وقفة تأمل فيما جاء في مقال سمري تسفاي – 3
بقلم / محمد عمر مسلم
يقول سمري ( لن يتمكن المسلمون من استرجاع حقوقهم من المستوطنين الجدد، ويتحدى أن يفعلوا ذلك بوضع إمكاناتهم في ميدان المعركة بدلا من أفواههم، ويفضل أن تسكن المنخفضات من قبل سكان المرتفعات بدلا من أن يأتي إليها العرب ) والعرب عند سمري هم المسلمون اللاجئون في شرق السودان أيضا يقول سمري ( الاعتراض على نزول المسيحيين إلى المنخفضات أمر غير مقبول لأنهم ضحوا من أجل كل شبر في ارتريا وبالتالي من حقهم الطبيعي أن يتواجدوا في كل شبر من الدولة ) لا أحد يعترض على حق المواطن في حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود الدولة، بشرط أن يأتي ذلك في سياق التنقلات الطبيعية للأفراد، وألا يكون على حساب مواطنين آخرين كما هو حاصل الآن، وقد نص على ذلك الحق الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المجاز في نيروبي ( كينيا) في يونيو عام 1981م ( المادة 13: 1/ لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة ) أما الذي حدث ويحدث هو نقل آلاف الأسر من المرتفعات بأسلوب ممنهج وتوطينهم في المنخفضات ما نتج عنه ضرر لسكان المنخفضات عامة واللاجئين خاصة، وهذا الترحيل والتوطين ينافي الوضع الطبيعي لحرية التنقل والإقامة للأفراد داخل حدود الدولة، أما لو تطرقنا عن التضحيات فالمسلمون أكثر من ضحى وأكثر من حرم من ثمار تضحياتهم، فالذي ضحى قليلا لم يترك للشريك شيئا بل استأثر بكل شيء فأقبح به من شريك.
يطلب سمري من المسلمين ( قبول الأمر الواقع إذا أردوا السلام والاستقرار والتقدم في إرتريا، فالمسيحيون من يحكم البلاد وهم الأغلبية في البلاد) نعم تحكم البلاد بعقلية طائفية وسلوك عدواني تجاه الطوائف الأخرى، أما مسألة تمثلون الأغلبية فتلك كذبة أخري تحتاج إلى إثبات، ولإثباتها نحتاج إلى أجواء ديمقراطية تسمح بعودة الجميع إلى أرض الوطن لإجراء تعداد سكاني حقيقي بعد زوال النظام الدكتاتوري، فإلى ذلكم الحين ادعي ما شئت، تمثلون الأغلبية المطلقة في احتكار السلطة والثروة وهو دليل على ممارسة الإقصاء والطائفية تجاه المسلمين، أما طلبك من المسلمين قبول واقع الحكم الطائفي الدكتاتوري، فيه إجحاف وتطاول وإهانة للمسلمين، فلو كان المسلمون ممن يقبل بواقع الظلم لما قاوموا المحتل وقدموا في سبيل ذلك التضحيات الجسام، في الوقت الذي قبل حكام التجرنيا بواقع الأمر وعملوا للانضمام إلى إثيوبيا، لو كان المسلمون ممن يقبل الظلم والاضطهاد كأمر واقع لما أعلنوا الكفاح المسلح ضد المحتل عندما كان غيرهم يعمل عيونا وأذانا للمحتل ضد جبهة التحرير، اليوم يعمل المسلمون لتغيير ما تراه أمرا وقعا لا يمكن تغيره، وما عليك إلا الانتظار لتكون شاهد عصر على التغيير القادم، وأعلم يا سمري إذا لم يسترد المسلمون والمضطهدون حقوقهم المشروعة، فلن تنعم البلاد بالأمن والاستقرار، وأن الأمن والاستقرار في إرتريا مرهون باسترجاع المسلمون حقوقهم المشروعة وكما قهر المسلمون في السابق ظلم المحتل، فهم يعملون اليوم لقهر ظلم التجرنيا، والأيام دول فمن سره زمن سأته أزمان.
يقول الأستاذ سمري ( الأقليات التي تحارب من أجل السلطة هي سبب عدم الاستقرار في ارتريا، وكل ما يقال وينشر من قبل هؤلاء هو نوع من الثرثرة هدفها السلطة) هذا الكلام لا يقبله عاقل لأن من يقاوم حكم الأقلية هم الأكثرية وليست الأقلية، وعدم الاستقرار سببه استبداد وظلم الأقلية الحاكمة وليس من يقاومها، أما فيما يخص السلطة لماذا هي حلال لقومية التجرنيا المسيحية وحرام على بقية القوميات الأخرى؟ أليس لبقية القوميات حق في السلطة والثروة وخيرات البلاد؟ إذا كان المنتفعين من حكم النظام الدكتاتوري لم يعجبهم ما يكتبه الأستاذ على سالم، فان الأغلبية المتضررة من النظام تتفاعل مع ما يكتبه الأستاذ على سالم، بل وتقف خلف كل من يعمل لاسترداد حقوقها ونصيبها في السلطة والثروة.
