وسائل نجاح المقاومة في إرتريا

تعرضت إرتريا وهي في رحم المجهول الى أطماع الغزاة ، وتناوشتها رماح العدا وهي في سراديب المخاض ، وقد ولدت بأسنانها ، ولبست ثوب العز وتوجت بتياجين الفخار ، وناطحت كل من اراد إذلالها ، وقاومت كل من أراد إبتلاعها ، فكانت بحق مشعل ثورة سلمية في الأربعينات ، وشرارة ثورة تحررية في بداية الستينات ، وحق لهذا الشعب أن يكون مدرسة متكاملة تستلهم منه الشعوب أساليب المقاومة وعزيمة الصمود .

مدرسة التغيير الإرترية في حاجة الى التطوير:

لقد إستخدم الابآء كل الوسائل المتاحة في ايديهم ، وأحسنوا استغلالها ، فقد قاوموا بترابها ورمالها ، وأحجارها وأشجارها، وسهولها وجبالها ، وحميرها وجمالها . قاوموا بمدنها وقراها ، بطلابها ومعلميها ، بشيبها وشبابها ، بفلاحيها وعمالها ، بذكَرِها وأنْثَاها ، بكهلها  وطفلها ، بل بشمسها وهوائها . لقد نسجوا من كل ذلك عزيمة لاتفل ، وإرادة لاتهزم ،  فركبوا  رماح الأسنة ، وعانقوا عوادي الزمن ، وقاوموا عواصف الظلم ، وبراكين الإجرام . فالتحية لتلك الأرواح التى ازهقت ، والعيون التى سهرت، والأموال التى انفقت ، والأنفس التى ارهبت ، والدموع التى زرفت ، والجباه التى عرقت . والسؤال الملح  اليوم على الوارثين من الخَلف المتعاقب ، هل وسائل الآباء تحمل بين طياتها نجاعة الفوز والنصر ؟ ام علينا ان نستخدم وسائل العصر وتقنيات الفضاء !

أثير الراديوا ام دهشة التلفاز ؟ رصاصة البندقية ام قوة الكلمات ؟ المحبرة والقلم أم اصابع الطباعة العاجلة ؟ رسائل البريد أم ثواني الإيميل؟ ، ركوب الجمال ام سفنا تعب سمج البحار؟ السوط والعصا ام الصواريخ والراجمات التي تسابق الهواء ؟ استخدام الهواتف الثابثة ام المحمولات التي لازمت الإنسان كالروح والظل والجوا ؟ المواقع التي تنقل الكلمات أم الفيسبوك واليوتيوب والتيوتر التي جعلت الصوت والصورة اقوى اسلحة الدهاء ؟ .                                                                                           

إخواني لا يوجد عيب في البشر أكثر من الإستسلام للمصاعب والرضى بالجهل ، وتقبل الهوان ، والتعايش مع الظلم . وقد حرر الله الشعب الإرتري من تلك المخازي ، فلم يركن يوما ولم يجلس يبكِ ويندب حظَّهُ العاثر ، بل قام وتحدى كل الصٍعاب ، ونفض عنه غبارَ الذلِ ورفضَ الهوان ، وعاند الظلم ، وقاوم الطغيان ، ولم تزلْ عصاه في عاتقه ، والمنطق في وسطه ، والعزيمة في قلبه ، مازال يمضى في دروب الحرية إما صمتا يدل عن عدم الرضا ، او مقاومة تراغم الخَنا ،او انتفاضة تزَلزِلُ عروشَ المستبدين الجبناء، وحتى تكتمل تلك الخميرة الثورية بسرعة ويسر، وتمضي لغاياتها المرجوَّةِ نحتاجُ الى الآتي :                                       

1- الثقة في نصر الله. 2- الإئتلاف ونبذ التعصب والخلاف  3-  الإقدام وعدم الإحجام 4- الإتفاق على المبادئ والأهداف العامة          5- التخطيط والتأطير والتنظيم 6 – العمل المتواصل 7-   التحرك الفاعل في ربط العلاقات مع العالم الخارجي. 8- إعلام يصنع الراي ويحرك الشارع .                     

أولا : الثقة في نصر الله.

