وداعـا هـداد كـرار
بقلم/ مصـطفى كـردي 27_05_2004
الأعوام القليلة الماضية ودعنا خلالها العديد من الاعزاء، الذين غادروا دنيانا الفانية هذى، بعد ان لعبوا ادوارا لا يستهان بها فى مختلف مناحي الحياة، يأتى العم العزيز هداد كرار رحمه الله فى مقدمتهم، وكان من المفترض ان ترى مرثيتى هذه النور فى حينه،الاّ ان عوامل كثيرة حالت دون ذلك، يأتى فى مقدمتها انشغال البال وتبلبل الحال الذى اعترانى من جراء تسلط الحكومة الطائفية على شعبنا وتقولها على آمالنا واحلامنا وسكينتنا، ولاشك انى اعرف العزيز الكبير الراحل الباقى هداد اكثر من غيرى من الذين كتبوا عنه مشكورين، فقد عرفته منذ صغرى فى مدينة كرن، وتوطدت تلك العلاقة به اكثر اثر اعتقاله ومجموعة كبيرة من سكان مدينة كرن من اعضاء ,,حركة تحرير ارتريا،، وكان والدى رحمه الله من ضمنهم، وقد رأيته ثلاث مرات فى معتقله حينما كنت ازور والدى فى سجن مدينة كرن، ومن ثم بعد ترحيلهم الى أسمرا ودقى أمحري، ولازلت رغم بعد الشقة احمل فى ذاكرتى صورا تحكى الآما رسمتها ايدى البطش الدموى الاثيوبى فى صفحة شعب مدينة كرن التائق للحرية. لازلت اذكر كيف يسود الزعر انحاء منزلنا حين يجئ جند الباغى، جاء الكمندوس .. جاء الكمندوس، همس يسرى كثيرا فى انحاء منزلنا ويلتصق من جراءه الصغار بحجر الأم ويرتسم فى الذهن صوت الجلاد ,,شامبل بيني،، ولحن عذاب من سفك الدم.
وبعيد التحرير مباشرة عدت الى أرض الوطن لأيمانى الراسخ ان ارتريا قد تحررت بتراكم نضالات الارتريين، كل الارتريين، وان من حق الارتريين ـ كلهم ـ العيش فيها والاسهام فى بنائها، وبهذا الفهم وصلت الى أسمرا، ليتم توجيهى فى مكتب الاعلام المسموع بصوت الجماهير، وبدأ الناس يتسامعون اسمى ,,مصطفى كردى،، ومنهم الراحل هداد، فأتى الى مكتب الاعلام وقابل الصديق المناضل أحمد على برهان رئيس القسم العربى اذ ذاك، والذى يقبع الآن فى سجن النظام المستبد، وسألهم عنى فلما عرف بسفرى، سألهم عن اسمى الكامل لأن هناك من يحملون عين اللقب ولكنه لم يجد جوابا شافيا، فلم يكن الزملاء يعرفون اكثر من اسمى الأول، ولما استفسر عن جهة سفرى علم منهم انى قد غادرت أسمرا متوجها شطر كرن الحبيبة لزيارة الأهل والاحباب، فقال لهم انه اذا ابن صديقى وأخى محمد مصطفى محمد كردى، وبعد عودتى من كرن هاتفنى وخيرنى فى ان يحضر هو الى مكتبى او ان اوافيه انا فى مكتبه، وبالفعل كنت فى مكتبه بعد لحظات من اتصاله الهاتفى، خاصة وان مكتبه العامر لم يكن بعيدا من مقر الاعلام. فى ذلك اللقاء الأبوى الصادق احسـست فعلا باطمنئان اجتماعي كبير، فقد غمرنى العم العزيز هداد بعطفه الابوى الحار، وساهم بنفس راضية فى تذليل ـ بعض ـ الصعاب التى واجهتنى فى أسمرا، وأذكر انه سألنى عن وضعى الاجتماعي فلما عرف انى متزوج منذ سنوات وأب، سرّ بذلك واصرّ على ان يقدم لى هدية لازلت اعتز بها، وكان يقول لى هذه هدية زواجك ,,طمبلات،، . وكان مكتبه وداره دائرتين لتواجدى وكنت اناقشه فى كثير من القضايا وبخاصة مسألة الديمقراطية والثقافة العربية وغيرها من التحديات التى فرضت نفسها بعد التحرير مباشرة، وكان رغم اعجابه بى يحذرنى من التهور ويطالبنى بالصبر والتريث، وكان يقول لى دائما انك تبحث عن المشاكل، وكان يردد على مسامعى دوما وبتقرى لطيفه ,,أنت شرار أنت،، . ولما غادرت ارتريا دون ان اخبره ـ بالطبع ـ غضب منى كثيرا وكان يقول كيف يغادرنا ويتركنا فى هذا الواقع لوحدنا؟. وكان يردد لمن يثق فيهم ,,مصطفى حردينا،، لأن فلسفته كانت تتمحور فى ضرورة التواجد فى أرض الوطن والنضال من الداخل لتحقيق كل مطالبنا المشروعة. وبغادرتى البلاد فقدت العديد من الاعزاء، يأتى العم هداد كرار فى مقدمة من فقدتهم وافتقدتهم، وكنت اتمنى ان اراه وان أجلس اليه مرات اخرى بعد ان عمت بلادنا السيادة الوطنية الحقّه، ولكن فجعت برحيله، وتألمت لذلك الرحيل كثيرا، فقد كان العزيز هداد نسيج وحده، رجل صبوح الوجه،باسم المحيا، يحب الناس، كل الناس ودبلوماسى اوتي قدرة فائقة فى التأثير على من حوله، وكان بحق رجلا نموذجيا تمتد علاقاته الانسانية لتغطى كل الوطن، وتشمل كل المواطنين، ولذلك لا عجب ان ترى بيته يعج بالارتريين وبمختلف قبائلهم ودياناتهم واقاليمهم وهو مارأينا بعضه من خلال الكم الهائل من الرثاء الصادق الذى طالعنا فى مختلف وسائط الاعلام الارترية، من اصدقائه وتلاميذه وابناءه وعارفي فضله ومعدنه.
رحم الله فقيدنا الكبير العم العزيز هداد كرار، والعزاء كل العزاء لاسرته الكريمة ولأبنائه واشقاءه وابناء عمومته، الذين اعرف جلهم، والذين آمل ان يعتبروا هذه الحروف القليلة بمثابة عزاء لهم فردا فردا. وانا لله وانا اليه راجعون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8557
أحدث النعليقات