مظلة التحالف الديمقراطي الإرتري بين قيادات شاخت أفكارها وصبر شعب طال أمده
من المسلمات للقاصي والداني بأن النظام في إرتريا قد صار مهيئا للتغيير وهذه لا تحتاج إلى جدال بين كل الإرتريين إلا من المنتفعين أو المحسوبين على النظام.
ولنتساءل وهو سؤال مشروع لماذا نجزم بالقول بأن النظام أو الوضع في إرتريا صار مهيئا لأن يتغير ، والإجابة واضحة تماما وهي أن حلقات الفساد والإستبداد قد اكتملت وبناء على قول الكثير من المحللين السياسيين فإنهما عاملين مهمين ورئيسين في سقوط الأنظمة والحكومات ويضاف عليهما في وضعنا الحالي معاناة شعبنا من الجوع والبطالة وتبؤس الحياة الإجتماعية تبعا لذلك والعزلة الدولية التي يعيشها النظام كنتيجة طبيعية لسياساته التي تنبني على المضي عكس النسق القانوني والتوجه العالمي.
فالاستبداد الذي يمارسه النظام في إرتريا يمكننا للاستدلال على وجوده وطغيانه على الحياة من خلال ذكر بعض النماذج التالية وهي من الوضوح لا يخطئها المواطن البسيط ولا تحتاج إلى براهين للتأكيد على أنها سمات لأوضاعنا الراهنة وهي :-
1. الاستبداد العرقي فالشيء الطاغي والبارز في الوضع الراهن وفي ظل نظام هقدف هو طغيان عنصر التجرينية وسيطرته على الحياة ومجرياتها في شتى المناحي وتبعا لذلك جعل هذا العنصر من نفسه انه فوق الآخرين وله أن يتمتع بكل استحقاقات المواطنة دون التفاته إلى الآخرين من مكونات ارتريا ، فهذا طبعا عند النظر على وجه العموم لكن في داخل هذا العنصر نفسه هناك فواصل وخطوط ودرجات ومراحل مذهبية وجغرافية .
2. اللغة ففي ارتريا وكما ورثناه عن أجدادنا هناك لغتان وطنيتان رسميتان ارتضياهما شعبنا وهناك عدد من اللغات واللهجات المحلية التي يتحدث بها الارتريون ، ومع ذلك فانه بالنظر المجرد على مجريات الحياة فإننا نجد بان اللغة التجرينية هي اللغة الرسمية في تجاهل متعمد لما عداها ، وهي لغة الثقافة ولغة الشارع حيث وجدت هذه اللغة دعما من خلال تطويرها في أوجه الفن والثقافة والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمهرجانات وهي لغة التعليم في المراحل الأساسية في تجاهل متعمد أيضا للغات الأخرى مما اضطر معظم من في ارتريا لإجادة هذه اللغة حيث ضروة العيش ومجاراة الحياة في ارتريا .
3. الوظائف الحكومية العليا والوسطى وحتى الدنيا يشغلها عنصر واحد في ارتريا وهم التجرينية في هضم صريح لحقوق الآخرين في تولي وشغل تلك الوظائف على أساس المواطنة .
4. سيطرة عنصر التجرينية على مراكز اتخاذ القرار في النواحي السياسية أو العسكرية مع تحييد مقصود ومدروس لباقي الشعب الارتري الذي شارك في التحرير بكل فئاته دون استثناء وبالتالي موجهات الحياة تكون تبعا لتحقيق مصالحهم الخاصة .
5. تجاهل متعمد لتاريخ الجزء الأكبر من الشعب الارتري خاصة في النضال من اجل الاستقلال ويقابله تعظيم وتعزيز دور التجرينية في النضال من اجل الاستقلال وتناول المرحلة التاريخية التي شهدت إسهاماتهم مما اثر بالذات في الجيل الحديث بان يقتنع تبعا لذلك في أن تكون للتجرينيين حظوة كبيرة في السيطرة على شئون البلاد.
