نظرية الحسبة في النظام الإسلامي أصولها الشرعية وتطبيقاتها العملية
الحلقة السادسة
إدريس محمد عثمان
المجالات التطبيــــقية للحســــــــــــــبة
إذا كان لكلّ موضوع في البحث العلمي مجال يحدد مقدماته ، وأهدافه وغاياته التي ترسم ملامحه ، فالحسبة كذلك لها مجالاتها التطبيقية ، وأهدافها ومقاصدها ، وقد حظيت مباحث الحسبة وتفريعاتها باهتمام متميز في مصنفات أعلام التفسير وشراح السنة وأئمة الفقه ؛ ويرجع سبب ذلك كله إلى أنّ تلك المؤسسة تعبر تعبيرا صادقا عن وعي الإنسان تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه دينه. وقد يجد المطلع على كتب الحسبة التطبيقية سعة في مجالات الحسبة وشموليتها لكثير من قضايا العقيدة والأخلاق والشريعة وقد وضع لها العلماء القواعد التشريعية باستنباطهم الأحكام الجزئية من القواعد الكلية لتحقيق ما يجد من المصالح إذا لم يكن ورد بشأنه نص خاص به ، أو نظير يقاس عليه أولم ينعقد عليه الإجماع ،تحقيقا للمصالح الاجتماعية المتجددة بتجدد صور الحياة ، وقد أقروا أنه لا يجوز إهمال مصالح الدولة أو الأمة أو الأفراد دون تحقيقها بوسائل عملية اجتهادية إذا لم يكن لهذه المصالح ثمة نصوص خاصة بها في التطبيق.[1]
ولتحديد مجال الحسبة أسرد بعض أراء العلماء الذين اعتبروا الحسبة مبدأ شرعيا ووظيفة دينية ، تحفظ في إطاره مصالح الفرد والمجتمع والأمة ، ومن أهمّ هذه الآراء ما ذهب إليه الماوردي الذي أكد أن الحسبة من القواعد الدينة التي لا يسقط حكمها [2] وقد أشار ابن خلدون إلى الجانب التأصيلي الشرعي وإلى الصور التطبيقية بقوله : ” الحسبة وظيفة دينية ، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين يعين لذلك من يراه أهلا له ، فيتعين فرضه عليه ، ويتخذ الأعوان ، على ذلك “[3] ،ويرى ابن تيمية أن للحسبة مجالات دينية ومدنية واسعة من خلال تحديده لوظائف المحتسب الذي كان له ” الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة ، والقضاة ، وأهل الديوان ونحوهم ، فكان يأمر بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس ، … ويأمر بالجمعة والجماعات ، وبصدق الحديث ، وأداء الأمانات ، وينهى عن المنكرات من الكذب والخيانة ، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال ، والميزان ، والغش في الصناعات ، والبياعات والديانات والغش في النقود أو الجواهر أو العطر…وإبرام عقود الربا والميسر وممارسة التدليس والاحتكار .”[4] وإلى قريب من هذا البيان يذهب القلقشندي[5] الذي يرى تعدد المجالات في الحسبة فيقول :” هي وظيفة جليلة رفيعة الشأن وموضوعها التحدث في الأمر والنهي والتحدث على المعايش والصنائع والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته … وهذه الوظائف لا حصر لعددها على التفصيل ولا سبيل إلى استيفاء ذكرها على تفاوت المراتب “[6]
ومن آراء العلماء السالفة يمكن تحديد مجال الحسبة بالقول : هو كلّ مجال افتقد إلى المعروف ، أو طرأ عليه منكر تحقيقا للعدل، والفضيلة ، وتطبيقا للمبادئ المقررة في الشرع الإسلامي .
وبناء على التعريف السابق تشمل الحسبة في مجالها التطبيقي مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في أصولها الشرعية } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {[7] فهذه الآية تبيّن قاعدتها وأصلها التشريعي ، ومجالها التطبيقي في حماية المجتمع عن جميع أشكال الفساد ، والانحراف في حياة الفرد والمجتمع وذلك تمهيدا لبناء الإنسان بناء فكريا وروحيا وسلوكيا ، وتنظيم المجتمع تنظيما قانونيا وأخلاقيا وروحيا متماسكا .[8]
وعلى ضوء هذا المفهوم الشامل للمجال التطبيقي للحسبة يتضح الخط الإسلامي تجاه رصد حركة الواقع إيجابا وسلبا، وفي النظام الإسلامي تعتبر كلّ الأعمال المشينة منكرات ، سواء تعلقت بالعقيدة ، كالمساس بحرمة الدين بدعا أو تشويها أو تحريفا أم مجال المعاملات المدنية اقتصادية كانت أو اجتماعية مما يؤثر في العلاقات الإنسانية ولهذا كان مجال الحسبة أكثر سعة في تحقيق الإشراف ، والرقابة على الأنشطة المختلفة سواء أكانت أنشطة الأفراد أم أنشطة لعمال الدولة ورجالها ومجال الحسبة أكثر مرونة من حيث إمكانية تعقب كلّ ما يظهر في المجتمع من آثام مع اختلاف أنواع الإثم ودرجاته ، وتنوع درجة الآثمين ، وأكثر مرونة في تعدد أساليب الاحتساب التي تتبع لتواجه أيا من هذه الأنواع والدرجات والمراتب .[9]
وإذا كان التشريع في مجال الحسبة يهدف إلى تقويم سلوك الفرد والمجتمع فإنه يجب على الأمة أن ” ترصد المعروف والمنكر في المجال التطبيقي للإسلام لتتحمل مسؤولية الأمر بالأول والنهي عن الثاني بكلّ الإمكانات المتاحة لها في منطقة الشعور الداخلي بالرفض النفسي للمنكر ، والتعاطف الروحي مع المعروف وهو ما يعبر عنه بالتغيير بالقلب ، أو منطقة التعبير بإطلاق الكلمة القوية التي تؤيد أو ترفض وهو التغيير باللسان ، أو في مجال المواجهة بالدخول إلى صميم الواقع والضغط عليه بشدة وهو ما يعبر عنه بالتغيير باليد “[10] لمنع الفساد الذي نهى الله عنه بقوله تعـالى : } وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ { [11] ولفظ الفساد عام وهو بذلك يتضمن كلّ إفساد قل أو كثر والقصد بالنهي هو على العموم وتخصيص شيء دون شيء تحكم إلاّ أن يقال على وجه المثال .[12] ويدخل في هذا النهي – لا تفسدوا في الأرض – دفع الفساد الديني والأخلاقي والاجتماعي ، بوسائل النهي المترتبة على مقاصد الشارع “وإن أفضل الوسائل مترتبة على أفضل المقاصد والأمر بالمعروف وسيلة إلي تحصيل ذلك المعروف ، والنهي عن المنكر وسيلة إلى دفع مفسدة ذلك المنكر فالأمر بالإيمان أفضل من كل أمر ، والنهي عن الكفر أفضل من كل نهي ، والنهي عن الكبائر أفضل من النهي عن الصغائر والنهي عن كلّ كبيرة أفضل من النهي عمّا دونها ، وكذلك الأمر بما تركه كبيرة أفضل من الأمر بما تركه صغيرة ، ثمّ تترتب فضائل الأمر والنهي على رتب المصالح والمفاسد.”[13]
وبترتيب أولويات المقاصد الشرعية يكون مجال الحسبة أكثر شمولية في دفع المنكرات الفردية والجماعية ، سواء أكانت دينية تتعلق بأمر الاعتقاد أم أخلاقية أو اجتماعية ويلتقي في هذا الترتيب الوازع الداخلي الإيماني مع التشريع ، والرقابة الخارجية للحسبة في دفع المنكرات .
مصطلحات ذات دلالات وعلاقات بمصطلح الحسبة
مفهوم الحسبة الذي اتسعت دائرة اختصاصاته بتطور المجتمع الإسلامي ونموه ، اتصل بمفاهيم أخرى من مبادئ النظام الإسلامي تشاركه في أداء وظيفة المبدأ العام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع خصوصية كل في سياقه التطبيقي ومن أهم هذه المصطلحات القضاء وقضاء المظالم والحسبة بينهما كما يقول الماوردي:”الحسبة واسطة بين القضاء والمظالم “[14] ونظرا لهذه الطبيعة التكاملية بين هذه المصطلحات والمفاهيم لابد من عقد موازنات تميز كلا في سياقه العملي .