يقول سمري ( ما يدعو إليه علي سالم لن يتحقق في إرتريا لأن مرحلة سيادة قبيلة بني عامر بركا على المسلمين قد ولت مع جبهة التحرير الارترية ) هذا الكلام له أهداف خبيثة فتقسيم المسلمين إلى قبائل بعضها سائد والأخرى مسود، وتقسيم المسلمين إلى مرتفعات ومنخفضات الغاية منه تمزيق الصف المسلم، وإلا ماذا يقصد سمري من وراء ذلك؟ هل يقصد مصلحة المسلمين أم مصلحة الأقلية التجرنياوية الحاكمة؟ الأستاذ علي سالم لم يدعوا إلى سيادة القبيلة، بل إلى سيادة المسلمين والمضطهدين ليستردوا حقوقهم المشروعة، أما على الصعيد الوطني فالمسلمون منذ القدم هم دعاة سيادة العدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ثم يا سمري لو كانت الجبهة تنظيما قبليا لما قبلت بأمثالك ليناضلوا تحت رايتها، الجبهة كانت تحمل مشروعا وطنيا لذلك استوعبت جحافلكم في منتصف السبعينيات متجاوزة مواقفكم السلبية من تقرير المصير ووقوفكم مع المحتل ضدها، ثم أن القضية المطروحة من قبل الأستاذ على سالم أكبر من كيانات وقبائل بعينها، القضية قضية المسلمين المضطهدين في إرتريا ( قضية أكثر من نصف السكان ) سواء كانوا في المنخفضات أو المرتفعات، فالحكم الطائفي لم يستهدف قبائل أو مناطق بعينها دون أخرى، ولكنه استهدف المسلمين على اختلاف قبائلهم ومناطق سكناهم، وحصرك المسألة في منطقة أو قبيلة بعينها هدفه تمزيق صف المسلمين ليستمر حكم قومية التجرنيا، فالذي يتربص بالمسلمين هو من يروج أن الإسلام واللغة العربية ليسا من عوامل وحدة المسلمين، وموقفك من الدين واللغة العربية هو نفس موقف أصحاب بيان ( نحن وأهدانا ) الصادر قبل 40 عاما، لكن ما لا تستوعبه حتى الآن، إذا كان هذا الكلام انطلى على المسلمين في الفترة الماضية، فلن ينطلي عليهم هذه المرة، كما أن التعويل على خلافات ومشكلات البيت المسلم لن ينجح هذا المرة لأن المسلمين أدركوا منذ وقت مبكر أبعاد ومرام المخطط الذي اكتووا بناره، وأما ما تظهره في مقالاتك من عداء سافر للإسلام وجبهة التضامن سيكون له دور إيجابي في وحدة المسلمين خلف حقوقهم المشروعة، وهذه الوحدة التي تؤرق مضاجع الاقصائيين والطائفيين ستشكل عاملا مهما في إنهاء معاناة المسلمين وإعادة المكانة والكرامة والحقوق لهم بل وسيكون لوحدة المسلمين والمضطهدين والمهمشين في هذه المرحلة دور في تحقيق التوازن بين طرفي الثنائية ما يحقق السلم والأمن والاستقرار في إرتريا.
دأب خصوم الحركة الإسلامية على الخلط بينها وبين الإسلام، وهذا الخلط قصد لذاته بغرض الإساءة للإسلام من جهة، وتشويه الحركة الإسلامية من جهة أخرى، فقد حاول النظام الدكتاتوري استثمار أحداث 11 سبتمبر للإساءة والنيل من الحركة الإسلامية، والأيام دارت وانقلب السحر على النظام واتهم من مجلس الأمن بدعم الإرهاب، واليوم يحاول البعض الإساءة للحركة الإسلامية بهدف التحريض عليها والتنفير منها، ومن هؤلاء الأستاذ سمري الذي يحاول في كتاباته تصوير الحركة الإسلامية بأنها الخطر القادم، بل وصل به الأمر للإساءة لأحكام الشريعة الإسلامية إذ قال عنها غير عادلة وقاسية وجائرة، وهنا أريد التنبيه لعدة أمور منها أن الهجوم على الحركة الإسلامية والإساءة لأحكام الشريعة لن يمهد الطريق للوحدة الوطنية وتحقيق السلم الاجتماعي في إرتريا، ثانيا الحركة الإسلامية تمثل شكل من أشكال مقاومة المسلمين للنظام الطائفي وهي امتداد طبيعي لمجاهدات المسلمين منذ الرابطة الإسلامية، ثالثا لا يمكن تجاوز الحركة الإسلامية وإسقاط حقها في المقاومة ضد النظام الطائفي وإغفال دورها في حاضر ومستقبل الأمة، رابعا الخاسر الحقيقي من يعادي الإسلام والمسلمين والخاسر من يتجاوزه المسلمون لسوء فعاله وجرائمه ومواقفه من حقوقهم، خامسا الحركة الإسلامية في جانبها العملي تمثل جهد بشري يعتريه القصور والخطأ، وهي في هذا الجانب ليست فوق الجرح والتعديل البناء بل تسعد كثيرا بذلك، لكن ما لا تقبله الحركة لنفسها وما لا تقبله من الآخرين أن يتخذ جهدها ونشاطها البشري حجة يدان من خلالها الإسلام، بهدف الإساءة والسخرية كما فعل الكاتب سمري.
