وصية من سجين
بقلم : عمر ليلش – لاهاى
كنت قد اشرت كمدخل لمقالتى السابقة تحت عنوان ” من اجل ان يتحول التحدى الى عمل بنّاء”، ان مواقع” الأنترنت” الأرترية قد اصبحت ، بالفعل “السلطة الرابعة” ، حيث بدأت تلوح فى الأفق عبرها بوادر قيمّة تكشف عورات النظام القمعى الطائفى المستبد فى ارتريا. وكخطوة اخرى على الطريق ، زّف لنا موقع “فرجت” الألكترونى ، بشرى تحمل فى طياتها ، نبأ عزم الموقع ، لفتح ركن ا وصفحة خاصة للسجناء والمعتقلين والمفقودين فى السجن الكبير ارتريا، عما قريب على متن موقعها الألكترونى.
تكريماً و تتويجاً لهذه المبادرة العظيمة لموقع “فرجت” الألكترونى ، بعث لنا احد الأخوة من السجون ، بهذه الوصية ، حيث ابت نفسه ومن وراء القضبان وهو مكبلاً بسلاسل الحديد ومتغذياً بأسواط وضربات الجلادين ، وإلاّ ان يشارك هذا الشعب الصامد فى الآلام و والأحزان والمحن التى يتجرعها يوم بعد يوم من نظام القمع الفردى الطائفى المستبد فى ارتريا.
ويستهل السجين المعذب وصيته لنا ، واصفاً اولاً ، الحالة التى هو ورفاقه عليها فى السجون قائلاً:
مااصعب ان تسجن وتجلد لآسباب انت بنفسك تجهلها
ما اصعب ان تعيش تحت حراسة السفهاء و اسياط الجلادين
ما اصعب ان تسجن لرفضك ، هتك اعراض الأخوات والأمهات
ما اصعب ان تعيش وحيداَ غريباً ، موجعاً بآلام البعد والفراق …. لاتجد دواء الاّ مسكنات من ذكريات جميلة ودموع حارة تطفئ بعضاً من نار القلب المشتعل الماً وحزناً. . تحاول تهرب من الم الحاضر المرير الى ذكريات الماضى الجميل.
وتعود فجأة الى رشدك وترفع يديك الى السماء ويلهج قلبك بالدعاء ، يارب من رفعت السماء بلا عمد ، يارب من بسّطت الأرض، يا من خرت لقوته الجبال، يارب يارحمن ، فرج كربنا، وفك اسرنا.
يهدأ قلبك ، تجف دموعك صوت جميل ينبعث فى قلبك فيقول ( وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالو انا لله وانا اليه راجعون) …. تزداد ايماناً وخشوعاً وينبعث فى قلبك من جديد ، صوت اجمل فيقول ” إن الفرج لقريب”
كلما انبعث انين من سراديب السجون ومن وراء اسوارها.. ومن دهاليز المعسكرات وساحاتها.. وعبر اقبية المعتقلات وردهاتها.. في كل مدينة من مدننا.. وقرية من قرانا.. وريف من اريافنا.. تُرجم ذلك الانين الى وصية حروفها مزيج من مآسي واحزان و آلام.
تخاطبنا الوصية بايمان وهمة و إصرارشهداؤنا الابرار وارواحهم الطاهرة ….. التى تخاطبنا جيلا بعد جيل.. بحزم.. بروح الدفع والعدل.. والتحريض والرفض.. تخاطبنا الوصية ان:
اعشقوا الحرية.. فالحرية والايمان مترادفان..
وابغضوا الاستعباد.. فالاستعباد والايمان نقيضان..
واطمسوا من معاجمكم اليأس.. فلا يليق بمؤمن يأس..
ولا ترضوا بغير القمم وجهة.. فالقمم فرائس الموحدين.. والقاع يليق باهل غير الملة, واصعدوا فالصعود من شيم الغر الميامين.. وكونوا ذوي نفوس تواقة.. فلا تلين قمة الا لذي نفس تواقة.
وايقنوا ان الاشياء تُسقطها نقائضها.. فامقتوا الظلم وابغضوا الظالمين.. فلا يليق بذي محنة ان يظلم.. ولا يليق بمن يحارب الظلم ان يَظلم.
ولا تأمنوا لطاغية.. فما اصبح الطاغية طاغية الا وقد مارس الغدر حتى مل الغدر منه.. ومن ينهش لحم قومه لا يضيره حصد غيرهم.
