أنجحاى … ” القرية التى خرجت من تحت الأرض وأنطلقت الى الفضاء ” !؟ 2-6

عمر جابر عمر

المشروع الزراعى – البداية كانت عام 1928 حينما قا مت شركة أستثمار أيطالية ( سيا )

S.I.A

بتوقيع عقد مع السلطات الأيطالية لأحتكار مساحة من الأراضى فى المنطقة الممتدة من ( تسنى ) حتى الحدود السودانية بين ضفة القاش وجبل ( أبو جمل ). كانت المساحة فى بداية الأمر ثلاثين ألف فدان لزراعة الذرة والقطن. تنقسم التجربة الى مرحلتين : مرحلة ( سيا ) حتى 1966 ثم المرحلة الثانية

( برا تلو ) حتى 1977. تقع القرية جنوب القاش – شرق كسلا – وتبعد عشرة كيلومترات عن الحدود السودانية وثلاثين كيلومترا عن مدينة كسلا.

المرحلة الأولى

تم حفر القناة الرئيسية من جنوب مدينة ( تسنى ) وحتى الحدود السودانية فى قرية ( 14) بطول يزيد قليلا على عشرين كيلومتر. تم أنشاء سد فى المنطقة ( د يجا ) لجمع المياه من القاش وضخها فى القناة الرئيسية خلال الأشهر الثلاثة التى يجرى فيها نهر القاش. ثم تم حفر قنوات فرعية على طول أمتداد القناة الرئيسية

لتروى الأرض المزروعة من القناة الرئيسية وسميت المناطق حسب الأرقام الأيطالية ( سكوندو – تيرسو – كاترو – الخ ). كان المهندس المشرف أيطا لى ( كا تفيلى ) ومسا عده أرترى هو المهندس ( حسن حا ج محمود ). كانت الأدوات والوسائل فى البداية غير متطورة – تعتمد على اليد العا ملة ( سلوكة تيرا ب – حش وكديب الخ ) وحتى الحراسة من الطيور والسماد وجنى المحصول ورى الأرض وحجز المياه ثم تصريفها – كلها عمليات متواصلة ومرهقة وحتى النقل

كلها كانت فى مراحلها الأولية من التطور. كان المحصول الرئيسى هو الذرة مع مساحات محدودة من القطن لتمويل أنتاج ( المحلج ) فى تسنى. كانت الأرض مقسمة على سكان القرية كل حسب أستطاعته وتقوم الشركة بتمويل المزارعين بالحبوب والسماد والحرث بالتراكتورات وتقديم بعض المنح ( سلفية )

للمساعدة – ثم فى نهاية الموسم يتم خصم كل الديون ويقسم المحصول شراكة بين الفلاح والشركة ويباع حسب سعر السوق وكان السيد أبوبكر ياقوت من أكبر تجار شراء العيش. كان الفلاح يحصل على فدان واحد مقابل كل خمسة فدادين يزرعها مجانا ( بقشيش ) أى لا يدخل محصولها فى شراكة مع الشركة .

كان كل من يأ تى الى القرية ويستقر فيها يحصل على حق الزراعة وذلك ما جعل القرية قبلة لهجرات متتالية وكبيرة من مختلف أنحاء أرتريا. كذلك كان هناك محلج القطن فى تسنى وذلك أيضا جذب المئا ت

من العما ل.

مشروع بهذه الضخامة بمقاييس ذلك الزمان تطلب أستيراد عمالة من مختلف أنحاء القا رة – لذا رأينا

عمالا من أثيوبيا ومصر والسودان واليمن والسعودية ونايجيريا وصلوا وأستقروا فى القرية وتزاوجوا

وتما زجوا مع السكان المحليين. أما على المستوى الأرترى – فليس هناك قبيلة أو أقليم لا يوجد لها من يمثلها فى القرية وحتى الديا نا ت المختلفة بما فى ذلك الوثنية.

الأدارة كانت أيطالية بداية من كسبرينى ثم قمبرينى و كا نا بمثابة رئيس مجلس أدارة الشركة أو وكيلها الرسمى ولكن مقرهما كان فى روما ولا يأتيا ن الا نادرا. أما المدير التنفيذى المقيم فى القرية فقد كان

( ولد نا سى ) ومعه مستشار فنى ( جرمانى ) وآخر أدارى ( سوشى ). وفى فترة الأنتداب البريطانى أصبح المدير العام أنجليزيا ( ميجر باين ) ولكن مساعدوه كانوا أيطاليون با لأضافة الى بعض الأدارا ت جاء بها الأنجليز من السودان ( مهندسون وكتبة ومحاسبين.) أما على مستوى الأرتريين فقد كان واجهة الشركة وحلقة الصلة بينها وبين المواطنين ( بلاتة يسن شيخ الدين ). أما الخبراء والمشرفين الزرا عيين على الأرض كا نوا :

بلا تة جابر عمر – بلاته على أحمد – با شاى محمد على – بلاتة أدريس أفتاى بلاتة جمع ألمداى – أسماعيل عثمان – خليفة درقى – على أدريس بلسا – را كى با رياى – موسى جمع أمبا رك – على با لع – وفى مرا حل لاحقة عبدة أدريس أفتا ى وعبد المجيد با شا ى . ومن الكتبة والأداريين :

1- السيد\ منصور ( من السودان ).

