ورقة ناود في منتدى تدريس العربية في أسمرا -1-
محمد سعيد ناود
www.nawedbooks.com
مقدمة
بعيدا عن النظرة الدينية فإن العلاقات الإرترية العربية وعلاقة اللغة العربية بإرتريا تعود إلى تاريخ بعيد من الصعب تحديده وتم ذلك عبر الهجرات والمصالح والانتقال البشري بين الشاطئين الشرقي والغربي للبحر الأحمر الذي كانت تفرضه الظروف المناخية والحروب وغيرها . إذن فاللغة العربية في ارتريا لغة أصيلة وهي ليست وافدة حديثاً ـ كما يعتقد البعض ـ نتيجة اللجوء لبعض الإرتريين للأقطار العربية أثناء حرب التحرير .
أيضاً لم تأتي اللغة العربية إلى ارتريا مع قبيلة الرشايدة لأن هجرة الرشايدة إلى ارتريا قريبة جدا وتعود إلى أقل من مائتي عام .
ففي فترة الاستعمار الإيطالي كانت هناك بعض الصحف التي تصدر باللغة العربية ، ونفس الشيء في فترة الاستعمار البريطاني حيث كانت هناك العديد من الصحف والمجلات التي كانت تصدر أيضا باللغة العربية وتعبر عن مختلف القضايا باللغة العربية وبأقلام العشرات من الكتاب في السياسة والأدب بكل فروعه ، والتي يجدها أي باحث بالعودة إلى أرشيف الصحف التي كانت تصدر في تلك الفترة 1941ـ 1952 م .ونفس الشيء نجده في حقبة الفيدرالية ، أي في أوائلها وقبل أن تشرع السلطات الإثيوبية في تكميم الأفواه .
وفي فترة الثورة التي امتدت لأكثر من ثلاثين عاما كانت اللغتان العربية والتجرينية التي حاولت استبدالها بالأمهرية هما المستعملتان في أدب الثورة ومخاطبة الجماهير الإرترية بالداخل والخارج . بل وفي تلك الحقبة ظهر أدباء في مجالات الشعر والقصة والمقالة السياسية وفنانون باللغة العربية ، طرقوا عددا من المجالات وكان أغلبها التحريض على الثورة والتغني بالوطن والشعب والتبشير بإرتريا المستقلة . وأرشيف الثورة آنذاك والمتمثل في الدوريات من مجلات وصحف وبيانات يؤكد ذلك .
بل أن عراقة وأهمية هذه اللغة تتضح أكثر في ظل ارتريا المستقلة حيث يتحدث رئيس ارتريا المناضل أسياس أفورقي باللغة العربية الفصحى بطلاقة . وكذلك يتحدث بها عدد من الوزراء الإرتريين كما يتحدث بها الكثيرين من المسئولين في مفاصل أجهزة الدولة سواء كان في الخدمة المدنية ورجال القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن مضافا إليهم قيادات وكوادر من الحزب . بالإضافة لوجود مدارس تدرس باللغة العربية ومدارس أخرى تقوم بتدريس اللغة العربية كمادة لغة . أيضا أن اللغة العربية هي لغة تخاطب ومعاملة في عدد من المدن الإرترية ، كما أن القسم العربي في إذاعة ” صوت الجماهير ” والقسم العربي في التلفزيون الإرتري ، والنسخة العربية اليومية من صحيفة ” ارتريا الحديثة ” التي تصدر أربعة مرات أسبوعياً من وزارة الإعلام الإرترية ومعها مجلة ” الأمانة ” التي تصدر من الحزب ،، كما أن المحررين والكتاب والأقلام الكثيرة والمذيعين التي تشارك في الإذاعة والتلفزيون والصحيفتين المذكورتين كلها من الإرتريين ومضافا لكل ذلك الإصدارات من الكتب باللغة العربية التي نشاهدها في المكتبات من حين لآخر .
كل هذا يعكس أصالة اللغة العربية في إرتريا بجانب إنها لغة المحيط الذي تقع فيه ارتريا ، لذا فأن اعتبار اللغة العربية لغة أصيلة وعريقة في إرتريا ليس محل جدل .
كيف وصلت اللغة العربية إلى إرتريا ؟
الثابت تاريخيا بأن اللغة العربية دخلت إلى ارتريا عبر الهجرات العربية الموغلة في القدم والتي يقدر تاريخها بعشرة آلاف عام وكانت أغلب تلك الهجرات من اليمن شمالاً وجنوباً بواسطة قبائل ” أجعزيان ” و ” حبشات ” و ” بلي ” و ” ربيعة ” بمختلف بطونها . وقد أخذت تلك الهجرات ثلاث مسالك .
الطريق الأول عبر باب المندب للشاطئ الأفريقي ، ثم تحركت بعد ذلك شمالا .
والمسار الثاني مباشرة من اليمن إلى جزر دهلك الإرترية وانتقلت منها للبر الإرتري . ثم بدأت تنتشر من الهضبة الإرترية جنوبا حتى أقامت دولتها في ” أكسوم ” والتي كانت تشترك فيها إرتريا أرضا وبشرا .
