صيحة من داخل حركة الإصلاح
قد يتبادر إلى ذهن من يقرأ عنوان هذا المقال أن كاتبه هو نفسه الذي كان قد كتب مقالاً تحت هذا العنوان قبل ما يقرب من خمسة أعوام مضت، ولكن الحقيقة ليست كذلك فيشهد الله أني لست من كتب تلك الصيحة في تلك الفترة الماضية، ولكن اردتها أن تكون الصريحة الثانية وعبرها أردت أن أتقدم بنصائح يمكن أن تكون مفيدة وتصب في مصلحة العمل مع العلم أنه ليس هنالك أحد فوق النصيحة بناءاً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدين النصيحة ).
أكثر من عشرين عاماً ومسيرتنا الحركية والحمد لله يتواصل عطاؤها رغم كيد الكائدين، وتؤتي أكلها، وهذا بفضل الله تعالى ثم بفضل دماء شهدائنا الأطهارالتي سالت فروت شجرة الإسلام والتوحيد لترفرف راية الحق والعدل على ربا إرتريا، مسيرة طيبة يعرفها كل صغير وكبير ويشهد لها القاصي والداني واكتوى بنارها النظام الدكتاتوري العميل الذي ظل يجرع شعبنا الويلات والآلام والجوع والدموع ويصادرة الحقوق والحريات ويحارب التدين ويشجيع على الفساد .
سطرت حركتنا المباركة أروع الأمثلة في التضحية والبطولات والتنكيل بنظام اسياس وضربه في مواقع مؤلمة تجعله يعمل ألف حساب لهؤلاء الشباب الذين أغضوا مضجعه ولم يتركوه يهنأ وينعم ويتسلي بتعذيب هذا الشعب المغلوب على أمره .
لكن وللأسف وفي الآونة الأخيرة تتراجع كل هذه الجهود وهذه التضحيات العظيمة ولكن لا يسعنا إلا أن نقول الله المستعان وعليه التكلان ، ويمكن أن نعزوا كل هذا التراجع إلى الأوضاع العامة التي تمر بها المنطقة ، ولكن إلى ماذا يمكن أن نعزو عملية الإنشقاقات التي مرت وتمر بها حركتنا المباركة مع العلم أنه بمقدورنا تلافي مثل هذه الإنشقاقات ، فالغالب في طبيعتها أنها نتاج إختلاف حول وجهات نظر متعددة والكل يتشبث بوجهة نظره ورأيه مع أنه من المفترض في مثل هذه الظروف أن يكون الحرص على مصلحة القضية العامة لا تغليب الأهواء الخاصة ، فقد غادرنا في أول الأمر( إبراهيم مالك) ومجموعته فلم نأبه لذلك بل حاولنا أن نستدل بخروجهم على سلامة الطريق الذي نسير فيه وقلنا أن القافلة تسير رغم تخاذل المتخاذلين ولم نقف وقفة موضوعية مع الذات لمعالجة جذور المشكلة ثم غادرنا ابو البراء ومجموعته وقد قللنا كثيراً من شأنهم عند خروجهم وذلك حسب ما كان يملى علينا من قياداتنا ولكن أخيراً اتضح الأمر أن الإنشقاق كبير وأن من خرج من تنظيمنا هو ليس ابوالبراء وثلاثة آخرون فقط – كما كان يقال- فقد ظهر أنه انشقاق عمودي على التنظيم ، المهم أن ( أبو البراء) وتنظيمه قد شقوا طريقهم واصبحوا في مصاف التنظيمات السياسية التي تقارع النظام حسب الوسيلة التي يرون أنها الافضل والتي تتناسب وواقعهم .
