هل يغامر النظام الاثيوبي بإشعال حرب جديدة

حمد كل- لندن
12-04-2011م

منذ اسبوعين وتصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي تتوالى وتتناولها وسائل الاعلام المحلية والعالمية، يقول فيها ” ان ادارته يجب ان تعمل من أجل تغيير سياسة ارتريا وحكومتها ، ويمكن القيام بذلك دبلوماسياً أو سياسياً أو “من خلال وسائل أخرى”.

وقال رئيس الوزراء الاثيوبي ” ان تقارير مخابراتية أشارت الى ان النظام الارتري يخطط لإثارة فوضى عارمة خلال الانتخابات المقبلة في جيبوتي. وذكر “دينا موفتي” المتحدث باسم الخارجية الاثيوبية لرويترز ” ما نقوله هو اننا لن نقف مكتوفي الايدي ومشاهدة ارتريا تعتدي على سيادتنا وتعرقل جهودنا التنموية”.

وقبل شهور مضت كان وفد من احدى التنظيمات الارترية المعارضة قد التقى برئيس الوزراء الاثيوبي الذي اكد له انه يعد العدة للدخول في حرب مع النظام الارتري لتغييره تحت تبرير ” انه اصبح يشكل خطر على بلده”.

من جانبنا نقول من حق النظام الاثيوبي ان يدافع عن ارضه وان يكشف للعالم التدخلات والإعتداءات التي تتم في ارضه من قبل النظام الارتري، لكن أخطر ما في الأمر ان يصل النظام الاثيوبي بكل صلف وغرور انه سيغيّر النظام الارتري بكل الوسائل ، وهو ما ليس مقبولاً، أن الذي يغيّر النظام الارتري أو يسقطه هو الشعب الارتري، أما ان تغيره انت فهو خرق صارخ لجميع القوانين والمواثيق الدولية! وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة، وتُعد سابقة خطيرة في منطقة القرن الافريقي.

ولذر الرماد على العيون ساقت اثيوبيا كل هذه التبريرات والاعذار للدخول في حرب مع ارتريا، وكأنها هي التي لم تحتل اراضي ارترية في ” بادمي” وغيرها، وايضاً واصفة نفسها كالحمل الوديع المعتَدى عليه وهي التي رفضت وباصرار تنفيذ قرارات المحكمة الدولية الصادر في ابريل 2002م.

وهنا يُمكن طرح الحقائق أمام الجميع بعيداً عن ملابسات النظام الاثيوبي.

في شهر مايو عام 1998م حدثت مناوشات عسكرية عادية وكان يمكن احتواءها ومعالجتها من قبل الجهات المسؤولة في كلا الطرفين في “بادمي” باعتبار ان البلدين كانا في حالة وئام، لكن ملس زيناوي مع سبق الاصرار والنوايا السيئة كان يحملها تجاه ارتريا انتهز هذه الفرصة وذهب الى البرلمان الاثيوبي وطلب منه اصدار تشريع لإعلان حرب على ارتريا، يذكر في تلك الجلسة ان احد البرلمانيين قال له ان هذه مناوشة عسكرية قد تكون فردية في “بادمي” يمكن معالجتها لا تستدعي اعلان الحرب. وقال له هل تعلم معنى اعلان الحرب؟ لكن ملس زيناوي اصرّ ولأنه كان يمتلك اغلبية برلمانية صدر قرار الحرب، وكانت حرب ضروس حصدت ارواح كثيرة بدأت في شهر مايو 1998م وانتهت عام 2000م. كانت خسائرها البشرية فادحة ، من الجانب الارتري 19 ألف قتيل وعدد كبير من الجرحى ثم تحولت الجروح الى عاهات مستديمة أما الجانب الاثيوبي فكانت خسائرة أكثر من 75 ألف قتيل وجريح. كانت مؤلمة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، انقطعت الصلة بين الشعبين لازمتها عملية طرد وهجرات من كلا البلدين، آثار تلك الحرب ما زالت قائمة ممثلة في هروب الشباب الى كل اصقاع العالم من الجانبين للبحث عن عيش كريم لهم ولأسرهم، وكان للهروب ثمنه، ضياع مستقبل، واثناء عملية الهروب بعضهم مات برصاص الحرس في الحدود وفي المنافذ الارترية والاثيوبية والبعض الآخر مات في الصحاري وآخرون انقلبت بهم قوارب التهريب فالتهمتهم الاسماك..الخ.

