وزير الإعلام الارتري يهاجم قناة الجزيرة ويؤكد وجود اختلاف جوهري لمفهوم الديمقراطية في إرتريا عن الديمقراطيات الموجودة في العالم
بقلم : ياسين محمد علي
مركز دراسات القرن الإفريقي
أجرت إذاعة صوت أمريكا قسم التجرنية الموجه إلي منطقة القرن الإفريقي في العشرين من مايو الجاري مقابلة مع وزير إعلام النظام الارتري علي عبده أحمد بمناسبة مرور عشرون عاما على استقلال إرتريا وحكم الجبهة الشعبية للبلاد ، وقد طرحت في المقابلة العديد من القضايا التي في الأصل ليست جديدة من حيث الطرح لكن ما استوقفني فيها الإجابات التي أدلي بها الوزير الارتري، وقبل الخوض في تفاصيل ما جاء في المقابلة مع التعليق عليها لابد من الوقوف علي شخصية وزير الإعلام الارتري علي عبده حيث يعتبر رابع وزير للإعلام للحكومة الارترية منذ الاستقلال، كما عمل ضمن فريق مكتب أفورقي في مرحلة النضال ولم يتجاوز عمره الخمسة عشر عاما ، ولهذا فإن الرجل من الموالين جدا لأفورقي، بل أنه أول من بدأ بتعليق صورة الرئيس في مكتبه وذلك عندما كان نائبا لرئيس الاتحاد الوطني لشباب وطلبة إرتريا،وقد اعتبر البعض من داخل النظام هذا السلوك بأنه يتعارض مع أعراف ومبادئ الثورة ويتقاطع مع العبودية الوثنية في العهد القديم،ولهذا ليس من المستغرب بأن يكون الرجل أحد أهم أبواق الرئيس إسياس ، ويتضح ذلك من خلال تقليده لأفورقي في حديثه لوسائل الإعلام وتكرراه ليس فقط لنفس المفاهيم والمواقف التي يدلي بها أفورقي بل بإستخدامه لنفس الكلمات والعبارات التي يدلي بها أفورقي في مقابلاته الصحفية الطويلة،و يوصف الرجل بأنه حاد في معاملته وذكي وطموح في نفس الوقت ، وقد توقع تقرير مجموعة الأزمات الدولية الصادرة 2010م بأن يكون الرجل أحد المرشحين لخلافة أفورقي في رئاسة البلاد في حالة تنحيه عن الحكم ،ولكن التقرير لم يوضح الكثير عن ما هي مؤهلات الرجل لذلك المنصب لاسيما وحسب المعطيات وخاصة في فترة النضال لم يسمع له صوت ولم يبرز ضمن القيادة الأساسية للجبهة الشعبية ، بل منافسية من داخل النظام يستهترون به قائلين (الجندي الذي لم يطلق حتي طلقة واحدة في الثورة) ، ويعتبرونه ضمن الشخصيات التي جاء بها أفورقي من مؤخرة الصف لكي يملأ به الفراغ بعد حالة الانشقاق التي حدثت داخل حزب الجبهة الشعبية، وتؤكد الحقائق بأن الرجل مسخر لخدمة إسياس ،بل يقول كثير من المراقبين بأن وزارة الإعلام الارترية تحولت في عهده الي مكتب علاقات عامة تابع لمكتب الرئيس .
وتناولت المقابلة قضية الديمقراطية في البلاد ،وعدم وجود أي نوع من الانتخابات في إرتريا طوال العقدين الماضيين ، بالإضافة إلي حرية الإعلام والتعبير ، وحرية المعتقدات الدينية.
وجاء في ردود الوزير الارتري عن الديمقراطية في إرتريا إن مفهوم الديمقراطية بالنسبة لهم يختلف جملة وتفصيلا عن المفهوم السائد في الغرب ، حيث أن مفهوم حكومته للديمقراطية ينطلق من إعطاء الألوية للمهمشين بين فيئات المجتمع الارتري لضمان بسط العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، والمساواة بين المواطنين الارتريين ، وعدم التفرقة بين المواطنين علي أسس دينية وعرقية وإقليمية ، فضلا عن العمل لإيجاد أجواء سياسية تمكن المواطنين الارتريين من المساهمة في الحياة العامة حسب تطلعاتهم وإمكانياتهم .
