الوحدة الوطنية ودورها في السلم الاجتماعي
بقلم / محمد عمر مسلم
(الوحدة ) محببة إلى النفوس، وهي محصلة الوفاق والتعاون والرضا بين الشركاء ومن ثمارها على المجتمعات القوة والاستقرار والسلم ( تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا … وإذا افترقن تكسرت أحادا ) ونقيض الوحدة التنازع والاختلاف وعاقبته الفشل وذهاب القوة وهذا بدوره يهدد أمن واستقرار المجتمعات قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فالكائنات الحية بفطرتها تميل للوحدة والعيش في تجمعات تشعرها بالأمن والاستقرار، ويأتي على قمة هرم المخلوقات الإنسان بما حباه الله من عقل وتكريم، كان لطبيعة الإنسان دور في إقامة العديد من أشكال الوحدة في إطار الأسرة والقبيلة والعشيرة حماية لمصالحه الحياتية، فمثلا كان المجتمع الإرتري القديم عبارة عن قبائل متناثرة في الوديان وعلى سفوح الجبال، كل قبيلة تشكل وحدة مستقلة، لها حدود جغرافية، تقاتل دونها لتحمي مصالحها، مع تطور نمط حياة الإنسان تطور مفهوم الوحدة بعد تكون المدن الحديثة وقيام الدول، ومع التطور المستمر ظهرت أنماط جديدة للوحدة مثل الوحدة بين الدول ( الكنفدرالية ) كالإتحاد الأوروبي، والوحدة بين ولايات الدولة الاتحادية ( الفدرالية ) كالولايات المتحدة الأمريكية والعولمة التي تجاوزت حدود الدول هي الأخرى شكل من أشكال الوحدة فرضتها المصالح المشتركة وتداخل المنافع المتبادلة، ومتى كانت الوحدة بصورها المختلفة برضا أطرافها ( طواعية ) حقق مقاصدها وأهدافها سواء كانت في إطار الأسرة والقبيلة والدولة الموحدة والكنفدرالية والفيدرالية بالمقابل نجد أن أسوأ الوحدات الوطنية تلك القائمة على الإكراه والظلم والاستبداد كما الحال في إرتريا والاتحاد السوفيتي واليوغوسلافي سابقا، الاختلاف والتنوع الفكري والثقافي والعقدي سنة كونية بين البشر وهو مدخل أساسي للتعارف بين الشعوب والقبائل قال تعالى (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) وأرضية صلبة لتقارب الشعوب والأمم وعامل مهم لإثراء الحضارة الإنسانية تكاملا لا تصارعا، فأي وحدة لا تنطلق من منظور إيجابي للاختلاف والتنوع في المجتمع ستكون وحدة تصادمية قاصرة في استيعاب عناصر التنوع والاختلاف ومخرجاتهما في المجتمع، حاجة الشعوب للوحدة الوطنية، لا تقل أهمية عن حاجتها للغذاء والماء فالوحدة الوطنية مصدر الأمن والأمان، والسلم والاستقرار، والوفاق والوئام وهي من لوازم التطور والرقي والتنمية في المجتمعات، فغياب الوحدة الوطنية يكرس الاختلاف والتنازع والفشل في المجتمع وهذا يؤدي للفتنة والاقتتال بين مكونات المجتمع خاصة في حال وجود ظلم واضطهاد من طرف تجاه الأطراف الأخرى كما هو الحال في كثير من المجتمعات التي تحكمها أنظمة دكتاتورية ،.
العوامل المساعدة في بناء الوحدة الوطنية أهمها توفر الإرادة والرغبة لدى مكونات المجتمع، تحرير نقاط الخلاف عبر حوارات مسئولة على جميع المستويات لتهيئة الأجواء المساعدة في بناء الثقة، الإقرار بالثنائية ومخرجاتها في المجتمع، توحيد العمل والجهود لإسقاط النظام الذي دمر مقومات الوحدة الوطنية بممارساته الدكتاتورية الإقصائية، العمل على بلورة التاريخ والمصير المشترك، والمصالح المشتركة للشعب الإرتري، الإعداد المشترك لإصلاح ما أفسده النظام في المنظومة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لما بعد سقوط النظام
جاء في مسودة الدستور الانتقالي التي أعدتها لجنة الشؤون السياسية التابعة للمفوضية الوطنية الإرترية للتغيير الديمقراطي في المادة ( 3 ) الوحدة الوطنية ما نصه ( إرتريا وطن موحد قائم على تراضي جميع مكوناته للعيش فيه، واعتبار التنوع قي إرتريا مصدرا من مصادر القوة التي تعزز وحدته ، وتعمل الدولة والشعب على تدعيم وتعزيز روح الوفاق والوحدة الوطنية بين الإرتريين كافة اتقاء لشر الفرقة وتمزيق الوطن والسعي للقضاء على كل أشكال الغبن وإزالة المظالم ، وتضميد الجراحات التي أصابت جدار الوحدة الوطنية )
في البدء أشكر المفوضية بوجه عام والجنة السياسية فيها بشكل خاص على ما تم انجازه من أوراق، ستعطي للمؤتمر القادم أهمية ودورا مهما في مسيرة التغيير الديمقراطي، وكونها تملك للشعب بوقت كاف للإطلاع عليها قبل عقد المؤتمر انجاز آخر يضاف إلى رصيد المفوضية إذ سيساعد ذلك على بلورة الكثير من القضايا التي طرحت في الأوراق إضافة أن طرحها بهذا الشكل هو نوع من الاستفتاء المبكر حول ما جاء فيها، وقد تابعنا ردودا متباينة على مسودة الدستور، وعلى ما جاء فيها من مواد وهي بالجملة متوقعة ومشروعة، لكن بعض الأطراف كانت متطرفة في رأيها لدرجة رفضها فكرة إعداد مسودة الدستور الانتقالي، وهي نفس الأطراف التي كان لها موقفا متطرفة من ملتقى الحوار الوطني الإرتري ومخرجاته، والعجيب في الأمر أن تلك الأطراف إعتبرت مسودة دستور الجبهة الشعبية بمثابة دستور للبلاد وهي لم تجز من الشعب الإرتري في الوقت الذي تنكر على المعارضة حق إعداد مسودة دستور ستطرح في المؤتمر القادم، كان حري بهؤلاء أن يكونوا جزء من الحراك السياسي الذي تشهده ساحة المعارضة وطرح ما عندهم من أراء وتصورات، بدلا من التشكيك والتشويش على كل جهد وعمل تقوم به المعارضة، ومن المفارقات العجيبة مقاطعة تلك الأطراف لنشاطات قوى المعارضة بينما نجدها تلتقي مع النظام الدكتاتوري في مساحات مختلفة سرا وعلانية، هؤلاء يحرقون مراكبهم بأيديهم ويكشفون للشعب قبح مواقفهم، وإلا ماذا نقول فبمن يجعل من أولوياته التصدي لكل جهد يوحد ويقوي صف المعارضة، كان الأحرى بأصحاب الاتجاه المعاكس أن يبقوا في صف المعارضة ويطرحوا ما عندهم فإما أقنعوا مخالفيهم برأيهم أو اقتنعوا برأي مخالفيهم في المعارضة ولعل لهذا الهروب من المواجهة ما يبرره من ضعف الحجة والبيان عند هؤلاء, لذلك آثروا سياسة الهروب إلى الأمام ورفع الصوت والضجيج وإثارة الغبار للتشويش على كل إنجاز تحققه قوى المعارضة.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=16956
أحدث النعليقات