الفضائيات العربية ومحاولة توجيه الرأى العام قناة الجزيرة نموذجا
عبد الرحيم الشاعر
شهدت الساحة الاعلامية العربية تكاثر القنوات الفضائية في الاعلام المرئي والمسموع بشكل بكتيري ، فهنالك اكثر من اربعمائة فضائية في العالم العربي منه التجاري الذي يبيع للمستهلك العربي الاشياء السحرية المصنعة في الصين أو الغرب ،ومنها ما تملكه جهات بعينها لها اهداف معينة ليست بالضرورة ان تكون تجارية ، وبالرغم مما يحدثه بعضها من تشويه وتدمير لعقول الكثيرين من ابناء المنطقة فانها مستمرة في بث سمومها دون ان يكون هنالك ضوابط أو رادع ينظم هذه العملية اذا كان على المستوى القطري أو اذا كان على مستوى الجامعة العربية.
السؤال هنا من يقف وراء هذه القنوات وكيف يتم تمويلها وماهية الاهداف التي تعمل من أجلها ، وهل وسائل تكسبها تتجاوز الاعلان التجاري الى مؤسسات أو افراد أو حكومات تدفع لها وبسخاء وتفرض عليها شروطا معينة . وهل ضمن شروط هذه الجهات صناعة الراى العام وتوجيهه بما يخدم مصالح هؤلاء الآفراد أو الجهات أو لحساب جهات لها أهداف ومآرب في المنطقة . يبدو هذا واضحا تماما خاصة في بعض القنوات المتميزة منها قناة الجزيرة والعربية والقنوات الامارتية التي اصبحت تقتحم مجالس كل البيوت ليس في المنطقة العربية بل في منطقتنا ايضا اى عموم منطقة الشرق الافريقي والمجتمعات الافريقية ذات الغالبية المسلمة في الوسط الافريقي وغربه.
ما يهمنا هنا هو قناة الجزيرة التي احتلت مكانة اذاعة البي بي سي في نقل الخبر الى مستمعينا في ارتريا كمصدر موثوق به .
برزت قناة الجزيرة في فضاءات الاعلام العربي كقناة مستقلة تحمل خطابا اعلاميا مغايرا لخطاب اعلام السلطة واعلام الانظمة االعربية اى اعلام ذهب الرئيس جاء الرئيس.
وبدأت القناة تتطرق الى كثير من المواضيع التي من المحرم الحديث عنها أو تلك التي كانت تحتاج الى تصريح من الأمن الوطني للحديث أو الكتابة عنها ، مما جعل كثير من الافئدة تهفو اليها ، حيث رأت في القناة البكر صوتها الذي كمم وتطلعاتها وأمانيها في اعلام يعكس الرأى والرأى الآخر ، وحرية التعبير والخروج من سلطان الاعلام الخاضع للسلطة اين كانت تلك السلطة ، الحاكم أو سلطة السفير الامريكي في ذلك البلد.
مما لا شك فيه ايضا ان القناة لعبت دورا كبيرا في التثقيف والتوعية والكشف عن المستور واصبحت ملاذا لكل كتاب الرأى ونشطاء اليسار والقوميين والاسلاميين الذين طاردتهم السلطة العربية في كل عواصم العالم العربي.
هذا الخطاب الاعلامي الجديد رأى فيه المشاهد العربي ضالته وتمنى استمراره وخوفه من ان يصبح مايلمسه في فضائية الجزيرة مجرد حلم ، وفعلا بح صوت الجزيرة وأصبح كالفحيح ، واصبح الناس يشاهدون بعين الشك ما تبثه ويسائل نفسه عما اذا كان ثمة من يقف خلف هذا البرنامج أو ذلك. لأن المشاهد ادرك بفطنته ان الجزيرة كأى جهاز اعلامي موجود في بلد شمولي فانه خاضع لجهة ما لوزير الاعلام للامير أو لمؤسسات أجهزة اجنبية كانت أو عربية. ويمكن ذكر امثلة كثيرة يمكن ذكرها لعبت فيها الجزيرة دورا لصالح اطراف معينة أو بتوجيهات معينة واثرت في كثير من الاحداث العربية سلبا ، وتذمرت كثير من الدول أو حتى سحبت سفرائها أو اقفلت أبواب الجزيرة في بلادها ، لأن الجزيرة بدأت في صياغة الخبر بصورة توجيهية تحاول من خلاله التأثير سلبا على مشاهديها للتفاعل مع أو ضد قضايا بعينها. ما يهمنا كارتريين برغم تجاهل واضح من قبل الجزيرة لقضايا الانسان الارتري وصراعه مع الديكتاتورية والطائفية المفروضة عليه ، خرجت علينا قناة الجزيرة بفلم اسمته بالوثائقي قام جهاز التطبيل للديكتاتور الارتري بانتاجه خلال عامين وهو دعائي بالدرجة الاولى وليس بالوثائقي وملئ بالكثير من النقائص والتي لا تحصى ولا تعد.