2- السيد\ سيد أفندى ( من السودان ) .

3- يسن موسى –

4- أبوبكر على أحمد –.

5- بلاتة ملكين حشل –

6- أبوبكر حاج محمود –

7- يوهنس دمزى

8- حمد محمد ها شم

9- تنسيؤ أربد

10- أبراهيم أحمد عثما ن

11- أبرا هيم محمد آدم

وفى الورشة وسائقى التراكتورات والسيا رات كان : جيوفا نى أشرى – أدريس ميشا – محمد نور قرزا عبده على فا يد – عبد الله بجيبيج – أدريس بعقوب – أبراهيم عافة – صالح قراى – جمع عقباجون – آدم جميل – أدريس محمد عبدل – محمد حا مد لجا ج – صا لح جميل عبد الرحمن محمد عبدل– دبساى وفى مرحلة ( برا تلو ) توسعت العما لة بصورة كبيرة وشملت تقريب جميع أ بناء القرية.

كان المشروع معظمه يزرع ذرة ومساحة أقل تزرع قطنا – ولكن بعد دخول الأنجليز وتوليهم أ لأدارة أوقفوا القطن وزرعوا المشروع كله ذرة. ولكن بعد سنوات عاد ت الأدارة الى الأيطاليين وبدأوا فى زراعة القطن بل وتوسعوا فى الأستثمار حيث أحتكروا محصول القطن فى مناطق ( فا نكو – وتكمبيا – أوقارو—القاش – سيتيت حتى أم حجر ) . كانوا يمدون المزارعين ببذرة محسنة وخاصة لزيادة الأنتا ج

ثم يشترون المحاصيل بسعر السوق وكان أنتا جه أكثر من أنتاج المشروع الرئيسى وذلك لتموين وتشغيل المحلج. هذا المشروع الأضافى كان بأ شرا ف ( بلاتة جابر عمر ).

بدأ المشروع يعطى ثماره خاصة على مستوى الأستقرا ر الأقتصادى والأجتماعى ولكن عدم قدرة تطور الشركة جعلها لا تستفيد الفائدة القصوى من الفرص المتاحة با لأضافة الى ظهور مطامع أخرى أقليمية ودولية للحصول على هذه الهبة الربا نية !؟ هنا ظهرت عطاءات ومنافسات فازت بها فى نهاية الأمر شركة أوربية ولكن حدث تدخل سافر وغريب يعكس جشع وطمع رأ س الما ل العالمى وقدرته على أستخدام كل الوسائل للفوز بالغنيمة. لقد تحالف رجل الأعما ل ( برا تلو ) مع حاكم أرتريا ( أسرات كا سا ) وعقد معه صفقة كا نت نتيجتها الفوز با لعطاء ! كيف ؟ هذا ما حد ث

أنتشرت أشاعة فى القرية أن الشركة الأوربية هى شركة أسرائيلية وبا لتا لى تم تنظيم مظاهرة من المواطنين أحتجاجا ضد الوجود الأسرائيلى وجاء مصورون من أسمرا با لطائرة لتصوير ا لمظاهرة ونشرها فى الصحف الأرترية !!

أنسحبت الشركة الأوربية وفاز ( براتلو ) بالعطاء !؟

فى هذه المرحلة بنت الشركة المدرسة وكانت تساعد على توفير الأ سا سيا ت من أحتياجات المواطنين من

ماء وصحة ومحاربة الآ فات والبعوض وحماية البيئة. كا ن المزارع بعد جنى المحصول يبيع جزءا منه لسد حا جاته اليومية ويخزن ما تبقى فى ( مطمورة ) ليأ خذ منها كلما دعت الحا جة. ويظل بقية العام بلا عمل الا أذا كان يتقن حرفة معينة يزاولها لزيادة دخله أو يزرع مساحة أضافية فى أراضى ( المطرى )

وهى مفتوحة لمن أراد ولكنها تعتمد على الأمطار لذا فهى غير مضمونة . وكان للشركة مجموعة حراسة للمشاريع ضد دخول الأبقار اليها وكانت بقيادة شا ويش أبراهيم وهو من الكوناما. وقد تم بناء جامع القرية الوحيد والكبير فى تلك الفترة بقرار من ( كسبرينى ) بعد أن قام بعمل مسح لديانة أغلبية السكان.

