اتـعـظــوا
هناك لعبة مدمرة أجاد أداءها (أسياس أفورقي) ببراعة يحسد عليها، وهي عملية استدراج استخباراتية ينخر من خلالها على جسد التنظيمات المناوئة له بغية القضاء عليها وامتلاك زمام المبادرة في الشأن العام دون غيره. ويبدو أنه بدأ حبك الخيوط الأولى لهذه اللعبة يوم تخندق في “عالا” وكانت أول مجموعة جربت فيهم هم مجموعة – سيدوح عيلا – من خلال زرع عناصر قيادية في داخلهم وتضليلهم بشعارات تقدمية كانت نتائجها وبالاً على الشعب الإريتري وكانوا هم ضحاياها فيما بعد. وقد تواصلت فصول اللعبة في مختلف مراحل الثورة وخاصة على تلك التنظيمات التي كانت مستقرة بالقرب من الحدود السودانية قبل التحرير، وهي تنظيمات كانت قريبة من بعضها البعض في الرؤية والأهداف إلا أن “ودي أفوم” ظل ينهش في جسدها المتعب من طول المسافة وأمراض الزمن الرديء حيث استمر في لعبته المفضلة – بوسم هذا التنظيم بالوطني والتقدمي والآخر بالرجعي والقبلي ودون المستوى الوطني فيبدأ بالتقرب ممن تكرم عليهم بأوسمة الوطنية لتزيد المسافة بعداً بينهم وبين من تم تلطيخه بالتخلف والرجعية – وهكذا تواصلت اللعبة – الفلم – حتى يوم التحرير ليعلن يومها عدم اعترافه بالجميع حتى أولئك الذين أغدق عليهم بأوسمة الوطنية ليضعهم أمام خيار واحد هو الدخول إلى إرتريا بصفتهم الفردية شاطباً بجرة قلم تنظيماتهم. فقبل البعض ولبى النداء وذهب خلسة إلى أسمرا دون أن يودع أو يقول مع السلامة لتلك الجماهير التي كانت تقف معهم وتساند تنظيماتهم ليتكرم عليهم حضرة الدكتاتور بفترة إقامة محدودة في فندق نيالا، ليتم بعضها تجميعهم في مشهد أقرب إلى المحاكمة منه إلى التكريم وليقفوا هم كما علاء وجمال وينادي عليهم فرداً فرداً ليجيبوا على طريقة آخر فراعنة مصر – نعم يا أفندم موجود. ليعلن عليهم وبلغة أمه متجاوزاً هذه المرة لغات أمهاتنا التي سهر الليالي من أجل تطويرها ودفعها إلى مصاف لغات الدنيا الحية دون أن يجد الثناء من ناطقيها الذين أصيبوا بداء عضال يسمى لغتنا العربية وثوابتنا الوطنية والذي لا شفاء منه إلا بإيقاف عودة جحافل لاجئيهم وسلب أراضيهم. ليعلن لهم بأن يفروا إلى الله هكذا كانت خاتمة بعض تنظيماتنا وهكذا تواصلت اللعبة وليتها توقفت. ما دفعني لكتابة هذه المقدمة هو الابتسامات العريضة – الخبيثة – التي يوزعها – حزب الشعب يمنة ويسرى ويتقرب من بعض التنظيمات ويبتعد عن آخرين ليستجيب له هؤلاء الذين تم تقريبهم ويبعثوا برسائل تهانيهم في مؤتمره الأخير دون أن يسألوا أنفسهم من الذي ظل يقف عقبة في طريق العمل الجماعي منذ عقد من الزمان؟ ألم يكن حزب الشعب أو مكوناته الحالية تفرض شروطها؟ ولا تخفي ازدراءها من الآخرين؟ ألم يكن هو الذي ظل يعترض على ملتقى الحوار الوطني عندما تأكد له أنه لا يمكنه أن يفرض شروطه، ليعلن أخيراً مقاطعته للملتقى وخروجه من التحالف وتكوين مظلة جديدة نقيضه لما هو قائم _ ألم يكن ممكناً لو كان حزب الشعب جاداً في العمل مع الآخرين إصلاح ما يراه اعوجاجاً في عمل التحالف دون اللجوء إلى القطيعة وإعلان تجمع آخر؟ إننا نرى تكراراً لأفعال “أفورقي” وكأن التاريخ يعيد نفسه. فهل تتعظ التنظيمات الإرترية وتوقف حالة التجريب التي أدمنت ممارستها؟
عبد الرحمن محمود
Abdali0101@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17272
أحدث النعليقات