أولاً : الحسـبــة والقــضـاء:-
كما سبق تعريف الحسبة وبيان معانيها ودلالاتها ، أشير هنا إلي المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للقضاء، فهو في اللغة له معان كثيرة إلا أن ما آلت إليه أقوال أهل اللغة هو :” إتمام الشيء قولا وفعلا .” [15]
أما في الاصطلاح : فقد عرفه ابن راشد بأنه : “الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام “[16] وعرفه فقهاء الشافعية بقولهم : القضاء هو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى “[17] ومن هذه التعريفات يتبين أن القضاء هو الإخبار والإفصاح عن حكم الله تعالى وإظهار الحق المدعى به بين الخصوم مع إلزامهم له،فالقضاء كما يقول ابن خلدون “من الوظائف الداخلة تحت الخلافة لأنّه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للتنازع إلاّ أنّه بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة “[18]
أمّا أدلة مشروعيته من الكتاب والسنة فقد وردت في العديد من الآيات التي توجب الحكم والقضاء أذكر منها على سبيل المثال :-
1- قوله تعالى : } إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً {[19]
2- وقوله تعالى :} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً {[20]
3- وقوله تعالى : } لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ{[21]
فهذه النصوص وغيرها تبين أنّ الأصل في القضاء والحكم بين الناس إنما يكون بما أنزل الله تعالى في كتابه وقد وردت في السنة النبوية الشريفة القولية والفعلية مشروعية القضاء ، فقد تولى النبي e القضاء بنفسه في كثير من الخصومات وعين القضاة في الأمصار البعيدة عن دار الهجرة من ذلك ما رواه معاذ بن جبل t أنّ رسول الله e لما بعثه إلى اليمن قَالَ : كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ . قَالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ e قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ e وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو ،فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ e صَدْرَهُ وَقَالَ :الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ.”[22] فالقضاء “باب من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “كما أن الحسبة كذلك قاعدتها وأصلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبالرغم مما بينهما من صلات في تحقيق هذا المبدأ إلا أنهما يختلفان من وجوه في الاختصاص فهناك وجهان توافق فيهما الحسبة القضاء ، ووجهان تخالفه فيهما ، ووجهان تنفرد بهما الحسبة ولا يتعرض لهما القضاء.[23]
التوافق بين الحسبة والقضاء :
1- توافق الحسبة القضاء في كون المحتسب يجوز له سماع دعوى المستعدى ويكون ذلك في ثلاثة أنواع من الدعاوى التي تتعلق إما بمنكر ظاهر وهو منصوب لإزالته أو اختصاصه بمعروف بيّن هو مندوب إلي إقامته ، وذلك لأن موضوع الحسبة إلزام الحقوق والمعونة على استيفائها ، وليس للناظر فيها الحق في أن يتجاوز ذلك إلي الحكم الناجز ، والفصل البات ، والدعاوى التي للمحتسب النظر فيها هي :
أ-أن يكون الموضوع المتنازع فيه يتعلق ببخس أو تطفيف في كيل أو وزن .
ب -أن يكون الموضوع المتنازع فيه يتعلق بغش أو تدليس في بيع أو ثمن .
ج- أن يكون الموضوع المتنازع فيه مطل أو تأخير لدين مستحق مع المكنة من وفائه .
2- وتوافق الحسبة القضاء في كون المحتسب يجوزله إلزام المدعى عليه بالخروج من الحق الذي عليه وهو أمر خاص في الحقوق التي جازله سماع الدعوى فيها ، وإذا وجبت باعتراف أو إقرار مع تمكّنه وإيساره فيلزم المقر الموسر الخروج عنها ، ودفعها إلى مستحقيها ؛ لأن في تأخيره لها منكراً وهو منصوب لإزالته.[24]
فالحسبة على هذين الوجهين تشترك مع أحكام القضاء فيكون التكامل بين الولايتين في الدعاوى السابقة وربما يكون هذا ما قصده ابن خلدون بقوله :” وكأنها أحكام يتنزه القاضي عنها لعموميتها وسهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة المحتسب ليقوم بها ، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة للقضاء ” [25]
أمّا كون الحسبة عند ابن خلدون وظيفة ينزه عنها القاضي بدعوى العمومية والسهولة فغير مسلم به ذلك أنه لا قوام للحسبة دون فقه بما يؤمر به وينهى عنه من شؤون الدين والدنيا وهذا مما ليس بشأن عمومي هين ،كما أن كلا من الحسبة والقضاء يعتبر وظيفة شرعية جليلة معتبرة ،وقد تكون الحسبة عينية على القاضي إذا لم يقم بها غيره ،وعلى رأي الإمام ابن تيمية أن اختصاص المحتسب كان يتسع ويضيق باختلاف العرف والأحوال والبلاد فعموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ ، والأحوال والعرف وليس لذلك حد في الشرع فقد يدخل في ولاية القضاة في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحسبة.[26]
وجها المخالفة بين الحسبة والقضاء :-
أ ـ عدم توجه الحسبة إلى سماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات مثل : دعاوى العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات ، فلا يجوز للمحتسب أن يسمع فيها الدعاوى ولا يتعرض للحكم فيها إلا إذا كلف بذلك بنص صريح وعندها يجمع المكلف بين الحسبة والقضاء ، ويراعى في تعيينه عندئذ أن يكون من أهل الاجتهاد الشرعي والعرفي .[27]
وقد فرقوا بين الاجتهاد الشرعي والعرفي بأنّ الاجتهاد الشرعي هو ما روعي فيه أصل ثبت حكمه بالشرع والاجتهاد العرفي ما ثبت حكمه بالعرف لقوله تعالى] خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين َ{ [28] ويتضح الفرق بينهما بتميز ما يسوغ فيه اجتهاده إذا كان عارفا بالمنكرات المتفق عليها.[29]
ب ــ الحسبة مقصورة على الحقوق المعترف بها ، أمّا ما يتداخله التجاحد والتنا كر فالمحتسب لا يجوز له النظر فيه .[30]
الوجهان اللذان تنفرد فيهما الحسبة عن القضاء:-
(أ)- يجوز للناظر في الحسبة أن يتصفح ويتعرض لما يأمر به من المعروف ، وينهى عنه من المنكر ، وإن لم يحضره خصم ، وليس للقاضي أن يتعرض لأمر من اختصاصاته إلا بحضور خصم يجوزله سماع الدعوى منه .
(ب)- ولمّا كان أمر الحسبة متعلق بمحاربة المنكرات الظاهرة ، فلا يكون خروج المحتسب إليها بالغلظة في بعض المنكرات تجوزا فيها كما يقول ابن الأخوة ” الحسبة موضوعة على الرهبة ، فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلظة تجوزا فيها ولاخرقا في منصبه ، وله أن يبحث عن المنكرات الظاهرة ليصل إلي إنكارها ويفحص عما ترك من المعروف الظاهر ليأمر بإقامته وليس ذلك إلى غيره”.[31] وهذا بخلاف القضاء فهو بالأناة والوقار أخص للفصل في الأمور التي يكون فيها المنكر خفيا.
خلاصة القول : أن غاية الحسبة والقضاء حفظ النظام ودفع الضرر ونصرة المظلوم ، وأداء الحق إلى مستحقيه ، ورد الظالم عن ظلمه وإصلاح بين الناس وتخليص لبعضهم من بعض وذلك من أبواب القرب.[32]
ثانياً : الحـسـبـة وقضــاء الـمـظــالم :-
ولاية النظر في المظالم يعرفها بعض الفقهاء بأنها ” قود المتظالمين إلي التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة “[33]ويقول ابن خلدون : النظر في المظالم وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ، ونصفة القضاء وتحتاج إلي علو يد وعظيم رهبة تقمع الظالم من الخصمين ، وتزجر المعتدى وكأنه يمضى ما عجز القضاة أو غيرهم عن إمضائه”[34]وعلى هذا فقاضي المظالم عمله ليس قضائيا فحسب بل هو قضائي وتنفيذي فقد يعالج الأمور الواضحة بالتنفيذ فيرد الحق لصاحبه بشتى الطرق والوسائل وطرق الإثبات في أحكام المظالم تغاير أحكام القضاء فبينما القاضي لا يحكم إلا بالبينات يصح لناظر المظالم أن يحكم بالأمارات وقد ذكر الفقهاء أوجه الخلاف بين ناظر المظالم والقاضي فقالوا:”يسوغ لوالي المظالم أن يفسح في ملازمة الخصوم إذا وضحت أمارات التجاحد ويلزم بإلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفل لينقاد الخصوم إلى التناصف ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب ، وأنه يسمع شهادات من لم تثبت عدالتهم ، ولم يثبت فسقهم وذلك يخرج عن عرف القضاة العاديين من أنهم لا يقبلون إلا شهادة المعدلين ، ولأنّ نظرهم أحيانا يكون في مسائل الحسبة يجوز أن يبتدأ باستدعاء الشهود ويسألهم عما عندهم في تنازع الخصوم بينما القضاة لابد أن يسبق الإثبات الدعوى .”[35]
وبناء على هذا يمكن القول : بأن قضاء المظالم يدخل في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو القاعدة الأصل التي تجمع بين الحسبة والقضاء وقضاء المظالم إلا أنهما يفترقان في الخصوصيات التطبيقية وإن تشابها من بعض الوجوه ، ولعل ذلك يتضح من الآتي :
وجه التشابه بين الحسبة وقضاء المظالم :-
أ-أن كلا من نظام الحسبة وقضاء المظالم موضوعهما مستقر على الرهبة ، المختصة بالسلطة ، وقوة الصرامة ، وخاصة فيما يتعلق بالمنكرات الظاهرة .
