25مارس 1982م … مشاهد وشواهد!
بقلم : كـرار هـابو (أبو علي)
أحسن الثعلب الحكم، في موضوع القسمة، وهو مكره، فأبقى رأسه فوق جسده. وحين سأله الأسد: من علمك هذه القسمة؟ أجاب:( تعلمت من رأس الذئب المقطوع)! هي قصة الأسد والذئب والثعلب عندما خرجوا للصيد وعادوا سالمين غانمين، الى نهاية القصة التي انتهت بأن استحوذ الأسد على كل الغنائم.
قصتنا تبدأ من حيث بدأت إرهاصات حركة ’ 25 مارس 1982م‘، وقد بدأت هذه الإرهاصات عندما انتهى المطاف بالجسد الضخم في مناطق متفرقة من بلاد ما وراء الحدود الغربية، وتحديدا في منطقتي ’ كركون ‘ و ’ تهداي ‘.
ميرحَتْ جبهة تحرير ألبوم مَبَاطرْ اندي سَـكَوْ قيسَوْ حـَدْ قَـوُوا لَسَاتـِرْ!
كركون، تهداي، رأساي، تلباي، توقوي…!
هي مناطق رمت فيها الجبهة أحمالها ونأت بنفسها عن مسيرة النضال، بعد ان كانت رائدته. والوصول الى هذه المناطق كان نهاية رحلة شاقة منذ أن بدأت قيادة الجبهة وكوادرها في الإختلاف على كل شئ، بدءً من حياة الجندية اليومية وحتى تفاصيل المبادئ التنظيمية التي صاغتها اقلامهم. في نهاية الامر وصل اثني عشر لواء الى مناطق كركون وتهداي، يرتدون ملابس غريبة ويحملون اسلحة ومعهم اليات ومدرعات، فنظر اهالي المنطقة بدهشة وفزع الى الأعداد الكبيرة لهؤلاء الغرباء الذين يقتحمون الاماكن وتساءلوا: لماذا قدم هؤلاء القوم، وماذا يريدون؟
’ تلبـــاي‘ هي واحدة من بين أكثر هذه المواقع التي جرت فيها المهازل في مسلسل انهيار جبهة التحرير الأرترية، وهي المنطقة التي وصلت فيها الجبهة الى مفترق طرق، طريق الإستمرار، وطريق الإنضمام وطريق الإستسلام كما سميت حينها. كل فريق اجتهد ليكون هو جبهة التحرير دون سواه، وقد تفككت الجبهة بعد تشتيت جيشها وأجهزتها.
تقع ’تلبـاي‘ شمال مناطق ’كركون‘ و ’تهداي‘ ولهذا سميت بمنطقة ’الشمال‘ في عرف الفصائل التي اسست فيها مواقع لها فيما بعد. وعقب دخول جيش التحرير الأرتري الى ’كركون‘ ، تنادت بعض قياداته ومعها بعض الكوادر بالطبع، وهدفت من هذا النداء عقد إجتماع موسع وجامع لقيادة الجبهة للتفاكر والتشاور حول مصير التنظيم الذي ارتطم بالحدود الغربية للبلاد أثناء تصديه لهجوم الشعبية التصفوي.
عقد اللقاء الجامع وكان الحضور كبيرا حيث جاء من كل فج عميق، تمثلت فيه كل وجوه شرذمات الجبهة التي برزت نتيجة الإنهيار الكبير. وقد انتهى هذا اللقاء بعد ان تسللت مفرزة من قوات الحرس وباغتت الحضور بأن القت عليهم القبض إلا من رحم ربي، وقد فاق عدد المعتقلين ’ 600 ‘ شخص هم جل الهرم القيادي للجبهة. العملية سميت ’ إنتفاضة 25 مارس التصحيحية ‘ بحسب البيان الذي القاه قائدها، وآخرون أسموها ’ إنقلاب 25 مارس ‘ على الشرعية، شرعية الجبهة المتمثلة في المؤتمر الوطني الثاني.
وفي هذه المنطقة ذاتها انتهت الجبهة ككيان جامع لقوى الجبهجيين، وانتهت معها كل محاولات الإصلاح للعهد القديم بكل تفاصيله وشخوصه، آماله وتطلعاته، قوى بداخلها قوات، وتنظيم في أحشائه تنظيمات، واتجاهات فكرية متنافرة تنتقص بعضها البعض، تتحايل على بعضها البعض، تمارس الإستقطاب الداخلي لتقوية مراكز القوة والقرار.
الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، اذا كان هذا الإختلاف في أوساط نظم شعبية، أما إختلاف الرأي بين نظم العساكر والجنود المجندة، فأمره جلل، النماذج ماثلة، والأمثلة كثيرة، قصة بيان رمضان/ ديسمبر 2000م وخلاف قطبا حكومة الإنقاذ السودانية وذهاب أحدهما الى السجن، وقصة أزمة الحكومة الأرترية بعد انتهاء حرب الحدود وذهاب بعضها الى السجن، وقصة مماثلة في الحكومة الأثيوبية بسبب الحرب نفسها وذهاب بعضهم أيضا الى السجن.
العهد الجديد لفلول الجبهة، عهد ما بعد ’ 25 مارس‘ فتح الطريق أمام هذه الكيانات بالبروز الى الوجود معلنة عن نفسها، وبدأت معها من جديد التحالفات والإستقطابات، البعض منها يستجير بالآخر، ويأتي هذا الآخر فينخر في جسدها حتي يتفتت ويصبح لقمة سائغة لينتهي الأمر بكوادرها الى السجن ثم التعذيب فالقتل.
لو ان الجبهة سلكت مسلكا أكثر عقلانية من الذي سلكته وهي تقاتل ثم هي تنسحب أو هي في ’ كركون ‘،لاختلفت قصة انهيارها، ولربما أبقت شيئا من بريقها، ولكانت قصتها أقرب لتلك القصة، قصة الثعلب المذكور، فقد سبقها الى هذه المناطق تنظيم، ما لبث هو الآخر أن تفكك عقب دخوله مناطق الشمال، لكن الجبهة لم تتعظ من رأسه الذي قطعته هي بنفسها ذات يوم بعيد.
التقيت أحد الزملاء بعد 18 عاما من الحدث الكارثة، طال الحديث بيننا، حديث الذكريات، وتشعب. وعندما وصلنا بحديثنا الى مرافئ ’ تـلـبـاي ‘، رفض الرسو وأطلق العنان لذاكرته مبتعدا عن تلك الأيام!
لزوم الوداع:
التحية للسجين والسجان ممن كانوا بالأمس رفقاء السلاح.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6321
أحدث النعليقات