إن من أهم أسباب نجاح الثورات ، أن يكون أصحابها على ثقة تامة بنصر الله للمظلومين ، والإنتقام من الظالمين ، ووفق هذ القناعة تبدء النفوس الكبيرة ببذل التضحيات ، وتعد ما استطاعت من اسباب القوة ، وتستصغر عدة وعتاد عدوها ، وتضاعف قوة بذلها ، فرجل التغيير غير رجل السلطة ، ومن يخوض غمار الإصلاح غير من ينغمس في الحفاظ على كراسي السلطان ، فكم من فئة قليلة أشبه بريشة النعام غلبت فئة تضخمت وتتخمت وتورمت ، ولكنها تسربت عند اول طعنه كما يتسرب الهواء من البالون ، فما اضعف العدوا ! وما اجبنه ! هو وهم منفوخ قد سكنه الهم والغم ، خائف على ثروته ، وجاهه ، ومنصبه ، خائف على اسرته وسمعته ، خائف من مظالمه وعدوانه ، هي قلوب سكنها الرعب والفزع  ( يحسبون كل صيحة عليهم ) . اما الثوري فليس عنده ما يخسره ، يتوسد الأرض ويلتحف السماء ، وان كان ينام على سرير وثير ويمتطي مركب هنيئ فهو كل ما يملكه ، وفقده لا يعادل فقد الروح ، وفقد الكرامة ، وفقد الوطن ، فشبابنا اليوم يحمل بين جنباته روح القتال ، وعزيمة الأبطال ، وتاريخ الأسلاف ، ويدفعه عدوه للتغيير ويصنع له بنفسه كل المبررات ، ويشعل له بيديه اوار الإنتفاضات ، فلا يوجد خادم للثورة افضل من العدوا الغبي ، ولا يوجد شاحن لعزائم التغيير احسن من مستبد دعي .

ثانيا : الإئتلاف ونبذ التعصب والخلاف :

لا يمكن لثورة أن تحقق أهدافها ، وتمضي في دروب النجاح وهي قد كسرت أجدافها ، وقصت أجنحتها ونتفت ريشها ، وكتَّفتْ سِيقَانها ، وقطّعت أقدامها . إنَّ من اسبابِ النصر ووسائل النجاح الوحدة والإئتلاف ، وثورة يدب في اوصالها الخلاف أشبه بحبل

شديد نسجه أصحابه لتقييد عدوِّهم ، ولكن أراد كل واحد منهم أن يستأثر منه بقطعة !!! فمزقوه ، وقطعوه ، ولمااراد كل واحد منهم استعماله وجده لا يفي بالغرض.                                                                                                                                       كونوا جميعا يا بني إذا اعترى                   خطب ولا تتفرقوا آحاداتأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا                وإذا افترقن تكسرت أفرادا.

وما أضر الإرتريين شيئا كما اضرت بهم الخلافات، والفرقة، والشتات ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) والشعب الإرتري قد لدغ مرات ومرات ، وتجرع السم من نفس الكاس وما يزال يكرر الورود على موارد الهلاك ، هل يعقل أن يكرر الخلف مسالب السلف !! الم يكن الخلاف الذي صاحب الثورة الإرترية هوالعامل الوحيد الذي مكن وهيئ لأفورقي الأرضية المناسبة للوثوب على الثورة ومن ثم التمسك بالسلطة حتى الممات ؟؟ إن كنا اليوم فعلا نريد الحرية والديمقراطية والتنمية ، وتداول السلطة ، والسلم الأهلي ، والأمن ، والسلام الإقليمي ، والعدالة الإجتماعية ، ومراعاة حقوق الإنسان ، فالطريق واحد إنه ( الإتفاق والإئتلاف على المبادئ والثوابت الوطنية ، والقيم الأساسية التى تبنى فيها المجتمعات السليمة ) والا سنظل نمضي في طريق التيه سنين عددا .

ثالثا : الإقدام وعدم الإحجام :

الشجاعة لا تعني ان يتجرد الإنسان عن الخوف ، ولكن الشجاعة أن تهون الخوف على نفسك وتحسن التعامل معه ، فموقف واحد من الشجاعة يشعرك برجولتك خير من عيش  (الف عام ) على سلامة تطأطئ فيه رأسك كالنعامة ، وكما قال ابو القاسم الشابي : {ومَنْ يَتَهَيَّبْ صُعُودَ الجِبَالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر } فالشجاع يحيى عندما يموت على مبادئه ، والجبان ميت مع حرصه على حياته ، وفي حال كحالة الإنسان الإرتري فهو إما سوف يقاتل شجاعة ويحيى بموته من اجل مبادئه وإما سوف يقاتل مكرها لإنقاذ نفسه . يقول على الجارم رحمه الله : (الشجاع من يخلق من اليأس أمل لأن اليأس فيه طعم الموت و لأن الشجاعة معني الحياة )

ماهي الأشياء التى تكسب الشجاعة :

1-التصميم على تحقيق المبادئ والأهداف .