ب- جواز التعرض فيهما لأسباب المصالح ، والتطلع إلى إنكار العدوان الظاهر ولو لم يكن ثمة مُسْتعدٍ.[36]
أوجه التباين بين الحسبة وقضاء المظالم : –
1 – أن من اختصاص قضاء المظالم أن ينظر فيما عجز عنه كل من القضاة والحسبة لذا كانت رتبة المظالم أعلى منهما ومن هنا جاز لوالي المظالم أن يوقع للقضاة والمحتسبين والمحتسب لا يوقع لأحد منها فكانت للناظر في المظالم مهابة مع البسطة في العلم يقف بها أمام طغيان الولاة ، ومظالم الأقوياء وقد ذكر الفقهاء في وصفه أنّ “لناظر المظالم من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة في كف الخصوم عن التجاحد ، ومنع الظلمة من التغالب والتجاذب “[37]وقالوا أيضا “من شروط الناظر في المظالم أن يكون جليل القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر العفة قليل الطمع كثير الورع ؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة ، وتثبت القضاة ، فاحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين”[38]
2 – يجوز لقاضي المظالم أن يحكم وليس للمحتسب ذلك .
3 – يجب على قاضي المظالم التأني في الحكم ، وله حق تأجيل الحكم إذا احتاج إلي تحقيق في موضوع النزاع أما المحتسب فإن فصله في النزاع يجب أن يكون آنيا.[39]
خلاصة القول : أن المحتسب لا يصدر أحكاما ، وإنما يوجد حلولا عملية للمشكلات التي تحدث بين المتنازعين ، شريطة أن لا يكون فيها تناكر أوتجاحد ، أو إثبات حق أما إن وجد فيها ذلك فهي من اختصاص القضاء ، أو قضاء المظالم كل حسب اختصاصه وهذه النظم الثلاثة تتكامل في تحقيق مقاصد الشارع الحكيم ، وهي تسير في خطوط متوازية ثم تلتقي في نهايتها على هدف واحد وهو تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر العدل في حياة المجتمعات الإسلامية .
خصـوصيات الأصول الشـرعيـة في النظام الإسلامي
وضعت الأصول الشرعية من أجل تحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل فكان من أهمّ مقاصدها حفظ الضروريات المتفق على رعايتها في جميع الشرائع وهي : الدين والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ؛ ” لأنّ مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة عليها ، بحيث لو إنخرم الدين لم يبق للدنيا وجود من حيث الإنسان المكلف ، ولا للآخرة من حيث ما وعد بها فلو عدم الدين عدم ترجي الجزاء المرتجى ولو عدم الإنسان لعدم من يتدين ، ولو عدم العقل لارتفع التدبير ولو عدم النسل لم يكن البقاء عادة ولو عدم المال لم يبق عيش. “[40] لكل ذلك وضعت الشريعة أصولا وقواعد في قوانينها ونظمها تحفظ المصالح الدنيوية والأخروية على حد سواء ، وتفردت في ذلك بخصوصيات تشريعية منها:-
أولاً : خاصية المرجعية الثابتة للأصول والقواعد الشرعية في النظام الإسلامي وهي قائمة على قواعد الكتاب والسنة ، وهذا يكسبها جملة خصائص كالاستمرارية والكمال والشمولية بخلاف التشريعات الوضعية التي لا تتصف بهذه الخصائص .
ثانياً : القواعد الشرعية مبنية على دفع الضرر وهو من أهم القواعد التي يبنى عليها نظام الحسبة في دفع المنكرات سواء أكانت دينية أم دنيوية ، لتحقيق المصالح ودفع المفاسد وتمثل الحسبة في ذلك صورة تطبيقية لقوله e: ” لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ.”[41]
ثالثاً : تتسم الأصول الشرعية بيسرها وقلة تكاليفها ، فليس في أحكام القرآن الكريم أو السنة النبوية شئ مما يعسر على الناس وتضيق به صدورهم ، ودلّ على ذلك الكثير من الآيات القرآنية وأقوال النبي e وأفعاله التي تعد قواعد تشريعية ، ومن الأصول القرآنية الدالة على اليسر وقلة التكاليف ، قوله تعالى: } مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ { [42] وجاء في بيانها: ” أنّ ما نفاه الله تعالى من الحرج في هذه الآية قاعدة من قواعد الشريعة وأصل من أعظم أصول الدين ، تبنى عليه وتتفرع عنه مسائل كثيرة ، وقد أطلق هنا نفي الحرج ، والمراد به أولا وبالذات ما يتعلق بأحكام الآية ، أو بما تقدم من الأحكام وثانيا وبالتبع : جميع أحكام الإسلام .” [43]
رابعاً : تجمع الأصول الشرعية بين الأصالة والثبات ، وبين المرونة والتطور ، فالأصالة والثبات في الأصول والأهداف والغايات والمرونة ومواكبة التطور في الفروع الاجتهادية وهذه الخاصية تعتمد عليها أصول النظام الإسلامي في استيعاب كل جديد ووضعه في قوالب وقواعد الشريعة بإرجاعه إلى المصادر الشرعية وقد يلاحظ ذلك في المجالات التطبيقية للحسبة ، ولكن قبل ذلك أشير إلى أهم خصوصيات النظام الإسلامي بعد تعريفه وبيان مفهومه .
المفهوم الشرعي للمعروف والمنكر.
بعد بيان مفهوم المجال التطبيقي للحسبة فيما سبق ، وقبل الشروع في كيفية تفقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال الحسبة يحسن ضبط تلك المعاني في المفهوم الشرعي لتحديد أولوياتها .
إذا كان المعروف في اللغة هو : كلّ ما تعرفه النفس من الخير وتطمئنّ إليه.[44] فإنّ العلماء وضعوا له في المفهوم الشرعي عدّة معان قد يكون ،بينها عموم وخصوص فمنهم من قصره على التوحيد .[45] ومنهم من وسع مجاله ودائرته فجعله شاملا لكل ما طلبه الشارع على سبيل الوجوب كالصلوات الخمس وبرّ الوالدين وصلة الرحم … أو على سبيل الندب كالنوافل وصدقات التطوع . ومنهم من جعل للمعروف مجالا اشمل وأعمّ من ذلك فقالوا : المعروف اسم جامع لكلّ ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكلّ ما ندب إليه الشرع ونهي عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه ، والمعروف النصفة وحسن الصحبة ، مع الأهل وغيرهم من الناس ، وهو كل ما يحسن في الشرع .[46]
وبكل هذه المعاني ورد المعروف في الكتاب والسنة والمراد من الأمر به في كلّ ذلك حمل الناس على طاعة الله واتباع منهج رسوله e والإقتداء به في فعل الخيرات المرتب عليها الفلاح ، كما في قول الله تعالى : } وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { [47] فدعوة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر هاهنا واجبة ويترتب عليها، قيام مجتمع له خصوصياته الشرعية والأخلاقية ، والحسبة في هذا تهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة في الخلق كما أشار إليها الشاطبي حيث ربط بين الحسبة ومقاصد الشريعة ، وهذه المقاصد لا تعدوا ثلاثة أقسام ، وهي الضرورات والحاجيات ، والتحسينات ، وهي مرتبة حسب أولوياتها .فالضروريات هي التي ” لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم .” ثم قال : ويتم حفظ الضروريات بأمرين :
الأول : ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها ، وذلك مراعاتها من جانب الوجود .
