الاستعمار الوطني !!!.
مما علق بذهني من الاخبار ، ان وزيرخارجية فرنسا سئل في السبعينيات بعد مؤتمر للدول الفرانكفونية عقد في المغرب ، فقال : ” افريقيا تتقدم وفرنسا تتقدم ولكن افريقيا الي الوراء وفرنسا الي الامام ” .
ومهما كان مصدر ودوافع استنتاج الوزير الفرنسي الا ان القاعدة ثبتت صحتها ، واذا سميناها نظرية ايضا لا نجد حتى الآن لغيرها برهان .
وهي علي مستوى افريقيا فهل نسطيع استعارتها لنعرف بها واقعنا مثل ان نقول : ” افريقيا تتقدم وارتريا تتقدم ولكن افريقيا الى الامام وارتريا الي الوراء ” .
ذلك ان الكثير من دول افريقيا تتبارى اليوم في الخروج من دوامة التخلف الحضاري وتسير رغم ثقل التيار المعاكس بخطوات ثابته نحو استراتيجية مؤملة وواعدة بمستقبل مبشر ، اثيوبيا نموذجا .
بينما ارتريا تقيدها وتكبلها ست قواعد ثابة يقوم ويستند عليها نظام الشعبية ويسير محورها علي الاتجاه المعاكس مائة وثمانون درجة فهي على عكس الدرجات دركات فانظر الى حال شعب محروم من الراديو والتفزيون والتلفون رقابيا دون اصدار قوانين بذلك خاصة في الريف وهذه القواعد :
1. التجهيل
2. الافقار
3. الامراض
4. التهجير
5. التشريد
6. الارهاب
ولا ايد ان افصل فالحديث المكرور مملول فما من كاتب الا مر عليها كليا او جزئيا والارهاب يشمل السجن والقتل اضافة الي الترهيب وكل مفهوم من تلك النقاط يحمل في طياته صورا لا حصر لها .
يروى ان مسؤولا من نظام الشعبية قال للعائدين من اللجوء حين طالبوا ببعض الضروريات كالماء والكهرباء ” ارجعوا ان كانت لكم مطالب ، من وعدكم بهذا ؟.”
ويحتجز العائدون من اللجوء دون ديارهم في معسكرات يعيشون لا جئين داخل وطنهم .
بالتشريح الاولي لتكوين نظام الشعبية نجد انه يتالف من طبقة اروستقراطية بيدها المال والسلطة متميزة عن غيرها في الداخل والخارج تتصرف بلا ضوابط وبلا حرج ، محجورة في افق اضيق من حجرة التوقيف فكرا وعملا وهي مشغولة فيما بينها او مع غيرها دائما بالمصالح الآنية والمكاسب اليومية والصراعات الجانبية …
فانى لها التفكير في مستقبل البلاد وحال الشعب او مصير البلاد ورقيها وتقدمها ؟ .
وطبقة اخرى هي طبقة الكادر المنفذ وهي التي يكثر فيها الهروب لما تجد من تناقض رغم انها اداة التسلط الارهابي للنظام لكنها تكتشف ولو بعد حين انها مستغلة استغلالا سئا ، فلا تملك حق الاعتراض على من هو اعلى ولا تجد مبررا للارهاب الذي تمارسه علي الشعب فتؤثر الهروب .
وطبقة ثالثة هي طبقة الشعب العزل والمجندين في الجيش تتعامل معهم سلطات الشعبية كالقطيع تحت التصرف لا حق لا حرمات ولا راي فليس هناك انتخابات ولو صورية ابدا في البلاد .
لا حظ معي لو انك قرات في تاريخ البلاد التي كانت مستعمرة تجد قاسما مشتركا واحدا للسياسات الاستعمارية ، فالسياسة الاستعمارية واحدة وان تعددت الجهات الاستعمارية .
