هل يحق لمن عجز عن نطق عبارة { جندى بقوة فيل } ان يوجه الاتهامات الجزافية لقيادات الثورة الارترية ؟!!
بصرى على الكتاب قلت هذا عمل جميل ان يحدثنا واحد من الرعيل الاول الذين شهدوا ميلاد الثورة الارترية عن تجربته فيها , وحبذا لو قام كل من كان له سهم فى هذه الثورة بتوثيق اسهاماته حتى لو جاء الحديث موغلا فى الذاتية والنرجسية . حقا انا هنا لا اعيب على المرحوم المناضل ادم قندفل القدر الهائل من تلافيف البعد النرجسى الذى بدا من خلال سطور كتابه المعنون ب { ادم قندفل والثورة الارترية } لانه محكوم باطاره الذهنى الذى حال بينه وبين ان ينظر الى مواقف الاخرين بعين الموضوعية والانصاف . ثم ان التباهى بالنفس والتقليل من شأن الاخرين كانت هى الثقافة السائدة فى الساحة الارترية , ولا تثريب على قندفل ان يجارى ما كان سائدا فى بيئته فكما هو معلوم فالانسان ابن بيئته . ولا يجب ان نرفع حواجبنا كناية عن الاستغراب مما اتحفنا به من مواقفه البطولية التى كان يكشف من خلال ابرازها خصال الجبن والضعف والخيانة التى وصف بها معظم معاصريه من قيادات الثورة الارترية لاننا لا يمكن ان نتوقع ممن هو فى مثل ظروفه وقلة حظه من التعليم ان يجود لنا بغير ما بدا لنا منه من افتقار الى التفكير الموضوعى ومحدودية الافق .
ما يحز فى نفسى هنا اننى مضطر ان الوك سيرة رجل اصبح فى رحاب المولى سبحانه وتعالى , ولكن عزائى فى اتيان هذا الفعل المنكور هو ما سبقنى اليه قندفل نفسه بحديثه عن عثمان صالح سبى الذى كان فى ذمة المولى عز وجل عندما كتب عنه ما كتب .
هل تناول سيرة عثمان سبى جريرة تدفعنا الى الغضب ومهاجمة كل من تسول له نفسه ان يأتى على ذكره بغير ما نحب ونرضى ؟! لا والله ما هكذا قصدنا ولا نرضى لانفسنا بان نقع فى هذا المستنقع , فنحن ندرك ان سبى شخصية عامة كانت له اسهاماته واخفاقاته فى مختلف مراحل الثورة الارترية ومن المنطقى ان توجه له سهام النقد من مخالفيه بنفس القدر من الاعجاب والحب الذى يجده من مناصريه المؤمنين برشد مواقفه فى العديد من منحنيات ثورة شعب ارتريا التائق للحرية والاستقلال { وليس الاستغلال كما كانت ترد فى الكتاب } وسبى نفسه اعترف باخفاقاته واخطائه مع رفقائه من مناضلى الرعيل الاول لجبهة التحرير الارترية وذلك فى كتاب له بعنوان { جذور الخلافات الارترية } .
ما هو اذن وجه اعتراضنا على ما عبر عنه المناضل قندفل بواسطة يراع مجهول لا ندرى ان كان امينا فى نقل المعنى والمبنى ام متصرفا متحرفا لهوى النفس الامارة بالسوء متحيزا لفئة . ولكننا على كل حال سنتعامل مع نصوص الكتاب باعتبارها صادرة من المرحوم قندفل لاننا لا نملك دليلا يخالف ذلك .
يتحدث عمنا قندفل عن فتح مكتب للجبهة بشكل رسمى فى مدينة كسلا بعد نجاح ثورة اكتوبر الشعبية فى السودان وانه عين مسؤولا للمكتب – لم يوضح كيف تم تعيينه – ويقول { فى تلك الفترة ارسل عثمان سبى بعض الزملاء من الخارج يترأسهم محمد على عمرو } للالتحاق كاعضاء فى فرع كسلا وقام بتعيين عمرو مسؤولا للمكتب ولقيادة المناضلين فى الساحة , وان الشهيد طاهر سالم رفض التنازل عن قيادة الجيش فى حين امتثل هو ومحمد عثمان ازاز للامر وسلما المكتب { للمدعو عمرو } واصبحا عضوين عاديين . وكانت هذه مقدمة لسرد احداث اخرى متصلة بها ليقول لنا فى النهاية ان عثمان سبى هو { خالق الفتن والانشقاقات فى جسم المجتمع الارترى } ولكن دون تقديم حيثيات تعضد هذا الاتهام الجزافى الخطير .
ان السرد اللاحق للوقائع التى ذكرها قندفل نفسه لا تصل بنا الى الحكم الجزافى الذى اطلقه بحق عثمان سبى .
واذا كان لنا ان نتفهم الاثر النفسى السالب الذى استشعره قندفل ورفاقه من ترؤس عمرو عليهم وهم من لهم فضل السبق عليه فى ساحة القتال – ولا نقول النضال – فاننا لا نستطيع استيعاب ان تكون نتيجة هذا القرار هو خلق الفتن والانشقاقات فى جسم المجتمع الارترى وذلك لمجرد ان قندفل تم عزله من رئاسة المكتب واصبح عضوا عاديا مع بقية زملائه السابقين واللاحقين .