والثاني : ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها ، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.”[48] والحسبة في هذا كله تحفظها من جانب الوجود بالأمر بالمعروف ومن جانب العدم بالنهي عن المنكر ، حفاظا على مصالح الأمة أفرادا أو جماعات لأنّ المعتبر في تقرير هذه المصالح جملة عبادات ، غير أن منها ما يكون خالصا لواحد بعينه من الآحاد. والطائفة الأولى من هذه المصالح هي وحدها التي تتعلق بها أحكام الوجوب والتحريم ، والندب والكراهة . أمّا الثانية وهي مصالح الآحاد أو حظوظهم فتتعلق بها أحكام الإباحة فحسب لأنّ المباح هو ما خيّر فيه بين الفعل والترك بحيث لا يقصد فيه من جهة الشرع إقدام ولا إحجام فهو من هذا لا يترتب عليه أمر ضروري في الفعل أو الترك ، ولا حاجي ولا تكميلي من حيث هو جزئي فهو راجع إلى نيل حظ عاجل خاصة ، ولا أثرله على مصالح المجموع سلباً ولا إيجاباً [49].فالمعروف في الشرع ما كان مطلوب الفعل على سبيل الوجوب أو الندب والمنكر ما كان مطلوب الترك على سبيل التحريم أو الكراهة ، أمّا المباح فلا يوصف بأي منهما إذ يستوي في الشرع فعله وتركه” [50] إلاّ أن المعتزلة ذهبوا في تعريفهم لمفهوم المعروف إلى التسوية بين الشرع والعقل فقالوا : ” المعروف هو كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ولهذا لا يقال في أفعال الله تعالى معروف ، لما لم يعرف حسنها ولا دلّ عليه “[51] وهذا التحديد لا يصح إذ المعروف ما عرف شرعا لا عقلا وإذا كان للعقل من مكان لضبط مفهوم المعروف ، فإنه يدور مع الشرع ، ويعرف ذلك من خلاله ” لأن الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، ولا مدخل للعقول في معرفة المعروف والمنكر إلاّ بكتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه e وربّ جاهل يستحسن بعقله ما قبحه الشرع ، فيرتكب المحظور وهو غير عالم به”. [52]
وبناء على هذا يمكن القول : بأن ضابط المعروف في مجال الحسبة هو الشرع وإن كانت ” معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروفة بالعقل ،وذلك معظم الشرائع ، إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن ، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن ، وأنّ تقديم المصالح الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن ، وقد اتفق الحكماء على ذلك وكذلك الشرائع.”[53] وبالرغم من ذلك لا يكون العقل وحده قاعدة لضبط المعروف والمنكر ولابد من الشرع كما يقول الأمام الغزالي في ضوابط الحكم على الأمر والنهي: ” الحكم عندنا عبارة عن خطاب الشرع إذا تعلق بأفعال المكلفين ، فالحرام هو المقول فيه اتركوه ولا تفعلوه والواجب هو المقول فيه افعلوه ولا تتركوه ، والمباح هو المقول فيه إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه ، فإن لم يوجد هذا الخطاب من الشارع فلاحكم ، فلهذا قلنا العقل لا يحسن ولا يقبح ، ولا يوجب شكر المنعم ولا حكم للأفعال قبل ورود الشرع .” [54]
ومن هذا يستخلص تحد يد المعروف المأمور به والمنكر المنهي عنه شرعاً في مجال الحسبة أولاً ولا تقتصر الحسبة على الواجب والحرام ولكنّها تطرأ على المباح المتروك ، فيؤمر به ندبا واستحسانا لأنه فضيلة من الفضائل المكملة للأخلاق الإسلامية ” فالأمر بالمعروف يكون واجبا ومندوبا على حسب ما يؤمر به وكذلك النهي عن المنكر ، فإنه يكون واجبا إن كان المنهي عنه محرما أو مكروها كراهية تحريم ، ومندوبا إن كان المنهي عنه مكروها كراهية تنزيه”[55] ، وبذلك تتدرج أحكام الحسبة في مجال المعروف والمنكر لتشمل الكبائر والصغائر وهذه الضوابط يمكن تطبيقها على أقسام الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر في مجالات الحسبة والتمثيل لها .
وقد قسم الفقهاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال الحسبة إلى ما يدخل تحت الأمر بالمعروف وإلى ما يدخل تحت رفع المنكر ، ناظرين في ذلك إلى ما فيه حق الله تعالى، وما فيه حق العبد وما يجتمع فيه الحقان معا ، إلاّ أن من الباحثين من ينتقد تقسيم الحقوق على هذا النمط ، الذي وضعه الفقهاء معللا ذلك بأن ” هذا التقسيم لا يستسيغه غيرهم من رجال العصر الحاضر ، لأنهم يجدون شيئا من العنت في التفريق بين حقوق الله ، وحقوق الإنسان ، والحقوق المشتركة بينهما.”[56] وربما يأتي الالتباس وعدم التفريق بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد لدى الذين كتبوا في الفقه أو الحسبة حديثا على الخصوص لسببين : إمّا لانتماء “علماني ” ذووه لا يستسيغون من الإسلام حتى أصوله في الحكم وليست فروعه فحسب ، وإمّا لعدم التفقه في أوضح أمور الدين .وإلاّ كيف يخفي على مسلم حق الله تعالى ، وحقه عبادته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وكيف يخفي على مسلم حقّ العباد ، وحقوق العباد هي معاملتهم وفق ما شرع لهم من الدين ، وكيف تخفي على مسلم الحقوق المشتركة ؟ إن كان فقيها عارفاً بأمور الشريعة وأسرارها ؟ إنه مهما تطورت صور الحياة ، أو تعقدت ، فإن الحقوق فيها ثابتة وهي إمّا حق لله تعالى أو للعباد ، وإمّا حقوق مشتركة بينهما على تقسيم الفقهاء .
وبناء على ذلك فإنّ تقسيم الفقهاء للحقوق في مجال الحسبة لم يأتوا به توهما أو تزيدا على الدين وإنما استنبطوه من أصول الإسلام وقواعد الشريعة التي حددتها الشريعة نفسها ،ويمكن تفقد المعروف في حياة المجتمع من خلالها والتمثيل لذلك في الآتي :
أولاً ـ الأمر بالمعروف في حق الله تعالى :
أول حقٍّ يلزم دعوة الفرد والمجتمع إليه هو حق الله تعالى وحقه إفراده بالعبودية المطلقة ، كما قال تعالى: } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ {[57] وقال تعــالى: } وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً {[58] وروي عن معاذ بن جبل t أن النبي e قال له : ” أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَاد؟ قَالَ :اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ .قَالَ :أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ .قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ :أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ .”[59] والعبادة في هذه الأصول تعني الطاعة في الأوامر والاجتناب لكلّ ما نهى الله عنه احتساباً لمثوبة عاجلة أو آجلة .كما أن العبادة تتنوع إلى أصول وفروع في ذلك فمن الأصول التي أوجب الله تعالى عدم التفريط فيها بعد أصول الإيمان الصلوات الخمس ، والصوم والزكاة وغيرها من الفرائض التي يلزم الأمر بها ويسميها الفقهاء الحقوق التي لا تسقط إلاّ بالأداء لأنها حقوق خالصة لله تعالى كما يقول الإمام ابن القيم: ” والحقوق نوعان حق الله وحق الآدمي ، فحق الله لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها ، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها لا في إهمالها ولهذا لا يقبل بالحدود ، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .”[60] لأنها ثابتة بالكتاب والسنة ، قولا وعملا من رسول الله e وإنكارها يعدّ خروجاً عن منهج الشارع ، وإهمالها يعدّ تفريطا في حقّ الله ومن فرّط في العبادة الواجبة بالأصول القرآنية والنبوية، فقد فرط في حق من حقوق الله الخالصة ولهذا قال الفقهاء تكون الحسبة فيها على ضربين:
