الحركة الأسلامية الأرترية : بين خصوصية الواقع وشمولية الرسالة
3-3 الحلقة الثالثة :التحدى الكبير
انجازات الحركة:
1- جذبت المئات من الشباب الى دائرة العمل الوطنى الأرترى الأمر الذى ما كان يمكن أن يقوم به تنظيم علمانى بعد نكسة جبهة التحرير الأرترية. ولولا تلك الحركة لبقى هؤلاء فى دول المهجر يعيشون غرباء عن وطنهم.
2- نشر التعليم من خلال المنح الدراسية فى دول الجوار— تم تخريج جيل من أبناء المسلمين الأرتريين يمتلكون العلم والمعرفة فى شتى العلوم الحديثة ( أطباء – مهندسون – جيولوجيون – اعلاميون الخ …)
3- نشر الدعوة الأسلامية بين المواطنين الأرتريين وتزويدهم بثقافة اسلامية تجعلهم يفهمون دينهم نظريا ويمارسونه عمليا وتساعدهم على متابعة الحركات والمناهج الأسلامية فى العالم.
4-اقامة منظمات اغاثة نشطة فى مجال العمل الخيرى ما ساعد على تخفيف آلام ومعاناة اللاجئين الأرتريين.
5- العمل السياسى والأعلامى ضد النظام الدكتاتورى فى أرتريا وكسب رأى عام فى المنطقة الأسلامية.
6- الرسالة التى أوصلتها الى الشريك الآخر بأن له شركاء فى الوطن وساهمت فى خلق حرا ك وطنى.
7- المشاركة مع قوى المعارضة الأخرى فى جبهات عمل سياسية ( تجمع— تحالف – تضامن) ما زاد من زخم حركة المعارضة الأرترية وأرسل اشارات ايجابية الى الشركاء.
سلبيات الحركة :
1- الأنشقاقات التى عصفت بها وقسمتها الى عدة تنظيمات.
2- الرسالة الخاطئة فى بداية الأنطلاق والطلاق بين النظرية والممارسة.
3-عدد كبير من الذين قتلوا فى العمليات مدنيون ومسلمون وهى حركة قامت من أجل نصرة المسلمين !؟
4-غياب الأنجازات الملموسة التى تقنع الجماهير بأن النصر قادم.
5-عدم وجود تأثير واضح على النظام سواء كان فى قياداته أو فى هيكلته أو فى موارده.
المستقبل— حتى الآن يبدو أن مصيرها مرتبط بالمعارضة الأرترية – سلبا أو ايجابا.
لكن يمكن للحركة أن تلعب دورا رياديا اذا حققت أولا وحدتها أو على الأقل صيغة عمل مشترك فيما بينها
ثم الأتفاق مع الشريك على الثوابت على أن تحتفظ لنفسها بمساحة للحركة وتكتسب قدرات تساعدها على اتخاذ القرار المستقل.
نحن كأرتريين جرحنا كبير وغائر – وكمسلمين أصابتنا شظايا أخرى وأضرار جانبية لا يحس بها الشريك الآخر. لهذا فان من واجب الحركة الأسلامية الأرترية أن تفتح حوارا وطنيا مسئولا مع الشركاء وتعمل على ايجاد أرضية مشتركة نقف عليها جميعا. كما أن تأثير الغربة والهجرة على النسيج الأجتماعى والثقافى الأرترى أصبح مدمرا وأدى الى اضعاف الذاكرة الجمعية للمجتمع الأرترى. كل ذلك يدعونا الى اعطاء الأولوية لأنقاذ الشعب والوطن وليس للمصالح التنظيمية الضيقة.
اذا وجدت الرسالة الشمولية ( أية رسالة) نفسها فى حالة عدم وفاق أو انسجام مع خصوصية الواقع الذى تبشر فيه فعلى الحركة الحاملة لتلك الرسالة البحث عن آليات ووسائل جديدة وايجاد منافذ للوصول الى عقل المتلقى والتعبير عن همومه اليومية. لا يمكن ولا يجب أن تلجأ الحركة الى نقل تجارب الآخرين نقلا ميكانيكيا – فلكل خصوصيته. السودان مثلا اذا انفصل الجنوب يبقى دولة ( اسلامية) فى محتواها ونسيجها وستكون خصوصيات الواقع ( أثنبة وثقافية وجهوية ). أيران تجربة لا تتكرر كما هى فى بلد آخر بحكم الموروث الفارسى والعقيدة الدينية ( المذهب الجعفرى ). كذلك التجربة التركية بميراثها العثمانى وخصوصيتها ( ألأتاتوركية) وطموحها الأوربى. ذلك التوافق والتكيف مع خصوصية الواقع كان مفتاح النجاح لكثير من ( الرسالات الشمولية ) فى العالم— الشيوعية ما زالت مستمرة فى الصين وبعض دول آسيا فى حين أنها فشلت فى أوربا بسبب اختلاف خصوصية الواقع.
