السيادة بين مطرقة الجهل وسندان التجاهل
بقلم : عمر عبد الله
كاتب وصحفى ارترى al.siyada@yahoo.com
لماذا يصر البعض من المثقفين على غمض العينين أو وضع العدسات اللاصقة لإخفائها كي لا ترى الحقيقة كاملةً إلا إذا جاءت على مقاس الفئة واللون الذي يشتهونه أو يعبر عن رغباتهم اللحظية المتغيرة (لا عن رغبات المجتمع الإرتري السيادية الثابتة)، فتجد هذا يتحدث عن الدكتاتورية ولا يرى سوى ذاك القابض على السلطة وآخر يتحدث عن جانب آخر كالتشابه مثلاً بين ديكتاتور وآخر وهكذا دواليك يبتعد الشباب عن لب الموضوع وأساس المشكلة ، إننا أيها الحادبون على مصلحة الوطن أمام واقع مأساوي نفتقد فيه الى الديمقراطية في الوقت الذي نجهل آليات تطبيقها تماماً كما نجهل آليات نزع الديكتاتورية ، ولهذا لانتردد في الإنفعال لمجرد رفع الشعارات لنهتف بكل سهولة ونبصم بالعشرة ونقسم بأنها الديمقراطية ورب الكعبة ، وكل ذلك يحدث قبل أن نرى ثمار هذه الشعارات (أي آلياتها التطبيقية أو التنظيمية)، وأحياناً تكون ثمرة الشعار المرفوع مقروءة ومعروفة من عنوانه ومن خلال رصيد التجربة السابقة له وبالتالي لا يحتاج المرء منا الى عناء إنتظار النتيجة .
إن حال الشعب الإرتري اليوم ينطق عن مستوى وعيه وعمق تجربته التي دعته الى عدم تصديق شعارات القيادة المعارضة (في التحالف) لخبرته السابقة بماضيها في الثورة، مما يتأكد لنا أهمية بناء الثقة والمحافظة على المصداقية قبل كل شئ، ومن الطبيعي والحال هذا أن نرى أجيالنا الناشئة هي الأخرى تتبع هذا المسار المتشكك ولا تصدق أن من فقدوا مصداقيتهم سابقاً يمكنهم تطبيق الشعار المرفوع القائل أن الشعب هو مصدر السلطة والسيادة، والمحصلة لهذا الإنطباع العام كانت خلو الساحة المعارضة من الجماهير المناضلة المدافعة عن حقوقها لأن السياسيين (في نظر الشعب) أصبحوا لا يؤمنون بتلك الحقوق بل يحاولون إستغلال التطلعات الجماهيرية والشعارات التي تدل عليها كقنطرة عبور الى عرش السلطة النائبة عن الشعب بدون وجود عقد إجتماعي يحدد شروط المالك ومساحة صلاحياته السيادية الممتدة ، ولذلك نرى عندما تنتهي مرحلة الإنتخاب وتأتي مرحلة التطبيق تختفي تلك الشعارات المساندة للجماهير عن الواقع العملي، وهكذا في كل مرة تمر الجماهير بإنتكاسة وخيبة مع كل منعطف نضالي يستهدف السلطة أوينادي بحقوقها، ولهذا ندعو الشباب الى دراسة الواقع الإرتري هذه المرة دراسة واعية مدركة للأبعاد والمسارات التي يتطلبها التغيير الديمقراطي ، لا الإكتفاء بترديد الشعارات والتركيز على التلويح بالعبارات والجمل التي تنادي وتتحدث عن الديمقراطية دون التطرق الى السلوك الديمقراطي الذي نريد والآليات التنظيمية التي تحقق الديمقراطية واقعاً ، لنعمل معاً على ترجمة مطالب الشعب وحقوقه الساقطة عن المعادلة السياسية التقليدية ذات العدسة اللاصقة ، وعندما نريد التغيير يجب أن نحدد على مقاس من نريد ؟؟؟ الشعب أم كيان آخر … من خلال عقد قانوني مٌلزِم (مكتوب) أم من خلال عقد عرفي غير مٌلزِم (منطوق)!!!.
