وسط الزهور متصور
ولدت في مدينة جميلة، مدينة نموذجية للتعايش السلمي وكل القيم الإنسانية النبيلة كانت موجودة فيها… ولدت في زمن الإحتلال الإثيوبي في عهد الإمبراطور هيلي سلاسي الهالك… عهد الظلم، الإضطهاد والإحتلال. لكن ابناء مدينتي مثل الكثير من المدن الإرترية (خاصة المدن الإسلامية)… كانت مدينة مقاومة… مدينة “الصمود، التصدي والتحدي”. نحن اطفال منذ ان فتحنا اعيوننا (منذ نعومة اظافرنا) كنّ نغني للثورة والثوار ونتابع اخبارها بكل حماس وشغف…. اخبار البطل الإسطوري عواتي…. نتابع اخبار المعارك…. اخبار جيش التحرير… جيش الجبهة العرمرم الذي لا يقهر… ونحكي لساعات بطولات جيش التحرير الإرتري. انا شخصيا كنت مغرم بالعمليات الفدائية…. كنت معجب جدا بفدائيى جبهة التحرير الإرترية…. شجاعة….. بسالة… تحدي… وطنية… نكران الذات…. لا مثيل لهم في تقديم التضحيات (للأسف الشديد تاريخهم لم يكتب بعد كما ينبغي حتى اليوم)…. وكلما تتم عملية فدائية ناجحة…. كنّ نحتفل بطريقتنا الخاصة في الحي….الكل كان يعشق يساند وينصر “الجبهة” رغم المشوار الطويل والتحدي. اما الأباء فهم كانوا النبراس ومصدر الهامنا وقوتنا. والدي العزيز (رحمه الله واسكنه فسيح جناته) كان يتابع ويستمع اذاعة لندن لمتابعة اخبار الثورة…. والراديو…. في البيت كان اهم جهاز. وانا منذ طفولتي كنت مستمع جيد للإذاعات وخاصة اذاعة لندن (ال بي بي سي) وهذا ساعدني كثرا لتعلم اللغة العربية منذ ايام طفولتي… حتى قبل دخول المدرسة.
في زمننا، كانت الأمهات تدع مولودها في البيت عن طريق الممرضة (الدايه) او الأمهات ذو الخبرة وكبار في السن… ولا احد يعرف بالتحديد نوع الجنين (جنس الجنين) قبل الولادة كما هو الحال اليوم… ولكن الأمهات الكبار في السن كان عندهم – تحليلات وتنبؤات…. كذلك “ست الودع” كان لها كلمة لتحديد نوع الجنين. الذكر كان يفضل على الإناث… وهذا من الموروثات الإجتماعية لدينا…. بعد الولادة مباشرة…. اول سؤال يسأل كان: “ولد ولا بنت” ومن خلف بنات فقط كان يغلق ويعيش على اعصابه عند كل ولادة.
خرجت للعالم او بدأت حياتي في جو من الإنتظار والترقب…. مثلي مثل جميع المواليد الجدد في وقت ولادتهم. ولدت (كما أبلغت) يوم الأربعاء.. في الصبح… الوالد بعد صلاة الفجر يقرأ القرآن يوميا…. وبعدها يستمع الى اذاعة الهيئة البريطانية (بي بي سي) منذ الصباح… بدأت في البكاء، في وقت واحد مع دقات ساعة بيغ بن (صراخي اختلط مع دقات الساعة: دين… دين… دون…). بشر الوالد بالمولود الجديد بأنه ولد وفي صحة جيد على ما يرام الخ…. ولكن لم اتوقف من البكاء لفترة طويلة. لا اعلم… ولكن يبدو كنت غير راضي ومتخوف للخروج لعالم الظلم، الإضطعاد…. اللجؤ… والهجرة…. اليوم يمكنني ان اقول ان البكاء كان مبرر… ولكن “الحياة” علمتني ان “لا استسلم ابدأ” وان اكون “مقاتلا شرسا” وان ” لا ايأس من رحمة الله”…. الحمد لله… نعم الله عليا كثيرة لا تحسى ولا تعد… واسأل الله ان يجعلني من المتقين…. يهديني الى الصراط المستقيم ويعطيني حسن الختام… الحمد لله على كل الحال والأحوال.
