هزيمة العسكرية بوسائل غير عسكرية (في تعميق مفهوم الخيار الثالث) 1/2

صلاح أبوراي

سُدّت شهية القراء من كثرة الكتابة عن موضوع الثورات الشعبية في المنطقة، فكلما تناولت قلمي للكتابة اجد احدهم تناول بعضا مما اردت قوله فاتراجع بالرغم من دسامة الموضوع واهميته القصوى بالنسبة لنا ولنضالاتنا لا سيما في تعميق ثقافة النضال غير العنيف ووسائل الثورات السلمية المراد ترجيحها في تغيير الواقع في بلادنا اي (الخيار الثالث الذي ينتصف بين الاستسلام للنظم الديكتاتورية وبين ممارسة العنف العسكري)… فالثورة في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين والعراق والجزائر وجيبوتي ..الخ. وخاصة في مصر وحجم التأثير الذي احدثته على مستوى العالم وإلهاماتها ليس لمن في المنطقة (ليبيا واليمن والجزائر ..الخ) فحسب بل لكافة الشعوب التي تعاني من النظم الاستبدادية. فالثورة المصرية وضعتنا في المشهد حيث تغمسنا  ادواراً كمناضلين نسعى الى التغيير والخلاص من الاستبداد بانجع الوسائل وبأقل الاثمان وبأسرع الاوقات “النضال غير العنيف أو الثورة السلمية” وكذلك وجد الديكتاتور المستبد نفسه في المشهد كيف يتمرق انفه وانوف نظرائه في التراب وتُنتهك كرامة وعزة عائلته واقرباؤه، فالمشهد وخاصة المصري منه مثل الصراع في اوضح صوره بين الحق والباطل ووفر لنا الكثير من المجهود فيما يراد فعله في التحول نحو العدالة والديمقراطية في ارتريا.

السؤال الذي يهمنا ويأتي في توقيته الصحيح لتزامنه مع الاحداث هو: ماذا فعلت الثورة المصرية والتونسية أو تفعل الثورة اليمينة والليبية؟

في واقع الأمر الذي فعلته الثورة التونسية والمصرية وتفعله اليمنية وما يلحقهم من ثورات فيما بعد هو تفكيك قوى عسكرية عبر وسائل غير عسكرية والتحول الى الدولة المدنية. أو تجريد النظام من القوة التي يستمد منها مشروعية لحكم شعبه. ودولة العدالة والديمقراطية تشترط ازالة اي قوة عسكرية لا تخضع لسيادة الشعب. إذن المشكلة ليست في حسني مبارك أو زين العابدين بن علي أو معمر القذافي أو علي عبدالله صالح أو أسياس افورقي لكن المشكلة تكمن في وجود قوة عسكرية ولاءها للفرد أو لحزب أو لمجموعة معينة ومتى ما زالت أو خضعت تلك القوة الأمنية لارادة الشعب أو تم تحييدها من نفوذ الفرد (الديكتاتور) نكون قد بدأنا في الشروع لاحالة نفوذ تلك القوة الى الشعب عبر مجالس تشريعية أو تنفيذية أو قضائية وهي المقدمات لتوفير مناخات الديمقراطية.

إن معوقات تطبيق الديمقراطية هي وجود قوة (عسكرية) تخضع للفرد أو للحزب ولا تخضع لإرادة الشعب والدولة الديمقراطية والمدنية تتطلب عدم وجود اي نفوذ الا للشعب. كما ان الخلاص من الديكتاتورية يعني بالضرورة ازالة هذه القوة وتفكيكها وبوسائل غير عسكرية لأن الشرط كما ذكرنا هو تحييد العسكر من اي نفوذ فردي أو حزبي أو قومي أو ديني وإحالة ولائه للشعب. إن استخدام العسكرية من أجل ازالة عسكرية “ديكتاتورية” انما يعتبر ازالة ديكتاتورية لخلق ديكتاتورية اخرى. وان العسكر الذين ازالوا النفوذ العسكري من النظام هم انفسهم سيصبحون مشكلة قادمة حيث لا تتحول العسكرية الى مدنية أو تتفتت العسكرية الى ديمقراطية وعليه ازالة العسكرية بوسيلة غير عسكرية هي ضمانة اكيدة للدولة الديمقراطية كما هو الحال في تونس ومصر.

علينا ان ندرك دائما ماذا نريد ومن أجل ماذا نناضل وكيف يتم تحقيقه.

إن وجود قوة عسكرية تخضع لفرد ما أو لتنظيم ما أو لحزب ما أو لقومية ما أو لديانة ما في الدولة وتزعم بأنها سوف تقيم نظاماً ديمقراطيا فإن الأمر ليس مشكوك فيه وفقط بل يضرب لنا موعداً مع ديكتاتورية واستبداد جديد. 

ووجود سلطات اخرى غير السلطة التي يقننها الشعب أو اي سلطة تنشأ خارج ارادة الشعب أو لا يعتبر الشعب مرجعيتها فهي تعبر عن قوة عديمة المرجعية الشعبية وهي الحالة التي تتصف به النظم الديكتاتورية. حيث ان الديكتاتورية تعني امتلاك قوة وسلطة خارج ارادة الشعب سواء كانت تلك السلطات حزب معين أو جهاز أمن أو قوة عسكرية أو أي منظومة أمنية أو عسكرية لا تستمتد سلطاتها من الانظمة التي شرعها الشعب. عليه ، من السهل بمكان ملاحظة ان الدولة الديمقراطية والدولة المدنية لا تتأسس من خلال القوة بل تسعى الى التخلص من مراكز القوة في البلد سواء كان جهاز أمن أو حزب أو أي افراد أو اي هيكل يمارس القوة خارج ارادة الشعب…

إن الثورات التي تشهدها المنطقة والتي سوف تشهدها المنطقة تعزز بلا شك وتعمق ثقافة مفهوم النضال غير العنيف أو الثورة السلمية التي نراهن عليها للتغيير الديمقراطي في ارتريا ونسعى الى تكريس مفاهيمها عند النخبة، ان التجربتين التونسية والمصرية وفرتا لنا جهداً كبيرا في توضيح ما نسعى اليه مع تحفظي الشديد على التجربة الليبية  “ففي التجربة الليبية اقحم الجيش نفسه لحماية المواطنين وانقسم فيها على نفسه بين قوة مؤيدة وآخرى معارضة مما تنذر بخطورة الأمر  اذا ما تصاعدت الحالة وقد تنزلق الى حرب أهلية وتحيد عن مفهوم النضال غير العنيف الأمر الذي يحول دون التحول الى الديمقراطي وتحمل التحول العسكري اذا لم يتضاعف المجهود القاضي الى عدم اجهاض الثورة أو فشلها في تحقيق الديمقراطية..وسوف نتابع عما تؤول اليه الثورة الامور في الايام القليلة القادمة”.

 

في الحلقة القادمة سوف اتناول باذن الله امكانية حدوث ثورة سلمية في ارتريا وآفاق نجاحاتها.

 

 

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11451

نشرت بواسطة في مارس 3 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010