خذ اي من السياسات الاستعمارية في اي بلد وقارن بينها وبين سياسات نظام الشعبية تجد التطابق مذهل وربما وجدت ان ما كان يفوت علي الاستعمار لم يكن ليفوت علي كمندوس الشعبية .
فهل يعني هذا الشعبية استعمار ام الاستعمارالشعبية ؟ .
ليس من باب الفلسفة والمنطق فالامر بعيد ، ولا من باب التندر والتهكم فذلك امر مقبح لدينا مهما كانت بواعثه …
ولكن من باب البحث عن الحقيقة والتعليل والتقريب والدوافع والاسباب الخارجية والداخلية وتداخل وتلاقح الاسباب الاستعمارية الاجنبية والاهداف السلطوية الدكتاتورية الفردية .
وبالمقارنة البسيطة نجد ان الدكتاتوريات المسرفة لا تتطابق مع السياسات الاستعمارية الا في اوجه محدودة اهمها الارهاب السطوي ومصادرة الحريات السياسية والقرار السياسي وفي كثير منها مصادرة الموارد الاقتصادية للدولة .
اما استهداف الهوية الثقافية والدينية والسياسات الاستيطانية وفق خرط ديمغرافية ماسحة ماحية لكل اثر للسكان الوطنين الي ما غير ذلك من سياسات استهداف محو هوية الشعب …
لا يمكن ان يسمى دكتاتورية لان الدكتاتورية تستهدف الجوانب السلطوية ولا تتوغل في تغيير ثوابت البلاد وسكانها .
وباعتبار لا وجود للاستعمار ظاهرا ، وان السلطة ” الوطنية ” هي التي تمارس السياسات الاستعمارية تبرز تساؤلات ينظر فيها الي تخفي الاستعمار وتمترسه من وراء هذه السلطة فالمصالح الاستعمارية لا يمكن ان تتوافق مع المصالح الوطنية في شئ ، وهذا ظاهر ومشاهد في بلدان كثيرة في العالم وله تجليات في مظاهر متعددة ، والحال الارتري شبيه ببعض الاحوال الافريقية ، يدعم الاستعمار فئة اثنية محددة تكون بمثابة القمر الصناعي الذي يتحكم من والي ، ولكي يكون دورهذه الفيئة وادائها دائم يجب ان تحارب كل من يشكل تهديدا لها محاربة اصتئصال جذرية حتى وان كان ذلك يؤدي الي كارثة وطنية فتصبح بذلك البلاد كما هو الحال في ارترية خاوية علي عروشها بينما يكون الاستعمار قد توزعت اذرعه كالبعوض تمتص المخزون الاستراتيجي من الثروات الوطنية زراعية او معدنية او بحرية تفرح السلطة منها بنصيب الاجير ، ومع كل نجاح للاستعمار تسقط قيمة عملائه فيكونوا عرضة للابتزاز ،ولم نقرأ يوما عن مدح الاستعمار لعملائه ، بقدر ما يذكر ذكاء المستعمرين في تسخير من سواهم لخدمة مشاريعهم .
لماذا هكذا تفكير ؟ .
– استقلال ارتريا ارتهن بموافقة قوى استعمارية ورعايتها .
– من جولة مفاوضات طائرة القس كارتر في سماء الخرطوم الي لندن ونيروبي قبل الجلاء الاثيوبي مفاوضات مغيبة الحقائق لم يفلت منها حرف ناهيك عن كلمة فاين الاستقلال والحرية لا نرى ما نرى الا من وراء السراب .
– لو ان قيادة الشعبية كانت تملك قرارها كاملا وسيادتها الوطنية غير منقوصة لا ختلف تعاطيها مع السلطة والشعب فحين كانت في مرحلة النضال لم تظهر الكثير مما جد بعد الجلاء وان كنا لا ننفي العنجهية والارهاب الطائفي الذي استغل اجنيا واستعماريا في جرها بعيدا .