وقبل ان استرسل في سردي هذا تعود بي الذاكرة الى الوراء اذكر فيها احدى قصص مخازي وخداع ملس زيناوي، ففي 14/7/1997م توغلت وحدات عسكرية اثيوبية باتجاه الشرق الاثيوبي من “تقراي” واحتلت ” عد مروق” وطردت منها الادارات المدنية الارترية، وحين سئل ملس زيناوي في تلك الفترة قال انهم سينسحبون منها ، انهم فقط كانوا يطاردون جماعة ” الأقوقومي” العفرية، والحكومة الارترية بكل بساطة صدقت تلك ” الأكذوبة”.

انا هنا لا ادافع عن النظام الارتري، انا دافع عن وطن يواجه ازمات ومؤامرات اثيوبية يدفع ثمنها منذ تمرير القرار الفيدرالي عام 1952م حتى مايو 1991م وازداد عليه البلاء منذ مايو عام 1998م وحتى كتابة هذا المقال.

نحن هنا أمام مشهد سياسات اثيوبية حربائية، في عام 2008م وفي المقابلة الصحفية التي جرت معه في موقع “عواتي” يقول ملس زيناوي وبالحرف الواحد ” انه لا يريد أن يسمع كلمة حرب” وقال حتى المعارضة الارترية لم تطرح معه موضوع “الحرب” وانه لن يسمح لأحد للخوض معه في مسألة “الحرب” هذا النهج استمر حتى 2009م.

ويبدو ان ملس زيناوي من خلال متابعته لعمليات الهروب الكثيرة للمقاتلين الارتريين عبر كل المنافذ الارترية، والاوضاع الاقتصادية المتردية في ارتريا كانت تشجعه لعدم الخوض في مسألة الحرب وان تقديره كان ان النظام الارتري بحكم عامل الزمن سينهار !!.

لكن ومنذ بداية عام 2010م بدأ النظام الاثيوبي يغيّر من لهجته القديمة وبدأ يتحدث بلغة التهديد والوعيد ويصوغ لها المبررات.

الخبر الذي نشر يوم 1/4/2011م في موقع “والتا” التابع للحكومة الاثيوبية وعلى لسان حسين رضوان مستشار رئيس الوزراء لشئون التعبئة العامة لم يأتي بجديد سوى التهديد المبطن ومدبلج بلغة الخداع.

النظام الاثيوبي بدأ يتحدث بلغة وهم عظمة الدولة الاقليمية الكبرى، في منطقة القرن الافريقي، ادعاءاتهم تقول ان التعداد السكاني الاثيوبي وصل 84 مليون نسمة ، كوادرهم تتباها وتقول ان اثيوبيا قطلعت شوطاً كبيراً في التنمية وتحظى برضاء الغرب ومساعداته.

ولكن تمارس اثيوبيا هذا الدور الاقليمي بشكل اكبر، ويحسب لها حساب لا بد من ازالة النظام الارتري، وحسب ادعاءاتها ان النظام الارتري يعرقل طموحاتها ثم ان الاستيلاء على ارتريا والتحكم على الشاطيء البحري الطويل بموانئه وجزره و “باب مندبه” سيعزز من دورها كدولة إقليمية، وهذا الطموح اكده لقاء وزير الخارجية الاثيوبي السابق مع بعض قيادات المعارضة الارترية باديس ابابا في العام الماضي في الفترة ما قبل عقد مؤتمر ما سمي بـ ” ملتقى الحوار الديمقراطي الارتري ” المشؤوم قال فيه ان اثيوبيا بدأت بإعادة النظر تجاه المعارضة الارترية والإهتمام بها.

الدوافع الاثيوبية لدخول الحرب :
قبل الدخول في نوايا النظام ا لاثيوبي، هل النظام الاثيوبي جاد للدخول في حرب؟ ام هي محاولة لصرف الانظار على المستوى المحلي، الاقليمي ، الدولي من مشاكله الداخلية؟.

مع قدوم شهر مايو مرت عشرون عاماً منذ استيلاء “التقراي” على مقاليد الحكم في اثيوبيا والقبضة الحديدية التي حكموا بها، البلد بدأت تتراخى وهنالك حالة تململ في اوساط القوميات والمعارضة السياسية الاثيوبية ، ثانياً ان رياح التغيير التي هبت على الشرق الاوسط يمكن ان تعبُر البحر الاحمر وصولاً الى منطقة القرن الافريقي، والمظاهرات والهتافات ليست بجديدة على اثيوبيا، فقديماً قام بها سائقوا التكاسي وطلاب جامعة اديس ابابا ضد الامبراطور هيلي سيلاسي لكن العسكر سرقوا الثورة.