سقت هذا الحديث كله لأصل في نهاية المطاف إلى أن هنالك أيضاً مجموعة أعلنت عن حلها لقيادة تنظيم المؤتمر الإسلامي وعزلها لزعيمه (ابو البراء) وذلك إثر إعلان المؤتمر الإسلامي وحدته الإندماجية مع المجلس الإسلامي للدعوة والإصلاح في إرتريا ، حيث أنه خرج علينا بيان الوحدة الإندماجية صباح الثامن والعشرين من مايو، ويشهد الله أني قد فرحت لذلك فرحاً شديداً واستبشرت لذلك أيما استبشار، وذلك إدراكاً مني بأن الصف الإسلامي عامة والسلفي خاصة بدأ يتدارك أخطاءه ويريد أن يحسن مسيرته بعد طول تجربة مرت به ، عانى فيها من ويلات الإنشقاق والتمزق والشتات والتفرق، وقلت إنه قد آن الأوان لجمع الصفوف مرة آخرى، وإعادة الكرة من جديد على العدو فقد كفانا تشرذماً وهواناً وتفرقاً وضياعاً دفع ثمن ذلك أضعافاً شعبا الكريم الذي صرنا عليه وبالاً، بدلاً أن نخفف عنه تلك الآلام ونقف إلى جانبه ونحمل هم تخليصه من حاله الراهن وواقعه المذري ، لكن لم تكتمل فرحتي عندما خرج علينا بياناً آخر في مساء نفس اليوم – يوم صدوربيان إعلان الوحدة- يحمل اسم المؤتمر الإسلامي الإرتري ويعزل ويحل في قيادة التنظيم ، عرفت حينها أن هنالك مؤامرة تحاك بليل، وأن بيان العزل والحل يدبر عبر أيادي لا تريد للأمة التوحد والاجتماع، بل تريد لها الشتات والضياع، وإلا فكيف أفسر هذا الأمر ، خاصة وأنني لست ببعيد عن واقع هذه التنظيمات وأدرك أن الانشقاقات دائماً تسبقها إرهاصات وحراك واضح كما حدث إثر إنشقاق (ابو البراء) ومجموعته حيث إنه كان واضحاً منذ ما يقرب من الخمس سنوات أن هنالك وجهات نظر متباينة داخل التنظيم يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى انشقاق وكان الأمر واضحاً للجميع حتى لمن هم خارج التنظيم، ولم يكن الأمر يحتاج إلى تلسكوب لمعرفة هذه الحالة المرضية التي أصابت التنظيم في تلك الأيام، لكن الغريب في أمر هذه المجموعة أنها خرجت دون اي بوادر إنشقاق يمكن تحسسها في التنظيم خاصة وأننا لسنا بعيدين كل هذا البعد الذي يجعلنا نفاجأ بهذه المجموعة.
ألا يمكن أن أطلق على هذا الأمر أنه مآمرة محكمة التدبير، تعرقل عملية الوحدة بين التنظيمين الذين يحسبون على المدرسة السلفية التي ننتمي إليها جميعاً ؟ لمصلحة من هذه الهجمة الشرسة على هذه التجربة- تجربة الوحدة- التي ننشدها ونسعى إلي تحقيقها جميعاً ؟
كنت أتوقع أن التنظيمات الإسلامية ستفرح كثيراً – مثل فرحتي- بهذه الخطوة العظيمة وكنت أتوقع أن تكتب بيانات التأييد والمباركة والدعوات بخصوص هذه المناسبة العظيمة ، وذلك بناءً على أن هنالك بيانات تخرج على الإعلام بمناسبات أقل أهميةً بكثير من هذه المناسبة ، ولكن هذا لم يحدث وهذا السكوت له دلالاته ولا داعي للخوض فيها فالأمر واضح.