– الحضور الاستعماري العسكري والمدني وهيمنته على ركائز البلاد ومنع الاقتراب او التصوير لغيره تؤكده الاخبار الشعبية وثرثرة السكان الطبيعية ناهيك عن التبجح الاجنبي بالاستمكان في ارتريا .
– تعامل سلطات الشعبية مع الشعب كالقطيع لا حرمة تحسب له ولا كينونة انسانية ناهيك عن راي وخيار مما يؤكد السياسات الاملائية والقرارات المستوردة .
– تشريد الشعب وتعويمه في دوامة اللا استقرار من خلال نقل سكان المرتفعات الى المنخفضات دون توفير ادني اسباب الاسكان وتوفير مصادر المعاش مع مصادرة الارض التي اخليت منهم وقفل ابواب الرجعة اعتبره الشعب التشجيع علي الهجرة وجعل المرتفعات ارضا مقفولة محرمة علي شعبها بعد حين وهي سياسة استعمارية بدرجة مئوية .
ومآسي الشعب الارتري من ظلم نظام الشعبية لا يحصيها الا ميزان العرض الاكبر { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } الاية .
انا لا انفي هنا صفة الدكتاتورية عن نظام الشعبية ، فلولا الدكتاتورية المصادرة للحريا والسلطة اخذت بيد الاستعمار لما رسم المستعمر لوحات مآسينا ، لكن حالنا ليس له مثيل فليست الدكتاتورية وحدها وصف لنظام الشعبية مطابق وكاف ، فهل نستطيع ان نسميها الدكتاتورية الاستعمارية جريا علي منوال الدكتاتورية العسكرية … ؟ . لكن اقرب من الوصف بالدكتاورية وصفها بحكومة المافيا الدولية ارى ذلك اكثر تطابقا واقرب توصيفا ! .
وبنية النظام التي على اساس الدكتاتورية ” السلطوية ” و” الطبقية ” عكس “الشعبية ” التي يدعيها والعدالة تجسيد عملي يستحيل علي التلبيس كبرائتة من فرعون ونمرود .
جاء في صحف ابراهيم كما في الاثر :(ايها الملك المبتلى المغرور ، اني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فاني لا اردها وان كانت من كافر. )
ومهما طال امده سينقشع الظلام فلابد لليل ان ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر .
وبالمقابل هل لنا ان نسال هل المعارضة الارترية بحالها الماثل بديل مطمئن للنظام الحاكم ؟ .
نعم قد لا نكون حالمين نسبح في فضاء الواقع نطالبها ما ليس بالمستطاع من الامكانيات والادوات والاليات ، ولا حتى نستسهل ما وصلت اليه او ندعوا لتجاوزه والقفز عليه ، ولا انا بحمد الله وفضله عليّ انظر من برج عاجي ولكن من باب اصداء النصح كواجب ديني وانساني ووطني .
إن التوقف في الواقع والتامل فيه بل وقرائته قرائة اولية تجد راسك يزدحم بالتساؤلات والخوف من بديل كبديل العراق او الصومال …
هذا الخوف عام ولا تخلوا الكتابات التي اقرؤها في مواقع النت منه الي جانب التساؤلات العامة ، ولا شك ان النظام الحاكم يعزف في اوتار ضياع البلد اذا تناحرت فيه وتنازعت تيارات المعارضة مع ما يملكه من شاهد ومثال في صراعات مرحلة الثورة يبث بها الشكوك والتخويف من بديل له مشئوم في اوساط الشعب مما يؤدي الي انكماشه من المعارضة وقبوله بالامر الواقع خاصة شعب الداخل وهو الفاعل .
ودافع السؤال ايضا اننا نرى الكثير من تنظيمات المعارضة الارترية لم تكتمل رؤاها وتصوراتها بشكل واضح خالفها المجتمع او وافقها ، وانها تسير مع الموج حيث سار او تلبد تنتظر وترقب لتحدد اسلوب وكيفية التصرف …
فهذا الحال يحمل كل الاعطاب والمحاذير وفي تجربتنا الوطنية كان حال افورقي وتنظيمه ، وليس بالضرورة الآن ان نقيس بالحجم الحالي لاي تنظيم مهما تواضعت امكاناته .