ثم يحق لنا ان نتساءل : هل كان سبى يملك حق اتخاذ مثل هذه القرارات منفردا دون الرجوع او التشاور مع رفاقه من القيادات العليا ؟! واذا افترضنا جدلا ان هذا القرار تم اتخاذه بارادة منفردة من قبل سبى الا يمكن اخذه من قبيل اختلاف فى تقدير الامور التى تعطى للقائد هامشا لتحديد مستوى المهام والمسؤوليات التى ينيط بها لمن هم تحت قيادته .
ويواصل قندفل سرده ويقول ان عمرو بدأ بخلق خلاف بين المناضلين وكان هو ضمن من شملهم دق اسفين الخلاف الذى نشب بينه والشهيد الطاهر سالم هكذا بكل سهولة يتمكن عمرو من زرع الخلافات بين المناضلين وكأن ارادتهم مستلبة ولا يملكون الا الانقياد لارادته ! ولا يحدثنا قندفل عن الوسائل التى يلجأ اليها عمرو لبذر هذه الخلافات ولماذا اصلا يلجأ لمثل هذه الاساليب ؟ وماذا يستفيد من ذلك ولم يقل لنا انه مادام قد اكتشف ان عمرو يسعى لبذر الخلاف بينه وبين طاهر سالم لماذا لم يتجنب الوقوع فى هذا الخلاف ؟ ثم لو افترضنا جدلا ان عمرو عمل على زرع الخلافات بين المناضلين لماذا نفترض ان عثمان سبى هو من امره بذلك باى منطق نحمل سبى مسؤولية الاخطاء التى قد يرتكبها عمرو او غيره من القيادات التى يفترض انها راشدة وتتحمل مسؤولية الاخطاء والاخفاقات التى وقعت فيها .
ويواصل قندفل سرد الحكاية مع الاستنتاجات غير المنطقية التى تصحبها حيث يقول { عند وصول سبى الى كسلا طلب منى ومن طاهر سالم الذهاب معه الى الميدان . اوضحت للاخ عمر ازاز المشكلة التى بينى وبين طاهر سالم وطلبت منه يحلها معنا امام سبى , وبعد عرضى المشكلة امام سبى قال ان هذه المشكلة كبيرة ولا استطيع حلها هنا } وبعد هذا السرد اردف قندفل كلامه باستنتاج غريب لا يتماشى مع المنطق حيث قال { وكان يقصد بذلك – اى سبى – توسع الخلاف بينى وبين طاهر سالم } .
هنا نلاحظ انه لم يذكر طبيعة الخلاف بينه وطاهر سالم ولكن بدا من حديثه انه ليس خلافا بسيطا بدليل انه لم يلجأ الى حله بنفسه مع سالم بل لجأ الى ادخال وسطاء بينهما , فلماذا يلوم سبى اذا رأى ان المشكلة التى بينهما تستحق ان تعرض امام محكمة وهذا ما كان واعترف بنفسه ان قرار سبى كان مسؤولا وصحيحا بدليل قوله ان المشكلة قد حلت بعد مثولهما امام المحكمة .
نستنتج مما سبق ان اتهام قندفل لعمرو بزرع الخلاف بينه وطاهر سالم واتهامه لسبى بمحاولة تعميق هذا الخلاف لا يصمد امام الوقائع التى سردها بنفسه فمنطق السرد يوضح لنا وجود مشكلة حقيقية بينه والشهيد سالم استدعت تشكيل { محكمة شيوخ } بأمر من عثمان سبى , وتمكنت هذه المحكمة من حل المشكلة , فلا ندرى من اين اتى استنتاجه ان سبى كان يقصد توسيع الخلاف بينهما .
وينهى قندفل هذه الفقرة بقوله { عند رفع الاوراق الى سبى قرر تجميد نشاطنا الثورى , وخضع طاهر سالم للقرار , وبعد فترة واصلت عملى كعضو فى المكتب ولم اخضع لقرار عثمان سبى } .
بعد هذه الفقرة وضع قندفل العنوان الجانبى التالى { سبى وخلق الفتن } وتحت هذا العنوان اتحفنا بحكاوى غريبة تبدو وكأنها كتبت تحت تأثير المداومة على مشاهدة افلام اكشن هندية مثيرة حيث يقول فى الفقرة الاولى { وبعد ثلاثة اشهر تقريبا حضر سبى من الخارج وسأل عن طاهر سالم واخبروه انه موجود فطلب منا الذهاب اليه , وفى منزل طاهر سالم وبعد ان قدم لنا الشاى شهر مسدسه للقضاء على سبى وهجم عليه الاخوين عمرو وعمر ازاز واخذا منه المسدس } .
