ثورة الشباب … عودة القضية الى أصحابها
شهدت العديد من مدن العالم ثورة الشباب الاريترى الذى انتفض من أجل قضيته الوطنية أرضاً وشعباً ولما يعزز السيادة الوطنية وكرامة المواطن وليس لأغراض سياسية وحزبية ضيقة قد تتوافر على السواد الأعظم من التنظيمات والاحزاب السياسية التى تعج بها الساحة السياسية الاريترية دون تقديم ما يبرر وجودها فى الساحة المنكوبة إلا من خلال التنظير حول الثقافة المحلية وقولبتها فى نزاعات وصراعات وتقسيمات سياسية التى دائما ما تخفى فى ثناياها الهويات العرقية التى أصبحت الأكثر أهمية من الانتساب والولاء الى الدولة الوطنية والشباب هذا وفى مختلف أماكن تواجده كان متقدماً جداً فى فهم متطلبات قضاياه الوطنية بحكم ارتباطه الوثيق بالثورة الاريترية وكفاحها المسلح لتحرير الارض والانسان واعتكافه للنهل من بحور ومكامن العلم والمعرفة وربطها بما ينفع الناس فى حاضرهم ومستقبلهم وفى مرحلة ما بعد الاستقلال انحصر الوعي نسبياً بمخاطر النظام الطائفى الذى يتربع على عرش نظام الحكم فى إطار مجموعات صغيرة من الشباب التى كانت تشعر أنها أكثر وعياً بمهام المرحلة وإدارة شئونها نتيجة عوامل موضوعية فكان الحراك محدوداً لظروف تتعلق بالبيئة و المكان والأوضاع المحلية والدولية التى سادت فى منطقتنا والعالم خاصة فى ظل ما يسمى بالحرب الدولية على الارهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 واليوم وبعد الثورات الشعبية الهادرة فى المنطقة العربية وانتصارها فى كل من تونس ومصر فقد انتشر الوعي من خلال انتشار وسهولة استخدام وسائل الوسائط المتعددة والسريعة كالانترنت والمواقع الاجتماعية كالفيس بوك واليوتيوب والتويتر وغير ذلك من الوسائط ليشمل الوعي قطاعات كبيرة من الشباب الاريترى فى مختلف أنحاء العالم الذى نجده اليوم وغداً يعبرعن تطلعاته وطموحاته الوطنية دون أية الوان إلا بما يكفل لكافة أبناء الشعب الحقوق المدنية الى تتمثل فى حق المواطن التمتع بحرية تامة التى لا تتعارض مع حرية الآخرين وحق كل مواطن فى حماية القانون له وحقه فى حرية الفكر والدين وإعتناق الآراء وحرية التعبير بالاضافة الى الحقوق السياسية والتى تكفل حق الانتماء بالعضوية فى الاحزاب والتنظيمات السياسية والحركات والجمعيات وحق الانتخابات فى السلطة التشريعية والتنفيذية والسلطات المحلية والبلديات والترشيح والترشح وانتهاءاً بإتاحة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتى تعنى فى الاساس بحق كل مواطن فى العمل فى ظروف منصفة وابرزها الحرية النقابية والانضمام اليها والحق فى الاضراب وإعتماد مبدأ الفرص المتكافئة فى التوظيف العام لتوفير الحد الأدنى من الرفاه الاجتماعى والاقتصادى وتوفير الحماية الاجتماعية والحق فى الرعاية الصحية والتعليمية والثقافية .
إن حركة الشباب الاريترى الهادرة والتى انتظمت جميع أنحاء العالم من شرقه الى غربه ومن جنوبه الى شماله كانت بمثابة عودة الروح الى الجسد المترهل الهامد لتنفخ فيه الروح من جديد ليتشكل جسداً طبيعياً يصارع من أجل البقاء حياً بغية التغلب على جبروت الطائفية البغيضة وتطويع الصعاب والانتصار عليها لإعمار الوطن العزيز الذى عرف مثل هؤلاء الشباب جيلا بعد جيل وهم يزحفون الى مصارعهم ليبقى هو وطناً عزيزا مكرماً شامخاً ترفرف فى أعلى قممه راية الفخار التى تحيط بنا وكأنها عناية أبدية تحيا فى تحت ظلالها أجيال لا يعرف الذل والهوان طريقاً الى وجدانهم أجيال تلامس أنفوهم السماء عزاً وإباءاً .