سوف احاول ان اكتب عن يوم (من الأيام) وذكريات مرتبطة بالراديو… وسماع اغنية معينة … سوف اتحدث عن ذكرياتي… واسجلها كما اتذكرها اليوم…من ضمن الذكريات عن الوطن، البيت، الوالد، الوالدة والحي…. لأني اعيش بعيدا عن الوطن…. حتى بعد ان تحرر “الأرض”… لا استطيع العودة الى وطني…. الى مدينتي…. الى بيتي…. (هل هذا يعقل؟)… كيف ديعنا الثورة… تضحيات ابطالنا؟ كيف استطاع هذا المعتوه النكرة ان يسرق ثورتنا واحلامنا؟ من المسؤول…؟ هل جلد الذات يفيد؟!؟ حنيني للوطن…. اشتياقي… حسرتي…. ما جعلني اسطر هذا المقال…. مقال “الذكريات”… من لاجئ بعد ان “تحرر” وطنه!!! يا للمهزلة…. وسخرية القدر؟؟؟
في يوم الإجازة، لا دراسة خلوة (تحفيظ القرآن) ولا مدرسة… كان عندي فرصة ان انام ساعات اضافية ولكن… بعد سطوع الشمس الصباحية ودخول اشعتها الى الغرفة والى مكان سريري عن طريق فتحات الشباك والباب… تبدأ الهلوصة. لا اعلم… اذا ضربتني الشمس وانا نائم يبدء الكابوس والهلوسة وطعم النوم يطير… وانا اتقلب في السرير (الحديدي القوي) يمينا وشمالا وابدل مكاني لأتجنب أشعت الشمس الصباحية المزعجة. كل ما اريده هو نوم ساعة او ساعات ايضافية لأريح هذا الجسم، النحيف والمتعب من دوام المدرسة، لعب، شقاوة اطفال… واللعب بلا توقف لساعات وساعات مع الأصدقاء في حواري الحي.. بلا هم ولا غم. اريد ان استريح وانا استمع الى الراديو (او المذعاع على حسب تسمية مجمع اللغة العربية).
كان…. الجسم رشيق مثل الغزال… ويطير مثل الفراشة…. يمكن ان نلعب كرة القدم لعدة ساعات…. بلا توقف، بلا تعب، بلا جوع…. فقد، نشرب الماء من الزير او من الماسورة مباشرة باليد. اما اليوم…حدث ولا حرج! بعد ان عملا السنون والغربة افعالهما…. لقد اشتعل الشعر شيبا وبدأ الزحف الصحراوي يتقلقل بلا رحمة في الرأس اللي كان كثيف (افرو)…. حتى تخلص من المنطقة الأمامية من الرأس والأن يتجه يمينا ويسارا بلا استئذان. اما الجسم اصبح ثقيل…. والبطن منتفخ كأنني حامل بجنين (بضع أشهر). آه… آه.. يا زمن….. الذي لا يرحم ولا يتوقف ابدا.. ويعمل عمايله على الجسم… بلا رحمة… ورسم لوحته على وجهي وجسمي. لا اعلم من اخترع المرآة…. ولكنه اختراع غير مفيد… لا يجامل ولا يرحم…. بل الكثير من المرات يبالغ في تشويه صورة الإنسان لا سيما عندما يتقدم في السن (يشوف اشياء لا يريد تصديقها خاصة اذا كانت المرآت مصنوعة في الصين كما هو الحال اليوم… طبعا انا (لا) امزح ولا اريد ان ازعل الصينيين ).
