نظرتنا للوحدة الوطنية
ابوبكر فريتاي
أنطلق من كينونتنا الإرترية وانا اتحدث تحت هذا العنوان في موضوع جوهري يمس علاقاتنا وترابطنا تحت خيمة وظل الوطن الواحد ، ولطالما استوقف مضمون الوحدة الإرترية الكثير من تيارات العمل السياسي سواء في مرحلة النضال السياسي ابان اربعينات القرن الماضي أو ما تلاها من مراحل ومنعطفات خلال فترة الكفاح المسلح ولكن ما يتضح لنا الآن جلياً ان تلك الوقفات على صيغة الوحدة الجامعة للمكونات الارترية لم تنطلق من قاعدة الفهم والوعي العلمي والتاريخي ولم تتأسس على ارضية الاستيعاب الموضوعي الكامل لتطلعات مختلف الشرائح الاجتماعية والدينية والثقافية والإثنية ، مما جعل الشكل الخارجي للوحدة يعاني عدم الثبات والتبدل في كل مرحلة ، وغلبت عليه المباريات والتنافس السياسي التي لم تخل من التآمر والخداع والكذب ، وبدى بوضوح ان سلوك من بيدهم اللعبة السياسية يمتطون صهوة نداء الوحدة لمآرب لا تندرج في سياق تحقيق وتأمين الوحدة الوطنية كمبتغى، ولكنها تصب في مربع ضمان هيمنتهم وسيطرتهم على رسم وتحديد هيئة الدولة الإرترية ، سيما وان المفاهيم التي خدعت الجميع في مرحلة تقرير المصير الأولى التي انتهت بالاتحاد الفيدرالي في 1950م ، أو حقبة الكفاح المسلح التي أفضت إلى الدولة (المسخ) حالياً ، كانت جلية بأكثر من اللازم لتنبه الجميع إلى ضرورة الجلوس ، كلٌ في مقعده المناسب لحجمه الطبيعي ودوره ويرسم بلا وجل ولا مجاملة ولا انخداع ولا خداع ولا تضحية غير لازمة ويقول : هذا أنا وهذا استحقاقي ، ويبدأ حوار العقل والمنطق جريئا صريحاً وصادقاً ، لنصل بعد ذلك إلى العناوين الرئيسية التى تؤسَسْ على ضوئها أركان ومقومات الوحدة الوطنية أرضا وشعباً ، وأول منطوق يجب رسمه في هذا السياق وهو بمثابة عمود الوسط في خيمة هذه الوحدة كان يتمثل في إشباع إجابة : من نحن ؟ هكسوس_ بني قينقاع .. الخ ، ولم يكن صحيحاً أن تستغرقنا الفترة من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ولحين اندلاع الثورة ــ وهي فترة سياسية طويلة شهدت أحزابا ومباريات بين مختلف الكتل دون أن نجيب أو نلامس إجابة هذا السؤال . الأمر الذي جعلنا ندخل الى تعريف هويتنا الوطنية من الباب الخلفي الضيق والاستثنائي اذا جاز التعبير : ونختار الثنائية والثلاثية والرباعية دون الاسترشاد الى دراسة وتاريخ وتمحيص أو استفتاء !
ورحم الله القائد الشهيد عثمان صالح سبي الذي قال لنا في إحدى زياراته لبغداد عندما كنا طلاباً وشباباً أخذه الهيام بثورته : أخشى أننا قد فجرنا الثورة دون ان نحدد هوية شعبنا . وأضاف . أخشى أن تشكل تلك المعضلة إشكالية تقحم الارتريين في صراعات بينية في المستقبل . لقد صدق الرجل ، ووقع ما كان يخشاه ، وها نحن في وطن تغيب فيه ملامح الهوية وتضيع فيه الحقوق وتختل فيه موازيين الثقافة واللغة والتراث ويهجن تاريخه وتحول فيه الأرض الى بيع وضيع يرسمها الدينار والدرهم وأصحاب السلطة المتنفذين !! .