6. عدم وجود التنمية المتوازنة فيما بين الأقاليم والمناطق في ارتريا اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وخدمات صحية فالفارق كبير وملحوظ وهذه سياسة يمضي عليها النظام في سبيل جعل الفارق كبيرا بين المناطق التي يسكنها التجرينية والمناطق التي يسكنها الآخرون بل يضاف إلى ذلك في محاولة النظام لإحداث تغيير ديموغرافي من خلال توطين التجرينيين في مناطق الآخرين.
فيما ذكرت من أوجه بارزة للاستدلال على وجود الاستبداد فان الغالبية العظمى من الارتريين يعيشون مهمشين إذ ليس لوجودهم قيمة وهؤلاء لديهم إحساس بالغبن ومشحونين بالعداء والكراهية تجاه النظام .
ومن أوجه الفساد نذكر ما يلي:-
1. استخدام السلطة لهدف تحقيق مكاسب للعصابة الحاكمة في الوطن
2. احتكار التجارة والصناعة لشركات النظام والمحسوبين عليه
3. انتشار المحسوبية والرشوة فيما بين الرؤوس الكبيرة في محاولة لبناء مجد الثروات
4. الانحطاط الأخلاقي والعمل على تدمير كل المثل والقيم التي تميز بها المجتمع الارتري
5. استخدام الدواعي الأمنية في التسلط على المواطن من خلال رمي تهم الخيانة على كل من أرادوا النيل منه ومن ثم المضي في إجراءات تعسفية تتمثل في الاعتقالات والاغتيالات غيلة وبحيل مختلفة بعيدة عن الأنظار في ظل غياب القضاء المستقل الذي بإمكانه الفصل في ذلك عند اللجوء إليه
6. تفلت الجنرالات النافذين وتجاوزهم لكل القوانين في تمرير نفوذهم وتحقيق رغباتهم في تملك البيوت أو الأراضي الزراعية وتسخير الشباب في أعمال السخرة لحسابهم الخاص .
وهذا جزء بسيط مما لا يحصى عده من أوجه الفساد في بلد صار مرتعا خصبا للفساد في ظل خلو الوطن من الدستور والقوانين الضابطة لحركة الحياة بين الناس وداخل السلطة .
فالنظام صار جل همه هو كيفية المحافظة على بقاءه وإطالة أمده وهو يمسك بالسلطة دونما أية التفاتة نحو مصالح الشعب والبلاد وبحسب ما ذكرنا من نماذج للفساد بالإمكان القول أن البيئة فاسدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وهذه البيئة لن تنتج إلا مزيدا من الفساد والماسي لاسيما في ظل وضع يتغاضى فيها الموظفون أجور متدنية وفي قطاع الجيش حيث يعملون بدون راتب .
وإمكانية حدوث التغيير من داخل هذه البيئة الفاسدة غير وارد والذين يدعوني إلى هذا القول هو عدم وجود ظواهر من بوادر توحي بذلك ولاسيما أن التغيير الذي حدث في تونس ومصر وما يجري في ليبيا واليمن لم يكن من داخل تلك الأنظمة التي ظلت تحكم لسنوات طوال بالرغم من أن بعض هذه الأنظمة كان المجتمع فيها يتمتع بقدر من الحرية حتى ولو كانت لا تتناسب مع ما تنشده تلك الشعوب.
لذا فان على القوى السياسية الإرترية في الخارج يقع العبيء الأكبر في تحريك الجمود الذي جعل شعبنا يعيش وضعا غير طبيعيا وذلك باتجاه تحقيق مصالحه وهذا لا يتأتى إلا من خلال توجيه خطاب سياسي واعي بإمكانه ايجاد وعي بالحقوق وثقافة تتجاوز الخوف والرعب من المجهول تمكنه من تحقيق أهدافه في الحصول على حقوقه والحفاظ على كرامته .