يقول سمري ( يستحيل وحدة المسلمين، ويرى اللغة العربية والإسلام ليسا من عوامل حشد ووحدة للمسلمين ) مالا يدركه أمثال سمري أن وحدة المسلمين واجب شرعي تعبدي يحرص المسلمون على تحقيقها وان اختلفت أعراقهم وأقاليمهم ولغاتهم، وهي ( الوحدة ) من مظاهر قوتهم ، لذلك عمل المشروع الطائفي على تمزيق الصف المسلم عرقيا وإقليميا ولغويا وحارب عناصر وحدة المسلمين مثل اللغة العربية والإسلام، ووحدة المسلمين موجهة في الأصل ضد الاقصائين والطائفيين الذين دمروا البلاد والعباد، وهي صارت ( الوحدة ) مطلب ضروري لكبح جماح الاقصائيين والطائفيين من جانب، ولتحقيق التوازن بين طرفي الثنائية من جانب آخر، ترى دوما العقلية الاقصائية استحالة وحدة المسلمين، لأن ذلك شرط لاستمرار هيمنة التجرنيا على حكم البلاد، وما يقوم به سمري من إحياء النعرات العرقية والمناطقية بين المسلمين هدفه إدامة الفرقة بين المسلمين وإدامة الهيمنة المطلقة لحكم التجرنيا، والسؤال الذي يطرح نفسه من المستفيد من استحالة وحدة المسلمين؟ المستفيد هم أصحاب المشروع الطائفي الاقصائي، والمتضررون هم المسلمون فقط، ثم إذا كان الجميع يعمل لوحدة وطنية في ظل وجود الثنائية الدينية والثقافية، لماذا يروج البعض استحالة وحدة المسلمين؟ وحدة المسلمين ضرورية للمسلمين لأنها تقوي جانب الشراكة الذي يمثلونه في الثنائية الدينية والثقافية، وعدم وحدة المسلمين خلف حقوقهم المشروعة أطمع فيهم الشريك وحمله ذلك إلى اضطهادهم ومصادرة حقوقهم المشروعة، لذلك من يقف موقفا سلبيا من وحدة المسلمين هو من يسعى لتكريس الأحادية التجرنياوية بدل الثنائية، والدكتاتورية والاقصائية بدل الديمقراطية والشراكة الوطنية.
نصت المادة الثامنة في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ( حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، ولا يجوز تعرض أحد لإجراءات تقيد ممارسة هذه الحريات ، مع مراعاة القانون والنظام العام ).
الاختلاف سنة كونية في مجتمعات تتعدد وتتنوع فيها العقائد والثقافات، فالحقوق ذات الصلة بالمعتقدات والخصوصيات، يجب تثبيتها كحقوق لجميع الأطراف لأنه يصعب في مجتمع تحكمه الثنائية الدينية والثقافية صهر الناس في بوتقة واحدة أو حملهم على عقيدة واحدة، لأن ذلك خطوة أساسية نحو الوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية لا يمكن تحقيقها من خلال مزج الخصوصيات، وتذوب العقائد، وإلغاء الخصوصيات، وهنا أشير إلى عدة أمور تساعد في تحقيق الوحدة والسلم الاجتماعي أولا الإقرار بالثنائية الدينية والثقافية يقتضي احترام الخيارات الدينية والثقافية والاجتماعية والعرفية لكل الأطراف لأن ذلك شرط لتحقيق الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، ثانيا للجميع حرية اختيار العقيدة وحرية ممارسة ما تأمر به من شعائر تعبدية وسلوك ومعاملات وأحكام، دون تدخل أو وصاية أو حجر من المخالف عقديا، ثالثا لا يلزم لإثبات الحقوق الدينية وممارستها موافقة المخالف عقديا وفكريا، فكونك مسيحيا لا يشترط حصول موافقتك لإثبات وممارسة الحقوق الدينية للمسلمين، رابعا ينبغي أن لا يفهم حرص المسلمين على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، على أنه ضوء أخضر من قبل بعض المسيحيين للطعن والإساءة للإسلام وأحكام الشريعة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2389
أحدث النعليقات