من هم حزب النهضة الارتري؟
أبو عبدالرحمن الجبرتي
إلى جرماي كداني ودي فليبو مع التحية
إنني وعندما اطلعت على مقالته والتي نشرت على موقع تجوربا تحت عنوان من هم حزب النهضة الارتري باللغة التجرينية والتي تناول فيها تعريفا بحزب النهضة الارتري وذلك للإجابة على السؤال الذي آثاره بعلامة استفهام من هم حزب النهضة الارتري ، لقد عرفت أن الأستاذ ودي فليبوا يتمتع بسعة الاطلاع على التاريخ الحديث ومواكب لكافة التطورات على الساحة الارترية وقد اتضح ذلك خلال تناوله لقضية (قومية الجبرته في ارتريا) فالأستاذ لم يدخل إلى الموضوع ليقول هل الجبرته قومية أولا إنما تناول تاريخ الجبرته المشرف حيال قضية وطنهم ارتريا مؤكدا خلاله الأدوار التي لعبها قادة الجبرته وعظمائهم ومدى التصاق الجبرته بالأرض ووطن يعرف بإرتريا وتجذرهم في مناطق المرتفعات حماسين واكلوقزاي وسراي وفي هذا الإطار تطرق وفي لمحة خاطفة إلى التعايش الأخوي الحميم بين الجبرته والمسيحيين ممن يتحدثون باللغة التجرينية وهم يشاركونهم في الأرض حيث يعيشون عليها معا ولقرون و لم توجد الحساسيات فيما بينهم ولم يكن الدين في لحظة تاريخية سببا في نشوء النزاعات والتفرقة.
ثم دخل الأستاذ جرماي فيما يعتبر بدء الشرارة لما نحن فيه الآن من النزاعات والتعصب وبالذات بين أهل المرتفعات من انعدام الثقة والتجاهل الى درجة محاولة الانتهاء من وجود الآخر ثقافة وتاريخا كما هو حاصل مع الجبرته
يقول الاستا ذ ودي فليبوا أن القضية تبدأ من حوار بيت جرجس عندما نحى الجبرته في الاتجاه الوطني فيما كان النزاع يدور حول تحديد مصير ارتريا بعد رحيل الانجليز فكا الجبرته في الاتجاه الذي ينادي ارتريا للارتريين أي لا بديل للاستقلال وكان من قادتهم آنذاك
الشهيد الشيخ عبد القادر كبيري الذي تم اغتياله بينما كان يتأهب للذهاب إلى الأمم المتحدة وإقامة الحجج على أهلية ارتريا لتكون دولة مستقلة .
ويوضح الأستاذ ودي فليبو أن الغالبية من الجانب الآخر ممن يتحدثون التجرينية من المسيحيين اخذوا الاتجاه الآخر بحيث تصبح ارتريا جزء من إثيوبيا وذلك لمخاوف واعتبارات دينية يدعون بان الحبشة محاطة ببلدان إسلامية السودان جيبوتي الصومال وبالتالي اخذ طابع العداء يطفو على السطح وتبعه شن حربا كلامية وتشويها وحتى عمل التصفية الجسدية وإحراق البيوت وبذلك بدء تاريخ جديد في حياة أهل المرتفعات تعمقت فيه الشقة بين الطرفين.
كما أكد الأستاذ فليبوا وفي مناقشة هادئة وعقلانية بعيدا عن التعصب المقيت الذي يتعمد إخفاء الحقائق خوفا أو طمعا إنما كعادته تناول الموضوع بكل ارتياح منطلقا من الهم الوطني واعتقادا منه بإن التعرض للقضايا الوطنية بشفافية أفضل من التعامي ثم التباكي على المصائر فيما بعد وهي نتيجة للتجاهل والتغاضي ، فقد أكد قائلا بان كل ما كان يقال بان الجبرته قدموا من التجراي وليسو أصليين في ارتريا هي جزء من الحملة العدائية العدوانية هدفها تشويه التاريخ وانطلقت من القاعدة اكذب واستمر فيه حتى يصدق الناس.
