هل يعيد التاريخ نفسه ؟ …وهل تكرر اثيوبيا اخطاء الماضي بالوقوف الى جانب طرف ضد طرف آخر من اطراف الشعب الارتري ؟؟؟
محمد عثمان ابراهيم
صورة اثيوبيا التاريخية المحفورة في الذاكرة الجمعية للشعب الارتري ، هي بالتاكيد ليست صورة وردية وخلابة ، بل هي صورة سلبية اودموية بكل ما تحملها هذه الكلمة من المعاني ، صورة لونتها مآسي ومعاناة شعبنا الطويلة الامد في ظل الاحتلال الذي استمر اربعين عاما … نعم اربعين عاما من سياسات القتل والاعتقالات والدمار والابادة الجماعية والارض المحروقة والتشريد الجماعي وغير ذلك من الجرائم التي تعد – وفقا للمصطلحات الحديثة – ضمن جرائم ضد الانسانية بامتياز . كانت تلك صورة اثيوبيا الامبراطورية الافريقية الاستعمارية ، اثيوبيا هيلي سلاسي !! وكانت تلك ايضا صورة اثيوبيا الاشتراكية ، اثيوبيا امان عندوم ، ومنقستو هيلي ماريام !! ، والصورة في كل تلك العهود بالنسبة للشعب الارتري هي هي ، صورة واحدة ، هي الصورة الدموية ، اجزاؤها : انهار من دماء الابرياء وجثث واشلاء الضحايا ، وسحب الدخان والسنة نيران الحرائق للقرى والمدن ، وموجات التشريد واللجوء بعشرات الآف من ابناء الشعب الارتري الى الدول المجاورة ، ليس ذلك لجرم ارتكبه شبعنا ، سوى التطلع الى الحرية والغد الافضل .
اما صورة اثيوبيا المعاصرة ، في عهد حكامها الجدد ، فهي بالتأكيد مختلفة تماما عن تلك السابقة ، فاثيوبيا المعاصرة هي الدولة الديمقراطية الفدرالية ، التي تم توزيع السلطة والثروة فيها على الاقاليم والشعوب الاثيوبية المختلفة مع قدركبير من الامن والسلام والاستقرار و الحريات واحترام حقوق الانسان الاثيوبي . واثيوبيا المعاصرة ايضا لاتعني للشعب الارتري ، فقط ، تلك الدولة التي اعترفت بحق الشعب الارتري في تلطلعاته المشروعة في الحرية والانعتاق من الاستعمار الاثيوبي ، بل تعني ايضا الدولة الوحيدة التي تساند وتدعم نضاله الراهن من اجل الحقوق الديمقراطية التي تحقق لشعبنا ما حلم به من الحرية والعدل والكرامة والمساواة , وذلك بما تقدمه من دعم سياسي كبير لقوى التغيير الديموقراطي في ارتريا اوالدعم الانساني الذي تقدمه للاجئين الارتريين في بلدها في مخلتف النواحي والمجالات الخدمية .
بالتأكيد هذه نقاط موجبة ومشرقة تسجل لصالح اثيوبيا المعاصرة – شعبا وحكومة -في ميزان العلاقات بين الشعبين الارتري والاثيوبي ، وان شعبنا وقواه السياسية يثمنان غاليا هذه المواقف السياسية والانسانية الداعمة له في محنته الحالية ، ونضاله القاسي ضد نظام الدكتاتور الاحمر الذي يسوم شعبنا الوان العذاب وصنوف القتل والتشريد والقهر والاذلال . ولكن حتى لا نقع في نوع من النفاق السياسي ، اونحيد عن الامانة التاريخية يجب ان نشير هنا الى بعض السياسات الاثيوبية السالبة تجاه ارتريا في العهود المختلفة – سواء في عهد حكامها الجدد او القدامى – والذي اقصده هنا من السياسات الاثيوبية السالبة هو مايتعلق منها بعلاقتها بالمكونات الارترية الاجتماعية حيث لعبت اثيوبيا على عوامل التناقضات الداخلية للمكونات الارترية وخصوصا عامل الدين . وبشأن مايعود من هذه المواقف السالبة الى العهد الاستعماري القديم ، يذكرشعبنا جيدا الدور السالب الذي لعبته سلطات الامبراطور هيلي سلاسي ، مستخدمة امكانيات الكنيسة المسيحية في تأجيج روح الانقسام بين ابناء الشعب الارتري في فترة تقرير المصير، في تحيز واضح لطرف ارتري ضد طرف ارتري آخربل واستخدامه كعص غليظ لضرب الطرف الاخر , ويدرك شعبنا جيدا ، ما جره هذا الانقسام عليه نتيجة هذا التدخل المقيت من صنوف المعاناة التي امتدت الى اربعين عاما .