في هذا الإطار على قوى المقاومة التركيز في خطابها للإجابة على الأسئلة التالية وهي التغيير لمصلحة من ؟ ولماذا؟ وكيف يتأتى التغيير ومن الذي يصنع التغيير؟
وكلنا نعلم بأن النظام المستبد القائم في ارتريا ومن شدة بطشه وتعامله بقسوة مع الجماهير قد تولدت نتيجة لذلك في أوساط شعبنا أمراض اجتماعية مثل الكذب ، والخداع ، والنفاق، السلبية ، اللامبالاة
والنظام والذي عمل على انتشار هذه الأمراض بخطة مدروسة وإنه وبعد أن تأكد له وجود هذه الأمراض واستفحالها صار لا يأبه بالشعب ولا يخاف من جانبه بل صار ينظر إليه بازدراء ويرى على انه غير جدير بالتعامل معه بإحترام بل يسعى إلى مزيد من إذلاله وإهانته معتقدا بان هذا الشعب يجب أن يساق بالعصا.
هذا ما يلحظه شعبنا في الخارج عند مراجعتهم لسفارات النظام فما بالك من هم بالداخل .
ولكل ما ذكرنا من أوجه الاستبداد وسلب الحريات قد تم إدراج النظام في قائمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان وهذا لم يكن من فراغ بل أنبنى على أسس علمية تقوم على استقراء الوضع في الوطن .
إن حالة شعبنا هذه المنطوية على العديد من المتناقضات وهي كما أسلفنا من صنع النظام الذي استطاع أن يستغلها أسوء استغلال حيث درج على تشكيل وعي في عقلية هذه الجماهير ووجدانها وعبر أساليب إعلامية وتوعية يجيدها تماما عبر سنوات النضال ووصل بشعبنا إلى حالة بأن يرى في هذا النظام بان كل ما يقوم به هو لمصلحته وليس هناك من هو أصلح منه للحفاظ على وحدة الشعب وحماية الأرض وأن غيره من قوى المعارضة أو المقاومة ليسوا إلا أعداء للوطن وخونة وما جورين وطابور خامس .
وهكذا استطاع هذا النظام وبطرائق خبيثة أن يعيش شعبنا حالة من اللامبالاة والإتكالية إلى درجة الاستسلام للواقع وبحق أن شعبنا حاليا في وضع تخدير وليس في وضع عادي وطبيعي .
لقد قال ملس زيناوي في مقابلته الأخيرة مع موقع أسنا الإرتري أنه بقدر ما يعتز بهذا الشعب وبنضالاته إلا انه يجد نفسه مذهولا كيف استكان هذا الشعب بان يقاد بشخص ويسمح له ليفعل كيفما يشاء بالبلاد وهذا الشعب نفسه هو الذي رفض لكل الجبابرة وأبى أن يقهر.
حيال ما تقدم فإن على قوى المقاومة والتغيير بأن تعمل على محو وشطب الوعي الفاسد الذي يصيب بالشلل والذي عمل لغرسه النظام سنين وإبطال مفعوله وإحلال مكانه وعي خلاق وثقافة تجرؤ في المطالبة بحقوقها وتعي معنى الكرامة والحرية وتقدم لحمايتهما كل غال ونفيس.
وان المطالبة بإسقاط النظام دون الإجابة على تلك الأسئلة وخلق وعي وثقافة حديثة لن تجد أذنا صاغيا ولا عقول تهضم ذلك وتحوله إلى عمل تجعل من الجماهير في حركة تجاه الحفاظ على مكتسباتها وتحقيق مصالحها .
ونعود للتحالف الديمقراطي الارتري حيث هو الذي يتصدر طلائع قوى التغيير والمقاومة – هل يا ترى ومن خلال مؤتمر 2011م فعلا جعل من تجربته خلال السنوات الماضية خاضعة للغربلة والفحص والفرز والتمحيص ليخرج من مؤتمره بعمل نوعي ممكن أن يجعله يتقدم بخطوات جريئة تجاه مخاطبة الجماهير بلغة جديدة مفهومة تقدر الجماهير على استيعاب هذه اللغة عندما تلامس وجدانها وتلهب مشاعرها وتتقدم بها نحو الصف الوطني المتحرك تجاه الوطن حاملا لواء التغيير ويتحدى النظام ويسعى للتخلص من الذين حرموه طيلة الفترة الماضية بعد الاستقلال من التمتع بحقوقه وان يعيش بكرامته وللحديث بقية
بقلم
أبو عبدالرحمن الجبرتي
25/3/2011م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=12373
أحدث النعليقات