أين سيادة الوطن وأطرافه للمساومة والتنازل والإيجار؟

الحسين على كرار
مرفق نص اتفاقية استحقاق الاستقلال الموقعة بين زناوي وأفورقي والمنشورة في جريدة الحياة اللندنية 20/8/1991م
يقول النظام – وأتباعه ما ظهر منهم وما بطن – إن الوطن يتعرض للغزو الأثيوبي الجديد الطامع في ارتريا بمساعدة الولايات المتحدة وأن سيادة الوطن تنتهك ، وأن كل من لا يقف معهم لصد هذا التآمر فهو متآمر وخائن وعميل لأثيوبيا ويقول النظام : علي أثيوبيا كذلك قبل التفاوض معها أن تنسحب من بادمي كشرط مقدم تنفيذا لقرار المحكمة الدولية ، متناسيا الورطات المتعددة التي أدخل فيها نفسه معها والوطن ، و قبل تفنيد إدعاءات النظام لابد أن نتطرق بإيجاز لمفهوم السيادة ، لمن السيادة ؟
• في الإسلام السيادة هي لله سبحانه وتعالي والبشر مستخلفون في الأرض ، يأتمرون بأمره ويجتنبون نواهيه ، وما ورد في آيات القران الكريم في نظام الحكم مبادئ عامة ، (وأمرهم شوري بينهم) ، (وشاورهم في الأمر) ، (وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل) ، (ولست عليهم بمسيطر) ، (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ، ونبذ أشكال الأنظمة الفرعونية ، (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد) ، وكما قال عمر ابن الخطاب ، يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، خذ أيها القبطي العصا وأضرب بها ابن الأكرمين ، وحدود الدولة الإسلامية هو الإسلام
• والسيادة في الغرب في عصور الظلام كانت للملوك الذين كانوا يدّعون بأنهم يستمدونها من الله ، ولهذا كانت سيادتهم مقدسة لا تقبل النقل ولا تقبل التنازل ولا التمثيل ولا الإنابة لهذا كانت سلطتهم مطلقة وتراب الوطن يستمد سيادته من سيادتهم ، و من يبتعثونهم – السفراء – تمتد عليهم هذه السيادة المقدسة علي أراضي الدول الأخرى ، فأرضية الممثلية (السفارة) تستمد سيادتها من سيادة الملك الذي يمثلونه ، فتعتبر أرضها تابعه له ومقدسه لا يتعدي أحد علي ترابها ، هكذا جري العرف بين الملوك المقدسين ، وأصبح هذا العرف فيما بعد منشأ للحصانات الدبلوماسية ، أما الشعب فكان يمثل عندهم طبقة الرقيق والعبيد يفعل به هؤلاء كما يفعل أفورقي بالشعب الارتري وكذلك الوطن كان ملكهم يباع مثلا باع قياصرة روسيا – ألاسكا – للولايات المتحدة – كذلك اشتري الأمريكان نصف أراضيهم الحالية من أباطرة فرنسا
• ولكن بظهور المفكرين التنويريين وقيام الثورة الفرنسية تغير مفهوم السيادة فانتقلت السيادة للشعب وأصبحت قابلة للتمثيل والإنابة ، فالبرلمان يمثل الشعب ، والنائب يمثل من اختاروه من الشعب ، وأصبحت سيادة الوطن من سيادة الشعب فإذا سلبت السيادة من الشعب لا تكون سيادة للوطن سواء كان من سلبها استعماري أو دكتاتوري وكل القرارات السيادية يقرها من يمثلون الشعب بالتصويت الحر، وأحيانا لحساسية الموضوع يتم الإقرار بالتصويت المباشر من قبل الشعب
مما تقدم أليست سلطات الرئيس الارتري وممارساته هي سلطات وممارسات الملك المقدس في عصور أوروبا الظلامي ؟ فالسيادة عنده لا تقبل النقل ولا التنازل ولا التمثيل والإنابة إذن أين هي سيادة الوطن والمواطن ؟ أليست هي قاصرة لرأس النظام؟ فيعطي شهادة الوطنية لمن طاوعوه ويعطي شهادات الخيانة لمن عارضوه ، وهو يفعل بالوطن والمواطن ما يريد ، لأنه يستمد قوته وسيادته من إلهه وهواه، وعند ما يطالب الشعب الارتري حقوقه يتساوي عنده الحاكم الأجنبي الظالم القاهر ، و الدكتاتور الوطني الظالم القاهر ،كلاهما سيان لأن النتيجة في كلا الحالتين تستدعي المقاومة لا فرق بينهما لأن المقاومة تعني رفض الإذلال والخضوع وسلب الحريات ، وفي ارتريا لا سيادة للوطن ولا سيادة للمواطن والدكتاتورية أصبحت تفعل بالوطن ما تفعله بالمواطن .