هل بامكانى او اى احد ممن لم يكن حاضرا الواقعة ان ينفى حدوثها ؟ لا طبعا لا نملك هذا الحق , ولكننا نملك حق التشكيك فى امكانية حدوثها على النحو الذى سردت به , فعقلى يأبى قبول ان يقدم طاهر سالم على هذه الفعلة واين ؟! فى عقر داره ! هل يستقيم منطقا ان يشهر قائد عسكرى منضبط مسدسه على ضيف اتاه فى منزله , واذا قبلنا جدلا اقدام سالم على هذا الفعل ربما بسبب سوء الفهم الذى قد يحدث بين رفاق النضال فاننا لن نقبل الحكم الجزافى الذى اوحت به لقندفل مشاعره المشحونة ضد سبى ولكنه نسبه الى الشهيد طاهر سالم بقوله { من تلك الحادثة عرفت ان طاهر سالم اول من كشف حقيقة عثمان سبى من حيث انه خالق الفتن والانشقاقات فى جسم المجتمع الارترى } . فليس من الاخلاق فى شىء ان تنسب الى شخص غيبه الموت احكاما واقوالا لم يقلها صراحة .
وتحدث بعد ذلك عن محكمة شكلها عثمان سبى لمحاكمة طاهر سالم { ومجموعة اخرى } ثم اتى باسماء اخرين شملتهم المحاكمة ولم يتضح لنا ما اذا كانت المجموعة الاخرى هى الاسماء التى ذكرها ام غيرهم , على كل حال نحن امام رواية من المرحوم قندفل بتشكيل محكمة برئاسة عمر ازاز وعضوية عمرو ورمضان محمد نور وعبد الكريم احمد وموسى محمد هاشم ومحمد حجى وقندفل , وتقول الرواية ان المحكمة حكمت بالاعدام على الزملاء طاهر سالم ومحمود ديناى ومحمد عمر ابو طيارة وعثمان ابو شنب ومحمد ادم ادريس ارى ومحمد على كشة ومحمد على ابو رجيلة وعبدالله قرجاج وطاهر ادريس وعمر دامر وابراهيم داوود . اذن نحن امام حكم بالاعدام صادر بحق احد عشر مناضلا من قيادات الجبهة والتهمة كما اوردها قندفل هى انهم عنصريين . طبعا انا يتملكنى العجب من طبيعة هذه المحاكمة ولا استطيع استيعاب امكانية حدوثها على هذه الشاكلة , ولكن دعنا نقبل هذه الرواية على علاتها ونقول انه كان قمين بقندفل ان يفرد مساحة اوسع فى كتابه لهذا الحدث الجلل ولا يكتفى بمجرد فقرة واحدة لم تشبع فضولنا لمعرفة تفاصيل واغوار واسباب ونتائج هذه المحاكمات .
ونواصل مع قندفل سرده للاحداث بعد صدور الاحكام حيث يقول { واخبرت عثمان وكان فى الخرطوم – نفهم ان المحاكمة كانت فى كسلا – فطلب منهم تأجيل الحكم الى حين حضوره . فعارضت حكم المحكمة } .
سياق السرد يفيد ان عثمان سبى هو من طلب تأجيل الحكم – لا شك انه يقصد تأجيل تنفيذ الحكم لانه سبق واخبرنا ان الحكم قد صدر – وبعد ذلك قام قندفل بمعارضة حكم المحكمة . ومع ذلك يصر قندفل الا ان يبرز لنا بطولته حيث يدعى انه تعرض لمحاولات اغتيال عديدة بسبب موقفه الرافض لحكم المحكمة وان كل تلك المحاولات باءت بالفشل مما جعل سبى يعقد معه صفقة هى الا يبوح لاحد بأمر هذه المحاكمة مقابل ضمان سلامته .
هل انتبهتم لطبيعة الصفقة ؟! الصفقة يا احبائى هى كتمان سر المحاكمة والحكم ! حكم بالاعدام يصدر بحق كل هذا العدد الكبير من المناضلين ومع ذلك يظل سرا لا يعلمه الا قندفل وبسببه يتعرض لمحاولات اغتيال لم يوضح لنا كيف تمت وكيف نجا منها ! هل هذا كلام يصدقه عاقل. والله تمنيت ان لو كان المرحوم حيا يرزق لانصحه بأن يحترم عقول قرائه قبل الاقدام على تسطير هذه الترهات التى تنافى المنطق والعقل .
الشاهد فى امر هذه المحاكمة المزعومة هو ان موقف سبى كان ايجابيا بشهادة قندفل نفسه حيث كان هو من عطل تنفيذ حكم الاعدام على المناضلين ومع ذلك لم يتورع قندفل ان يتحفنا بتعليق سخيف فيه تحامل شديد على سبى حيث يقول { عزيزى القارىء كتبت هذه الحقايق لا لاوضح موقفى بل لاكشف للجماهير كيف كان سبى داعية من دعاة الفرقة والشتات بين ابناء الوطن } . حقا انه لامر يدعو للدهشة والاستغراب هذا التناقض الواضح بين ما يكشفه لنا سياق السرد من جهة والاحكام والتعليقات التى يوزعها قندفل بحق عثمان سبى التى تفتقد لادنى درجات تحكيم العقل والمنطق والضمير .
كتبه : عثمان محمود سبى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26311
نشرت بواسطة فرجت
في أكتوبر 7 2012 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات