الأحزاب القومية والقبلية إفراز مرضي خطير
بقلم: محمد الحسن
يقول المثل العربي “كل إناء ينضح بما فيه” ، وعليه فإن كان الإناء سليما خرجت منه مادة سليمة ونافعة ، وإن كان الإناء معطوبا خرجت منه مادة مكدرة ومؤذية. والإناء الأرتري اليوم إناء مصاب بعلل فاتكة. فالأجواء السياسية ، والإجتماعية ، والحقوقية ، والإقتصادية ، والأخلاقية في تراجع وتأزم مستمر. وهذه الأجواء المتأزمة أفرزت إفرازات غير طبيعية ، وغريبة على الساحة الأرترية. ومن هذه الإفرازات الأحزاب القبلية والقومية. فهناك حزب الجبرتة (حزب النهضة) وهناك أحزاب البلين ، والساهو ، والعفر ، والكوناما وغيرها. وظاهرة الأحزاب القبلية ليست جديدة على الساحة الأرترية. فبعض الأحزاب السياسية –قديما وحديثا-، وإن لم تعلن نفسها كحزب قبلي ، إلا أنها في واقع الأمر كانت تكتلا قبليا تتحكم فيه مجموعة قبلية معينة. ورغم هذا فإن ما نلحظه اليوم من الظهور العلني المتتابع لهذه الأحزاب ظاهرة جديدة وخطيرة.
من تمثل هذه الأحزاب؟
هذه الأحزاب تعاني من أزمة الشرعية. وحالها كما قال الشعر قديما:
وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
فهذه أحزاب قامت بمبادرات من أفراد ينتمون إلى هذه القوميات ، وهم قد نصبوا أنفسهم وكلاء عنها ، وهي لا تعرفهم ، ولا تعترف بهم ، بل وتستهجن مسلكهم. وكثير من أبناء هذه القوميات لا يعرفون عن هذه الأحزاب التي تدعي تمثيلهم شيئا. فالمتحثون باسم هذه الأحزاب ، وإن أصدروا البيانات ، ونشروها في المواقع ، وادعوا القيام بجولات أوروبية ، وعقد مؤتمرات وندوات ، فهم في حقيقة الأمر لا يمثلون إلا ذواتهم ، ولا ينبغي أن يسلم لهم بأنهم يمثلون هذه القوميات بأي حال من الأحوال.
محاذير ومخاطر:
وعلى فرض أن هذه أحزاب شرعية ، فإن وجودها تنشأ منه محاذير كثيرة ، منها:
توسيع دائرة الإنشطارات : هذه الأحزاب ستؤجج الإحتقانات الداخلية في قبائلها ، وتفتح باب الانشطارات والتحزبات على نفسها –وهذه ديدنة أرترية-. فحزب الساهو سيخرج منه فصيل أخر للأساورتة ، وحزب العفر سيخرج منه فصيل للعدو مرا وهلم جرا. وهكذا يصبح لكل قومية أحزاب تدعي تمثيلها ، وتتصارع فيما بينها.
تكريس المشروع الكبساوي التسلطي : فكرة القوميات هي من نتاج منظري الجبهة الشعبية. وهي فكرة تقطع الكيانات الأرترية تقطيعا يضمن للكيان التيجريني الهيمنة والتحكم. والترويج لهذه الأحزاب القومية إنما يصب في صالح مشروع إسياس وزمرته الطائفي ويمد في عمره.
تشتيت الصف المسلم وشغله بمعارك وهمية: هذه القوميات أغلبها مسلمة ، والمسيحيون في الأغلب هم من قومية التيجرينية. وبحكم أن أغلبها مسلمة فستزيد الصف المسلم خبالا ، وتؤجج فيه الحساسيات القبلية ، وتقضي على الإجماع الوطني والإسلامي الذي تحقق في مؤتمر كرن الأول ، والكفاح الطويل من أجل الحرية والمساوات. إن ظهور هذه الأحزاب مصدر كدر للصف المسلم ، ومصدر فرحة لكل من يكن الشر للمسلمين.
تعكير العمل الوطني وتفتيته: لقد انتصر الأرتريون في معركة التحرير الأولى حين عملوا سويا صفا إلى صف من أجل طرد العدو المعتصب. والآن في معركة التحرير الثانية لإقامة مجتمع العدل والمساواة ، فإننا في غنى عن مزيد من التفكك. وهذه الأحزاب مهما كانت مبرراتها ستكون شوكة في جنب العمل الوطني المتحد ، وعبئا يطيل أمد معانات الشعب الأرتري بكل طوائفه. وقد –لا سمح الله- تؤدي إلى صوملة أرتريا وزيادة المعانات.
تشويه التاريخ وتقزيم الشخصيات :تقوم هذه الأحزاب ومن يدور حولها ، في سعيها لصنع أمجاد قومية ، بالمبالغة في إسهامات قوميتها وتجاهل إسهامات القوميات الأخرى. وتقوم كذلك بتقزيم الشخصيات الوطنية الكبيرة. فعبد القادر كبيرى ، مثلا ، أب للجميع ، تفتخر به كل القوميات ، وهو إنما حاز على هذه المرتبة لأنه حمل هم أمته ، ولو كان يعيش هم الجبرتة وحدهم لما كانت له هذه المرتبة. فمن الحيف على هذا الرجل العظيم أن يأتي حزب الجبرتة فيجعله علما على مشروعه القبلي المحدود. وهكذا إبراهيم سلطان ، وعواتى ، وأكيتوا وغيرهم هم مفخرة للجميع ولا ينبغي الإستحوذ عليهم ، ولا التلاعب بتاريخهم المجيد.
ملا حظات :
– لاشك أن هذه القوميات تعاني من ظلم وتسلط إسياس ، لكنه ظلم عم الجميع ، ولا يكاد يخلوا منه بيت ، والحل هو أن يعمل الكل من أجل حل أرتري ، وليس حل قومي وقبلي محدود.
– لا مانع أن يكون لهذه القوميات جمعيات ثقافية ، تهتم بالثراث والأدب ، وتعرف القوميات الأخرى بثقافتها ، دون تبني عمل سياسي منفصل عن العمل الوطني.
– ينبغي على الأحزاب الوطنية أن تكون على قدر المسؤولية ؛ فضعفها أحد أسباب ظهور هذه الأحزاب ، وعليها أن تفسح المجال للكل ، وتحرص على تبني مظالم الشعب بكل طوائفه وكياناته.
– على الأحزاب الوطنية أيضا مسؤولية أخرى ، وهو عد التعامل مع هذه الأحزاب على أنها تمثل هذه القوميات ، فهذا خطأ فادح ، هذه مجموعات تمثل الأفراد القائمين عليها فقط ولا تمثل القوميات. والغريب في الأمر أن أثيوبيا –لسبب ما- تفسح المجال لهذه الأحزاب وتغذيها ، وعلى الأحزاب الوطنية ألا تنجر وراء ذلك.
– على أبناء هذا القوميات أن يرفعوا صوتهم عاليا ويقولوا لهؤلاء : أنتم لا تمثلوننا ، ولا نعرفكم ونحن جزء من كياننا الإسلامي والوطني ، ولا حاجة لنا فيكم. وعلى المواقع أيضا التحري بالمسؤولية ، فلا تعطي لهؤلاء مساحة يظهرون من خلالها كأنهم يمثلون شيئا ، وهم لاشئ.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10233
أحدث النعليقات