ويتحدى ودي فليبوا ومنطلقا من الحقائق التاريخية يدحض فيها تلك الافتراءات ويعيد للتاريخ الارتري رونقه وبريقه بان الجبرته هم دائما في المقدمة في الحراك السياسي من اجل ارتريا المستقلة وحتى فترة الكفاح المسلح ومرورا بحركة تحرير ارتريا (محبر شوعت) حيث أكد الأستاذ فليبوا بان الغالبية التي كانت وراء هذه الحركة هم من الجبرته .
وقد استعرض عددا من الشهداء الذي وهبوا أرواحهم من اجل ارتريا وعلى رأسهم الشهيد عبد القادر كبيري والشهيد سعيد بشير الذي قتل شنقا حتى آخرهم الشهيد د طه محمد نور من مؤسسي الكفاح المسلح .
ثم يتساءل الأستاذ فليبوا لماذا استهداف الجبرته من النظام ولماذا الآخرون ينظرون باستهجان عندما يتحدث الجبرته عن قوميتهم ومطالبتهم بحقوقهم بل البعض لا يقف عند هذا الحد بل يسعى في محاولة إسكاتهم والتقليل من شان مطالبهم .
ويرد عليهم قائلا بان الحركة السياسية والمتمثلة في حزب النهضة الارتري والتي تقف الآن ضد نظام هقدف ومن اجل استقرار ارتريا وبناء دعائم التعايش السلمي بين كل المكونات على أساس أن يتمتع كل ارتري بحقه في السلطة والثروة هي امتداد للأجداد والآباء وهم معروفون بوطنيتهم ويضعون الوطن في حدقة عيونهم
ثم يتساءل أيضا في ذات السياق ماذا عن الرشايدة الذين يعتبرون الآن القومية التاسعة فمن أي ارض هم وما الذي يؤهلهم ليكونوا قومية وماذا قدموا لقضية ارتريا وما هي القوانين التي أمنت لهم هويتهم في ارتريا ولماذا لا اجد احد من الارتريين أو التنظيمات ممن ينشدون الحق يثير هذا الموضوع فالرشايدة ليسوا أصليين في ارتريا ولا لهم استقرار ولا موطن ويقول الأستاذ ودي فليبو وفي تعجب وسخرية كيف لمن يناقش في قومية الجبرته لا يتلفت لحقيقة الرشايدة أليس الجبرته بتاريخهم العريق وتضحياتهم الجسيمة تجاه وطنهم أجدر ليكون لهم قوميتهم ثم بأي حق يطرح موضوع قومية الجبرته للمزايدات إلا انطلاقا من العنصرية البغيضة والأنانية المقيتة وثقافة الهيمنة وهي التي أوردتنا المهالك ووصلنا إلى ما وصلنا إليه .
وقد تحدث عن حزب النهضة الارتري أو الجبرته بأنهم امتداد لنضال الجبرته من اجل الوطن وهم الآن يناضلون من اجل إزالة الديكتاتورية في ذات الوقت يؤكدون حضور قوميتهم ويذهب بعيدا ليقول بان هذا الحراك هو سونامي ليس بإمكان احد إيقافه أو إسكاته أو الحد من حركته .
كما تعرض الأستاذ ودي فليبوا إلى ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي الذي عقد بأديس ويشير فيه إلى تواجد حزب النهضة الارتري بقوة وطرحهم لقضية قومية الجبرته ويقول الأستاذ ودي فليبوا بأنه كان هناك من القيادات السياسية ويصفهم من ذوي الرؤية الضيقة كانوا يتذمرون تماما لطرح هذه القضية بينما الأستاذ ودي فليبو يؤكد بأنه بالرغم من ملاحظاته العديدة حول الملتقى إلا أن ما يمكن جعله ملتقى حوار هو طرح قضية الجبرته والقوميات الأخرى.