حياتنا كلها كانت سمعية… يعني اصوات في اصوات… من قبل طلوع الفجر في الصباح بل في الصبح تبدء الأصوات… كان عندنا قفص كبير للدواجن…. الديك يمارس هوايته كل صباح كأنه يعلن بزوق يوم جديد ويؤذن للشمس ان تشرق… وقبل كل هذا كان عندنا “التراحيم” وبعدها اذان وصلاة الفجر…من المسجد الكبير ومن مسجد الحي المجاور… “الأصوات” البعض منها بعيدة جدا والبعض بعيدة والبعض قريبة تسبب الإزعاج… منذ الفجر… (يا فتاح يا عليم… يا رزاق يا كريم)، بلوغ يوم جديد… والكل يدعوا للنهوض للقيام للصحو من النوم… صوت طفل باكي من بعيد… صوت الفأس (العول) نازل على الحطب لإعداد الفطور في الصباح الباكر…. لا وجود لأمبوبة جاز ولا بوتوجاز في تلك الأيام. كان يوجد في حوش بيتنا عدة اشجار (شجرة نيم كبيرة وشجرة ليمون الخ…) وشجر عنب تغطي اعمدة خشبية بقصونها وثمارها…. منظر جميل ومكان جزاب للطيور، بجميع انواعها والوانها،… لا سيما في الصباح الباكر. اصوات جميلة، عذبة… تنطلق كل يوم… زقزقة العصافير وتغاريد البلابل لا تتوقف (طيطو بربري وسقميني وفرج همام)…. فهي تغرد بعدّة انواع من الأنغام الجميلة ، هديل الحمام يسمع احيانا… اما القمري يشجع بلا توقف…. معشعشة في سطوح البيت المصنوع من الزنك والأحجار… يبدو متخصص في ازعاجي (لكني اطنش) يمكن ان تسمع نهيق الحمير من الخور المجاور (صوت رخم مزعج)، بعد الأحيان … مواء القطط تسمع وخاصة اذا دخلت في سراع ومشاجرة من الصباح… وفي ايام الأمطار يسمع نقيق الضفادع… وصوت المطر واحيانا الثلج عندما ينزل على الزنك (ولكنه شيء نادر)…. يعمل اصوات مزعجة (على حسب قوة المطر). كذلك نباح الكلاب لا تتوقف (اصوات ضعيفة من بعيد).. ولكن مع طلوع الشمس تقل هذه الأصوات وتتلاشى الى درجة كبيرة. كذلك استمع الى اغاني من اتوبيس ودي الف وعمر بلاسا (لون المانقة او يا خاتم المنى أو مشينا للبلابل وبعد المرات لصوت جميل لطفل يغني اغنية “عنصبا ماي دري” او اتوي برهان سقيد، عثمان عبدالرحيم او الأمين عبداللطيف او برخت منقستأب). اجراس الكنائس لا تتوقف…. خاصة يوم الأحد…. الكاتدرائية الكاثوليكية تضرب الجرس كل ساعة او كل كم ساعات لا اعلم…. ولكن الجرس موجود… والكنيسة الأرثودوكثية تعمل ازعاج…. خاصة في الأعياد الدينة…
رحمة الله عم “فرجت”… عندما يكون موجود في مدينتي…. لا يتوقف من قول “فرجت… فرجت…. لأمة فرجت” ومن خلفه يرر الأطفال ما يقوله. هذا الرجل كان يبشر بالفرج…. وكان رمز للتفاؤل في زمن رديء وسيء… وجميع ابناء مدينتي يعرفونه جيدا… يمكن ان تسمعه من الصباح الباكر وطول اليوم… يبشر بالفرج…. ويدعو الله.
يعني اليوم يبدأ مبكرا… النهوض للصلاة وبعدها الأصوات المزعجة ….. وبعدها مواعيد المدرسة….. لذا النوم المبكر هو الحل…. لأن الجسم يكون مرهق ارهاقا شديدا…. من المشي واللعب والمذاكرة والمدرسة والخلوة… ولعب كرة القدم لساعات. لذلك… اول ما اوصل السرير في المساء… افارق الحياة خلال دقيقتين او ثلاثة… رحمه الله الوالد… كان يستمع الى اذاعة (بي بي سي) يوميا نشرة الأخبار الساعة التاسعة مساءا…. طبعا قبل الأخبار تضرب اجراس ساعة بيغ بن… دين…. دين….. دون…. بعد الضربة الثالثة انا في نوم عميق…. لم يحدث يوم انني استمعت الى نشرة الأخبار المسائية…. حتى اليوم عند سماع صوت اجراس بيغبن، اتذكر الوالد (رحمة الله عليه)، بيتنا، غرفتي…. طفولتي… هذه الإذاعة ارتبطت بطفولتي وسكنت في عقلي الباطني ممزوجة بذكريات عديدة وعزيزة.