ولا تغدوا امعات تساقون كالانعام بلا بصيرة.. فذلك… جحود لنعمة العقل.. واطفاء لنور الفكر.. وعجز ذهني.. واستسلام ساذج لنظر وتدبر وتفكرغيرنا.
وفرقوا بفراسة مؤمن.. بين الصبر والانتظار.. فالصبر يصاحبه التحدي.. والانتظار يرافقه العجز.. وشتان بين صبر القادرين وانتظار العاجزين.
وامقتوا التعصب.. فالتعصب طمس للاسماع والابصار والافئدة.. وافناء لملكة الاستيعاب.. وغل للفكر.. وقيد للتأمل.. وحجر للتدبر. والتعصب فوق ذلك.. مضاد لسنن التباين والتنوع.. السنة والواناً واشكالاً.. امماً وشعوباً وقبائل.. فكراً ونظراً وراياً, بل ان التعصب نتاج للانا.. وان الانا وليدة للكبر.. وان الكبر مرادف للنار ومضاد للطين.
وميزوا بين التوكل والتواكل.. فالتوكل حياة وحركة وانتاج.. واستحقاق.. والتواكل عجز وركود وجمود…. ونقيض – فوق ذلك- لرسالتنا واستئصال لارادتنا.
ثم ورثوا قيم الخير والمحبة والمودة والتسامح والسلام لغير جيلكم.. فالقيم في زمن الرخاء زينة.. وفي زمن الحاجة زاد.. وفي زمن المحنة قوة.. وفي زمن المهانة عزة.. وفي زمن الانحطاط نهضة.
وكان كلما ارتفع انين المعذبين.. كلما علت وجوههم نظارة، فقد ادركوا ان وصيتهم ستصل عبر الآمهم الى كل جيل.. رغم انف الطاغية.. ورغم انف زبانية الطاغية.
وفى الختام اهدى اولاً كلمات تلك الوصية الى كل الأرواح الطاهرة لأخوتى الذين فارقو الحياة بعد فك اسرهم من السجون واخص بالذكر هنا اخوتى الشهداء الذين كانوا يسهرون الليالى من اجل النجاح فى العلم ويحلمون فى خدمة الوطن بعد التخرج من ليبيا وهم الأخوة عثمان عبدالله عثمان شرابو – عابدين محمود ديناى وحامد عقبة وكذلك الأستاذين \ العم حسان وعبدالله سفير . واما ثانياً اهديها الى كل من كتبت له حياة جديدة بعد التعذيب فى السجون والخروج منها واذكر على وجه الخصوص اولئك الأخوة الذين لاتعرف الراحة النفسية ولا الصحة الجسدية والعضوية طريقها اليهم من الثمانينان فى القرن الماضى حتى يومنا هذا من جراء التعذيب المبرح فى سجون ليبيا . والأخوة هم : ادريس شانينو – احمد هبتيس – سعد رمضان سعيد – محمد الأمين ابوبكر- احمد ابراهيم محمود – محمد سعيد عمر – محمد ادريس بخيت (الزنجى) – عبد الرزاق محمد موسى و احمد عبدل ( هذا ما اسعفتنى ذاكرتى به والمعذرة لمن سقط اسمه سهواً من هذه المجموعة) . وثالثا اهديها الى اولئك الذين مازالو تحت الأسر فى دهاليز ذلك النظام القمعى وخاصة المعلمي سائلين الله ان يلهمهم الله بالصبر و يؤجرهم فى مصيبتهم ويفك اسرهم ليعودا سالمين الى ذويهم.
واخيراً اتمنى لموقع “فرجت” كوم وبقية المواقع التوفيق فى هذه الركن وبقية الأركان . كما لايفوتنى ان انتهز هذه الفرصة ، لكى اناشد المواقع الألكترونيه الأخرى التى تحاول كبت الرأى الأخر او حرية التعبير الهادف البنّاء او ممارسة سياسة الأعلام الموجه او تزيف الحقائق او نشر ما يتفق فقط مع توجهاتها السياسية ان تعود الى رشدها … فكفانا كبت وقمع واستبداد واكاذيب واستفزاز وِفتن نظام الفرد القمعى الطائفى العنصرى فى ارتريا.
وكل عام وانتم بخير
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=9670
أحدث النعليقات