أحدهما : ما يلزم الأمر به في جماعة : كصلاة الجماعة في المساجد وإقامة الأذان فيها للصلوات وهي من أظهر شعائر الإسلام وعلامات التعبد التي فرق بها رسول الله e بين المسلم والكافر فقال : ” إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة “[61] فإذا اجتمع أهل بلد أو محلة على تعطيل الجماعة في مساجدهم وترك الأذان في أوقات صلواتهم كان المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالأذان والجماعة في الصلوات [62]فقد روي عن أبى هريرة t قال : قال رسول الله e : ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.”[63]
ثانيهما : ما يأمر به المحتسب آحاد الناس : كأمره بأداء الصلاة في وقتها ، ويراعي في ذلك شواهد حاله وفحوى جوابه ، فإن تركها نسياناً لا يعزره ، وإن تركها لتوان أدبه وزجره ، وأخذه بفعلها جبراً أمّا من يؤخرها مع بقاء الوقت فلا اعتراض للمحتسب عليه ، إذا اتفق أهل بلد على تأخير الصلاة إلي آخر وقتها ويري المحتسب أن تعجيلها أفضل ، كان له أن يأمرهم بالتعجيل ، وهذا لا لأنه يوافق رأيه بل لأنّ تأخير جميع الناس لها يفضي بالصغير الناشئ على مضي الزمن إلى اعتقاد أنّ هذا هو وقتها لا غير. أمّا لو عجلها بعضهم ، وأخرها البعض الآخر فلا اعتراض للمحتسب على من يؤخرها منهم .[64]
ثانياً: الأمر بالمعروف في حقوق العباد :- أمّا حقوق العباد المتعلق بها الأمر بالمعرف في مجال الحسبة ، فهي مصالحهم وهي عائدة عليهم بحسب أمر الشارع وعلى الحد الذي حدّه لا على مقتضى أهوائهم ، وشهواتهم.[65] يقول الله تعالى : } وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {[66] فدلت الآية على أنّ الحقوق ما كانت مشروعةً شرعاً ، والحسبة في هذه الحقوق تكون على ضربين : عام ، وخاص .[67]
أولاً : العام : الحق العام هو كلّ ما يشترك في الانتفاع به المجتمع ، ويعود بالنفع لصالح المجموع ، كالمرافق العامة ، من مساجد ، ومستشفيات ، ومدارس ، وجسور وطرق وغير ذلك من الحقوق العامة كالملاجئ ودور الأيتام مما يتعلق بمصلحة عموم الناس ودور المحتسب في ذلك العمل علىالمحافظة عليها من التخريب من جهة ، والعمل على توفير الموارد المالية اللازمة لها من بيت مال المسلمين إن وجدت من جهة ثانية ،” لأنها حقوق تلزم بيت المال دونهم ، وكذلك لو استهدمت مساجدهم وجوامعهم ، فأما إذا أعوز بيت المال كان الأمر ببناء سورهم وإصلاح شربهم وعمارة مساجدهم وجوامعهم ومراعاة بني السبيل فيهم متوجها إلى كافة ذوي المكنة منهم ، ولا يتعين أحدهم في الأمر به وإن شرع ذو المكنة في عملهم وفي مراعاة بني السبيل وباشروا القيام به سقط عن المحتسب حق الأمر به ولم يلزمهم الاستئذان في مراعاة بني السبيل ، ولا في بناء ماكان مهدوما.”[68]
ثانياً : أمّا فيما يتعلق بحقوق الآدميين الخاصة : فهي مثل المماطلة في الديون ، وتأخيرها مع المكنة على سدادها ، فالمحتسب يأمر القادرين على السداد بقضاء ما عليهم إذا حان وقت السّداد ، وطلب منه أصحاب الديون ذلك لأنها حقوق خاصة ، تقبل الصلح والإسقاط ، والمعاوضة عليها.[69]والمماطلة مع المكنة ظلم كما قال:e ” مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ. “[70]، فدلّ الحديث على تحريم المطل من الغني ، والمعني على تقدير أنّه من إضافة المصدر إلى الفاعل ، أنّه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز ،وعلى معني تقدير إضافة المفعول إلى الفاعل : أنّه يجب وفاء الدين ولو كان مستحِقه غنيا ، فلا يكون غناه سببا لتأخر حقِّه وإذا كان ذلك من حقّ الغني ففي حقّ الفقير أولى .[71] وتلحق بالحقوق الخاصة النفقات وكفالة من تجب كفالته من الصغار والوصايا والودائع ،”وليس للمحتسب أن يأمر في الوصايا والودائع أعيان الناس . وآحادهم ، ويجوزله أن يأمر بها على العموم حثا على التعاون على البر والتقوى.[72]ومقصود ذلك أن حقوق الآدميين الخاصة إذا كانت مما يحتاج إلى حكم من الحاكم فليس للمحتسب أن يتعرض لها إلاّ إذا حكم بها الحاكم فإنه ينفذ الحكم إذا طلب منه بشروطه أمّا إذا كان الأمر لا يحتاج إلى حكم الحاكم فللمحتسب أن يأمر به وقد سبق في بيان الفرق بين الحسبة والقضاء وقضاء المظالم ،وما كان من اختصاص القضاء فلا مدخل للمحتسب فيه إلا إذا خول بذلك.
ثالثاً: الأمر بالمعروف في الحقوق المشتركة بين حقوق الله تعالى وحقوق العباد :
وهذه الحقوق تتصل بالنظام الإسلامي من ناحية ، ومن ناحية أخرى لها اتصال وثيق بحقوق الأفراد ، وتأخذ أحكامها بحسب ما يغلب فيها ، حق الله تعالى أوحق العباد لأنّ المعني بحقِّ العبد المحض : ” لو أسقطه لسقط ، وإلا فما من حق للعبد إلاّ وفيه حق لله تعالى وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقيه فيوجد حق لله تعالى دون حق العبد ، ولا يوجد حق العبد إلا وفيه حق لله تعالى وإنما يعرف ذلك بصحة الإسقاط.”[73]ويمكن التمثيل لذلك بأمر الأولياء بنكاح الأيامى من أكفائهنّ إذا اشتكين للمحتسب فيمنع تعسف الأولياء في حقّ الولاية عليهنّ ، وإلزام النساء بأحكام العدة إذا فورقن وله تأديب من خالفت في العدة وذلك لحكَمٍ في الشريعة ففي شرع العدة عدة حِكَم منها :” العلم ببراءة الرحم وأن لا يجتمع ماء الوطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب ، وتفسد وفي ذلك من الفساد ما تمنعه الشريعة والحكمة ، ومنها تعظيم خطر هذا العقد ورفع قدره وإظهار شرفه ومنها تطويل زمان الرجعة للمطلق إذ لعله أن يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكن فيه من الرجعة ، ومنها قضاء حق الزوج المتوفى وإظهار تأثير فقده في المنع من التزين والتجمل ولذلك شرع الحداد عليه أكثر من الحداد على الوالد والولد ومنها الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد والقيام بحق الله الذي أوجبه”[74] والحكم إذا كان دائرا بين حق الله تعالى، وحق العبد لا يصح للعبد إسقاطه إذا أدى إلى إسقاط حقّ الله تعالى.[75] وعلى الأمثلة السابقة يمكن قياس الحقوق المتعلق بها الأمر بالمعروف في مجال الحسبة أمّا بالنسبة لتتبع المنكرات والنهي عنها فتتوقف على معرفة الحقيقة الشرعية للمنكر أولاً والشروط الموجبة للإنكار في مجال الحسبة ثانياً .
المـفـهـوم الشـــــــرعــــي للمنـــــكــر
ورد المنكر في معاجم اللغة بأنه ضد المعروف.[76] وكل ما قبحه الشرع وحرمه ، أو كرهه ، فهو منكر والجمع مناكير. والنكير والإنكار تعني : تغيير المنكر ، كما في قوله تعـالى : } فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{[77] أي إنكاري وتغييري .