وهذا الحال يسمى تكتيك المعركة سواء كانت حربية عسكرية او كانت حربية سياسية .
قد يلصق البعض هذا بتنظيم بعينه او بعض التنظيمات …
لكني اعني دعوة جامعة يرجع فيها كل الي اكمال تصوراته الشاملة .
إن الاطر العامة كالمجلس الوطني والتحالف والمؤتر الوطني والدستور وغيره من المواثيق تكون حبرا علي ورق اذا لم تتجسد فيها الحقوق الكاملة للكيانات المؤلفة لها ، او اذا تعامل معها البعض بنظرة ” الحديث ذو شجون ” او ما نسميه سر مع قاتل ابيك مظهرا الوّد حتى تستمكن ، وتكون هذه الفعاليات مثمرة وقابلة علي التطور والعطاء حين يطمئن الجميع انها مجسدة لكل الحقوق وعادلة في توزيع الواجبات ويستحيل ذلك دون وعي كامل بالمصلحة الوطنية والتجرد والتضحية في حدود المعقول والمباح والمتاح لكل تنظيم .ان السلطة التي تقر الثوابت الوطنية وتحرسها هي السلطة التي يعطيها الشعب ولائه كاملا دون اية تاثيرات جانبية والوصول الي هذه المرحلة مازال بعيدا من حيث التكوين المؤسسي والنضوج السياسي للتعاطي باريحية وسلاسة ضمن الحال المشهود ، اي الرؤى التنظيمية مازالت متباعدة اذا تكلمنا في الواقع المجرد لم تنجذر علي اي من المسميات العامة حقيقة ومازلنا في حال الثورة سواء الحاكم والمعارض لم تحقق الدولة .
فالمجلس الوطنى اطار توفيقي جامع ، لا يمكن بحال ان يعبر عن كل راي بمفرده ، فهو اطار عام يختزل الخصوص في قاسم مشترك ، وبهذا هو تجربة مستقبلية هامة جدا لما يجب ، فالواجب تطويره وترقيته ودعمه لتكوين مجلس اكثر قربا والفة وتماسكا في المستقبل ، لكنه تجربة غضة مازالت تلتمس الطريق وهو اطار حالم لا يملك اي من الضمانات سواء في الارتباط به او تجاوزه او حتى العبث فيه ، او بالمختصر يجب ان لا نحمله ما ليس بوسعه وما لا طا قة له به .
كذلك التحالف الوطني تجربة مهمة جدا اثمرت التجارب التي تلتها وهو خلفية اكثر واقعية من المجلس الوطني لتمثيله الاطر التنظيمية بمسمياتها وهياكلها التي لا يمكن تجاوزها عمليا في الظرف الحالي ولا يمكن القفز عليها بحال من الاحوال وهنا مربط الفرس وكل معالجة لا تتم في الاطر التنظيمية لا تنعكس في اي من الميادين الاخرى .
ولذلك في اعتقادي وراي المتواضع لا يمكن للمعارضة الارترية ضمان التوافق مستقبلا الا بجهد جاد يرسي دعائم الثقة ويرتقي فيه كل تنظيم برؤاه وتصوراته ويبلورها بحيث يعرّف بنضوجه الفكري والسياسي وضماناته للوحدة الوطنية واحترام الاخر ومنع ومحاربة القفز والسطو السلطوي والالغائية الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية ، ويمكن للاطر العامة الحالية ان تفعل آليات لفحص واختبار تصورات الاطر المكونة لها ضمن قاسم مشترك يعالج الثوابت منذو الان ويرسخ الروح الجماعية .
والله اعلم والله نسال التوفيق والسداد .
صالح كرار
8/4/2012 Salehkarrar@gmail .com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22074
أحدث النعليقات