعاقبة الصبر, وثواب المرض, والتسليم بقضاء الله وقدره ، والأخذ بالأسباب فى طلب العلاج وغيرها من المسائل .
معاقون ولكنهم قمم و اعلام نصروا هذا الدين:
منذوا فجر الإسلام والى يومنا هذا نصرالله هذا الدين بقمم وعمالقة كبار ، قدموا لهذا الدين مالم يقدمه الأصحاء ، سبحان الله!! جال خاطري في صفحات تاريخنا المجيد فرشح بذكر هؤلاء العظماء الأماجد الذين غيروا مجري التاريخ : وكأني بإبن مكتوم وهو يشنف الأسماع بصوته الشجي بالنداء والتكبير، ويحمل راية الجهاد يخترق بها جموع الكفر ، وبعبد الرحمن ابن عوف يخط في رمال الصحراء بعرجته يجمع الملايين وينفقها في سبيل الله ، وكأني بسعد يدير اشهر المعارك العالمية رغم التوائه وصعوبة حركته ، وبالأحنف بن قيس داهية العرب بحنكته وتفكيره ورجولته ، وكأني في مجلس عطاء بن رباح حيث البحر الذي لا ساحل له وهو اشل واعرج واعور، قال عنه ابو حنيفة : ما رايت خيرا من عطاء ، وكاني فى زيارة مع عبد الله ابن الزبير للسيدة أسماء بنت ابي بكروقد فقدت بصرها ، وهي تلقنه كلماتها الخالدة في الصبر والصمود، و تطلب منه نزع الدروع الواقية من صدره وتقول له : وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها ، وكأني اشم رائحة المسك التي تفوح مع العلم من فم الشاطبي رحمه الله ، فقد اصبح امام الدنيا اليوم في العلم وضروب الإجتهاد مع ضعف بصره، وكاني اتلوا آيات من كتاب الله امام ( قالون) وهواصم لا يسمع ولكنه ينظر الى فم القارئ فيرد عليه اللحن ويصحح له الخطأ، إنها مسيرة النهر الدفاق والبحر المتلاطم والمحيط الزاخر والتاريخ الممتد في مساحة الكرة الأرضية طولا وعرضا رجالا ونساءا صغارا وكبارا ، في كل مجالات الحياة المختلفة ، من الذي لايعلم
داوود الأنطاكي، الحسن بن احمد ، ابان ابن عثمان ، محمد ابن سيرين ،حاتم الأصم ، دعبل الخزاعي، عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، سليمان بن مهران الأعمش ،
وعلامة العصر وشيخ الشيوخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله ، وشيخ المجاهدين الذي زرع الرعب في قلوب اعداء الله / الشيخ احمد يسن ، وغيرهم من كبار علمائنا الأفذاذ.
كيف تمكن المسلمون من جعل المعاق عضوا فاعلا في المجتمع؟
يتضح ذلك من عدة مواقف ( نبوية ) تكاد تكون نادرة في مسيرة البشرية المتعاقبة
1- جعل الله تفاضل الناس بالتقوي فقال تعالى :{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم }.
2- تأكيد رسول صلى الله عليه وسلم هذه القيمة في أكثر من حديث ففي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم : [ أيها الناس ، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى. ويقول صلى الله عليه وسلم :[ إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] .
3- نهي الله تعالى عن السخرية منهم فقال تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ..الآية ] فحرم أن يسخر الأصحاء من المرضي .
4- قد أزال الإسلام القلق عن نفوس المرضي وذويهم بأن المصيبة الحقيقية ليست الإعاقة البدنية ، ولكن الإعاقة الحقيقة أن تصاب بفتنة في دينك .
فعمي البصيرة اسوء من عمي البصر ، كما قال الله تعالى : { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }.
5- القرآن والسنة يصبان البلسم الشافي فى نفس المريض ويملآن قلبه بنور التوحيد ، ويجعل حياته سعيدة ومتوازنة وراضية بقضاء الله وقدره, قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}ويقول صلى الله عليه وسلم : [ عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ]وأحاديث أخرى تحث على الصبر منه قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال [ إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة ].
الإسلام يطالب بالوقاية قبل العلاج :
1. من الوقاية تخير المرأة الصالحة العفيفة التي لم تزن ولم تخالل ولم تصادق .
2- زواج الأقارب مباح ، ولكن لو وجد مرض منتشر في العائلة فعلى الخاطب أن يتجنب الإرتباط بالأسرة لأن النبي عليه وعلى اله الصلاة والسلام قال: ( تخيروا لنطفكم ) وقال ( اظفر بذات الدين ) ولم يقل ارتبطوا ببنت العم او الخال.
3-
3. أجازت قواعد الفقه الإسلامي التعقيم والتطعيم ضد الأمراض المنتشرة التي قد تسبب الإعاقات .
3. تحريم الزنى والخمر والمخدرات والدخان لأن الفوضى الأخلاقية والجنسية تنتج ذرية سيئة ينتقل من خلالها الأمراض المعدية الخطيرة .
كانت هذه المواضيع مضمون المحاضرة التي القيتها ، وكان قد حضر اللقاء عدد من غير المسلمين العاملين في مجال الرعاية الصحية ، وقد رايت منهم انصاتا عجيبا للمحاضرة ومتابعة بذهن مفتوح ، ثم انهالوا على بالأسئلة والمحاورة ،ولم يصدقوا أن هذه الرعاية والخدمات كانت متوفرة في ديار الإسلام قبل الغرب الذي خطي خطوات كبيرة في هذا المجال ، ولم اتردد ابدا بالإعتراف بحالة التخلف والإهمال والوضع المزري الذي يعيش فيه العالم الإسلامي الآن . وفي الختام سمعت منهم ثناء واعجاب لم اجده حتى من المسلمين الحاضرين ، ولعل سبب اعجابهم أن يكون الإسلام مصدر خير ورعاية للمرضى والمعاقين ، وقد قال لى احدهم هذا موجود عندنا كذلك فى الإنجيل ، قلت فى اي الأناجيل فتلعثمت وترددت ، فقلت لها هذا جيد ، واشكرك ، ولم ارد أن اكون ثقيلا عليها .
اخوكم / محمد جمعة ابو الرشيد .
Mja741@hotmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3922
أحدث النعليقات