أمّا من حيث الحقيقة الشرعية فقد تعددت تعريفات الفقهاء للمنكر ، واختلفت عباراتهم في تحديد معناه بين العموم والخصوص ، فمنهم من قصره على الكفر .[78] ومنهم من جعله شاملا لمحرمات الشرع فقال :” كل محذور الوقوع في الشرع “[79] وذهب المعتزلة في مفهومهم للمنكر إلى القول :بأن ” المنكر كل فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه .[80] وهذا يجعل مدار معرفة المنكر العقل ، وهو خلاف لما ذهب إليه أكثر علماء السنة في ضابط الشرع لمعرفة المعروف والمنكر ، ويكون العقل تبعا له في ذلك وإذا لم يكن الشرع هو الضابط للمعروف والمنكر ، فقد يكون السلوك الواحد منكرا لضوابط العقل ومعروفا طبقا لضوابط أخرى ” وهذه الظاهرة ملموسة في الدول المعاصرة ، التي تجعل التشريع الوضعي هو الضابط الرسمي للمعروف والمنكر ، وتفسح المجال إلى جانب العقل لضوابط أخري مكملة وإن كانت غير ملزمة بوجه عام . فبعض التشريعات الوضعية تبيح البغاء ، ولعب الميسر وشرب الخمر والتعامل بالربا ، وتنظم ذلك بقوانين ولوائح ، وهذا يعني أنها لا تعد هذه الأفعال منكراً.” [81]
وذهب آخرون إلى قول أشمل مما سبق في تعريف المنكر فقالوا : ” هو ما تنكره النفوس السليمة وتتأذي به ، مما حرمه الشرع ونافر الطبع وتعاظم استكباره ، وقبح غاية القبح استظهاره في محل الملأ.”[82] ومما يدل على ذلك جواب رسول اللهe لما سئل عن البر والإثم قال : ” الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالأِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس .” [83]
وبناء على هذا الأصل يمكن القول : بأن المنكر هو كل قول أو فعل أو قصد قبحه الشارع ونهى عنه ، وقد وضع العلماء لضبط المنكرات القولية والفعلية في مجال الحسبة شروطا وقواعد رتبوا عليها أحكاما وفق مراتبها ودرجاتها ، لحماية المجتمع الإسلامي من التصدع والانهيار أمام التيارات الإباحية المختلفة .
الشــروط الموجبـــة للإنكـار في مجـال الحـــسبــة
1- يشترط الفقهاء لوجوب النهي عن المنكر وجوده فعلا كان أو قولاً ؛ لأنّ كل ما قبحه الشرع من فعل أو قول ولو صغيرة يسمى منكراً ويستوى في ذلك فاعل المنكر مكلفا كان أو غير مكلف.[84]
2- يشترط في النهي عن المنكر أن يكون حالاً ، بأن يكون صاحبه مباشرا له وقت النهي أو التغيير، أمّا إذا انقضى المنكر فليس ثمة مكان للنهي عنه أو تغييره ، وللمحتسب في هذه الحال أن يعظ مرتكب المنكر ، أمّا إقامة الحد والعقوبة فهي إلى الولاة والحكام وليس للمحتسب ولاية في ذلك .
3- أن يكون المنكَر ظاهراً للمنكِر بغير تجسس للنهي الوارد في قوله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ { [85] ويقول e: ” يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الأِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ” [86]
4- يشترط في المنكَر المحتسب فيه أن يكون مجمعا على إنكاره ، بين أئمة الاجتهاد وأما المختلف فيه فلا يحتسب فيه ؛ لأنّ كلّ مجتهد مصيب أو المصيب واحد فلا نعلمه ولا إثم على المخطئ في اجتهاده.[87] لما روي عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما – أنه سمع رسول الله e يقول :” إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ .”[88] ويفيد هذا أن الحق واحد ، وقد يوافقه بعض المجتهدين فيستحقون الثواب المضعّف وقد يخالفه بعضهم ، فيقال له مخطئ ، إلا أن استحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيبا ، واسم الخطأ عليه لا يستلزم أن لا يكون له أجر كما قال الإمام الشوكاني : ” فمن قال كل مجتهد مصيب وجعل الحق متعددا بتعدد المجتهدين فقد أخطأ خطأ بينا وخالف الصواب مخالفة ظاهرة فإن النبيe جعل المجتهدين قسمين قسما مصيبا وقسما مخطئا ولو كان كل واحد منهم مصيبا لم يكن لهذا التقسيم معنى وهكذا من قال إن الحق واحد ومخالفه آثم فان هذا الحديث يرد عليه ردا بينا ويدفعه دفعا ظاهرا لأن النبي سمى من لم يوافق الحق في اجتهاده مخطئا ورتب على ذلك استحقاقه للأجر فالحق الذي لا شك فيه ولا شبهة إن الحق واحد ومخالفه مخطئ مأجور إذا كان قد وفى الاجتهاد حقه”[89]
ولعل جوهر الخلاف في هذا الشرط هو هل تصح الحسبة على من عمل بخلاف مذهبه أم لا ؟ إذا كانت الواقعة في محل الاجتهاد الشرعي أو العرفي ؟ ولأهمية هذا الشرط ودقته ، رأى الفقهاء وجوب التفرقة بين الفقيه وغيره ، إذا احتسبا فقالوا في احتساب العوام:”العامي ينبغي له أن لا يحتسب إلاّ في الجليّات المعلومة ، كشرب الخمر ، والزنا ، وترك الصلاة ، فأما ما يعلم كونه معصية بالإضافة إلى ما يطيف به من الأفعال ، ويفتقر فيه إلى اجتهاد ، فالعامي إن خاض فيه كان ما يفسده أكثر مما يصلحه وعن هذا يتأكّد ظن من لا يثبت ولاية الحسبة إلاّ بتعيين الوالي إذ ربما ينتدب لها من ليس أهلا لها لقصور معرفته أو قصور ديانته ، فيؤدي ذلك إلى وجوه من الخلل”[90]
خلاصة القول أن المفهوم الشرعي للمنكر المحتَسب فيه لا يخلو من أمرين :-
أحدهما : أن يكون منكراً محرماً محظوراً ، وهو كل ما ألزم الشارع الحكيم المسلمين أن يجتنبوه ويطهروا منه حياتهم الفردية والجماعية وذلك لورود تحريمه صريحا في أصول الشريعة كتابا وسنة .
ثانيهما : أن يكون منكراً مكروهاً كراهية تنزيه وهو كل ما أظهر الشارع الحكيم كراهيته صراحةً أو كنايةً ، فيحذِّر منه المسلمون لشبهته .وبناء على هذا يمكن تتبع المنكرات والنهي عنها ، مع ترتيب أولوياتها في التقسيم الذي قدمه الفقهاء لها في مجال الحسبة .
تتبع المنــكرات في حيـاة المجتمع والتزام النهي عنــها
المنكرات وإن كانت من باب واحد في وجوب النهي عنها في مجال الحسبة عند استكمال شرائطها إلاّ أن الفقهاء ، قسموها كتقسيم المعروف بحسب ما تتعلق به فقد يتعلق المنكر بحقوق الله المحضة ، وقد يتعلق بحقوق الآدميين أو بالحقوق المشتركة بينهما ، وعلى هذا التقسيم يمكن تتبع المنكرات في مجال الحسبة والتمثيل لها .
أ- النهي عن المنكر فيما يتعلق بحقوق الله :-
سبق في البحث أن حقوق الله تتمثل في طاعته والتزام ما أمر به في شرعه المنزل دون أن تلحقه من ذلك الالتزام مصلحة أو دفع مضرة وأن ما كان حقا لله تعالى عائد للعباد في ترتيب المصالح والمفاسد ، ” وجلب المنفعة يكون في الدنيا وفى الدين ، ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال التي يقال فيها مصلحة للخلق من غير حظر شرعي وفى الدين ككثير من المعارف والأحوال ، والعبادات والزهادات التي يقال فيها مصلحة للإنسان من غير منع شرعي ، فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم فقط فقد قصر .” [91] في حقوق الله تعالى ومن هنا يأتي النهي عن المنكر فيما يتعلق بحقوق الله تعالى وهو على ثلاثة أضرب : ما يتعلق بالعبادات ، أوالمحظورات الشرعية ، أو المعاملات .
1– أمّا ما يتعلق بالعبادات : فكالقاصد مخالفة هيئاتها المشروعة والمتعمد تغيير أوصافها المسنونة مثلا من يقصد الجهر في صلاة الإسرار ، أو يزيد في الصلاة أو في الآذان أذكارا غير مسنونة فللمحتسب إنكار ذلك وتأديب المعاند إذا لم يقل بما ارتكبه إمام متبوع وكذلك إذا أخل بتطهير جسده أوثوبه أوموضع صلاته أنكره عليه إذا تحقق ذلك منه.[92] ،وكذلك من الأمور الهامة التي تناولها الفقهاء في مجال الحسبة وأوجبوا الإنكار على من يقوم بها دون علم شرعي التصدي للإفتاء ممن لا تتوافر فيهم شروط الاجتهاد الشرعي والعرفي ،فالمحتسب ” إذا وجد من يتصدى لعلم الشرع وليس من أهله من فقيه أو واعظ ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف جواب أنكر عليه التصدي لما ليس هو من أهله وأظهر أمره لئلا يغتر به ومن أشكل عليه أمره لم يقدر عليه بالإنكار إلا بعد الاختبار .”[93] ومن أمثلة المخالفات الواقعية والتي لا يخلو منها قطر إسلامي بناء الأضرحة والتمسح بالقبور والتوسل بالموتى أو التبرك بتربة الأضرحة وهذه من المنكرات التي تلحق ضررا بالعقيدة وتمسها ، وتبطل العبادات ، وتجلب للمجتمع الأوهام والخرافات التي تهدم كيانه الفردي ، والاجتماعي وتمس جوهر حقوق الله تعالى وهو إفراده بالعبودية المطلقة له.