فالغرض من الفلم كان ايهام ان ارتريا دولة مسيحية مع اقلية مسلمة حتى لم يوفق الفلم في عرضها ، وفي سبيل ذلك يقوم منتجو الفلم بدخول الكنائس وغيرها من المظاهر التي تترك لدى المشاهد العربي انطباعا خاطئا وتجهز العقل الجمعي العربي الى القبول بمقضيات التطهير العرقي الذ ي تقوم به السلطات الارترية ضد القوميات ذات الغالبية المسلمة وعلى المسلمين بصفة خاصة.
القصور في ان الذي سمح لهذا الفلم بالعرض الذي لم يكلف نفسه عناء ان يقرأ سطرا واحدا عن الخلفية التأريخية لارتريا واخذ ما يطرحه الفلم كنوع من الحقائق التأريخية المسلم بها. قراءة بسيطة تمكنه من معرفة عن الهجرات العربية والمسلمة الى هذا البلد ولهذا يتضح ان الفلم مفروض على الادارة من فوق أى فو ق؟ من الأمير أو من غيره لارضاء ارتريا ورئيسها الذي بدء بزرع جواسيسه كسائقين وعمال والذين دسهم وسط ابناء الخدمة اللازامية الذين بدء الديكتاتور يصدرهم الى الخارج ويقبض على كل رأس اربعمائة ريال من مجموع راتب الف ومئتين ريال قطري.
الفلم لم يكلف نفسه حتى من التقاء المفتي في وقت عمل اكثر من مقابلة مع قسيس ولم يكلف نفسه من عمل مقابلات من رعيل التحرير اذا تجاوزنا الوزير عثمان صالح واذا تحدثنا عن المؤرخين لكان بالامكان الحديث مع محرري الجريد العربية والعاملين بالجهاز الاعلامي أو اللقاء بالاستاذ الاديب والسياسي الكبير الراحل محمد سعيد ناود. ولكن كل ذلك لم يحدث لأن الفيلم من انتاج الفئة الطائفية وهذا اعلامها وهذه لغتها وصوتها الاقصائي ، حيث لا يكون للاخرون حضورا الا لماما. وقتها كثيرون انتقدوا قناة الجزيرة ، خاصة من مشاهديها الاتريين في الوطن العربي وبقاع أخرى من العالم من ضمنها ارتريا ، ورأو فيما بثته الجزيرة تجاوزا لميثاقها المهني والذي ينص في بعض بنوده على :
” التمسك بالقيم الصحفية من صدق وجرأة وانصاف وتوازن واستقلالية وتنوع دون تغليب للاعتبارات التجارية والسياسية على المهنية.
السعى للوصول الى الحقيقة واعلانها في اقلريرنا وبرامجنا ونشراتنا.
تثيم وجهات النظر والاراء المختلفة دون محاباة أو انحياز لأى فيها ”
من هنا يتضح بكل بساطة ان ما قامت به الجزيرة لهو عكس ما تتشدق به ، فليس هناك سعى جاد وحثيث للوصول الى الحقيقة وليس هنالك أدنى تقيم لوجهات نظر مختلفة ، وانما انتاج الجاهز والعمل على التضليل لارضاء قوى سياسية بعينها.
ولا أظن ان ميثاق الشرف المهني الذي تتشدق به الجزيرة لا يختلف بأى حال من الأحوال عن دساتير الدول العربية ودساتير الانظمة الديكتاتورية مثل ارتريا ، فالدساتير تكتب ليعلوها الغبار وليس للاسترشاد بها في الحياة اليومية.
أجرى مدير عام صحيفة الوطن القطرية لقاءا مع الدكتاتور لارتري وبرغم ان اللقاء كان فكاهيا الى حد ما الا اننا نستقرئ منه بعض الجوانب المهمة ، فبينما كان الصحفي يحاول ان يثير في ذلك اللقاء بعض القضايا المهمة وأحراز سبق صحفي في ” زنق ” الدكتاتور في قضايا غالبا لا يتناولها الاعلام العربي ناهيك ان يسال عنها ، في ذات الوقت كان يحاول الديكتاتور استخدام الصحفي لايصال رسالة الى القيادة القطرية والتي تحاول ان تلعب أدوار ا أكبر من حجمها في المنطقة.