اما مايتعلق باثيوبيا الحديثة ، من هذه المواقف ، فيذكرشعبنا ، اصطفاف حركة وياني تقراي الى جانب الجبهة الشعبية ، وانخراطها في النزاع المسلح الداخلي الارتري الصرف والذي ادى الى هزيمة الجبهة واخراجها من الساحة الارترية في خاتمة المطاف وكان هذا ايضا نسخة جديدة من التدخل واللعب على التناقضات الارترية الداخلية . وربما تعتقد قطاعات واسعة من الشعب الارتري حتى الآن ان الوضع الذي يعيشه الشعب الارتري حاليا هو احد نتائج ذلك التدخل الحاسم لصالح طرف ارتري ضد طرف ارتري آخر .
واليوم ، ربما يتسآءل البعض ، ويقول : لماذا يتم استدعاء هذه المواقف السالبة من ذاكرة التاريخ البعيد والقريب في هذا الوقت بالذات ؟؟ ما المناسبة ؟ ماذا يحدث هناك ؟ اثيوبيا هي الدولة الصديقة الوحيدة التي تعترف بالمعارضة الارترية اعترافا علنيا وواضحا ، وتقف الى جانبها كا قوى حليف ونصير لها حين قل الحلفاء والنصراء لشعبنا حتى في اقرب محيطه له ، وتقدم لها كل اشكال الدعم السياسي والمادي من ادنى مستوى الى قمة الهرم السياسي في البلاد ، واكثر من هذا فهي تتأهب لاستضافة حدث ارتري مهم ، هو المؤتمر الوطني الارتري الجامع ، فهل هذا الوقت مناسب لاثارة مثل هذه الموضوعات ؟؟
الاجابة ببساطة ، هذه التسآؤلات المطروحة صحيحة ، واصحابها محقون في طرحها . وان ما يقال عن مواقف اثيوبيا الداعمة لقوى التغيير الارترية صحيح تماما. ولكن مع ذلك كله يجب ان نقر ان هناك ايضا من يساوره بعض القلق حول امكانية التحرر الكامل من مثل هذه الاخطاء او الممارسات واحتمالات تكرارها ، وذلك على رأي المثل القائل ( الذي لدغه الثعبان يجري من الحبل ) وكل هذه التسآؤلات تبرز على ضوء بعض مؤشرات الاستقطاب التي يجري الحديث عنها هنا اوهناك سرا اوعلنا على الساحة السياسية الارترية ، التي تستعد للدخول في المؤتمر الوطني الجامع ، فالمطلوب اذا ، هو ان يسعى الجميع الى تبديد مثل هذه المخاوف والاحتمالات وان يمنع حدوثها اوتكرارها ، لا ان يستغرب اويندد او يدين من يساوره مثل هذا القلق او المخاوف بهذا الشأن .
اما اذا اردنا ان نقف على مبررات ودواعي هذا النوع من المخاوف ، فيمكن الاشارة الى بعض الرسائل والاماءات والاشارات التي تصدر من وقت الآخر من بعض الاطراف الاثيوبية او التي لها صلة بها .
اولها ماذكر عن ان الاثيوبيين في ملتقى الحوار الوطني السابق كان لهم موقف يضغط باتجاه تساوي العدد بين المسلمين والمسيحيين المشاركين في الملتقى . وثانيها ، عما يذكر الآن عن موقفهم (الاثيوبيين ) تجاه ذات الموضوع بشان المشاركة في المؤتمر الوطني القادم . ثالثها ، انه تردد مؤخرا انهم ( اي الاثيوبيين ) ينصحون بعدم تقديم مسودة الدستور المعدة من قبل المفوضية الوطنية الارترية الى المؤتمر الوطني القادم لان طرح مثل هذه الاوراق سابق لاوانه . يأتي هذا متزامنا مع الدعم الواضح للتوجهات والميول القومية المتصاعدة على الساحة الارترية والتي ترفع شعارات تقرير المصير.