2- أما فيما يتعلق بالمحظورات : فهي كل ما حظره الشارع الحكيم لشبهته كمواقف الرّيب ومظان التهمة التي نهى الشرع عنها لشبهتها ، كما في قوله e: ” الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ.”[94] فدل على أن الحرام منه ما هو بين ومنه ما يلتبس على كثير من الناس لشبهته فوصف القرب منه بحال الراعي يرعى حول الحمى والمحرم ليس الرعي حول الحمى إنما هو الوقوع فيه فحذر الشارع عن الشبهات التي تعد وسيلة إلى ذلك ، ” فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتاله ومنعا أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به وحكمته تعالى وعلمه يأبي ذلك كل الإباء بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه عد متناقضا ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سد الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها “[95] ، فكل وسيلة تنقل المحظور – سواء أكان في العبادات أم المعاملات – إلي الحرام منهي عنها في الشرع وتكون الحسبة فيها لازمة .
3– أمّا فيما يتعلق بالمعاملات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد : فيتناول النهي كافة الصور المنكرة في المعاملات مثل : الغش في البيوع ، وتدليس الأثمان ، والتطفيف في المكاييل والموازين ، ويشمل نهي المحتسب كلّ ما يقوم به أصحاب الحرف والصناعات في ذلك ممالا يقع تحت الحصر .[96]
ب- النهي عن المنكر فيما يتعلق بحقوق العباد :-
وحقوق العباد وإن كانت محضة فهي ذات طبيعة مزدوجة ، أي أنّها مشوبة بحق الله تعالى فما من حق للعباد يسقط بإسقاطهم ، أو لا يسقط بإسقاطهم ، إلا وفيه حق لله تعالى وهو حق الإجابة والطاعة ، سواء أكان الحق مما يباح بالإباحة ، أم لا يباح بها ، وإذا سقط حق الآدمي بالعفو فهل يعزر من عليه الحق لانتهاك الحرمة ؟ فيه اختلاف والمختار أنّه لا يسقط إغلاقا لباب الجرأة على الله عزّ وجل.[97] ، ويمكن التمثيل لحقوق العباد في مجال الحسبة بحقوق الجيرة كرجل هدم بيته فلم يبن والجيران يتضررون به كان لهم جبره على البناء إذا كان قادرا ، لأن لهم ولاية دفع الضرر مع الخلاف في ذلك، والمختار أنه ليس لهم ذلك لأن المرء لا يجبر على بناء ملكه ، وكرجل له دار أراد أن يرفع بناءها ويمنعه الجار، لأنه يسد عليه الضوء فله المنع لأن الضوء من الحوائج الأصلية ؛فإن منعه لأنه يسد عليه الشمس والريح فليس له ذلك لأنهما من الحوائج الزائدة والأصل أن من تصرف في ملكه تصرفا يضر بجاره ضررا بينا يمنع ، وإلا فلا ، وعليه الفتوى .[98] كما في قوله e : “لا ضرر ولا ضرار .”[99] وعلى هذه القاعدة الشرعية يحتسب على حقوق العباد كلها.
ج- النهي عن المنكر فيما يتعلق بالحقوق المشتركة :-
ويتعلق النهي عن المنكر في مجال الحسبة بالحقوق المشتركة بين الله تعالى وبين العباد فيمنع المحتسب من الإشراف على منازل الناس ، والاطلاع على عوراتهم ، ويعمل على حرمة الحياة الخاصة ، ومن الحقوق المشتركة أيضا الاحتساب على أئمة المساجد في من يطيل منهم في الصلوات ، حتى لا يعجز عنها الضعفاء ، ولا ينقطع عنها ذوو الحاجات فقد روي عن جابر بن عبد الله -t -أن معاذ بن جبل -t -كان يصلى مع النبي e – ثمّ يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة ، فقرأ عليهم البقرة قال:فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة ، فبلغ ذلك معاذ فقال : إنه منافق . فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي e فقال يا رسول الله ؛إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة ، فتجوزت ، فزعم أني منافق ، فقال : e ” يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ أَوْ أَفَاتِنٌ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ .”[100] ولا يخلوا حكم شرعي عن حق الله تعالى ، وهو جهة التعبد فإن حق الله على العباد ،أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه ،بإطلاق ، فإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجرداً فليس كذلك بإطلاق ،بل جاء على تغليب حق العبد في الأحكام الدنيوية كما أنّ كلّ حكم شرعيّ فيه حق للعباد إمّا عاجلاً وإمّا آجلا ،بناءً على أن الشريعة وضعت لمصالح العباد”[101]
خلاصة القول : أنّ تشريع الحسبة في مجال الحقوق يشمل الحقوق الفردية والجماعية ويشمل ما كان حقا لله تعالى أو للعباد ويمكن القياس على ما سبق من الأمثلة .
[1] – انظر : على سبيل المثال أهمّ كتب المجالات التطبيقية التي وضعت قواعد تشريعية خاصة بالحسبة منها : نهاية الرتبة في طلب الحسبة لعبد الرحمن بن نصر الشيزري ، وقد حذا حذوه مؤلف كتاب معالم القربة في أحكام الحسبة محمد بن محمد المعروف بابن الأخوة ثمّ جاء ابن بسام وهو محمد بن احمد فأطلق على كتابه اسم كتاب الشيزري السابق نهاية الرتبة في طلب الحسبة هذه نماذج من مشرق العالم الإسلامي ، أمّا في المغرب الإسلامي فأقدم كتاب أشار إليه الباحثون هوكتاب أحكام السوق ليحي بن عمر و آداب الحسبةلأبي عبد الله المعروف بالسقطي المالقي .
[2] – انظر: الأحكام السلطانية 258 ،مصدر سابق
[3] – المقدمة لابن خلدون 249 ،مصدر سابق .
[4] – مجموع الفتاوى لابن تيمية 28 /69 /ط /دار عالم الكتب / الرياض/ السعودية / 1412هـ 1991م.
[5] – هو أحمد بن علي بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ، المحب بن العلاء القلقشندي الأصل ، القاهري الشافعي ،توفي 821هـ من أشهر تصانيفه صبح الأعشى في قوانين الإنشاء . انظر : الضوء اللامع للسخاوي 2/7 والأعلام للزركلي 1/77 .
[6] – صبح الأعشى للقلقشندى ، تحقيق :د. يوسف علي 4/37 /ط1/دار الفكر/ دمشق / 1987م.
[7]– سورة آل عمران الآية 110 .
[8]– انظر : أشرف الفرائض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسان عبد الله 141/مقال في مجلة الثقافة الإسلامية / المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية / دمشق /41/ 1412هـ – 1992م .
[9]– انظر: مؤسسات الدولة في النظم الإسلامية لطارق البشري 86/ مقال في مجلة منبر الحوار / دار الكوثر / بيروت/ 1410هـ – 1989م .
[10] – أشرف الفرائض 141 ،مرجع سابق .
[11] – سورة الأعراف الآية 56.
[12]– انظر : المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي / تحقيق، المجلس الأعلى بفاس 5/522 / ط1/ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب/ 1397هـ 1977م.
[13]– الفوائد في اختصار المقاصد للعز بن عبد السلام ، تحقيق : إياد خالد الطباع 140/دار الفكر المعاصر/ بيروت /1996 م.
[14] – الأحكام السلطانية 245 ، مصدر سابق .
[15] – الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية لأبى البقاء الكفوي 4/8 مصدر سابق.
[16] – تبصرة الحكام لابن فرحون 1/8 /مطبعة مصطفى الحلبي / مصر /1378هـ-1958م.
[17] – مغني المحتاج للشربينى 4 /371 / مطبعة مصطفى أحمد / مصر 977هـ.
[18] – المقدمة لابن خلدون 243 ، مصدر سابق .
[19] – سورة النساء الآية 105.
[20] – سورة النساء الآية 58
[21] – سورة الحديد الآية 25.