الرابط التالي: من ارشيف هيئة الاذاعة البريطانية – دقات بيغ بن ونموذج من برامج الإذاعة…
https://www.youtube.com/watch?v=IjqCAoa7S1s
الراديو… وما ادراك ما الراديو! هذا الساحر العملاق.. في زمن وايام طفولتي… كان المتنفس الوحيد والرابط مع العالم الخارجي في زمن لا وجود للمسجل ناهيك عن الإنترنت، الجوال (الموبايل)، التلفزيون ولا حتى الثلاجة. في كثير من البيوتات كان يوجد راديو كهربائي حجم كبير… اذاعة ام درمان، صوت العرب من القاهرة، هيئة الإاذاعة البريطانية (بي بي سي)، اذاعة مونتي كارلو، اذاعة اثيوبيا من اديس ابابا واذاعة اسمرا (كنا نسميها اذاعة سني ماسيام واذكر جيدا… موسيي بخيت وقساس تسفالؤول وسالم او صالح محمد عمر وارأيا بلاي وبرنامح مقالح اسبورت الرياضي)… هذه هي الإذاعات المشهورة والمسموعة من قبل الكثير من الناس في ايام طفولتي. لو ما تخونني الذاكرة… من برامج ال بي بي سي اتذكر: ” قولٌ على قول” (حسن الكرمي)، “ندوة المستمعين” (رشاد رمضان)، ” بين السائل و المجيب” (ماجد سرحان)، “عالم الظهيرة”، لكل سؤال جواب”، تعليم اللغة الإنجليزية… مديحة رشيد المدفعي ومحمد مصطفى رمضان (اغتيل من قبل عصابات القذافي) و آخرون .ومن اذاعة ام درمان (السودان) اتذكريات الصوت الجميل… حكم ومآثر… للراحلة ليلى المغربي (رحمها الله). مثل: من الذكريات نأخذ الجميل… ونتطلع الى المستقبل… (ليلى المغربي).
في مجتمعات عالم الثالث “الراديو” كان له تأثير كبير… لأن نسبة الأمية عالية…. لا توجد صحف ولا مجلات (نادرة جدا)… اذا “الإستماع” هو اسهل وصيلة لتلقي الأخبار والمعلومات…. خاصة في الماضي (القرن الماضي).
في هذا الصباح المشمس والجميل الراديو كان مثبت منذ ساعات على اذاعة ام درمان وبعد الأخبار بدأت الأغاني (الإذاعة كانت تقدم مجموعة من الأغاني بعد الأخبار وقبل الأخبار) وفجأت استمعت الى نغم سحرني.. نغم دخل بل تسلل الى قلبي ووجداني.. لحن جميل وصوت المغني عذب واجمل، أنغام ساحرة تنقل الى عوالم آخرى وانا بين اليقظة والأحلام… النوم والصراع مع الشمس ورفض الإستهاض من النوم. هذه الإغنية كانت “وسط الزهور متصور“ للفنان زيدان إبراهيم، كلمات الشاعر محمد جعفر عثمان، وتلحين رفيق دربه الفنان عمر الشاعر، … و تغنى بها العندليب الأسمر زيدان إبراهيم بصوته الساحر الجميل، وكلماتها تقول…
وسط الزهور متصور
وسط الزهور متصور
وجها صبوح و منور
رقه و حنان كاسيه
ذي القمر مدوِّر
***
هز الكيان بهديله
سحر العيون بكحيله
ما ازن الاقي مثيله
هو الوحيد في جيله
*****
شايقاني فيه ابتسامه
وطيبة عيون ووسامه
شيلي الغصون يا حمامه
شوق القلوب و هيامها
*****
ازكي الخيال و الفكرة
زكراه حلوة و عطرة
و الذكري زاد لي بكرة
يا وارث العفاف بالفطرة
*****
واحيك في بعدي
يا نجمي يا سعدي
لو التمني بيجدي
تحيا الف من بعدي
https://www.youtube.com/watch?v=_0VA1kD9ltA
روح يا ايام وتعال يا ايام (هكذا كنا نقول في ارتريا) يعني بعد مرور زمن طويل… مثلي مثل الكثيرين من ابناء وطني لجأت الى السودان (وهذه مصادفة غريبة) سكنت في ام درمان في نفس الحي الذي يسكن فيه هذا الفنان (زيدان ابراهيم) في حي العباسية شارع الأربعين (بجوار نادي العباسية الرياضي).