جامعة اديس ابابا وبإعتبارها احدى مراكز الوعي ظواهر الململة تبدأ منها، بالاضافة الى القوى العاملة ، عام 2005م شهدت اديس ابابا مظاهرات هزت النظام الحالي لكن امريكا واروبا كانت مصالحها مع ملس زيناوي، ولا نستغرب كمحاولة للهروب الى الامام من الواقع الداخلي الذي يعاني من ا زمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وعطالة وفقر مدقع قد يُعلن الحرب على ارتريا.

ومن جانب آخر ولصرف انتباه المواطن الثيوبي يلوح بنية اقامة سد ضخم على نهر النيل كتحدى لمصر والسودان، وهنا يمكن القول ان من حق اثيوبيا ان تطالب باعادة النظر في الاتفاقيات القديمة وبالاتفاق مع دول المصب، اما ان تتعامل بغطرسة الدولة الاقليمية الكبرى في القرن الافريقي وبالتالي كسب عداء مصر والسودان، ان هذا الاسلوب الارعن لن يجعلها تفلت من مأزقها الذي تعيشه.

أما اعلان الحرب على ارتريا تحت تبرير انها تتدخل في الشأن الاثيوبي، العكس هو الصحيح ان لإثيوبيا نوايا، ولتحقيق هذه المأرب والنوايا، هي ترى ان الوقت مناسب لسحق النظام الارتري وهو الوضع الاقتصادي المتردى في ارتريا وينعكس ذلك على القوى القتالية التي تهرب وبإستمرار من ارتريا عبر كل المنافذ الى الخارج.

لا بد من دخول الحرب قبل ان تسوق ارتريا ” ذهبها” للعالم، واذا تم ذلك سيجعلها قوة اقتصادية يحسب لها حساب.

انتهاز انشغال المنطقة بالحروب الصومال “دولة فاشلة” اليمن واحتمالات انهيار الدولة، السودان ومأزقه في جنوب السودان ودارفور، والمتغيرات التي حدثت وتحدث في الشرق الأوسط.

توقعات الحرب: إحتمال ان تبدأ اثيوبيا الحرب قبل الخريف اي من شهر أبريل الى منتصف شهر يونيو قبل موسم هطول الامطار خاصة واننا نسمع ان لها حشود على رأس الحدود الارترية-الاثيوبية، ويمكن ان تؤجل الحرب حتى دخول الشتاء القادم.

والسؤال هنا: هل يستطيع النظام الاثيوبي أو يغامر باشعال الحرب؟ من العام الماضي نسمع ونقرأ ونتابع ان النظام الاثيوبي يهدد باشعال الحرب تحت ذرائع كثيرة، هل تستطيع اثيوبيا خوض حرب دون موافقة امريكا وباقي دول الغرب؟ وهل ينوي ملس زيناوي القيام بحرب خاطفة؟

حرب طويلة يخشاها ملس زيناوي لا تحتملها اثيوبيا التي تعتاش على الهبات والمساعدات والمعونات عبر التاريخ البعيد والقريب.

هل يعتقد ملس زيناوي وبعض المهلوسين الارتريين الذين يدورون في فلكه الحرب هي نزهة؟ هل يعتقد ملس زيناوي ان الطريق الى ارتريا مفروش له الورود والرياحين؟

كإرتريين نتمنى ان لا تحدث حرب بيننا وبين الاثيوبيين لأنها خسارة كبرى للشعبين، ان النظامين في ارتريا واثيوبيا يؤديان بشعبهم الى التهلكة لكن هذه الحرب لو فرضت على شعبنا قإننا وبوضوح سنكون مع شعبنا ولا نخشى في ذلك لومة لائم.

أما تغيير النظام في ارتريا فيجب ان يتم عن طريق الشعب الارتري ولا نريد احد بالوكالة ان يحارب نيابة عنا.

الشيء المؤسف ان كثير من المشاكل قديما وحديثا كان يمكن حلها بالتفاهم، ما الذي يحدث لو نفذ النظام الاثيوبي قرار المحكمة الدولية ؟

أثيوبيا هي هي، منذ الامبراطور هيلي سلاسي، منجستو هيلي ماريام، ملس زيناوي ، يلجأون وباستمرار الى الاذلال ولوي الحقائق والاعناق ومنطقهم هو القوة والعنف، والعنف لا يولد الا العنف ومن يشعل النار فقد تحرقه.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=12797

نشرت بواسطة في أبريل 12 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010