لقد أصبح واضحاً وجليا لدى هؤلاء الشبان وهم يتجرعون ويلات الغربة وقسوتها ويمنون النفس بالعودة الى أرض المهد واللحد وطن الآباء والأجداد إن ساعة إنهيار النظام الطائفى قد اقتربت واقتراب ساعة انهيار النظام تكمن فى ذاته وممارساته فهو قد اعتمد على حكمه فى مبادئ وسياسات خاطئة وقاتلة تماماً ومن التطرف ما قتل وأبرز هذه السياسات هى :
1. الانصياع ( Compliance) ويكون الانصياع مهيمناً على المجتمعات التى تحكمها سلطة سياسية مستبدة تتحكم بحياة ومصير أفرادها وجماعاتها وتكون آلية الانصياع هى التى تهيمن على العلاقة بين الفرد والنظام السياسى وهذه العلاقة الانصياعية لا تولد إلا تضامناً وهمياً فهى تقوم على على علاقة عمودية بين الطرف الأقوى والطرف الأضعف فهى تعبر عن دافع حيوى مباشر غرضه السعى وراء مكافئة يحصل عليها الفرد من محيطه البيئى الاجتماعى أو تحريضه على تجنب عقاب قد يأتيه من هذا المحيط ولكنها سرعان ما تختفى عندما يختفى المحرض الخارجى
2. التماهى ( Identification ) وفى هذه الحالة حولت الدولة المتسلطة المؤسسات الاجتماعية الى تضامنيات ( جماعة أو قوة جماعية تعبر عن نفسها تضامنياً من خلال قادة تعترف بهم الدولة ) وفى ظل عقلية الدولة التسلطية أصبحت وظيفتها الأساسية هى توزيع المزايا والمنافع على أفراد المجتمع مما خلق التعارض مع الارتباطات الطبيعية للافراد بين ولاءاتهم العرقية والدينية والقومية وولائهم للدولة نفسها وهو ما انعكس على الدولة نفسها وأدى الى خلق حدود فاصلة بين الحدود السياسية للدولة والشعور بالانتماء الى جماعة وطنية واحدة والحدود المرتبطة على أسس عرقية أو دينية أو قومية وهو ما أدى الى غياب الى مفهوم (المواطنة) فى الدولة كقيمة وممارسة وبالتالى فان الطائفية التى تتماهى أو تتساوى مع الدولة وتعبر عن هويتها السياسية والثقافية أصبحت هى المعادل الموضوعى لاستمرار الدولة بمعنى انها تقوم بوظيفة انتاج الدولة وهذه علاقة تبادلية متكافئة فى الادوار فالفرد أصبح مواطناً فى طائفته وليس مواطنا فى دولته وهو ما أدى الى القطيعة بين الدولة كحامية لمصالح المجتمع المتضاربة والجماعات الاخرى التى اعتبرت الدولة طرفاً فى صالح الجماعة المسيطرة وليس طرفاً محايداً مما خلق تفسخ الإنتماء والولاء عند الافراد وتفكك النسيج الإجتماعى .
لذلك يسعى الشباب الاريتري فى كل مكان الى تحرير الانسان الاريترى من شبكة العلاقات التقليدية التى تنفى وجوده المستقل بعيداً عن الأطر التى تحددها له هذه العلاقات وتتعامل معه مؤسسات الدولة بالمنطق نفسه أى بإعتباره عضواً فى قبيلة أو عشيرة أو طائفة لقد عجزت الدولة الطائفية والقومية فى مشروعها القومى عن ايجاد صيغة مناسبة لمفهوم (المواطنة) فالطائفيون نظروا الى الآخر نظرة الشك والغيرة والحسد بإعتباره مناهضاً لمشروعهم القومى والآخر فى ظل استبعاده من المشروع القومى لجأ الى طائفته وإثنيته بإعتبارها الملاذ الآمن مما ولد محنة الدولة ضد الفرد أو الدولة ضد الامة فى ظل غياب العدالة السياسية ليحل محلها الاستبداد السياسي وبروز مظاهر الاقصاء والتهميش على أسس عرقية أو دينية أو قومية فان مقولة ( المواطنة ) والانتماء أصبحت فى جوهرها خداعاً لابناء الوطن والمجتمع مما جعل مؤسسات الدولة تتحول الى ممارسات التهميش والتمييز تجاه المواطنيين تحت تأثير تغيير القناعات والولاءات للافراد نتجية عوامل دينية وعرقية وقومية وتناست الدولة أن وظيفتها ليست تغيير قناعات وعقائد مواطنيها وإنما حماية أمنهم وتيسير شئونهم الادارية والاقتصادية والسياسية .
آدم الحاج موسى
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=15544
أحدث النعليقات