ممن ظهروا خلف هذه البيان الذي يقول فيه كاتبه أنه بيان عزل رئيس وحل قيادة المؤتمر الإسلامي هنالك شخصية من الشخصيات المثيرة للجدل وهي شخصية كان لها خلافاتها وإشكالياتها مع حركة الإصلاح سابقاً قبل إنضمامها للمؤتمر الإسلامي ما يؤسفي كثيراً وحسب ما كنا نسمع من كوادر وشباب المؤتمر الإسلامي أن من يقف خلف هذا الرجل في كل تحركاته هذه هو تنظيم الحركة الفيدرالية بقيادة بشير إسحاق وذكروا أنه كانت له إتصالات مكثفة مع بشير والهدف منها هو الخروج بمثل هذه النتائج وهذا لا يعني بالنسبة لي شيئ لكن ما جعلني استنفر لكتابة مقالي هذا هو أن عدد من قيادات محسوبة على التنظيم الذي أنتمي إليه – حركة الإصلاح- وأمام مرئ ومسمع من الناس يتحركون مع هذا الرجل مما جعل التنظيم مكاناً للشبهة بأن هذا الإنشقاق خلفه حركة الإصلاح وهذا ما نعايشه في الشارع العام ممن نحتك بهم بصورة يومية ونتحرك في محيطهم حيث أننا ككوادر في تنظيم الإصلاح وصلنا خبرهذا الحراك وان بيان انشقاق سيصدر قريباً وذلك قبل خمس ساعات من صدور البيان وهذا الهمس كان يدور وسط كوادرنا بصورة كبيرة، مما يعني ويؤكد وقوف قيادتنا مع هذا البيان – وليت قيادتنا الرشيدة تسمع لصوت الشارع العام وما يقال حولنا – وقد أزعجني هذا الأمر كثيراً، وأنه كيف يمكن أن نكون نحن في حركة الإصلاح معاول هدم وقادة إنشقاقات في صفوف أشقائنا ومن ينتمون إلى مدرستنا ويحملون نفس همنا ؟ حتى إن خصومنا ومنافسينا صاروا يلصقون تهمة الإنشقاق بمدرستنا الفكرية وكأنها لازمة من لوازمنا ويحملوننا المسؤولية التاريخية لأول إنشقاق بناء على اللواحق من الإنشقاقات . ثم إنه ألا تكفينا مشاكلنا الداخلية التي نعاني منها؟ أليس الأجدر بنا أن نتفرغ لحلحلة مشاكلنا بعيداً عن تشتيت الجهود فيما لا يعود علينا إلا بالوبال والدمار وسوء السمعة خاصة وأنا مشاكلنا الداخلية قد طفحت إلى السطح (والفينا تكفينا) اقول: وللخروج من مثل هذه المآزق وتجنب هذه المزالق لا بد من التخلي عن هذا الرجل والابتعاد عنه ،وكل ما أخشاه أن يخرج إلينا بعد اسبوع ببيان اندماج أو وحدة مع حركة الإصلاح ،وهذا وقعه سيكون عصيباً على شبابنا وكوادرنا، وأنا من هذا المنطلق استنكر ذلك تماماً وذلك ليس كرهاً للوحدة ولكن لأن هذا الرجل لا يرجى منه خير قط فقد استمرأ الخلاف والعيش في أجواء الشقاق والفتن ولا يطيق أجواء التوحد والاجتماع والدليل على ذلك خروجه من المؤتمر الإسلامي مع إعلان الوحدة مع المجلس الإسلامي للدعوة والإصلاح، وكل ما أخشاه أن تشوه سمعتنا عبر هذا الرجل الذي هرب من أجواء الوحدة وحشد الحشود وسعى في الأرض فساداً وإفساداً، الا يكفي أن نتعظ مما حدث لنا معه في السنين الماضية؟ وخاصة ما حدث في ذلك الاجتماع الحاشد الذي جمع فيه أهله وادعى أن الحركة تضايقه وتريد تصفيته جسدياً في تلك الحادثة المشهورة التي سفه أقاربه فيها قياداتنا ونعتوهم بصفات قبيحة ومسيئة ،ولكن حكمة تلك القيادات التي رأت أن تسكت عن الرد تجاوزاً للمحنة وحلاً للإشكال وقد اعجبتني فيهم هذه الحكمة وهذا التنازل عن الحقوق مقابل وضع حد للمشكلة وإطفاءً للفتنة، مع أنه كان قد أغضبني كثيراً النيل من قياداتنا بهذه الصورة المشينة فمواقفه معروفة مشهودة ولا داعي للتفصيل فيها هنا ، فما الذي جد في الأمر حتى نكون مأوىً وملاذاً آمناً لأمثال هؤلاء؟ أم أنه الكيد السياسي الرخيص وتسجيل أهداف خارج المرمى في ظل غياب الإنجازات الحقيقية في ساحة المواجهة مع النظام ؟
من هذا المنطلق اناشد الشيخ أبو سهيل حفظه الله تعالى أن يتدخل في الأمر ولا يتركه للآخرين فالأمر جلل والمصيبة كبيرة ولا نريد أن يشمت بنا ،واقول للشيخ المجاهد أبو سهيل ما يحدث هو عبارة عن مهزلة وما يقال عنا كثير، خاصة وأن الأمر قد أخذ ابعاداً إجتماعية واضحة وذلك حيث تجد أن من يتحركون معه من قياداتنا التنظيمية هم من أقرب الناس إليه نسباً وعشيرة .
شيخنا الفاضل: لا يخفى عليك أن هنالك قطاعاً واسعاً في داخلنا يؤيد الوحدة مع المؤتمرالإسلامي وفي مقابله طرف آخر مناهض للوحدة ومستنكراً لها ورافض لحدوثها حسب رايه، وهذا الانشقاق المزعوم في المؤتمر الإسلامي أراد به من يقف خلفه من قياداتنا التنظيمية إعطاء رسالة واضحة مفادها أن التنظيم الذي تطلبون الوحدة معه يعاني من إنقسامات تقف عائقاً امام السعي نحو الوحدة وعليه يجب على الطرف الباحث عن الوحدة أن يتوقف ، وهذه عملية غاية في المكر ،لكن هل بمثل هذه الطريقة يمكن أن تدار أمورنا ؟ هل يمكن أن نلعب مثل هذه الألاعيب القذرة مع إسلامنا وتوحيدنا وسلفيتنا؟ هل هذه من صفات سياسة المسلمين؟
أنا هنا لا أدعو قيادتنا في الإصلاح للوحدة مع المؤتمر الإسلامي وذلك لأنه معلوم من أبجديات السياسة أنه من الصعب على الطرفين تجاوز المرارات التي تمكنهم من الوحدة والعمل سوياً، ولكن أدعو قيادتي الرشيدة لإعلاء روح العمل كفريق واحد، فإنه وإن تعددت المسميات ينبغي أن تكون مصلحة الدين وتخليص الشعب من محنته التي يعيش عليها فوق كل الحظوظ والمصالح الشخصية ، كيف لا ونحن أمة يجمعنا دين واحد وأيضاً مدرسة واحدة ومصالح شعب واحد هو ذاك الشعب الذي خرجنا من أجل إنقاذه ونسعى من أجل تحقيق تطلعاته ورغباته في العيش الكريم والحرية والسلام والرفاهية بإذن الله تعالى وأن ننظر إلى المصالح من خلال هذا المنظار حتى يكون هنالك التجرد والإخلاص .
في الختام أدعو الله أن يمن علينا بوحدة تجمع شتاتنا وتقوي شوكتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وقد أرسلت هذا الموضوع إلى بريد الموقع الخاص بالتنظيم كما أني قد سلمت لأحد الإخوة الذين هم على مقربة من قيادة التنظيم حتى يقوم بإيصاله إلى القيادة لكن فيما علمت لم يتمكن الشخص من تسليمه لأنه خشي ما خشيته أنا، فالمجاهرة بقول الحق أحياناً قد لا ترضي الكثيرين ولكن لا بد من قول الحق ولو على أنفسنا .
أبوعمار المالكي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=15776
أحدث النعليقات