إن الحديث عن الديمقراطية وكأن وظيفتها منحصرة في تطبيق شعار التعددية السياسية ولا تسعى لأن تكون إلا على مقاس حقوق القوى السياسية وصلاحيات آلياتها التنظيمية للحياة وفق ما تراه فقط يعتبر تفريغ للوعاء الديمقراطي الشامل من مضمونه ، فالديمقراطية هي حكم الشعب (الكل) وليس حكم (الجزء) نواب الأحزاب السياسية وممثليها في البرلمان ومجلس الوزراء ، إننا بكل وضوح نريد أن نجعل شعار الشعب مصدر السلطات (السيادية والسياسية) واقعاً مشهوداً له آليات وقواعد تنظيمية وأخلاقية تعمل على ترجمته وحمايته، وإلا أصبحت الديمقراطية مجرد شعار أو سٌلَم لمن يرغب في السلطة ، وحتى لا يحدث هذا بالتحديد راقبنا الحراك السياسي الإرتري عن كثب وإنتظرنا أن يأتي بالجديد خلال عقدين من الزمان مرت على الإستقلال ولكن القوى السياسية لم تتخلص من ركام واقعها القديم ولم تنهض من سبات تشبثها بفكر غيرها وبرامجه السياسية التي أصبحت بعد نقلها بالكربون هي الممثل والقالب التنظيمي الوحيد للفكر الإرتري ولبرامج قواه السياسية جميعها ، ثم طال بنا الإنتظار وأٌستنفد الوقت في قضايا أخرى إنصرافية لا ترقى الى مستوى هذا الهدف الإستراتيجي بالنسبة لشعبنا الإرتري ، ولم يتجرأ حزب أو تنظيم سياسي على الخروج من هذه الدائرة للأخذ بزمام المبادرة نحو التغيير ، ولذلك ظلت الساحة مرتعاً خصباً لكل ماهو قديم ولكل ماهو طارد للتغيير ، الى درجة أن القوى الجديدة الشابة هي نفسها إضطرت الى إرتداء ثوب التقليد والمحاكاة لعلها بذلك تجد لها مقعداً بين الأخريات ، لكن حزب السيادة الوطنية لم يتجه هذه الوجهة ولم يقبل بأسلوب المجاملة والمحاباة لغير الحق وبالتالي رفضنا أسلوب الإحتكار القابض على الساحة بيد من حديد والمانع لظهور قوى أخرى نظيرة لها تعبر عن رغبات ومطالب الشعب الحقيقية سواها (تنظيمات التحالف) .
وعليه رفعنا شعار التغيير بصورة علمية جريئة دون خوف من تحمل التبعات ، وذلك بعد أن قرأنا الواقع بعدسة السنن الكونية وتنظيمها الأحادي والثنائي (أوالرأسي والأفقي) ، ولهذا تميزت خطوتنا بالشفافية والإخلاص والإحاطة الشاملة للواقع الإنساني ، ولم تغب عنا في خضم هذا البحث الأسباب الرئيسية (الكبيرة أو الدقيقة التي في حجم الذرة) التي وضعت المجتمع الإنساني عامةً والشعب الإرتري خاصةً في هذا المأزق الإنساني البائس الذي يئن من وطأت الديكتاتورية ومن تطاول الحكام على سيادة الإنسان (الفرد والمجتمع) ، كان ظهورنا حتمي ورفعنا للحقوق المهضومة مصيري ، لا خيار آخر أمامنا غير هذا الطريق الشائك ، نعم كان لابد لنا من إستعادة بوصلة الإتجاه وتحديد المسار الصحيح لعملية التغيير والقيام بتوليف المعادلة وضبطها كي نحدث التوازن بين الواقع الإجتماعي والسياسي الإرتري ونشكل من طرفيهما المعادلة الصحيحة الموزونة لكيان الدولة، ولابد أيضاً من تحديد وظيفة كل طرف وأدواره وصلاحياته المستقلة عن الآخر لكي نحافظ على معيار التوازن من الإختلال عندما يحدث التداخل بين الطرفين داخل أروقة المؤسسات الدستورية للدولة ، وعليه كان شعار فصل النظام السيادي عن السياسي للدولة خطوة عملية جادة في هذا الطريق النضالي الجديد الذي سيعطي المجتمع مساحة عادلة من ثمار السلطة السيادية ويمكنه بالتالي من القيام بدوره كمؤسس لكيان الدولة والمستفيد الوحيد من وجودهذا الكيان.
