أي ديمقراطية…؟ وأي تغيير…؟
بقلم : عمر عبدالله
لا يتعلق السؤال السياسي هذا بحالة الديمقراطية في أفريقيا وحسب أو وصف التحول الديمقراطي (الدمقرطة) تقدماً كان أو تراجع، تطور أو انكماش في موجاته الأولى والثانية والثالثة حسب تصنيف صامويل هنتغثون وتطبيقات الليبرالية السياسية في أفريقيا (التعددية الحزبية والمجالس البرلمانية، والانتخابات التنافسية والتمثيل السياسي..)، إذ يتعلق السؤال السياسي بالمحصلة النهائية والنتائج المرتبطة بتلك التطبيقات التي دُفِعَتْ لها إفريقيا دفعاً تحت ضغوط المشروطية (المساعدات والإعانات والقروض والهبات)، وتحت ضغوط العزل والحصار والتهميش، والتي وضعت أفريقيا أمام تحديات تمس الأمن الاجتماعي والاقتصادي وأزمات كثيرة اتسمت بالصراع والعنف بين أحزاب مختلفة وقبائل كانت متعايشة متجاورة، “حيث يمكن أن تفضي الأزمة الحالية إلى تجريد أفريقيا من نمط التنمية الاقتصادية المفروضة من الخارج والذي يؤدي بدوره إلى مزيد من التخلف والتبعية، كما يمكنها تخليصها من نمط الليبرالية السياسية المفضي إلى إقامة أنظمة ديمقراطية زائفة” .
أكثر من 26 دولة أفريقية شهدت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي انتخابات تعددية هي ذاتها الدول التي تشهد اليوم صراعات مسلحة وصدامات عنيفة ومواجهات دموية للوصول إلى السلطة وتعيش الفوضى والحروب والمجاعات واللاجئين (زيمبابوي، كينيا، الصومال روندا، بورندي، انجولا، السودان، تشاد، الكنغو…الخ).
المشكلة ليست في واقع التعدد والتنوع (القبلي والديني والأثني واللغوي والعشائري
…الخ)، الذي هو عنصر تنوع يغني الديمقراطية إذا وجد النظام الديمقراطي القادر على استيعاب هذا التنوع وصهره في بوتقة المساواة في الحرية
والحقوق والواجبات (المواطنة) والمشكلة كذلك ليست في النظام الاجتماعي القبلي إذا لم تسيس القبيلة وتسلح تحت مظلة اللافتات الحزبية بل في النظام الديمقراطي ذاته مؤسساته وأدواته وقنوات تواصله التي تجعل القبيلة رابطة اجتماعية وليست سياسية.
قضايا التغيير الديمقراطي في أفريقيا تمثل إشكالاً مزمناً وبدرجات متفاوتة ومتقاربة في عديد الدول الأفريقية وترتبط بالداخل ومطالبه والخارج وشروطه.
والسؤال هل الضغوط الخارجية قادرة على إقامة أنظمة ديمقراطية في أفريقيا؟
فالتغيير يجب أن يكون كلي شامل ومرتبط بالجانب السياسي والإقتصادي والإجتماعي والتنموي وهو يحتاج إلى رؤى وتفسيرات ونظريات وأدوات قادرة بالنظر إلى مجالاته المتنوعة ومستوياته المتعددة كالحريات والحقوق والمساواة واقتصاد السوق، والمجتمع المدني وحرية الصحافة ودولة القانون والمؤسسات الحكومية واستقلال القضاء والشفافية والنزاهة، وتداول السلطة والمشاركة السياسية وإلغاء التمييز وقوانين الطوارئ والمحاكم والقوانين الاستثنائية، ودور وظيفة الدولة والدستور، والمواطنة، وعلاقة الدولة بالمجتمع والقبيلة والمساواة بين الجنسين ودور المرأة والأقليات وهيكلة الاقتصاد والإدارة…الخ.
وتبقى حقيقة التغيير وضرورته وشروطه وأدواته ووسائله مسائل شائكة ومعقدة لاتصالها بتقاطعات ومصالح ومطالب الداخل والخارج كما سلف وتظل كذلك في غياب نظرية متكاملة للتحول الديمقراطي ذات رؤية تحليلية كلية تشخص وتنظم الواقع السياسي والاجتماعي الأفريقي وببساطة يمكن رصد إشكاليات التغيير السياسي في أفريقي وتحديدها في الاتي :
* التخلف الاجتماعي وهيمنة الثقافة القبلية والعشائرية.