أما عن المسار الثالث لتلك الهجرات فقد كان يتجه إلى ” عيزاب ” الواقعة جنوب مصر وأقصى شمال السودان اليوم ، تلك المنطقة التي اشتهرت بكثرة معادنها من الذهب والزمرد وكثرة المناجم بها في التاريخ البعيد وتلك الموجات البشرية كانت تتحرك شمالا وأحيانا جنوبا حسب الأسباب الموجبة لذلك .
إذا كان ذلك عن الهجرات الموغلة في القدم ، فأن الهجرات العربية لم تتوقف بل ظلت متواصلة . فالشاطئ الإرتري الطويل الذي يزيد على الألف كيلو متر كان بمثابة مرافئ للسفن العربية المتجهة إلى الشاطئ الغربي للبحر الأحمر . ولكن هناك مراكز وموانئ محددة لعبت الدور الأكبر . وفي مقدمة ذلك ” أرخبيل جزر دهلك ” ، وبحكم قربها من الشواطئ العربية فقد لعبت دوراً هاماً كنقطة تجمع وانطلاق الهجرات العربية القديمة المتجهة صوب اليابسة باتجاه الشاطئ الإرتري .
أيضا عن طريقها كان يتم نقل التجارة أو استقبالها . وبعد الفتح الإسلامي فقد ازدهرت جزر ” دهلك ” وقامت بها إمارة إسلامية كان لها شأن كبير . وتشجع العرب على استيطانها وتعميرها ، ومنها الانطلاق والارتباط بالبر الإرتري .
كما أصبحت المجال الحيوي للجماعات التي خرجت من الجزيرة العربية للتجارة وطلب الرزق أو لاتخاذ موطن جديد هرباً من حالات الذعر التي سادت الجزيرة العربية والعالم الإسلامي بسبب حروب الردة ثم حروب الأمويين والعباسيين .
والمهاجرون لتلك الجزر نقلوا إليها الحضارة والعلم ، فأصبحت دهلك مركز إشعاع لتعليم فقه الدين واللغة ، ووفد إليها طلاب العلم من مختلف أنحاء منطقة شمال أفريقيا .
أيضا النزاع الذي حدث بين الأمويين والعباسيين في مسألة الخلافة ومعركة كربلاء التي أستشهد فيها الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب قصدت جماعات وأفراد إلى حيث لاتمتد إليها أيدي الخلفاء الأمويين فقصدوا شواطئ أفريقيا الشرقية . فتحركت جنود الدولة الأموية لمتابعتهم ومراقبتهم بشكل دقيق فكانت دهلك أهم نقطة للقيام بتلك المهمة ، والمتحف الإرتري به كثير من الآثار الهامة عن دهلك ، والحضارة التي نمت هناك ، وعن ازدهار اللغة العربية بها .
كما أن ميناء ” عدوليس ” الذي كان مركزاً تجاريا هاما كان أيضا يربط بين الشاطئين ، وان مصوع تعتبر من أقدم موانئ البحر الأحمر ، ومصوع التي كان يطلق عليها تسمية
” باضع ” من قبل المؤرخين العرب القدماء ولاتزال حتى الآن تسمى وتعرف بـ ” باضع ” أو
” باطع ” لدى الإرتريين . فمثلها مثل أرخبيل دهلك وميناء عدوليس لعبت دورا كبيرا في استقبال الهجرات العربية منذ قديم الزمان . ولقد أمتد نفوذ الأمويين إلى مصوع . ثم جاء من بعدهم العباسيون ، وفي أحدى الفترات أصبحت مصوع ولاية تابعة لمكة المكرمة ثم في مرحلة لاحقة أصبحت ولاية تابعة لمدينة ” جدة ” .
وهذه الهجرات المستمرة والعلاقات المتواصلة جعلت اللغة العربية في ارتريا لاتتوقف في نموها في مرحلة لغة ” الجئز ” القديمة . بل أنها أصبحت تتطور كلما حدث تطور ما في هذه اللغة تحدثا أو كتابة ، لأن تلك الموجات البشرية ظلت تنقل معها اللغة العربية وتعمل على تجزيرها عبر التواصل البشري والمصالح المتبادلة .
الذين كتبوا عن الهجرات العربية
إن الهجرات العربية من الشرق إلى الغرب تناولها الكثيرون من الرحالة العرب والجغرافيون والمؤرخون والباحثون نذكر منهم :
1ـ ابن خلدون 2. ابن بطوطة 3. أبو القاسم محمد بن حوقل 4. أبو الحسن المسعودي
5. المقدسي 6. البيروني 7. الإدريسي 8. ياقوت الحموي 9. القلقشندي 10.المقريزي
والحديث عن الهجرات العربية حديث طويل وذو شجون بل أنه يستحق إلى الاسترسال والتعمق ، إلا أن مايهمنا من تلك الهجرات هو انتقال اللغة العربية إلينا بواسطتها .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10270
أحدث النعليقات