المفوضية الوطنية الارترية للتغيير الديمقراطي إختبار للإرادة (3ـ3)
لقد تعرضت في الحلقتين السابقتين عن أن المفوضية الوطنية الارترية تأتي في سلسلة محاولات التعبير الحر عن الرغبة في التغيير وإسماع كلمة لا للمستبد اسياس وعصابته الذين نصبوا من أنفسهم أنهم أوصياء على الشعب الارتري وأنهم من يفكر ليس غيرهم ، هم الوطنيون وليس غيرهم حيث أنهم يرمون لكل مخالف لهم ولتوجهاتهم مختلف الأوصاف والتهم إن كانت لا تصل إليه يدهم أما من كان تحت يدهم فمصيرهم معروف إما السجن أو التعذيب حتى الموت.
وقد تعرضت في الحلقتين الماضيتين لبعض المحاولات التي تمت فيها التعبير عن المطالبة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وقد كانت من داخل النظام نفسه ومن قطاعاته الهامة كقوات الدفاع الارترية والمعوقين وأساتذة الجامعة وطلابها المتمثلة في جامعة اسمرا كذلك ما أقدم به النظام كرد فعل متعسف على إغلاق وإيقاف صدور الصحف المستقلة لأنه لم يقوى على تحمل ما كانت تنشره من حقائق.
ودعونا الآن نتطرق إلى موضوع في غاية الأهمية من حيث آثاره المدمرة التي طالت الارتريين وهي نتاج للتعسف والاستبداد بالرأي الذي تميز به اسياس افورقي .
كلنا يدرك ويعي ونظل نستصحب معنا معركة الحدود مع إثيوبيا التي دخل فيها اسياس لأجندته الخاصة حيث طموحات العظمة والتي رأي انه لن يحصل عليها إلا من خلال استعراض العضلات ولكن على حساب من؟ بل ومن الذي يدفع ثمن الفاتورة إنه شعبنا المسكين المغلوب على أمره .
ومعروف في كل الدول التي تحترم شعبها وتعمل على صيانة كرامته وتؤمن بقدسية حياته وحرمة دمه هذه الدول التي تحترم شعبها جعلت من قرار اتخاذ الدخول في الحرب مع أي كان قرار لا بد أن يكون للشعب وذلك عبر برلمانه أو في استفتاء شعبي رسمي لأن الشعب هو المعني أولا وأخيرا وليس الحاكم حيث أن الشعب هو الذي عليه أن يقتنع بضرورة الحرب ويستعد لدفع الثمن من حياة أبنائه وممتلكاته عن رضا وطواعية .
لكن وبما أننا نعيش في ظل نظام مستبد وعلى رأسه رجل مريض بجنون العظمة لا يرى في من حوله إلا أنهم كالقطيع من البهائم لا عقل لهم ولا رأي بل عليهم فقط مسايرته والجري وراءه من خلال تنفيذ أوامره مهما كانت بدون إبداء أية اعتراض .
فالمشكلة التي كانت المطية لركوب موج الحرب وإشعالها بالرغم من خروج الشعبين من فترة حرب طويلة كان من الممكن بالروية والتعقل تجنيب هذه الحرب ومخاطرها على الشعبين ولكن روح الاستبداد التي تطبع عليها اسياس منذ أن كان في الميدان وقيادته للثورة حيث كان متفرد بكل القرارات واستمر كذلك حتى بعد الاستقلال فقد مضى على ذات النهج حيث لا يرى ضرورة المشورة والرجوع إلى من حوله من اجل اتخاذ القرار الصائب .
حتى بعد أن نشبت الحرب وكانت لا تزال في بدايتها فقد تدخل الوسطاء من اجل إيقاف حمام الدم حيث دعوا إلى استخدام العقل بدلا من لغة القوة وطالبوا بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب وتحويل ملف الحدود إلى محكمة العدل الدولية حتى يتم إحقاق الحق بالطرق القانونية المعمول بها في حلحلة مثل هذه النزاعات، وكما نعلم كانت أولى المحاولات من حسن جوليد الرئيس الجيبوتي الأسبق ثم تلتها الوساطة الأمريكية الراوندية ثم زيارة أنتوني ليك مستشارة الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون ثم الاتحاد الأفريقي بوفد يقوده موغابي.
ولكن تلك المحاولات التي سعت لإعادة عقل اسياس إلى رشده ونقل الرأي العام الدولي إليه بدعوته إلى حقن الدم وعدم الوقوع في مخاطر لا يحمد عقباها كل هذه المساعي لم تجد من لدن اسياس إلا الأذن الأصم والعناد المكابر دون احترام لتلك الجهود التي لم تكن تصبو سوى إلى مصلحة الشعب الذي سيدفع الثمن ولكن اسياس تمسك بموفقه وصار مادة إعلامية للمحطات الإعلامية واخذ شهرة في تلك المأساة .
وكانت نتيجة الحرب المدمرة ضحايا بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى وانهيار الاقتصاد والتشرد والنزوح لمئات الآلاف من المواطنين وبالرغم من كل ما دفع فلم يتحقق ما كان يتبجح به اسياس إنما عادت الأمور إلى محكمة العدل الدولية وبدلا من أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه صدر قرار ضمن اتفاقية الجزائر بان تنسحب القوات الارترية داخل أراضيها بعمق خمسة وعشرون كيلوا بعيدا عن منقطة التماس وتشغل تلك المساحة الخالية قوات حفظ السلام الدولية.