وأضاف الوزير الارتري بأن إرتريا استطاعت خلال العقدين الماضيين من خلق حالة استقرار سياسي في البلاد وترسيخ مبدأ المواطنة بين كافة أبناء الوطن وحققت التعايش الديني، وأكد إن ما تحقق من إنجازات خلال العشرين عاما الماضية ستعمل الحكومة الارترية علي الحفاظ عليه بل إن الوضع الحالي تمت التضحية من اجله خلال الثلاثة العقود الماضية من النضال الارتري
وعن عدم السماح للمواطنين الارتريين لاختيار حكامهم طوال الفترة الماضية رد الوزير الارتري قائلا لا نريد إدخال ديمقراطية الصناديق في إرتريا بل لايوجد تفكير في هذا الاتجاه من قبل الحكومة الارترية ، وأضاف قائلا أن صناديق الاقتراع تحولت مع مرور الزمن الي نعوش للجنائز، و أن الحكومة الارترية غير مستعدة لتقليد هذه التجارب التي تسمي بالديمقراطية ، كما أنها لن تخضع ولن تستمع للوعظ المضلل والإرشادات غير البريئة التي تأتي من الغرب للزج بها في هذا المؤامرة ، وسنستمر في برامجنا التي تجسد العدالة الاجتماعية والاقتصادية لكافة المواطنين الارتريين من دون أي تمييز .
وعن سؤال حول حرية التعبير والإعلام الحر في إرتريا قال الوزير الارتري ، بأنه لا يوجد إعلام حر في العالم وإذا بحثنا عن كافة وسائل الإعلام سنجد أنها ممولة من جهات بعينها لتخدم مصالحها وتحقق أجندتها ، وقد خص الوزير الارتري بالذكر قناة برس تي في الإيرانية التي سلطت الضوء بشكل مكثف في احدث البحرين وذلك انطلاقا من أن المتظاهرين هم من الشيعة ، كما تحدث عن قناة الجزيرة وقال أن الجزيرة ليست حرة وقد بات ذلك واضحا من خلال تغطيتها للتطورات التي طرأت في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط و انتقد وصف ما يحدث من حرب في ليبيا ولحالة الاحتجاجات الشعبية التي تسود في اليمن بالثورات الشعبية، وكل ذلك يؤكد إن الجزيرة أصلا ليست حرة ولا مصداقية لها .
ووصف الوزير الارتري إعلام بلاده بأنه الأفضل مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى ، وأكد إن ما يميز ذلك الإعلام الموجود في إرتريا أنه ليس ملك للحكومة بل هو ملك للشعب ويعمل من أجل مصلحة وتطوير الشعب الارتري .
وعن حرية المعتقدات الدينية في إرتريا والانتقادات الدولية المتكررة لإرتريا لانتهاكها حرية الأديان نفي وجود أي انتهاك لحرية المعتقدات في إرتريا، وإن التعايش الديني الموجود في إرتريا لا يوجد ما يماثله في أي مكان آخر وأضاف إن الدين دخل في إرتريا عبر السلم وليس بالسيف و أضاف إن الذي لا تتحمله الحكومة الارترية ولا تسمح به هو الدين السياسي أو تسييس الدين .
هذا ما ورد في المقابلة التي أجريت معه باللغة التجرنية وحاولت ترجمت أهم ما ورد فيها حسب ما هو موضح أعلاه وفي الختام يمكن تسجيل الملاحظات الآتية :
(1) إن مفهوم الديمقراطية الذي إدعي وزير الإعلام الارتري تطبيقه في إرتريا والذي يتعارض حسب قوله مع النماذج الديمقراطية الموجودة في العام هو نموذج ينطلق من استغلال المواطن لخدمة الطقمة التي تتحكم علي مصير البلاد تحت مختلف الشعارات الجوفاء التي لا تخدم مصلحة الوطن والمواطن ، بل يري كثير من المراقبين أن هذا النموذج القائم في إرتريا يتقاطع مع الأفكار الماركسية البالية والتي تجسدت في التاريخ علي تجربتي حكم لينين وإستالين اللذان يشار إليهما بأنهما من أكبر الطغاة علي مر التأريخ ، ومن أهم سمات نظام حكمهما كان تحويل المواطنين الي عبيد لخدمة أهدافهم السياسية فضلا عن الاستبداد والوحشية والقهر والزج بالمعارضين السياسيين في السجون وتكميم الأفواه ،واغتيال الخصوم والمنافسين السياسيين ،ومن ثم السير في جنائزهم، هذه كانت أبرز سماتهم وسوف نترك المقارنة لفطنة القارئ الكريم بين نموذج الحكم القائم في إرتريا وما أوردناه من التأريخ لنموذج حكم استبدادي مطلق في التأريخ الحديث .