2- التسليم بالقضاء والقدر .

3- ان تدافع عمَا هوا اغلى عليك من نفسك مثل الدين والوطن .

4- عِلمُك ان الشجاعةَ تكسِبُ السعادةَ والجُبنَ يجلبُ الهمومَ والغموم .

5- عِلمُك ان الشجاعة حرية والجبن عبودية .

6- أن تحرصَ على قول الحق ومقاومة الظلم .

7- التخلص من شعور الجبناء ، فالجبان يتخيل دائما ان عدوه سوف يهزِمَه ، والشجاع على ثقة من هزيمةِ عدوه .

8- عِلمُك أن العدوَّ يحترمُ الشجاعَ ، والجبانُ يفقدُ إحترامَه حتى عند أُمهِ وزوجهِ وأبنائهِ .

والجبانُ يكونُ جباناً بتفكيرهِ قبلَ عضلاتهِ ، ولذلك قد يتعرضُ الصنفَيْنِ الى موقفٍ واحد ، فتجد احدهما يهوِّنُ المصيبَةَ في نفسه ، فتجده باسما ضاحكا ، والآخَرُ تجدهُ مهموما خائفا ترتعد فرائصَه وتطقطقُ اسناه . يقول سيدنا عيسى عليه السلام : ( اكثر ما يٌخَاف لا يكون ) . ويقول المتنبئ :

الرأي قبل شجاعة الشجعان                         **             هو أول وهي المحل الثاني

فإذا اجتمعا لنفس مرة                                **              بلغت من العلياء كل مكان

و لربما طعن الفتى أقرانه                           **              بالرأي قبل تطاعن الأقران.

من اراد التغيير فأول خطوة أن تغير نفسك ، فلا يمكن ان تحلم بالتغيير وانت تخاف من الإفصاح واتخاذ خطوة في الطريق ، فلو كان ادريس محمد آدم رحمه الله خوافا لما قاوم مؤامرات هيلي سلاسي لحل البرلمان الإرتري ، ولو كان عواتي جبانا لما اطلق رصاصة الثورة الأولى ، ولو كان إبراهيم المختار جبانا لما قال كلمة الحق ، ولو كان كنتيباي فكاك في وازنتت جبانا لما تحدى ( راس كاسا ) وقال له: لن يضع ابناؤنا السلاح حتى ينالوا حَقَّهم . فلا نامت اعين الجبناء .

رابعا : الإتفاق على المبادئ والأهداف العامة:

بعض الناس يريد التغيير وحالهم حال رجل اراد الصعود الى جبل عال ليطرد منه عدوه ، فربط احدى رجليه وبدء مشوار التغيير فلاهو استراح ولا وصل مقصوده ، ولكنه ظل يصرخ ويشخط ويصيح ويتسبب عرقا ، ثم يدعي انه يريد التغيير والتجديد . من اراد التغيير عليه ان يستجمع قوته ويستعين بإخوانه ، ويصل معهم الى نقاط جامعة واهداف ساطعة ، فهو لا يسعى لتقييد بعضهم ، وتهميش بعضهم ، وإبعاد بعضهم ، بل يحافظ على جميع شعبه ،ويراعي مشاعرهم ومصالحهم ، فلا يمكن تحقيق التغيير في ارتريا من قبل طرف واحد ، او قبيلة واحدة ، بل يتم التغيير بأيدي الجميع وبإستصحاب مصالح الجميع .

خامسا : التأطيروالتخطيط والتنظيم:

فمن عزم على التغيير عليه ان يسعى لتأطيرما استطاع من الشباب في مجموعة قوية ومؤثرة ثم المباشرة على وضع المنهج والبرنامج ، والتخطيط السليم ووضع الآليات المناسبة لنجاحه ، ومن ثم إحكام تنظيم دقيق لا يتسرب اليه ضعف ولا ترهل ، ولا يخترقه العدوا ، ولا يعبث به المتسلقون والنفعيون .