والتساؤلات تتنزل علينا تترى ونحن نتجرع مرارة التفريط في حسم موضوع الوحدة الوطنية : ألم تكن مكونات الأحزاب السياسية في حقبة النضال السياسي واضحة جلية في الإفصاح عن ولاءاتها ورغباتها ؟ أما تحمل المسلمون عبئ تلك الفترة وبذلوا كل ما يمكن من ادوار وجرّوا أحزاب وقوى التغريد للوحدة مع إثيوبيا الى حلبة التمسك باستقلالية الوطن الإرتري ؟ أما تحملوا عبئ تأسيس وتفجير وقيادة الثورة وظلوا لردح طويل ينتظرون مشاركة ( الشريك المتغطرس) والمتمنع من السير تحت ركاب قيادة الثورة ذات الأكثرية المسلمة تأثراً وانجذاباً الى تحذيرات إثيوبيا الإمبراطورية الكهنوتية آنذاك ؟
واحسب ان البلاء والعلة لم يكن فقط في حيز الشريك (المتغطرس) بل كان بدرجة فادحة في نطاق من فجروا الثورة وفتحوا مسار التحرير بشهداء من فلذات أكبادهم ، ومع ذلك اختاروا ان يركنوا لأسلوب الأبوية والاخوّة (الفارغة) ويقدموا تنازلات سخية ليضعوا من هم غير مؤهلين في سدة قيادة الشعب والثورة ويسلموهم زمام التوجيه والتشريع بدون استحقاق ، ويتغابوا عن تحسس فيضان التآمر الذي يسير تحت أقدامهم حتى تحولت جبهة التحرير الإرترية (مؤسسِة المشروع الوطني ) من الفترة ما بعد المؤتمر الوطني الثاني ولحين عام النكبة في 1982م الى مسرح ضربت عبره الهوية الوطنية والاسلام والعروبة عبر كل القرارات التي اصدرها حزب العمل الخائب ودمغت بختم الجبهة . وبالتقابل مع وضع الضمور والتراجع الذي عانته الجبهة في تلك المرحلة رغم ما شهدته من ادوار وطنية كبيرة ومنجزات عملية على الارض ، الا ان الشريك المتغطرس وعبر منصة الجبهة الشعبية كان يخطط بلا هوادة لمصادرة كل ذلك وإضافته لحسابه (المغرض ) الذي يمكّنه من الوصول الى منصة الدولة .
أقول ذلك لأصل الى نقطة مهمة وهي ان الشريك (المتغطرس) قد اختار ان يرسم معالم الوحدة الوطنية ويحدد هوية الدولة عبر امتلاك منصة السلطة والتحكم في قيادة البلد . وآلة السلطة تستطيع ان تفرض ما تريد بالقوة والإكراه والغصب ، ولا أود العودة في هذا السياق الى المفاهيم المتعارف عليها بصدد الوحدة الوطنية : كونها عقد اجتماعي بين مكونات الشعب وتقوم على التراضي والتوافق وضمان تحقيق المصالح والازدهار لأيٍ من مكونات الدولة ، فكل تلك الصياغات ماعاد لها وجود او فهم في نطاق بلاط السلطة القاهر في ارتريا ، الأمر الذي يفرض علينا كمجتمع ضرورة العودة الى المربع الاول ونبدأ بقريحة مفتوحة مناقشة استحقاقاتنا المشروعة في الوحدة الوطنية ونحدد أولياتنا في هذا الاطار بجرأة وحدية ايضاً : هذه ارضي _ انا مسلم ومتمسك بعقيدتي بشدة ولا اسمح لك ايها الشريك ان تتزوج ابنتي او اختي _ لا اتعامل الا بشريعتي فيما يتعلق باحوالي الشخصية _ أتكلم العربية فصحى ودارجة وغير ملزم بالتجرنية _ اتدخل بقوة لتحديد المنهج الدراسي لابنائي _ أكتب وادون تاريخي واوثقه . أبني الجوامع والخلاوي والمعاهد لاربي النشئ الجديد بما يتوافق مع عقيدتي وثقافتي … الخ . أليست هذه هي الديمقراطية ؟؟؟ والحرية ؟؟؟
إن ما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو الحديث القيم الذي افضى به رواد وضيوف منبر الحوار الوطني الإرتري ليلة السبت 17/5/2014م حول مفهوم الشراكة الوطنية والوحدة في إطار التنوع ، حيث وجدت ان شراكتنا المختلة ووحدتنا المفقودة على الأرض هي بعيده كل البعد عما درجت عليه مكونات الشعوب الاخرى الامر الذي نحتاج فيه الى تأسيس قاعدة رصينة لتأسيس مفهوم شراكة ووحدة حقيقية وجاذبة في وطننا ، بعيداً عن الآراء الحالمة والرومانسية وغير الواقعية التي تقذفنا بها بعض الأقلام الغارقة في وهم حادي لبي حادي هزبي .. سيئة الصيت .
خواتيم :
- · أمساك العصى من المنتصف والميل لارضاء الموصوف بالشراكة واستدرار عطفه لنعيش معاً ما عاد يجدي وتسبب في ضياع الوحدة والهوية الوطنية.
- · أحاديث الوصاية على الوطنية من موقع انا متعلم وخبير وصاحب تجربة ونعرف ارتريا تماماً ، ودغدغة عواطف الشباب بشعارات الديمقراطية والعمل المشترك وتحريض قطاعات معينة ضد ثوابت الوطن ورموزه ما عادت قادرة على التأثير في قناعاتنا .
- · مشروع ابناء المنخفضات ووثيقة لم الشمل هي البداية الصحيحة للوقوف في جادة الطريق المستقيم نحو الهدف المحدد والمشروع ، لتأسيس شراكة حقيقية قائمة على الوفاق والتراضي … (وهذه قناعة تخصني )
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=30636
أحدث النعليقات