وكما ذكرنا فى الحلقة الثانية فان خطاب الحركة الأسلامية الأرترية قد تطور وأكتسب مضامين وأبعاد
تعكس استيعاب خصوصيات الواقع الأرترى— لنقرأ معا:
( … ستسعى للتوفيق بين المطلوب الشرعى والمقدور الشرعى سالكة فى طريق الأصلاح والتغيير سنة التدرج والأخذ بألأولويات)
( … السعى لتحقيق الحرية والعدل وأعلاء قيم الدين والفضيلة وتكريس مبادىء الشورى …وفق رؤية تنطلق من المنهج الأسلامى مستصحبة الأعراف والقيم الفاضلة للمجتمع.)
( وعن الأنقسام فى الساحة الأرترية تقول الحركة: لم يكن سبب هذا الأنقسام وجود ألأديان والمعتقدات والأعراق – اذ أنها كلها قديمة قدم أرتريا – ولكن عدم ادارة هذا التنوع بحكمة ومسئولية أدى الى نسف التعايش الذى كان موجودا.)
مرة أخرى نسأل : لماذا الأنقسام والتباعد وقد تقاربت المواقف وتماثلت التجارب وتعاظمت المخاطر وأصبحت تهدد الشعب والوطن بأسره؟ ألا يمكن أن نجد ما يجمع – وهو كثير— ويتم تأجيل ما يفرق وهو قليل؟
لقد كانت الحركة الأسلامية حتى الآن تتحاور ضمن ( دائرتها) الأجتماعية والثقافية – لذا فان الخلافات تبرز وتتضخم وتأخذ أبعادا أخطر من حجمها الحقيقى – عليها أن تخرج الى خارج الدائرة وتواجه الآخر
بمفاهيمه وثقافته وتكوينه العقلى – عندها ستجد ما يجمعها من جهة وأيضا ما تلتقى حوله مع الشريك الآخر
فى الشأن الوطنى العام الذى أصبح عقبة أمام كل الحركة الوطنية وليس الأسلامية فحسب.
ان الحركات التى تنحاز الى الخيارات التاريخية تحمل فى داخلها مخاطرا حقيقية يمكن أن تسبب لها انتكاسات بل ونهاية اذا لم تحسن التعامل معها خاصة اذا جاء عامل اضافى خارجى:
تجربة الثورة الأرترية – حركة التحرير ( ضبابية فى الرؤية وضعف فى القيادة) – جاء العامل الخارجى
( جبهة التحرير ) وكانت النهاية –
جبهة التحرير ( تناحر داخلى وضعف ادارى) – جاء العامل الخارجى –الشعبية – وكان الخروج الكبير.
الحركة الأسلامية ( انقسام وتناحر) – جاء العامل الخارجى – الأنقاذ – فكان التراجع والأنكماش.
هناك قوى اسلامية أرترية – بعضها مؤطر مثل الحزب الوطنى الأرترى ( حوار) وبعضها يعمل كمجموعات وأفراد — لماذا لا تتحاور معهم الحركة الأسلامية؟ لماذا لا تتحاور مع التنظيمات ( القومية)
وتحاول ايجاد صيغة جاذبة تجنبهم الوقوع فى شراك التعصب القومى والمطالبة بالأنفصال؟ يل لماذا لا تبحث الحركة الأسلامية عن صيغة جامعة لها وقد كثرت المخاطر على الجميع وأصبح انقاذ الوطن والشعب يأخذ أولوية على المصلحة التنظيمية؟ الحركة الأسلامية واحدة فى أهدافها ومقاصدها وان كانت غير موحدة فى رموزها وأدواتها – واحدة فى مواقفها العامة وان كانت مختلفة فى مواقعها – لا بد من الرجوع الى شمولية الرسالة ففيها المعين والزاد لأكتساب الشحنة الروحية التى تساعد على خوض الجهاد الأكبر ( جهاد النفس) واعطاء الأولوية للمستقبل على الحاضر والوصول الى صيغة تحقق التكامل والتوافق بين خصوصية الواقع وشمولية الرسالة – ذلك هو التحدى الكبير !