كان يسكن بجوار بيتنا مجموعة من الإرتريين (طلبة وعمال) وكنت ازورهم من فترة لفترة…. كانوا مجموعة طيبة ومنسجمة وكان قائد البيت (ابو على) رجل طيب ومضياف وخدوم…. فهو يقوم بتجهيز الأكل والشاي والقهوة… يخدم بدون شكاوي ويكرم الضيوف… لكن عيبه الوحيد كان “متسودن” اكثر من اللازم… لا يحب ان يرطن احد بوجود سودانيين وسطنا… ولا يحب الحديث عن الثورة… كان يحافظ على جنسيته السودانية بكل ما يملك من احتياطات وقوة (كأنها حجاب عافيته – كم نقول في ارتريا)…. كان يتضايق عند قدومي عندهم ووجود سوداني او سودانيين بينهم…. حديثي كله كان عن الجبهة… عن معارك الجبهة وعن انتصارات الجبهة… وعن فساد بعض مسؤولين الجبهة ولياليهم الحمرة…. اكسلسيور وقرند هوتيل… فسادهم… كنت مولع، مؤمن ومؤيد الجبهة بلا حدود… (ولكن انتقد الفساد الواضح لبعض المسؤولين) مثل كثير من شباب الإرتري المتواجد في الخرطوم…. وصاحبنا لا يريدني ان اتحدث في وجود سودانيون من الجيران في جلساتنا. طلبت منه ان يقول لهم بأني لاجئ ارتري وساكن بجوارهم ويريح نفسه، لأنني راضي عن نفسي، ولم اكن احمل الجنسية السودانية وعشت في السودان “لاجئ” بدون ان اضطر ان اغير هويتي وشخصيتي…. وهو يحتفظ بسودانيته ولكنه لم يقبل ويقتنع بكلامي… وانا كنت اراعي شعوره لأنه انسان طيب… لذا عند وجود سودانيين بيننا “الزم الصمت” او اتحدث قليلا حتى لا احرج صاحبنا.
يوم من الأيام قابلت زيدان من ضمن المجموعة…. لم اصدق… الفنان زيدان (بشحمه ودمه) وجها لوجه… رجل نحيف… طويل… بسيط جدا ومتواضع والإبتسامة لا تفارق وجهه. بدءت حديثي… ولكن لاحظت صديقي خايف مني… ومن نظراته (وصلتني الرسالة) واجلت حديثي مع زيدان… كنت اريد ان اسأله عن اغانيه وعن الجديد وعن اغنيتي (وسط الظهور متصور)… كيف غناها ومن لحنها الخ… ولكني احترامي لصديقي لم استرسل في حديثي. بعدها قابلت زيدان عدة مرات في نادي العباسية ودردشت معه عن اشياء كثيرة وعن اغنيتي المفضلة و… و… وشاهدته يغني في عدة حفلات. كما يقولون “العالم اصبح قرية صغيرة” عمرى لم اتخيل ان اغادر بلدي واصبح لاجئ وفي السودان اقابل الفنان زيدان… ولكن هذا ما كان يخفيه لي القدر… انا وابناء وطني اصبحنا مشتتين في جميع قارات ودول العالم… شعب بلا وطن…. ووطن نحل من رجل شاذ معتوه وعصابته الإجرامية.
فنانين من مدينتي:
من الفنانين المحليين لمدينتنا الحبيبة والجميلة مدينة الصمود والتحدي…. اذكر بعض الأسماء (على حسب علمي)… الجميع مدعوون إضافة اسماء ان وجدت وانا لم اذكرها أو تصحيح (في التعليق موقع فرجت).
- الفنان الراحل محمد عبد الله باعيسى ومن اشهر أغنياته:
يومتى سكاب بدا وخلاص جهاد مثصا هروسو لتهرقتا جهاد ربي كتبيو كمثل فرض ديب امة
- الفنان الراحل ابوبكر اشكح فنان كبير وملحن بعدة لغات (عربي، تقرايت والأمحرنيه)…
Gift of Incense: A Story of Love and Revolution in Ethiopia
A story of Abubaker Ashakih as told and written by Judith Ashakih
- الفنان الراحل عبدالواحد محمد صالح… كان يغني بالعود…. ومن اشهر أغنياته:
كرن سفاللكو مسل ثلث لأدبرى سنكيل بديبا… يتعبر ولالمبا كلو لأمرا عجي… طعداتو حبرى
- الفنان الراحل ادريس محمد عبدالله (عطيت حنة)
- الفنان الراحل خوليو مخلف، كان يغني بالعود أغاني الفنان السوداني احمد المصطفى.
- الفنان محمد شفة (ود الزبير) ومن اغنياته الشهيرة:
ود الزبير تبلني وإبا الشباك شبيني….