ويعقب على الموضوع قائلا بأنه كان من المفترض في مثل هذا اللقاء الوطني أن تطرح كل قضايانا الوطنية ونتعرض لكل مشاكلنا ونعيرها اهتماما في سبيل إعادة اللحمة الوطنية الارترية التي فككها النظام بطرق مختلفة وذلك من اجل بقاءه بينما نحن ننشغل بقضايا لا نملك فيها شيئا بحيث لا نستطيع أن نمنع أو نمنح فكلنا نفقد الأهلية في ذلك لأننا في العراء وفي منعطف آخر يقول الأستاذ ودي فليبوا بان من راءهم في الملتقى كانوا يعيشون وهم السلطة والتهافت على المناصب الوهمية .
إن الأستاذ ودي فليبوا وهو يتحدث عن حزب النهضة الارتري وقضية الجبرته إنما يحاول وككاتب أن يلفت انتباه القارئ بحيث يمكنه من النظر في هذه القضية بطريقة مختلفة تستند على الحقائق وليس على أوهام تفتقر إلى المصداقية والرؤية الصائبة ويترك للقاري المساحة التي تجعله يفكر ويناقش المسالة بروية ليصل إلى الموقف السليم الذي يستقيم مع قضايا الوطن والمواطنة الحقة .
فالأستاذ ودي فليبوا لم يحاول أن يسقط وجهة نظره على القارئ بل اختار أن يجعل القارئ يثير هذه الأسئلة وغيرها ليصل إلى قناعة ذاتية تترسخ ولا تكون مجرد املاءات تتغير بين وقت وآخر.
وقد أعجبت بطريقته هذه لأننا نحن الارتريين في غالبيتنا تكمن مشكلتنا في طريقة تفكيرنا لأنها تبعية وليست مستقلة وهي في الغالب تستند إلى أقوال وليست إلى حقائق فعندما يكون التفكير عقلاني من خلال إثارة الأسئلة والإجابة عليها بالمنطق بعيدا عن العاطفة وفي حيادية تامة وفي منأي عن حسابات ربحية أو عن عمى العصبية التي تحجب الرؤية عن الحقائق بالتأكيد هذه الطريقة من التعاطي في أي مسالة تفضي إلى الوصول لنتائج سليمة مقبولة
إن الأستاذ ودي فليبوا يعد من القلائل من الكتاب الذين لا يسعون إلى تكريس الواقع بل يبحثون في الآفاق عن حل لجذور المشاكل الارترية وهو لا تلفه العقد التي حبست العديد من الأقلام من قول الحقيقة وهي بادية كالشمس لا تخطئها العين .
فالأستاذ بالرغم من انه ينتمي إلى المتحدثين من التجرينية والبعض منهم يسعى إلى فرض الهيمنة ولكنه وبكتابته هذه قد عبر عن حقيقة توجهه الوطني الأصيل ونظرته إلى القضايا الكلية دون عوالق الأنا للوصول إلى التعايش في ارتريا المستقبل على أساس التعايش على بساط الرضا والأخوة حيث لا ظالم ولا مظلوم لا سيد ولا عبيد لا مهيمن ولا مهمش فارتريا تسع الجميع بأرضها وخيراتها متى صارت عقول وقلوب الارتريين سليمة في توجهها ومقصدها .
يشكر للأستاذ ودي فليبو تعرضه لهذه المسالة وأسلوب عرضه الشيق المبني على براهين جعلت الكثير يعيدون النظر في قناعاتهم التي بنيت على غير حقائق ، وكتاتبه هذه دليل على شجاعته المعهودة في طرح رؤاه دون خوف أو تملق حيث يرى مصلحة ارتريا والارتريين فوق كل اعتبار وبهذه المناسبة فإنني أدعو كل كتاب ارتريا أن يحذوا هذا الاتجاه في الكتابة حيث يتم تسخير الأقلام لبعث روح الوحدة والقبول بالآخر وبناء وعي وثقافة جديدة تتناول القضايا الوطنية بتجرد بحيث لا يجافي الواقع ولا يتعارض مع التاريخ ويتقدم بشعبنا للأمام في بناء مستقبل مشرق .
أبو عبدالرحمن الجبرتي
22/1/2011م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=10459
أحدث النعليقات