وبهذه الخطوة فقط تنتهي مرحلة غيابه السابقة عن موقعه عرشه المرموق كصاحب ومالك للمؤسسة التنظيمية(الدولة) ، إن ثمار ثورة التحرير لا يمكن حصرها وتحديدها والإستفادة من معطياتها إلا من خلال تحويلها الى وعاء تنظيمي يمثل الشعب ككيان إعتباري له حقوقه ومطالبه وصلاحياته السيادية المستقلة ذات السهم الأعلى من سهم الحكومة (الموظفة لديه) ، فصاحب المؤسسة دائماً هو صاحب السهم الأعلى ثم يأتي الموظفون من بعد ذلك حسب مراتبهم وأدوارهم وصلاحياتهم التنظيمية (أليس كذلك..؟!)، وبدون هذه الخطوة يصبح الشعب بلا كيان ولاحقوق أومطالب أو صلاحيات يراعي من خلالها ويصون مقامه كحصن للكرامة ومنبع حيوي للسيادة ومصدر لفخر الأجيال السابقة أو اللاحقة .
هذا الكيان السيادي المستقل للمجتمع الإرتري المنظم هو أساس أي معادلة تنظيمية أو إدارية أو سياسية نريد أن نحقق من خلالها مكاسب للوطن أو المواطن ، وعليه يجب أن تنتهي مرحلة أن تدر العملية التنظيمية مصالح منفصله عن مصالح الشعب أو تفرز حقوق منفصله عن خارطة حقوقه أو مطالب منفصله عن مطالبه ، وعليه فإن مجمل ثمار الدولة وعملياتها التنظيمية يجب أن تجري في إتجاه المصب الرئيسي لمصالح الشعب الإرتري العليا ، ولا إطار آخر يحمي هذا التوجه التنظيمي الجديد سوى مؤتمر السيادة الوطنية ومولوده الشرعي مجلس السيادة الوطنية الذي يمنح الشعب حقه في الإستقلال عن الآليات التنظيمية التي لا تمثله ، وبهذا يتشكل الإطار الشرعي لتنظيم الشعب من خلال نواب يمثلونه في تأطير العمل السيادي وتفعيله ويساهمون بالتالي في إستعادة عرشه ومكانته الريادية من خلال صلاحياتهم وحقوقهم وأدوارهم السيادية المتمثله في الرقابة اللصيقة والمصادقة الفورية على أذونات الصرف والتوريد المالي وأذونات إتخاذ القرار وتفعيل الأوامر والموجهات والخطط والبرامج والمشاريع والإتفاقات المحلية أو الفدرالية أو العالمية .
وهنا قد لا يدرك البعض فحوى ماذكرناه في السطور السابقة وقد يتساءل لذلك :
كيف يمكن الفصل بين النظام السيادي والسياسي ؟
ببساطة يكون الفصل من خلال المهام ، فالرقابة مثلاً تكون لصاحب المؤسسة أي الشعب الذي يمارس سلطاته من خلال نوابه المنتخبون للقيام بأدوار سيادية على مستوى الحكم الفدرالي أو المحلي، ولا دخل لهؤلاء النواب بالمهام السياسية (كطريقة الإشراف أو الإعداد أو التنفيذ التفصيلي للقرارات والخطط والبرامج والمشاريع والإتفاقات ) ، لأن مهمة الرقابة تتم كتابياً عبر التصديق على الإجراءات السابقة داخل الهيكل الإداري للمؤسسة المعنية الذي يتولى من بعد المصادقة عليها إجراءات تفعيلها ، وبما أن مكاتب الرقابة الدستورية هي مكاتب سيادية متواجدة داخل الهياكل التنظيمية لجميع مستويات مؤسسات الدولة (السيادية والسياسية)، فمن الطبيعي أن تمر عليه أوراق تلك القرارات والخطط والمشاريع والبرامج والإتفاقات للتوقيع عليها كتعبير عن خلو الإجراء من أي خلل فني أو قانوني يخالف القواعد الدستورية المحددة لهذا النوع من النشاط السيادي للدولة .