كان الله فى عون الشعب الأرترى .
توضيح وتعليق تلقيت العديد من الرسائل والأتصالات وقرأت بعض التعليقات حول ما كتبت-
بداية أشكر الذين غمرونى بكلمات الثناء والتشجيع وهذا ما يجعلنى أواصل رسالة تمليك الأجيال الجديدة الحقائق – ثانيا أنا لم ادعى أننى أملك الحقيقة – هى تجربة وقراءة للأحداث – تحتمل الصواب والخطأ – ثالثا عن التوثيق : هل المطلوب صورة تشرح المشهد أم تسجيل صوتى يحكى ما حدث أم وثيقة موقعة من أصحاب القرار والتنفيذ؟ كل ذلك مطلوب اذا توفر – ولكننى أسرد ما عايشته اما مباشرة أو نقلا عن مصادر أثق فى مصداقيتها وحياديتها. كمثال – بعض الأخوة رأى فى قصة الضابط السورى
( عبد الحق شحاته ) تقليلا من قدرة الحركة الأسلامية على تنظيم نفسها !؟ كلا – لقد ذهبت أيها الأخ بعيدا فى استنتاجك – الرجل كان صديقا للثورة الأرترية وهو الذى قدم جبهة التحرير الأرترية الى سوريا بعد وصول حزب البعث العربى الأشتراكى الى السلطة بحكم العلاقة الشخصية التى كانت تربطه مع الفريق
( أمين الحافظ ) رئيس سوريا فى ذلك الوقت. ومن يومها أصبحت سوريا قلعة لدعم الثورة الأرترية –
كان عبد الحق يتصل ويحاور الجميع وأنا منهم – قابلته فى القاهرة – ويقول رأيه كمراقب وصديق –
أما عن الواقعة وصحتها – أسأل الأحياء …
موضوع آخر – السودان … آه …يا حسرتى على هذا البلد ويا خوفى عليه من قادم الأيام …
كثرت عليه السهام والطعنات من شرق وغرب – من شمال ومن جنوب – هل هو قدر مكتوب أم أخطاء قيادة فقدت البصر والبصيرة؟ ماذا نريد منه؟ نريد له كل خير واستقرار وتقدم — منذ أيام جاء الى صديق وقال: ما هذا لماذا تهاجم السودان – لقد رأيت ( يوتيوب فيه كلمة ألقيتها فى مؤتمر برايتون ) تهاجم فيها السودان؟ قلت أعرف والآن سأكتب ما سمعت فى حلقات بالحقائق والشواهد حتى يتعلم الذين يبحثون عن ذرائع للتهجم والتشهير أننى لا أقبل من أى أرترى أن يزايد على فى حب السودان وعلاقة الشعبين.
قال الصديق – لا أفهم هل تحب السودان أم لا؟ قلت : السودان ليس لوحة ننظر اليها ونحبها أو لا نحبها –
السودان تاريخ ومواقف وعلاقات وحراك وأمجاد – بالمقابل هناك سودان الأنظمة والقوانين والسجون والمشانق … قال الصديق برضه لا أ فهم – أنت منو وعايز شنو؟ هات من الآخر – قلت اسمع :
أحب سودان المهدى وعثمان دقنة وعلى عبد اللطيف
ما أحب سودان الوالى البيحتفل بهدية مخبز رغيف
= = =
أحب سودان أزهرى وسر الختم والمحجوب
ما أحب سودان العسكر وأنفصال الجنوب
= = =
أحب سودان المدحة والذكر والأستغفا ر
ما أحب سودان الجشع وسماسرة الدولار
= = =
أحب أسمع دعوات الشيخ البرعى والصالحين ليل وصباح
ما أحب أسمع أصوات الناس المعذبين فى بيوت الأشباح
= = =
أحب شريعة عمر الفاروق وعمر بن عبد العزيز
ما أحب كرامة زول مهدورة بأسم الدين والتمييز
= = =
أحب أقرأ ” دومة ود حامد” وشعر الحرد لو بالعامية
ما أحب دكتاتور كان لبس ” شدة” أو عمة وجلابية
وبرضه تقولى أنا منو و عايز شنو ؟!
اللقاء القادم: أرتريا والسودان : تحالف نظامين أم تعايش شعبين؟
كل عام وأنتم بخير وسنة جديدة واعدة بكل ما نحمل من أمانى للوطن العزيز …..
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10157
أحدث النعليقات