(2) أما حديث وزير الإعلام الارتري عن تحول صناديق الاقتراع الي نعوش للجنائز مع مرور الزمن فهذه تأتي في سياق حملة التضليل وتشويه الصورة التي يقوم بها إعلام النظام الارتري للتجارب الديمقراطية التي يصاحبها كثير من الأخطأ وخاصة في العالم الثالث والسبب بسيط لا يحتاج الي تحليل ومشكلتنا في الدول النامية تكمن في أن يحكمنا من أفراد أمثال افورقي والقذافي و لوران باغبوا الذي رفض نتائج الانتخابات في ساحل العاج في الفترة الأخيرة وكاد أن يجر البلاد الي حرب أهلية طاحنة لولا تدخل القوات الدولية وإلقاء القبض عليه في أحد فنادق العاصمة العاجية أبيدجان ، وتخيل أخي القارئ كيف أن الرجل رفض كل المبادرات وأصر أن يظهر بذلك المظهر الذليل والمهين حينما ألقي القبض عليه لأنه ينتمي للمدرسة الأقصائية القمعية التي ينتمي اليها حلفائه الذين أوردنا أسماؤهم ولعلنا نرى قريبا نفس النموذج يتكرر في مناطق اخري من العالم والعبر كثيرة هذه الأيام لكل من طغي وتكبر .
(3) أما الهجوم علي قناة الجزيرة فهذه ليست المرة الأولي التي يهاجم فيها الوزير الارتري هذه القناة ،فقد سبق وأن اتهمها بالارتباط بوكالة الاستخبارات الأمريكية وذلك عندما بثت تقريرا عن أوضاع اللاجئين الارتريين بشرق السودان، ومع ذلك تحسنت علاقة الوزارة مع القناة بالتوازي مع تحسن العلاقات الارترية القطرية ،وكان من ثمارها للجانب الارتري تدريب العشرات من طواقم وزارة الإعلام الارترية في مركز الجزيرة للتدريب ،فضلا عن تقديم الدعم المادي والتقني للتلفزيون الارتري ، كما أن زيارة المدير العام لقناة الجزيرة وضاح خنفر لإرتريا في مطلع إبريل 2009م ولقائه بالرئيس إسياس وتوقيعه علي العديد من برتوكولات التعاون مع وزارة الإعلام الارترية كان في إطار تحسن علاقة القناة مع وزارة الإعلام الارترية ، وهذا ما جعل القناة تتعرض لانتقادات شديد من قطاع واسع من الارتريين بسبب ما يرون أنه تجاهل مقصود من إدارة القناة للوضع المأساوي القائم في إرتريا ، وأن الهجوم علي القناة في هذه المرحلة يأتي في سياق فتور العلاقة الارترية القطرية في الفترة الأخيرة وذلك بسبب تباين وجهتي نظر البلدين من الأحداث الجارية في ليبيا ،فبينما قطر تتصدر الصفوف في دعم الثورة الليبية لإسقاط نظام القذافي ،فإن إرتريا استنكرت بشدة لما سمته بالمؤامرة الدولية ضد لبيبا كما أنها من الدول القليلة التي تعلن دعمها الصريح للقذافي ، بل أنها إحدى الدول الإفريقية المرشحة لاستضافة القذافي في حالة إختياره اللجوء الي خارج ليبيا ، وقد اتضح ذلك من خلال العديد من البيانات الرسمية التي أصدرتها الحكومة الارترية وأكدها أفورقي في العديد من المقابلات التلفزيونية التي أجرها في مايو الجاري بمناسبة الاستقلال، حيث هاجم أفورقي القنوات الفضائية في تغطيتها للأحداث في ليبيا واليمن ، وبالرغم من أنه تفادي ذكر أسماء قنوات بعينها ، إلا أن وزير الإعلام يبدوا قد أكمل المهمة بتوجيه الانتقاد المباشر للقناة الجزيرة.
(4) أما الإعلام الموجود في إرتريا فهو نموذج للإعلام المضلل، الذي يعمل على قلب الحقائق وتزييفها وتبديل الثوابت وتحريفها ، وتضليل الوعي الارتري ، وشل قدرات الشباب الارتري ،وتعميق فكرة تقديس الفرد، وهو إعلام يفتقد الموضوعية حتي في طرح البرامج الحكومية الموجهة ،ولا أعتقد أنه يستحق مزيد من التقييم لأنه مكشوف للجميع الي درجة العري .
Horn2008@maktoob.com
.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=14678
أحدث النعليقات