هنا وبعد أن انتهى كل شيء بهذه السيناريو المخزية تنادى العقلاء حوله من وزرائه ومعاونيه إلى عقد اجتماع المجلس الوطني وذلك من اجل مناقشة أسباب الحرب وتطبيق الدستور ولكن اسياس كعادته راوغ رفاقه ولم يستجب لطلبهم لعقد المجلس الوطني وكان ذلك هروبا من تحمل المسئولية تجاه الحرب ولعلمه أيضا بان تطبيق الدستور سوف يعرضه المساءلة ويحد من سلطته المطلقة.
وما كان من اسياس الذي يفكر دوما في أن يظل حرا طليقا يتصرف كيفما يشاء دون حسيب أو رقيب إلا أن زج برفاق دربه المشهود لهم بالنضال السجون لأنه يخشى في حالة استمرارهم على مطالبهم قد يجدون من يساندهم من قوات الدفاع والشعب ورأى التخلص منهم وتحييدهم عن صنع الحياة أفضل وكانت التهم الموجه إليهم الخيانة الوطنية وبدلا من تقديمهم للعدالة والمحاكمة جعلهم يقبعون في السجون حتى تاريخ انتهاء ما كتب الله لهم من الحياة أو يفقدون القدرة على التفكير والتذكر.
تلك المحاولات في التعبير عن وجهة نظر حول ما يجري في بلادنا من الداخل كانت عبارة عن محاولة لإسماع كلمة لا والرفض للمستبد اسياس وتنبيهه إلى أن ليس رأيه هو الوحيد الصائب بل هناك عقولا تفكر في مصير الوطن بقلب كله مليء حب للوطن حتى الوله .
تلك المحاولات من الاحتجاجات كان من المفترض أن تقابل بعقل رئيس شغله الشاغل الوطن وهمه كيف يوفر الحياة الكريمة لمواطنيه بان يعير اهتماما لمطالب الجماهير ويأخذ بكل رأي مستنير أو طرح بناء يؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق مصلحة الوطن .
ولكنه اسياس تمادى في استعلائه عل بني شعبه وعلى رفاقه واثر السماع لصوته فقط ولكن نتيجة تخبطاته ومغامراته الرعناء لم يدفع ثمنها لا من أقربائه أو من أبناء من حوله من المطبلين إنما الشعب المغلوب على أمره هو من دفع الثمن ولا يزال .
إذا كانت ما استعرضناه لبعض الظواهر التي عبرت عن الامتعاض من سياسة النظام في الداخل في المقابل كانت هناك تعبيرات جادة من الجماهير الارترية في الخارج التي لم يسرها أن ترى بلادنا وهي تئن تحت وطأة الفقر والجوع زيادة عليه تسلط رجال الأمن الذين أطلقوا ليدهم العنان .
هذه الجماهير عبرت عن مسيرات أمام برلمانات الدول التي تقيم فيها وتصدت في العديد منها للحيلولة دون إقامة مهرجانات النظام التي يهدف من ورائها جني المال لا غيره ، هذه التعبيرات كان أصواتا متقطعة بين فترة وأخرى تبعث برسائل إلى اسياس مفادها أننا لسنا معك في ما تفعله ببلادنا والتي جعلتها تتذيل قوائم التخلف في كل المجالات وخاصة مصادرة حقوق الإنسان الدينية والسياسية ومن اشد الدول انتهاكا لها.
ومن تلك المحاولات كانت المحاولة الوحيدة التي استطاعت إيصال نصف الرسالة إليه وهي ملتقى الحوار الوطني للتغيير الديمقراطي التي عقدت في يوليو من العام الماضي 2010م والدليل على انه تلقى الرسالة حيث استدعت الخارجية الارترية حينها سفارة كلا من السودان واليمن للتعبير عن رفض ارتريا لحضور ممثليهما في ذلك الملتقى ، وأيضا تناول الإعلام الارتري الحدث بشكل مباشر وذلك في محاولة للتقليل من شانه ورميه أيضا بالعمالة والارتزاق التي تعودنا سماعهما من النظام .
وهذا دليل واضح بان كلما اجتمع الارتريون على صعيد واحد وهتفوا بصوت عال فان الرسالة ستصل ، وبما أن إرادة التغيير لازالت متقدة وحية في ضمير شعبنا ونحن لن يهدأ لنا بال حتى نرى ارتريا وشعبنا في صورة مغايرة لما نحن عليه الآن وباختصار نريده أن يرفع هامته عاليا من خلال تمتعه بكل حقوقه.
والمؤتمر الوطني الجامع القادم لتكن محطة مفصلية لنتمكن من خلالها إيصال الرسالة كاملة وعندها لن يكون بوسع اسياس وعصابته إلا أن يبحثوا عن مأوى وملاذ لهم خارج البلاد كما سبقهم من هم اعتي منهم قوة وجبروة.
بقلم
أبو عبدالرحمن الجبرتي
9/3/2011م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=11664
أحدث النعليقات