,احد القضايا التي اثيرت في ذلك اللقاء والتي لفتت انتباه القيادة السياسية الجيبوتية ، هو نكران أفورقي لوجود خلاف بينه وبين جيبوتي أو أى مشكلة تستدعي ألحل أو التدخل من قبل قطر أو غيرها وقال في لغة غير دبلوماسية معهودة ” أسأل عنها جاسم لأني لا علم لي عما تتحدث عنه” . وهذا كان كافيا لأن ترسل القيادة الجيبوتية صوتا احتجاجيا الى الوسطاء القطريين حول ما ذكره أفورقي في مقابلته الهزلية.
وتمت دعوة أفورقي الى قطر وكذلك رئيس دولة جيبوتي الى الدوحة لتطيب الخاطر والذي شمل الفسح واعادة الفلم المسمى الوثائقي اياه ، وفقرات معلوماتية عن ارتريا عقب كل نشرة ، وبذلك يتسنى للقيادة القطرية اكمال دورها على المسرح السياسي العالمي كوسيط و ” حلال ” أزمات في المنطقة حتى ولو كان ذلك في دارفور أو ارتريا.
فخرجت علينا الجزيرة باشارة من مالكيها ببرامج دعائية عقب كل نشرة أخبار ، وراح مراسلها وهو في قمة مهمته الصحفية الأولى لتسويق ارتريا لدى المشاهد العربي بأنها بلد نموذجي لا مثيل له في القارة الافريقية ، وينعم أهله بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة مخالفا بذلك كل التقارير الدولية التي تنعت ارتريا باعتبارها أكبر سجن على وجه البسيطة ليس هذا فحسب بل ان الألآف من ابنائها يعبرون الحدود في كل الاتجاهات فرارا من الجحيم وقد ينتهي بهم المطاف في قاع المحيطات أو في الصحراء أو مصعوقين في السلوك الشائكة لحدود الدولة العبرية هذا مالم تحصدهم رصاص البدو والجيش المصري وتجار الاعضاء البشرية.
ويمكننا ان نعطي نموذجا واحدا مما أوردته الجزيرة وهو ان النساء في دولة أفورقي يتبوأن المناصب العليا ومنها القضاء وغيره ، ونسى الجاهل ليس هنالك قانون في ارتريا أو دستور حتى يعمل به في المحاكم وان هنالك ألألآف من الناس يقبعون في سجون تحت الارض دون اى محاكمة، وان الدستور الذي أنجز في عام 1997م مازال حبيس الادراج وان طبقات الغبار التي تعلوه أصبحت بحجم عدد صفحاته.
أما المرأة فحدث ولا حرج فان معاناة المرأة في ظل حكومة الشعبية فهي سلعة يمكن تصديرها الى لبنان أو أحد الدول الخليجية منها قطر ، أو يمكن أن تصبح طباخة جنرال جاهل تكنس داره وتغسل سراويله الداخلية ايضا ، واذا دعاها الى سريره أذعنت وهكذا يراق شرف المرأة الارترية تحت أى ” راكوبة “.
واذا فر ابنها من جحيم العسر ومعسكرات السخرة فيقبض عليها ويتم وضعها في حفرة بحجم جسمها تموت فيها القرفصاء.
أما محاولة نفى التهم الدولية بدعم التمرد الصومالي ومنح الايرانيين لقواعد على البحر الأحمر عن النظام الارتري فكان عمل رخيص اريد به طمئناة دول الخليج العربي والسعودية خاصة ، خاصة تبرئة النظام من مسألة القواعد الايرانية ، برغم ان كل التقارير أكدت ان الايرانييين متواجدين في ” ترمة ” 35 كلم شمال ميناء عصب ولهم فيها 150 قطعة بحرية ، وما تردد عن مصنع دنقلو ومرسى تخلاى.
اليس هذا التضليل بعينه ، نعم وهو محاولة لصناعة الرأى العام ولعبة خطرة تحاول فيها قناة الجزيرة حسب أهواء مالكيها تغيير اتجاهات الخبر وتوظيفه لآهداف محددة وان ما تتشدق به من الرأى والرأى الآخر والحياد والموضوعية ما هي الا شعارات جوفاء لا تمت الى واقع ما تمارسه بصلة وهنا يمكننا أن نورد بعض الأمثلة التي حاولت فيها الجزيرة تغيير اجاهات الخبر لما يخدم اهداف معينة:
– شيمون بيرز في الدوحة : زار شيمون بيرز الدوحة لحضور قمة اقتصادية ، ولكنه لم ينسى من ان يتجول في أسواقها الشعبية ” سوق واقف ” فهرع اليه الناس وكأنه أحد الابطال الفاتحين ، الى درجة ان حرسه الخاص لم يتمكن من دفع هذه الا فواج عنه ، وكانت الدماء في غزة لم تجف في شوارعها بعد. ولم تورد قناة الجزيرة الخبر لا في نشراتها الرئيسية أو في شريط الأخبار. ولكن اليوم سوف نورد صور تلك الزيارة نقلا عن أحد المنتديات العربية التي تندرت على ذلك.