و إذا راجعنا اتفاقية استحقاق الاستقلال (المرفقة) التي وقعها أفورقي مع زناوي لابد أن نلاحظ أولا:- خلوها عن أي ذكر بشأن خلاف الحدود وترسيمه بين أثيوبيا وارتريا ، مع أنه كان هناك نزاع حرب الحدود في بادمي قائم بين جبهة التحرير الارترية وجبهة تحرير التقراي بسبب تجنيد الأشخاص وتحصيل الاشتراكات ، كل طرف كان يطلب من السكان الولاء له ، ولكن الجبهة الشعبية انتصرت في هذا الخلاف لجبهة التقراي ووقفت معها وناصرتها علي رأيها ، وعمليا اعتبروا أن بادمي تقع في أرض قومية التقرنية وقد ارتأوا لا خلاف بينهم مادامت القومية واحدة وترجع ملكية الأرض ليس لإرتريا الدولة وإنما للقومية ، ولهذا تم استبعادها من الاتفاق وتنازلت عنها الجبهة الشعبية للتقراي وهذا كان تفريط في سيادة الدولة الارترية ونراهم اليوم يبكون عليها بدموع التماسيح الكاذبة وجعلوها القضية الأساسية ، ثانيا:- أن أفورقي جعل من نفسه أحد ملوك أوربا المقدسين عندما تنازل ووافق أن يكون ميناء عصب ميناء حرا لحاجة أثيوبيا إليه لأنه لم يأخذ رأي الشعب الارتري ولا رأي الفصائل التي كانت في الساحة وتناصبه العداء علي تصرفاته الفردية – وهي اليوم المعارضة – ولم يأخذ حتى رأي حزبه في اجتماع لقيادته المركزية ، وإنما جعل من نفسه الآمر والناهي بسلطة مقدسة مطلقة رأي أنه يستمدها من السماء فشارك في الاتفاقية ووافق عليها ثم وقعها ثالثا :- إن الاعتراف الأثيوبي بإرتريا كان مرتبط بميناء عصب من ضمن نصوص الاتفاقية لأن النص الوارد هنا يقول أن ميناء عصب سوف لا يكون مصدر خلاف أو نزاع بين البلدين وهو ميناء حر لأثيوبيا نص صريح لا غموض فيه ولا يقبل التأويل ، وأنا لا أدافع عن حقوق الأثيوبيين ولكن أقول الحقيقة التي صنعها النظام ووافق عليها ثم يتبرأ منها اليوم رابعا :- إن الاتفاق أساسا تم كما كان يسمي وقتها بين الأخوين – وليس بين الدولتين – ولهذا نجده بدون تعقيد وبدون حضور أجنبي أو إقليمي مراقب و المسائل فيه حلت في إطار أخوي وودي فقط ، كان المراقب والشاهد المتابع الذي كانت تسير الأمور تحت رعايته وإمرته هي الولايات المتحدة والدول الغربية اللتين يلعنهما النظام اليوم خامسا :- لا دخان بلا نار نسمع اليوم أن قطر ستستأجر ميناء عصب ليكون حرا لأثيوبيا ، أليس التنازل عن ميناء عصب لأثيوبيا بإرادة الحاكم مرة في اتفاقية معلنة ومرة في اتفاقية رمادية يهيئ لها إخلالا بسيادة الدولة والوطن ؟ وأليس التنازل للتقراي من البداية عن بادمي ووقوفهم بشأنها ضد جبهة التحرير الارترية وعدم ذكرها في اتفاقية تكريس الاستقلال إخلال بالسيادة الوطنية ؟ التجراي اعترفوا باستقلال ارتريا حسب الاتفاقية ، ولكن الدكتاتور الارتري انسحب من الاتفاقية بعد الاستقلال لطموح لم يحققه – اتفق معهم منفردا ثم أخل بما اتفق به معهم منفردا – والتقراي يعتبرون هذا منه خيانة – أليس هذا التصرف الفردي تلاعب بمقدرات الشعب الذي غيبه وانتهاك للسيادة الوطنية ؟ ألم يحدث كل ذلك بعيدا عن مفهوم السيادة لتحقيق الطموح الشخصي ؟ وقد قاد الوطن إلي المجهول عندما وقف وحيدا يتحدي عند الحدود ويقول بصوت مدوي إن هزيمتي ستعني طلوع الشمس من الغرب ، ولكن التقراي خاضوا تلك الحرب بعد موافقة البرلمان الأثيوبي عليها فكانت النتيجة أن هزموه وأخذوا بادمي وغيرها بالقوة ، فهل بعد هذا الدمار المادي والبشري في الوطن وخسران الأراضي وباعترافه وبعد هذه العربدة السياسية الخاسرة أن من يخالفونه الرأي في عربدته خونة وغير وطنيين ، وهو ومن يقف معه في هذه العربدة هم الوطنيون الأحرار حماة الوطن؟ إنه الإسفاف ومنطق الدكتاتورية والإفلاس ، وهل يتصور عاقل أن الأثيوبيين سينفذون كل ما يريد ه النظام وهم المنتصرون عليه ؟ ويعطوه كل ما يريد بلا مقابل وبدون مفاوضات ويرغمهم علي تنفيذ قرار المحكمة الدولية كما يريد وهو العاجز في المبارزة كما هو واضح ؟ إن الأثيوبيين ما أكثر الصخور عندهم ماذا سيفعلون بصخرة بادمي وعينهم ترمي علي ما اتفق به معهم في اتفاقية استحقاق الاستقلال لاعتبار ميناء عصب ميناء حرا ليستفيدوا منه ، فهل عندما وقع معهم الاتفاق كان جاهلا أم هاذيا أم مرغما ؟ كلا بل وقعها بكامل إرادته وقوته العقلية وهو فرح مسرور ، إن الأمريكان والغرب عندما يقفون مع إثيوبيا جهارا نهارا وهم رعاة الطرفين – بدون مزايدة – يريدون منه أن يفي هو كذلك بالتزاماته ويسلمهم ميناء عصب كميناء حر ليستخدمه الأثيوبيون كما ورد في الاتفاقية ولا يهمهم طموحه – فهذا هو أساٍس الصراع غير المصرح به و يتم تداوله بينهم في الخفاء فالمشكلة الحقيقة ليست بادمي كما يطبل النظام ، ومن باب ستر العورات وحل المشكلات تظهر دولة قطر كسمسار يريد أن يستفيد من وضع البلدين – إن مبتدئ في السياسة لا يتصور هذا الهذيان والافتراء بمصالح الوطن والمواطن ، ولكن هذا هو قدر الشعب الارتري الذي أبتلي بهذه القيادة المتعجرفة التي لا يهمها لا موت الشعب ولا دمار الوطن أكثر مما يهمها عنجهيتها ، والآن تسمع موال الوياني وموال التقراي وموال الأمريكان المعتدين ، كأن النظام لم يتحالف معهم وكأن النظام لم يستلم الحكم بمباركة واعتراف منهم وإبعاد الآخرين ، وما يقوله هو الهذيان ، وللتذكير هناك في ارتريا عقبة يسمونها – لبي تقراي – كناية لخبثهم ومكرهم وهي ملولوة كلولوة سياسة النظام الداخلية والخارجية ، ولما فطنوا بأن الجماعة بهذيانهم وعجرفتهم دخلوا في متاهات شبكة ألعاب التسالي الملولوة أغلقوا عليهم الباب بإحكام ، وليّسوه ، وأخفوا معالمه ، لكيلا يخرج أحد منهم ، والجماعة في داخل المتاهات ضلوا الطريق بين الطرق الوعرة الملتوية ، نفد عنهم الماء والزاد والصبر وتعبت أجسادهم وهزلت وأصابهم الإرهاق النفسي ومرض طشاش العيون حتى وصلوا إلى الأنفاق عديمة الأكسوجين ، فلم يجدوا شيئا من الهواء الذي يستنشقونه إلا رائحة الشتيمة ، فشتموا في فضائيتهم أميركا العدو المتآمر اللدود علي السيادة الارترية وأخرجوا الوثائق الخطيرة التي يدمرون بها أمريكا المجرمة ، من الفضائح في العراق إلي الفضائح في أفغانستان للإساءة لسمعتها ، مع علمهم بأن هذه الانتهاكات أول من نشرها كانت أميركا نفسها ، ومما قدموه من انتقام كذلك لأول مرة تسمع وترفع التكابير والتهاليل علي فضائية النظام من قبل طالبان الأفغان ، كل ذلك نكاية بأميركا ، أليس الارتريون محقون عندما سموا تلك العقبة بلبي تقراي ، أي غباء هذا والتقراي يصفقون لذلك ويضحكون .

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=21940

نشرت بواسطة في أبريل 1 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010