– سنن أبي داود /كتاب الأقضية /باب اجتهاد الرأي في القضاء/ح3119 [22]
[23] – انظر : الأشباه والنظائر للسيوطي 646 /ط 3 / مؤسسة الكتب الثقافية / بيروت / 1419 هـ 1998م.
[24] – انظر : الأحكام السلطانية للما وردي 241 ، والأحكام السلطانية للفراء 285 .
[25] – المقدمة لابن خلدون 249 .
[26] – الحسبة في الإسلام لابن تيمية 13
[27] – انظر : الأحكام السلطانية للما وردى 242 ، والأحكام السلطانية للفراء 286 .
[28] – سورة الأعراف 199.
[29] – انظر: معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة 13 / ط1/ دار الحداثة / بيروت –لبنان / 1990م.
[30] – انظر : المصدر نفسه 242.
[31] – معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة 15، وأنظر : الأحكام السلطانية للما وردى ، 241.
[32] – انظر : المغنى لابن قدامة 11/373 / دار الكتب العلمية / بيروت / دون تاريخ .
[33] – الأحكام السلطانية للما وردى 86 .
[34] – المقدمة لابن خلدون 245 .
[35]– الأحكام السلطانية لأبى يعلى الفراء 64 .
[36]– انظر : الأحكام السلطانية للما وردى 273 / والذخيرة للقرافي / تحقيق :محمد بوخبزة 10/48 /ط1/ دار الغرب الإسلامي /بيروت /1994م .
[37] – الأحكام السلطانية والولايات الدينية ، لأبي يعلى الفراء 58/ تصحيصح وتعليق : محمد حامد الفقي / دار الكتب العلمية بيروت 1403م.
[38] – المصدر السابق 63 .
[39] -انظر : الأحكام السلطانية للما وردى 273 ، والذخيرة للقرافي 10/48 .
[40] – بدائع السلك في طبائع الملك 2/201 / الدار العربية للكتاب / ليبيا – تونس / دون تاريخ .
[41] – موطأ مالك/كتاب الأقضية/باب القضاء في المرفق/ح1234 .
[42] – سورة المائدة الآية 6.
[43]– تفسير المنار لمحمد عبدة ،جمعه الشيخ محمد رشيد رضا 6/269 /ط2/ بيروت/ دون تاريخ.
[44] – لسان العرب 9/155 ،مصدر سابق
[45]– انظر : تفسير البحر المحيط لأبى حيان ، تحقيق :عادل أحمد عبد الموجود 3/24/ط1/ دار الكتب العلمية / بيروت / 1413هـ- 1993م
[46] – انظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 17 /239 /ط2/ وزارة الأوقاف والشؤن الإسلامية / الكويت / 1410هـ – 1990م .
[47] – سورة آل عمران الآية 104
[48]– الموافقات للشاطبي ، تحقيق : إبراهيم رمضان 2/324 /ط3/ دار المعرفة /بيروت /1417هـ1997م.
[49]– انظر : موجب الحسبة في الفقه الشرعي ، د. عوض محمد عوض 25 / بحث في مجلة “المسلم المعاصر” / بيروت /ع 13/ 1408هـ- 1988م.
[50]– انظر : الزبدة الفقهية في شرح الروضة البهية لمحمد حسن ترحيني 3/669/ط1/ مؤسسة العروة الوثقى/ دار الهادي/ بيروت/ 1415هـ- 1994م.
[51]– شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي ،تحقيق : د. عبد الكريم عثمان 141 /ط1/ مكتبة وهبة / القاهرة /1384هـ- 1965م.
[52]– كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لعبد الرحمن الشيزري 6 تحقيق : السيد البازي العريني /ط1/دار الثقافة/ بيروت/ 1401هـ- 1981م.
[53]– قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام 2/135 /دار الشروق / القاهرة / 1968م.
[54]– المستصفى من علم الأصول للغزالي 1/55/ ط2/ دار الكتب العلمية /بيروت/ 1322هـ.
[55]– الكليات 4/185 ،مصدر سابق .
[56]– عبقرية الإسلام في أصول الحكم :د.منير العجلاني 295 / ط1/ دار النفائس /بيروت/1405هـ -1985م
[57]– سورة الذاريات الآية 56.
[58]– سورة النساء الآية 36.
[59]– صحيح البخاري /كتاب التوحيد/باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى/ح6825.
[60] -إعلام الموقعين لابن القيم 1/108مصدر سابق.
[61] -أخرجه الحاكم في مستدركه 1/48/11، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه ، ولم يخرجاه بهذا اللفظ ، ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعا .
[62] – الأحكام السلطانية للما وردي 275 .
[63]– صحيح البخاري/كتاب الآذان/باب وجوب صلاة الجماعة/ح608. 451/651 .
[64]– معالم القربة في أحكام الحسبة للقرشي50 / ط1/ دار الحداثة / بيروت –لبنان / 1990م.
[65]– انظر : الموافقات 2/473 ، مصدر سابق .
[66] – سورة المؤمنون الآية 71.
[67]– الأحكام السلطانية للما وردي 276 .
[68]– المصدر السابق 276.
[69]– انظر : إعلام الموقعين 1/108 مصدر سابق .
[70]– صحيح البخاري /كتاب الحوالات /باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة/ح2125.
[71]– انظر : سبل السلام للصنعاني ،خرّج أحاديثه :محمد عبد القادر أحمد عطا 3/62/ دار الكتب العلمية/ بيروت / 1420هـ- 2000م .
[72]– انظر الأحكام السلطانية للماوردى 247 ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 291
[73]– الفروق للقرافي 1 / 141 /ط1/ مطبعة دار إحياء الكتب العربية / مصر / 1346 هـ.
[74]– إعلام الموقعين 2/84 ،مصدر سابق .
[75]– انظر : المصدر نفسه 2/375 .
[76]– انظر : لسان العرب 5/233 ،مصدر سابق.
[77]– سورة الحج الآية 44.
[78]– انظر : تفسير البحر المحيط 3/24، مصدر سابق .
[79]– إحياء علوم الدين 2/468 ،مصدر سابق .
[80]– الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار 145 ، مصدر سابق .
[81]– انظر موجب الحسبة في الفقه الشرعي 24 ، مرجع سابق .
[82]– موسوعة أخلاق القرآن : د.أحمد الشرباصي 3/220/مرجع سابق.
[83]– صحيح مسلم/كتاب البر والصلة والآداب/باب تفسير البر والإثم/ح4633..
[84] -انظر : إحياء علوم الدين 2/468 ،مصدر سابق .
[85]– سورة الحجرات الآية 12 .
[86]– سنن الترمذي /كتاب البر والصلة/باب ما جاء في تعظيم المؤمن/1955 وقال أبو عيسى حديث غريب ، والحديث انفرد به الترمذي
[87]– انظر : إحياء علوم الدين 2/470 .
[88]– صحيح البخاري /كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة /باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ /ح6805 ، ومسلم في كتاب الأقضية/ح3240.وأبو داود في الأقضية /31032.
[89]– إرشاد الفحول للشوكاني 1/ 437 / ط1/ دار الفكر / بيروت /1412هـ- 1982.
[90]– إحياء علوم الدين 2/462 ،وانظر : تلبيس إبليس لابن الجوزية ،تحقيق : أيمن صالح 152/ط4/ دار الحداثة / القاهرة / 1422هـ-2001م .
[91]– مجموع الفتاوى 11/343 ،مصدر سابق .
[92]– انظر : الأحكام السلطانية للما وردي 248 .
[93]– الأحكام السلطانية للما وردي 280 ، وانظر : معالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة 79 .
[94]– صحيح البخاري /كتاب الإيمان/باب فضل من استبرأ لدينه/ح50.
[95]– إعلام الموقعين 3/135 ،مصدر سابق .
[96]– وقد ذكر ت مؤلفات الحسبة العديد من المنكرات في المعاملات ،وخاصة منكرات أرباب الحرف والصناعات ، ففي معالم القربة في أحكام الحسبة للقرشي أورد تسع وتسعين من أصحاب الحرف والصناعات منها على سبيل المثال: الفرانين والطباخين ، والنحاسين .. . إلى غير ذلك مما وصلت إليه الحرف والصناعات في عهده .
[97]– قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 229 مصدر سابق.
[98]– انظر:نصاب الاحتساب 198 ،مصدر سابق .
[99]– سبق تخريجه .
[100]– صحيح البخاري كتاب الأذان/باب من شكا إمامه إذا طول/ح664..
[101]– الموافقات 2/317 ،مصدر سابق .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22660
أحدث النعليقات