أما من يتساءل عن كون هؤلاء النواب لهم القدرة على إصدار أوامر للقيادات العليا لتلك المؤسسات أثناء قيامهم بأدوارهم التنفيذية أو التشريعية (الحكومة والبرلمان)؟
بالتأكيد لن يحدث هذا لأن الصلاحيات السيادية لنواب الشعب العاملين في المكاتب الدستورية تنحصر في الإجراء المكتبي ، أما أمانة مجلس السيادة الوطنية فهي تملك حق مراجعة المجلس الوطني فقط في البرلمان (كجهاز رقابي وتشريعي) وتوجيهه من خلال تقارير وبيانات وقرارات دستورية وليست قرارات شخصية أو مزاجية صادرة من النائب لتحقيق سلطته أو مصلحته الفردية ، ذلك لأن مثل هذه الموجهات تأتي دوماً بعد إجماع عضوية أمانة المجلس السيادي عليها وليست تصدر كقرار فردي لرئيس الأمانة ، وعليه فإن مجلس السيادة الوطنية لا يملك حق الإجتماع أو الإتصال بالقيادات التنفيذية في جميع مستوياتها ولا التدخل في عملها (وبالتالي هو لا يملك الصلاحيات التي تخول له إصدار أوامره مباشرة لها)، لأن مهامه رقابية تشريعية على المستوى السيادي وحسب ، لكن عضوية أمانة مجلس السيادة تتضمن بالإضافة الى نواب الأقاليم التسعة قيادة كل المؤسسات السيادية المستقلة عن المؤسسات السياسية ، من قبيل رئيس أركان القوات المسلحة والجيش ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس المجلس الوطني للإعلام و محافظ بنك السيادة الوطنية (بنك إرتريا المركزي) ورئيس هيئة السيادة العامة للخدمة المدنية ، ومن خلال هذا الإنتساب تتلقى هذه الأجهزة موجهات وقرارات سيادية لمؤسساتها بعد تصويت غالبية النواب عليها ، أما إصدار الأوامر السيادية المباشرة فهي تتطلب التنفيذ الإداري أو العسكري وهي لذلك تعتبر مهام المحكمة وحدها (بجميع مستوياتها) وخاصة الدستورية التي متى ما إستلمت التقارير اللازمة لإصدار مثل هذا الأمر من خلال إجتماع دوري أو طارئ داخل أمانة مجلس السيادة ، يمكنها إجراء محاكمة لقيادة المؤسسة العليا حتى وإن كانت مجلس الوزراء ،فالمحكمة متى ما ورد إليها الطعن في أداء جهة سياسية أو سيادية من خلال التقارير والأدلة المادية المتوفرة لدى أحد عضوية رؤساء المؤسسات السيادية المستقلة في مجلس السيادة الوطنية أو لدى المكاتب الدستورية ، فهي بعد الإطلاع على حيثيات مايجري داخل تلك المؤسسة لها حق إصدار حكمها داخل المحكمة بعد المداولة والمرافعة العادلة ومنح الجهة أو رئيسها أو عضو من أعضاءها كل الفرص المتاحة للدفاع عن نفسه وإثبات العكس .
وقد يسأل أحدهم إذا كان العقد التجاري أو عقد العمل هو الذي يحكم العلاقة التجارية القائمة بين صاحب المؤسسة وكبار موظفيها أو صغارها لتحديد الحقوق والصلاحيات والأدوار .. فلماذا يجرؤ الموظف عند كتابة العقد أن يملي على صاحب المؤسسة شروطه أو الحقوق والأدوار والصلاحيات التي تناسبه متجاوزاً بذلك المصلحة العليا لصاحب المؤسسة.. ولماذا يصح من الموظف أن يطالب مالك المؤسسة التنازل عن صلاحياته وحقوقه وأدواره السيادية (أي التي تبين أنه سيدها ومالكها) كأساس لقبول العلاقة أو رفضها ؟
بالطبع لا يعقل ذلك ولا يصح قطعاً إلا إذا كان صاحب المؤسسة جاهل ببرتوكول هذا التعاقد وغير مطلع بالقوانين الدستورية التي تنظم هذا النشاط ، أو بإختصار يمكن للموظف إستغلال أصحاب الملكية إذا كانوا غير متعلمين أو جاهلين بحقوقهم السيادية التي تخول لهم وضع الشروط وتحديد الآليات التنظيمية المناسبة لمؤسستهم.