سادسا : العمل المتواصل:

مشكلة الشباب الإرتري اليوم يريد ان يخطف الثمرة قبل نضجها ، وان يأكل اللقمة قبل طبخها ، ولذلك اتسمت كثير من اعمالنا في الفترة الماضية بالمظاهر من غيرِ عمقٍ مؤسَّسْ ، وبالإرتجالية قبل التخطيط والترتيب ، وعدم إكمال الأعمال وتراخيها وتراكمها ومن ثم نسيانها ، ودلف البعض يستبطئُ النتائج ، وكثُرَ العِتابُ والتلاومُ ،مما ادى الى استحداثِ اعمال جديدة مع عدم مراعاة توفر الإمكانات ولوازم قيام العمل الجديد ، فكانت النتيجة التسرع ، والحكم على الأشخاص ، والجماعات ، والآراء والأفكار، وللخروج من هذه الحالة المتراخية لابد من العمل المتواصل ولو كان قليلا ، وعدم حساب الزمن في التغيير وإحتقار نتائج العمل ، وعدم التسرع ، ومحاولة تحقيق إنجازات الآخرين ، وعدم الإهتمام بالكم بدل الكيف ، وعدم التعجل وجرجرة الحراكات والمقاومة الى ساحات الكلام ، ومدافع الإتهامات ، والتناوش بتهم التقصير ، ونصب رماح التأنيب . الحل في العمل المتقن والمثمر حتى لو كان متدرجا وبطيئا ، فالفشل ليس عيبا بل العيب السكوت والركون للظلم ، تأخر النصر ليس عيبا ، ولكن العيب تضيع الجهود في التناحر والمناكفات .  

سابعا:  التحرك الفاعل في ربط العلاقات مع العالم الخارجي :

لا يستطيع اليوم اي حراك او ثورة شعبية ، او مقاومة مسحلة ان تحقق انتصارها بسهولة ويسر من غير أن تجد المساندة من العالم ، فالذي ينطلق من قماقم الغابات واقبية الحفر ومجاهل الوديان ، ويريد ان يحكم بلدا معينا ، ولا يدري العالم عنه شيئا ، فلا يلومنَّ نفسه إن وجد من المجتمع الدولي ترددا وريبة ، وربما رفضا وحربا ، فالعالم اليوم أشبه بقرية صغيرة ، يتوجس سكانها من الغريب ، ويكثرون النظرات ، والتساؤلات حول ماهيته وحقيقته ، فعلى الحراكات والمعارضة الإرترية طمأنة العالم وتعريفهم بعدالة مطالبهم ، وإقناعهم بقسوة حكامهم ، وتحسيسهم بلهب النار التى تكوي وتشوي جلود شعبهم ، وكشف الستار عن العصي الغليظة والأسلحة المدمرة التي تفتك بعظامهم ، ووقتها فقط سوف تجد في هذا العالم الرحيب قلوبا مشفقة ، وآذانا مصغية ، وكلمات حق مدوية ، وسواعد مساندة .

ثامنا : إعلام يصنع الراي ويحرك الشارع :

من اسباب ضعف المعارضة الإرترية والحراكات الشبابية والشعبية ، ضعف الإعلام الذي يعتبر اليوم من اقوى اسلحة التغيير التي لايمكن تحقيق النصر من غيرها ، وقد تعددت اليوم تلك الوسائل واصبحت في المتناول والإمكان ، فليس بالضرورة ان تمتلك قناة دولية ، او صحيفة يومية ، ولكن يمكن مخاطبة الشعب الإرتري وتشكيل وعيه عبر إزاعة تغطي تراب الوطن ، وتبث بالسنة الوطن المتعددة ، ومن اكبر التحديات اليوم امام الهبة الشعبية ، وتفاعل الشعب الإرتري عدم قناعته بقدرة المنادين للتغيير ، والساعين لجلب العدالة والديمقراطية والسلام ، وما تزال اجهزة النظام الإرتري تنفخ في ادمغة الشعب المغلوب ان من ينادى لإنقاذكم ما هو الا لص يريد نهبكم ، او عميل يريد بيع وطنكم ، او خائن يتاجر بإسمكم . فينبغي على قوة التغيير والعدالة أن تجعل الإعلام اهم اسلحتها ، فتنفق فيه مالها ، وعصارة فكرها ، وتمنحه وقتها وطاقتها.

محمد جمعة ابو الرشيد

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=20716

نشرت بواسطة في فبراير 22 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010