– ادارة القناة عقدت جلست صلح خاصة بينها وبين الكيان الصهيوني بعد غزو غزة وذلك بدعوتها لوزيرة خارجية الكيان الصهيوني ليفني لزيارة مقر القناة والتقت بكبار مذيعي ومحرري الجزيرة و واتفقت معهم على انهاء القطيعة الرسمية بينهما!
– عندما دفعت ” الخرمة ” بأحد دبلوماسي قطر الجهلاء للتدخين داخل ” تواليت ” الطائرة وترتب على ذلك ارسال الاجهز الامنية الامريكية الى طائرتين حربيتين لمرافقة الطائرة وتفجيرها في الجو اذا لزم الأمر وابلاغ الرئيس أوباوما شخصيا بذلك ، لم يرد الخبر ضمن نشرات الجزيرة الرئيسية أو شريطها الاخباري رغم انه كان الخبر الأول في كل وكالات الانباء العالمية.
– الرابطة الليبية لحقوق الانسان وجهت اشعارا الى القناة فيما اعتبرته انها لا تلتزم بالمهنية وشعارها المرفوع بأنها قناة الرأى والرأى الآخر . وأنتقدت الرابطة برنامج الواجهة الذي تناول موضوع ليبيا من الثورة الى الدولة.
– مستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان اسماعيل هاجم القناة واتهمها باثارة الفتن في دارفور في وقت كانت تتجه فيه كل الجهود لوأد الفتنة.
– مملكة البحرين أقفلت مكتب الجزيرة في العاصمة المنامة.
– مصر والسعودية كانت لهما موقف من القناة لتدخلاتها السافرة في شؤونهما الداخلية.
– أقفلت تونس سفارتها في الدوحة بسبب حملة مغرضة شنتها قناة الجزيرة.
– والمغرب ايضا له أكثر من مشكلة مع قناة الجزيرة.
والكثير الكثير الذي لا تتسع هذه الصفحات لاحتوائه من تجاوزات قناة الجزيرة ولكن يمكن ايراد أراء بعض الذين عملو في الجزيرة:
– كوثر البشراوي التي استقالت من القناة بصورة مفاجئة وانضمت الى قناة أم بي سي ، قالت في لقاء أجرته معها ” روز اليوسف ” حيث وصفت الحرية المزعومة في هذه القناة بأنها مزيفة وعلى الهواء فقط.
– خزام ايضا وصف القناة بأنها ليست مستقلة.
– الشيخ القرضاوي حاول ترك القناة بسبب استضافة فيصل القاسم للعلمانية وفاء سلطان التي سبت الذات الالهية والرسول وصحبه الكرام.
– كما استقالت خمس مذيعات دفعة واحدة من الجزيرة نتيجة للمضايقات والتحرش من قبل ادارة القنا’.
يبقى أن نقول أن قناة تلفزونية يبلغ حجم ميزانيتها مليارات الدولارات ، لايمكن ان تنحصر اهدافها أو اهداف القائمين عليها أو مموليها على ادرار العائدات الاعلانية والتي لا تغطي حتى تكاليف موظفيها القادمون من 53 بلدا ومراسليها الذين يتجاوز عددهم 600 مراسل موزعون حول العالم ، والجدير بالذكر ان العائدات الاعلانية شهدت انخفاضا لضغط بعض الحكومات العربية بعدم الاعلان في الجزيرة منهم المملكة العربية السعودية ممااضطرت فيه الحكومة القطرية لضخ 400 مليون دولار لميزانية القناة.
ان الدور العربي في مرحلة الكفاح المسلح كان دور ايجابي ومنه دور دولة قطر ودول الخليج العربي ، وان هذا الدور ادى الى تعاظم الثورة الارترية واشتداد عودها.
ان الشعب الارتري اليوم يتعرض من قبل النظام الحاكم محاولا طمس هويته وسرقت أرضه واقفال دور عبادته ومدارسه ، ويتعرض الى التعذيب والتشريد والتنكيل بصورة يومية ، وان وقوف الدول العربية مع قوى المقاومة الارترية من أجل التغيير الديمقراطي لهو ضرورة في هذه المرحلة المهمة من تأريخ ارتريا ، نتمنى من الجزيرة وطاقم ادارتها ان يعو ذلك وان لا يعطى الديكتاتور الارتري مبررا للاستمرار في اضطهاد شعبنا وطمس هويته وتهجيره.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10047
أحدث النعليقات