وقد لا يعجب السائل إختصارنا للإجابة فيتساءل مجدداً : إذا كان هذا السلوك أخلاقياً لايصح فلماذا يخالف الإنسان المتعلم ضميره ويتجاهل المحكمة التي ستجري (يوم القيامة) للبت في هذه المخالفة بعد الموت من قبل خالقه..؟؟؟ ، ألا يشبه ماحدث لصاحب المؤسسة التجارية مايحدث للشعب صاحب المؤسسة التنظيمية (الدولة) عندما يجعل السياسيون العقد الإجتماعي القاضي بتوليهم السلطة مشروط بتنازل المجتمع من كل حق له في السلطة أو السيادة الجماعية (الإرادة العامة) طوال فترة صلاحية هذا العقد ؟؟؟ أليس الهدف من إنتخاب نواب الأحزاب السياسية وممثليهم ليباشروا مهنة أوظيفة تنظيمية وليس الهدف نقلهم بهذا الأداء الوظيفي من مستوى أدنى الى مستوى أعلى من صاحب المؤسسة (الشعب)؟
بلا شك أن أسلوب التحايل والخداع والضحك على العقول وتجاوز المنطق السليم والحق الأخلاقي القويم هو سلوك غير حضاري ولا يشرف صاحبه ولايمنحه حق التمثيل لغيره أو شغل الوظائف الإجتماعية العامة التي تدر ثمارها للمصلحة العامة وليس لأصحاب الكراسي والمراكز الطامعين ، وبالتالي من يمارس هذه الأخلاقيات فهو منعدم الضمير ومن الطبيعي أن لايخشى مصير محاكمته يم القيامة على ممارساته تلك .أما بخصوص أنها تشبه مايحدث للشعب أم لا .. بالتأكيد هي صورة نمطية تتكرر لأن الهيكل التنظيمي للدول يبيح ترجيح المصلحة بغض النظر عن حجم المفسدة التي تخلفها إجراءات جني المصلحة ، وذلك لأن العامل الأخلاقي هنا يرجح المكسب ويشجع الموظفين للسير في هذا الإتجاه ، لأن الخطب والمبادئ والقيم الأخلاقية لن تتحول لقطعة خبز تسكت الجوع ولن تصبح نقوداً تسدد لك إيجار البيت أو أقساط الأساس أو فاتورة الديون وفاتورة الكهرباء والماء والتلفون الخ …هذا هو المنطق السياسي العقيم الذي أصبح يضرب بالأخلاق عرض الحائط ويصطنع الأعذار والمبررات للترويج لهذا المبدأ السياسي الجديد على مجتمعنا الإرتري (المسلم والمسيحي) ، وبهذاالمنطق الغريب يتم إغراء الجماهير وقطاع الشباب والمرأة والعمال الخ… وخداعه بضرورة السير في إتجاه العولمة السياسية والإقتصادية …الخ ، ومن خلال فصل الدين عن الدولة والأخلاق عن السياسية ، والشعب عن السلطة، تم تفريغ الدين والدولة والسياسة والأخلاق والشعب والسلطة من المضمون ، بينما الأضواء والصلاحيات أصبحت مركزة في يد النخبة القابضة للسيادة والسلطة والثروة الإرترية، وبعد إجراء كل هذه العمليات الجراحية (الغير أخلاقية) التي تمت تحت الكواليس أصبح الحديث عن سلطة المجتمع تعني الحديث عن سلطة النخبة الحاكمة وبالتالي عندما يتم إنتخاب نواب الأحزاب وممثليها للبرلمان أصبح مألوفاً أن نسمع بأن الهدف من وجود سلطة تنظيمية من موظفي الدولة الكبار (رئيس البرلمان أو رئيس مجلس الوزراء) هو تحديد وتنظيم مقدار وحجم الحقوق والأدوار والصلاحيات التي يستحقها نواب الشعب (وليس الأحزاب) بعد إنتخابهم من الأقاليم المختلفة في عضوية البرلمان وسلطات الدولة المختلفة ، ومن ثم ندرك بالبداهة أنَّ من لم يتم إنتخابه من أفراد الشعب يصبح محكوماً عليه بالخضوع ونزع السيادة منه وتقليص الكرامة التي بحوزته الى مستوى نفذ ثم ناقش أو نفذ ثم عش ومن يرفض يصبح مطارداً من القوانين التي تصدرها الحكومة لحماية سلطتها، وبالتالي يصبح الأفراد بلا حصانة ترعى سيادتهم ومع الوقت تصبح تجمعاتهم السكنية مجرد مكب لغثاء البشر المتجمع كغثاء السيل ولا حولة ولا قوة إلا بالله.
ومن ثم نقول أن إنتخاب عضوية البرلمان أو الحكومة لا يعني ترقية إنسانيتهم الى مستوى يخول لهم تجاوز كرامة الآخرين أو نزع سيادتهم على الشئون العامة المرتبطة بحياتهم الخاصة ، فالنائب مجرد موظف يجب أن يتقيد بقوانين التنظيم السيادي والتنظيم السياسي للدولة ، وفي هذا يتساوى عضو المؤسسة السيادية أو السياسية أي عضو مجلس السيادة الوطنية وعضو المجلس الوطني ، فإن لم نراعي هذه المستويات السيادية والسياسية عند تأسيس البناء التنظيمي للمجتمع والدولة فقل على التغيير الديمقراطي السلام ، فلا ديمقراطية ذات جدوى إذا أصبحت السيادة (سيادة الشعب) واقعة بين مطرقة الجهل وسندان التجاهل . يتبع <<<<
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16926
أحدث النعليقات