- الفنان عربي محمد ياسين (شاعر ومغني)
- سليمان صالح هباش
تكاكين تكاكين…. كاعيتو ماي عجين
انا اقلا اندي اشرك…. لأروي اقليى شركا
- عمي بخيتاي (كان يعلن بمكبر اليدوي الدعوات العامة والبيانات الحكمومية) وفي رمضان كان يعمل كمسحراتي، بالإضافة كان يغنى للجمهور ومن اغنياته الشهيرة:
اشلنقيا…. اشلنقيا…. قلين قالين قالوني… قلين قالين قالوني… اشلنقيا
ويزا حطيتي كندي تفتوني بصابونا لوكس نفسي تحطبني
- الفنان عبي عبدالله… فنان وخفيف الظل… كان يتغني اغاني ود امير… وكان عنده بعض اغانيه الخاصة وكن مشهور ب “نكاته” الجميلة والمشهورة. عند ذهابه الى بيته في أخر اليوم… كان يمر عن طريق حينا… ونحن اطفال كنّ ننتظره لنتحاور معه ونطلب منه “اخر نكتة” لديه… وبعد المرات يغني لنا… وهو في اخر انبساط (في ابام جاهليته) وكنا نستمتع بوجوده معنا… شخص آخر… كان محبوب لدينا… خفيف الظل… نكاته جميلة و فيها ابداع… سريع البديهة وانسان طيب… هو حامد طيواي (رحمه الله)… كنا نقابله عدة مرات في اليوم… واذا مزاجه طيب… يحكي لنا من حكاياته ونوادره الجميلة. يا لها من ايام وذكريات جميلة… لعب ومرح ودردشة… لا هم ولا غم… فعلا كانت ايام جميلة تستحق الذكرة… هنالك قول مأثور او مثل بالأمحرية: ” ልጅነት ተመልሶ ኣይመጣም لجنت تملسو ايميطام” (الطفولة لا تعود)… فعلا ايام الطفولة او اي زمن مره لا يعود.
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عيني
بكيْتُ على الشّبابِ بدمعِ عينـــي فلم يُغنِ البُكاءُ ولا النّحيــــــبُ
فَيا أسَفاً أسِفْتُ علـــى شَبـــــابٍ نَعاهُ الشّيبُ والرّأسُ الخَضِيـبُ
عريتُ منَ الشّبابِ وكنتُ غضاً كمَا يَعرَى منَ الوَرَقِ القَضيبُ
فيَا لَيتَ الشّبابَ يَعُـــودُ يَوْمــــاً فأُخبرَهُ بمَا فَعَلَ المَشيــــــــبُ
(أربعة أبيات هي قصيدة للشاعر أبو العتاهية)
فعلا ايام الطفولة هي: قصّة حلم، وقصيدة أمل، ايام بريئة وايام براءة و خاطرة عذوبة…
قبل الختام…
توجد اغنيتين للفنان عبدالعزيز المبارك… بتقولي لا… ما كنت عارف… واغنية آخرى للفنان زيدان ابراهيم… ليه كل العذاب…. يذكرانني بقصة جميل من اجمل قصص حياتي…. الزمان…. المكان…. المناسبة…. القصة… الدراما… يا لها من ذكريات جميلة.
صوتx صوت
في اول زيارتي الى ارتريا بعد تحرير الأرض (فقط)… ترامى الى اذني قرع أجراس الكنيسة، تقرع اجراسها مع كل اذان…. خمس مرات في اليوم… مرة قبل الأذان بثواني…. ومرة مع الأذان او وسط الأذان… أو بعد الأذان مباشرة. شيء عجيب وغريب… هل هذا شيء جديد؟ قبل اللجوء لم يكن هكذا!!! سألت واستفسرت واستنكرت…. ما هذه الظاهرة العجيبة؟؟ لماذا لا يشتكوا الناس؟ لماذا هذا الأسلوب السخيف؟ ما هي الرسالة من مثل هذه التصرفات الغير ناضجة؟ اذا انتم تؤذنوا خمس مرات في اليوم… فنحن ايضا نقرع الأجراس خمس مرات!!!…. وبعد ذلك اكتشفت بناء كنائس في كل حي وكل مدينة وقرية…. وفي تل وجبل في اماكن عديدة بارزة… كأن الهدف هو “اثبات ووضع اليد” في بلد اهلها مغيبين. لم استطيع كتم غيظي وتعجبي واستنكاري… (طبعا مع اهلي واصحابي) ومن يومها ادركت وتأكدت من خطورة الموقف…. الإستيطان كان قائم على قدم وساق منذ البداية… هل هذه الأشياء تحدث مصادفة؟ لا اعتقد ذلك…. اطلاقا!!!