المرحلة الثانية – براتلو 1966- 1977

هذه كانت مرحلة الأنطلاق والتوسع والأنتشا ر – وصلت ميزانية الشركة الى أكثر من خمسة ملايين بر

أثيوبى – زادت مساحة المشروع بأ كثر من عشرة آلاف فدان – أستيراد معدات وآليات زراعية حديثة

( تراكتورات سامى – بوكلين – كاتر بيلر فيرجسون الخ …) وأستخدام طائرات لرش المبيدات والتسميد الحديث. تقنية زراعية متطورة من السقى والزرع حتى الحصا د.

تم تغيير أساليب الرى والزراعة وجنى المحاصيل حيث أصبحت آلية ما أستد عى توظيف عشرات

كسا ئقين وميكانيكيين بمرتبات فاقت ما كان يحصل عليه مفتش مديرية فى الدولة. زاد أيراد المحصول بسبب تلك الثورة الزراعية وتضاعف سبعة مرات وتم حفر خزان أضافى على مدخل القرية لأستخدامه وقت الحاجة.

تد فق العما ل وتوسعت الأعما ل الحرة ( مطاعم ومقاهى ومتاجر ) حتى وصل تعداد السكان الى أكثر من عشرة آلاف فى موسم الخريف. تم أفتتاح مطار على مدخل القرية وكانت هناك طائرة لأدارة المشروع تتحرك بها الى أسمرا ويمكن أيضا أستئجارها من أى كان مقا بل مبلغ من المال. دخلت الكهرباء الى كل المرافق والشوارع حتى الصباح مجا نا وأصبحت تلك القرية الصغيرة هى قبلة سكان مدينة ( تسنى – المركز ) !

تحولت القرية الى ( مدينة ) بكل ما تعنى الكلمة من معنى – كا ن جرس المدرسة فى الصبا ح وبعد أنتهاء الدوا م ثم صفا رة الغداء فى مكا تب وورشة الشركة وفى المساء كل ذلك جعل القرية تسير على أيقا ع واحد وموحد ومنتظم لا يشبه أيقا ع القرى فى شىء – كا نت عقا رب السا عة هى التى يتا بعها النا س حتى يضعوا برنا مج يومهم.

أنتهت البطالة من قاموس القرية وحتى الطلبة كانوا يجدون عملا فى الأجازة الصيفية ( ماركو تيمبو ).

جذب المشروع قطاعا ت وشخصيات كانت لها مكا نتها فى مدنها ومنا طقها مثل الحاج ( دبساى قرزا ) من أعيان مدينة أغردات ومفتش سابق جاء الى القرية وعمل فى أدارة العلاقات العامة فى الشركة. آخرون أيضا من المرتفعات وصلوا الى القرية وبدأوا حياة جديدة. بدأ العمل فى بناء مستشفى كبير وأفتتحت محطة بترول لتزويد الوقود لبا صا ت الشركة والسيارا ت الخا صة والدرا جا ت النا رية !؟

أصبح المشروع كله قطنا ما عدا مساحات قليلة للذرة. والشىء الجديد كان دخول الجيش الأثيوبى وتمركزه فى القرية الى جانب قوة صغيرة من البوليس كانت منذ المرحلة السا بقة. الشىء الجديد الثانى كان بناء كنيسة بسبب تزايد أعداد السكان من المسيحيين .

الأدارة – كان براتلو هو المالك والمشرف العام ولكن كانت الأدارة المحلية من ( سوشى ) وأخيه ( باولو )

جاء الجيل الجديد من أبناء القرية ليشغلوا الأدارة حيث أصبح ( أدريس يسن شيخ الدين )

مديرا و ( محى الدين عثمان قلايدوس ) مستشارا ومشرفا على برنامج مكافحة الآفات وهو قسم توسع وتطور. وتوسعت أدارة الشركة لتضم مهندسين وخبراء ومحاسبين من كا فة أنحا ء أرتريا.

الموظفون والعمال الذين بعملون بصورة موسمية هم آلاف عديدة وجميع أبناء القرية تعلموا مهنة جديدة وأرتفع المستوى ا لأقتصادى للفرد أصبح المشروع فى مرحلة جديدة و تلك كا نت بداية مرحلة الأنطلاق الى الفضاء !؟

رمضان كريم.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16732

نشرت بواسطة في أغسطس 8 2011 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010