فاذا تمت قراءة هذه الاشارت او المواقف في سياق متصل ، الا يبرر ذلك ، لهؤلاء القلق والمخاوف التي تنتابهم ؟؟ ثم لابد من ان يتسآءل البعض ويقول : فما علاقة تساوي العدد بين المسلمين والمسيحيين (او بعبارة اخرى بين قومية التقرينية والقوميات الاخرى ) عند حضور المؤتمرات ؟؟ فهل هذه المؤترات تعقد لاقتسام السلطة والثروة ام لتحمل تبعات النضال والكفاح من اجل رفع المظالم التي يمارسها النظام القمعي ضد الشعب ؟؟ وهل هذا القمع والظلم يمارس ضد المسلمين والمسيحيين (اوبكلام آخر ضد القوميات الاخرى وقومية التقرينية ) بدرجة واحدة ؟ ام ان هناك ظلم عام ضد الكل وظلم مركب ضد المسلميين او القوميات الاخرى ؟؟ واذا ثبت بلغة الارقام وبوسائل بحثية بان نسبة اقتسام السلطة بين المسلمين والمسيحيين في ارتريا هي نسبة : 10% (للمسلمين ) : 90%( للمسيحيين ) فهل يعقل ان تتساوى درجات الظلم الواقع عليهما ؟؟ وبالتالي هل تتساوى نسبة المعارضين للنظام بين الفئتين ؟؟ ثم يتسآءل سائل كم يمكن ان تكون نسبة اقتسام الثروة بين الفئتين اذا كانت تلك هي نسبة اقتسام السلطة ؟؟ وخاصة اذا اخذنا في الاعتبار فرضية توأمة السلطة والثروة ( اي ان من يملك السلطة هوالذي يملك الثروة ) واذا كان الامر هكذا ، فعلى اي المنطلقات يستند الحديث عن التساوي او المناصفة في حضور المؤتمرات؟
اما مايتعلق بورقة الدستور الانتقالي المعدة من قبل اللجنة السياسية في المفوضية الوطنية ، من المعلوم انها احدى الاوراق التي اقر اعدادها ملتقى الحوار الوطني ، وبالتالي فان اعدادها ماهي الا ترجمة عملية لاحدى قرارت الملتقى وليس هناك اي جهة تمتلك صلاحية الغائها او تجميدها . هذا فضلا عن الاهمية القصوى لهذه الورقة التي يجب ان تتوافق حولها اراء الفرقاء لكونها تمثل حاوية اوضامنة الحقوق والواجبات لجميع ابناء الشعب الارتري في المرحلة الانتقالية ، فما معنى طلب الغاء ورقة بهذه الاهمية من مائدة حوار وطني عريض ينتظر ان تتفاعل حولها جميع الاراء وتصل من خلالها الى تفاهمات تعبد الطريق امام قوى التغيير للسير المشترك بخطى واثقة ، اللهم الا اذا كان لدى البعض بديل جاهز لها( للورقة ) في مكان ما ، يطرح في اللحظة (الطارئة ) المواتية كسياسة الامر الواقع .
وهكذا تختلط مشاعر القلق والمخاوف لدى البعض مع مشاعر التفاؤل والامل لدى البعض الآخر تجاه ما يمكن ان تعلبه الدولة الصديقة الوحيدة لقوى التغيير الديمقراطي والتي ينتظر ان تستضيف المؤتمر الوطني الجامع للقوى التي تسعى نحو التغيير الديمقراطي في ارتريا في خواتيم هذا العام .
فهل تلتزم اثيوبيا الحياد التام وتقف من جميع الفرقاء على مسافة واحدة ، وتقدم دعمها لجميع القوى دون انحياز اوتمييز او منِّ ولا اذى ؟ وبالتالي تبدد مخاوف الخائفين وتصبح عاملا مساعدا فعالا في تجاوز الازمة الدكتاتورية في ارتريا وتحقيق الغد الافضل للشعب الارتري ،،، ام تنزلق نحو هاوية التناقضات الداخلية لابناء الشعب الارتري وتقف مع طرف ضد طرف ، كما حدث ذلك في محطات تاريخية سبقت الاشارة الى بعضها وتكون بذلك عاملا من عوامل تعميق واطالة الازمة الداخلية للشعب الارتريري .
ان الكثيرين يراهنون على حكمة وبعد نظر القيادة الاثيوبية… فهل يتحقق هذا الرهان ؟؟ دعونا نتفاءل خيرا … ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) ..
محمد عثمان ابراهيم daraci2010@gmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=17885
أحدث النعليقات