* تأثر الممارسة السياسة في أفريقيا بنموذج الديمقراطية الغربية.
* إفتقار علم السياسة الأفريقي إلى تجارب ورؤى ذاتية.
وبلإ استثناء ظلت أفريقيا تحاكى الغرب وتنقل التراث السياسي الغربي وتطبيقاته رغم عيوبه الكثيرة لتطويعه للحالة الأفريقية منذ نشوء الدولة الوطنية في أفريقيا الأمر الذي عمق تبعية أفريقيا سياسياً (الفرنكفونية، والإنجلوفونية) إضافة إلى نتائجه الكارثية على التنمية وفشلها وعلى الصراعات وتأجيجها كما هو الحال في الصومال وكينيا وزيمبابوي..الخ ليس لأنه نموذج مصمم لمجتمع مختلف تماماً من حيث المكونات السياسية والمستوى المعيشي والنظام الاقتصادي والتركيبة الاجتماعية والمستوى الثقافي.. فحسب بل لأنه نموذج ثبت عجزه في حل إشكاليات تتعلق بالحرية وممارستها والمساواة وتحقيقها والديمقراطية وتحققها والمشاركة السياسية ووسائطها.. وبقدر ما تدعو الحاجة إلى ضرورة التسريع بخطوات الإصلاح السياسي حتى تتوخى أفريقيا مخاطر العولمة المتوحشة وضغوطات وأزمات الاقتصاد المعولم (الأزمة المالية مثلاً)، وتتوخى كافة إشكال الفوضى والحروب الأهلية التي تهدد أمن واستقلال واستقرار ووحدة أفريقيا وتعرضها لمزيد التدخلات الأجنبية والهيمنة والتبعية تحت غطاءات الديمقراطية ومبررات حقوق الإنسان وذرائع حماية الأقليات ودعاوى الإصلاح…الخ، لهذا فإن السؤال المهم الذي تطرحه هذه الورقة أي علاقة للديمقراطية بالتغيير والتنمية؟ وأي ديمقراطية هذه ؟، والعالم يعج بنماذج مختلفة وممارسات متباينة ونظم متنوعة من الديمقراطيات المباشرة وشبه المباشرة وغير المباشرة، وأي تغيير هذا ؟ التغيير المفروض والمشروط لتحقيق مصالح الدول المتقدمة (الدائنة) والشركات المتعددة الجنسية (المعولمة)،
أم التغيير الذي تفرضه حاجات أفريقيا وتستوجبه احتياجات المجتمعات الإفريقية والذي يحقق مصالح أفريقيا ويتجاوب مع أوضاعها ويتناسق مع مواردها ويتفق مع ثقافاتها ويحمي خصوصياتها ويحافظ على استقرارها.
ويكفي هنا مجرد التذكير بأسباب ومسببات فشل وانتكاسة التنمية في أفريقيا في العقود الخمس الماضية إلى أسلوب ونظرية التنمية الرأسمالي وأزمة القروض والديون والاستثمار المشروط وإلى الارتباط بالغرب الاستعماري الذي لم يصفي مصالحه وإرثه وموروثة وتأثيراته بعد، وهكذا فشل التحول السياسي في أفريقيا في إنتاج مزيد من الديمقراطية ومنح المزيد من الحريات السياسية أو على صعيد دمقرطة المجتمع ومشاركة الناس في الحياة السياسية، إذ أنتجت التعددية الحزبية في إفريقيا مزيد من الصراعات السياسية حول السلطة كظاهرة عامة أصبحت تسيطر على الحياة السياسية في إفريقيا وتطبع المجتمعات الإفريقية بطابع العنف والحروب الأهلية (الاحتكام للقوة) ويكفي هنا للتذكير بحالة الديمقراطية في عديد من الدول الأفريقية التي اعتقدت أنها تخلصت من الاستبداد والتسلط الفردي المطلق والحزب الواحد والممارسات القمعية ومصادرة الحريات والإرهاب السياسي لكنها وجدت نفسها من جديد في دوامة العنف والصراع والحروب الأهلية واكتشفت أنها استبدلت استبداد وطغيان بأخر وأقلية بأخرى وقمع وظلم بآخر كذلك وبما لا يمكن معه من إنجاز أي تغيير ديمقراطي وتحقيق أي تقدم يذكر.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=19638
أحدث النعليقات