والأن بعد ربع قرن من التمكين… بدؤوا في تنفيذ المرحلة المقبلة… مرحلة التنفيذ… لا مجاملة، لا مهادنة، لا طبطبة… (كفاية) لأن رد فعلنا كان غائب وغير موجود… فعلوا “كل شيء واي شيء” ونحن لم نحرك ساكنا… بل نتناحر ونتشاجر في ما بيننا… وننقسم لأتفه الأسباب… نعم، لا نلوم الا انفسنا… جميعنا بدون استثناء مذنبون ومشاركون في ما نحن فيه… سواء المعارضة او المتفرجين او غيرهم. لكن بدل “جلد الذات” علينا ان نبدء من جديد… بروح جديد وجادة، نتعلم من اخطاء الماضي ونعمل بكل اخلاص حتى لا نضيع جهود، نضالات وتضحيات شعبنا… ونكون “شعب بلا وطن” بعض ان ما ناضلنا ودفعنا الثمن غاليا… الوضع خطير ونحن اليوم في وضع لا نحسد عليه… “نكون او لا نكون” تلك هي القضية… ماذا نحن فاعلون؟؟؟ فاعلون، على ارض الواقع… بالأفعال وليس بالكلام فقط… هذا ما اقصده.
كما يقولون “الشيء بالشيء يذكر”… قرع الأجراس ذكرتي عن ارتريا، مع انّ حديثي كان عن ذكرياتي وعن اغنية “وسط الظهور متصور”… يبدو لا مفر من السياسية…. حتى لو واحد حاول ان ينسى او يتنسى عن وضعنا المؤلم. لكن بسبب الأصوات تذكرت الأجراس… الأجراس دقت من زمان… (بالنسبة لي) لكن نحن لا نريد ان نسمع ونستمع… حتى فجرها تسفاطين طبق (قع) الحرامي المخنث والجهول عسكري تدلا عقبيت المجرم وجرار بغل حروي هبتي ماريام والمنافق الشحات ودي اياسو (صاخب كشك اسينا)… والعمل ابن العميل حروي و”البراف” الكذاب بروف عكاشة… وآخرون… نحن اصبحنا ملطشة… الكل من ابناء الزنة ومجهولي النسب يتطاولون على الإسلام والمسلمين في ارتريا… ولكن لا تستغربوا من تصرفات هؤلاء الأقزام… لقد فعلوها من قبل في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي… لقد هددوا… ونهبوا… وحرقوا…. وقتلوا… ركعوا، سجدوا ودافعوا عن ملكهم الظالم هيلي سلاسي (بوليس عباي، كومانديس، نتشي لباس وباندا طرقو وقوساوسة في الكنائس) كلهم كانوا في خدمة المحتل الإثيوبي بلا خجل ولا تأنيب ضمير… ولكن في النهاية هزموا شر هزيمة…. والمشروع الوطني انتصر… وارتريا اتحررت (على الأقل الأرض). الأن نواجهوا تحديات جديدية بأسماء جديدة… ولكن نفس الوقاحة ونفس التهديدات من اناس اقزام فهم “يخافوا ما يختشوا”… لازم نتوحد ونتقوى…. وردنا يكون بالعمل وبالفعل… بدل الشكاوي والتباكي والشتائم. نحن قادرون الدفاع عن نفسنا وحقوقنا… نحن اقوى منهم… لنا الدين والعقيدة وحب الوطن… هذا ما يقوله التاريخ… نحن ابناء كبيري وعواتي وجميع المناضلين الشرفاء والأبطال… نحن من علم هؤلاء الأقزام والفقاقيع النضال والوطنية… الأن ايضا قادرون على حماية وطننا وحقوقنا والعمل مع جميع الوطنيين من جميع الأجناس والديانات… ونضرب بيد من حديك كل من يتطاول على حقوقنا، عرضنا وارضنا… بلا تردد او رحمة… فقط نستوعب الدرس ونعمل معا… ونكون مستعين لكل الإحتمالات… لأن “الحق يؤخذ ولا يعطى”.
كان الله في عون ورعاية شعبنا المكلوم…
وكتبه: محمد صالح أحمد
10 ابريل 2017
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41528
أحدث النعليقات