العنف الذي يتبع خطى التحول
محمد سعيد إبراهيم عبد الله “التركي”
عندما تسيطر الأطماع الآنية على الذات الإنسانية وتتحول صورة “الأخ” إلى “عدو” في العقل الواعي والباطن وتبقي مقولة (اقتل عدوك قبل أن يقتلك) القانون الأساسي في لعبة الاغتيالات السياسية. قانون لا يستثني أحداً في أي زمان وأي مكان، وتطبيق هذا القانون جعل هناك قائمة طويلة من الاغتيالات السياسية الكبرى، نجد فيها أسماء كبيرة ومؤثرة في زمانها ومكانها والخاسر الأكبر هو الوطن.
والاغتيال مفهوم ذو علاقة قديمة بالسلوك الإنساني العنيف لفرض الإرادة والتخلص من الخصوم السياسيين، و الاغتيال ينتعش وينمو في الأنظمة الاستبدادية والدول ذات الأنظمة الشمولية أو الدكتاتورية أو الذين استولوا على السلطة عن طريق القوة أو إذا كان تداول السلطة لم يكن نتيجة “عقد بين الشعب والسلطة وغياب سيادة القانون” أو كحالة “الاحتيال السياسي” لحزب “الهقدف” على الشعب الارتري “الذي ما زالت تسمى حكومته بالمؤقتة، ولكنه في الواقع حكومة ارترية لقرابة العشرون عاماً” الذي مارس كل الأساليب التضليلية التي تطيل أمده في الحكم من اغتيال “الخصوم السياسيين” وسجنهم وافتعال حروب مع دول الجوار لها أكثر من مرمى، وخلق قضايا تلهي الشعب عن القضايا الأساسية من استقرار الحكم على أسس ديمقراطية وغياب المرجعية الدستورية في الدولة ليخفي عجزه وعدم أهليته لإدارة الدولة.
والأسباب الرئيسة للاغتيال هي عندما لا تكون الدولة ديمقراطية ولا يطبق القانون بشكل متساو على الكل يصبح هذا سبباً رئيساً لكي يقوم ذوو السلطة والنفوذ بتحقيق أهدافهم بشكل غير حضاري وبدون أية مسؤولية وبفرضه على الناس خاصة أمام الأشخاص الذين يحسون بأنهم عقبة في طريقهم أو أفضل منهم لتفوقهم العلمي أو لمكتسباتهم التي تميزهم وتكفل لهم حق الحكم إذا توفرت طرق ديمقراطية للوصول للحكم ، لهذا لا يجدون إي إطار سوى الرفض القطعي (الاغتيال) هذا في المنظور العام أو السياسي. لكن هناك أسباب أخرى للاغتيال مثل الثأر والجهل وبعض الأعراف الاجتماعية أو الصراع أو تدهور الوضع الاقتصادي وكذلك التصفيات السياسية والاثنية والعرقية والشخصية وعدم وجود منفذ آخر “للعلاج” بمعنى الوصول إلى حالة اليــــــــــأس … ” يأس الشريك من الشريك”.
وفي تعريفات لقانونيين ورد أن القتل هو إزهاق روح إنسان حي بغير وجه حق، والاغتيال نوع من القتل إلا انه “مصطلح سياسي” أكثر مما هو قانوني ونستطيع أن نسوق تعريفاً متواضعاً وهو أي أن الاغتيال يعني “القتل غدراً” وعلى حين غفلة من المجني عليه، وهو بالطبيعة يندرج تحت القتل مع سبق الإصرار والترصد، لان الجاني غالباً ما يهيئ الأسباب ويترصد المجني عليه في أثناء حياته اليومية الاعتيادية كالتنقل من داره إلى دائرته أو بالعكس وعادة يكون مدعوماً بجهة معينة سياسية أو اجتماعية كأن تكون منظمة، والهدف منه غالباً تصفية الخصوم وكانت لبعض الأحزاب التي تدعى بالثورية زمرا خاصة للاغتيالات تستهدف رموز القائمين على أمر السلطة المنافسة أو المتعاونين معه وأحيانا تكون جريمة اجتماعية أو اقتصادية بدافع الانتقام من ذوي الجاه والمكانة أو للتخلص من ذوي النفوذ الاقتصادي .
ويقول : د. يوسف مصطفى في قراءته السيكولوجية للاغتيال: “عبر التاريخ السياسي والمدون للإنسان لم يسجل السلوك العدواني وكذلك العنف أي تقدم على صعيد البناء والنمو سواء للفرد أو للمجتمع بصورة عامة، وخلال تطور المجتمعات البشرية وجد أن لغة الحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة والتي تدخل في إشكالات شتى هي أجدى وانفع من أية لغة أخرى مهما كانت الخلافات والتوجهات المتعددة ما بين تلك الأطراف.
واهتمامنا بالاغتيال في هذه المرحلة، يأتي:
أولاً : إقراراً لمبدأ رفد العنف كسلوك سياسي في ارتريا ومحاولة كفكفة أدمع من تضرروا ضرراً مباشراً ولم تجف مآقيهم حتى الآن من أبناء الشهداء وأراملهم والأسر التي فقدت عائليها من جراء هذا السلوك وسلوك الاعتقالات التعسفية.
ثانيا وهو الأهم : يأتي في طي البحث والمساهمة للخروج من الظرف الاستثنائي الذي قد ينشأ من افرازات الحالات الطبيعية للتحولات والتغييرات السياسية المتوقعة، ولنا العبرة في ما تبثه لنا القنوات الفضائية من حالات عدم الاستقرار التي تشهدها الدول التي “أٌحدث فيها التغيير بإرادات خارجية” ولم يشارك المتنافسون في السلطة “حالياً” في التخطيط لها ولكنهم تفاجئوا بالوضع. (والعاقل من اتعظ بغيره ولم يكن عبرة لمن بعده) فنرى سلوك العنف يشوب ملامح هذه الدول ويعبث بمواردها البشرية والاقتصادية.
ولأنه دائماً ما ينشط هذا المفهوم ويتفاعل متدثراً بالثوب السياسي في حالات وجود الفجوات في الحكم لسقوط حكومة ما أو حدوث انقلاب ما لتغيير الحكم في الدولة فتزداد الاغتيالات وتعم الفوضى ويسود الاضطراب في المجتمع كحالات لغياب السلطة فينتشر السلاح ويكون سهل التناول في يد كل من هب ودب فيستعمله دون خوف من رقيب ولا وجل من حسيب.وتسود الفوضى والاضطراب، ويظهر اقتتال الأخوة وحدوث حالات الاغتيال والتصفية الجسدية بصورة فردية أو جماعية بين الجماعات المتصارعة في مرحلة ما بعد “الديكتاتوريات” بدافع الانتقام نتيجة الأحقاد الماضية التي ولدتها ادوار التاريخ المختلفة مع اختلاطها بسوء الفهم وقلته من قبل الكثير من المجموعات.
والاغتيالات التي تستهدف النخب السياسية والرموز في البداية في مثل هذه الأزمات تتجاوزها فيما بعد إلى إسقاط ضحايا وسط المدينين، ولا شك أن للاغتيالات تأثيرات سياسية واجتماعية ونفسية تعود بالسوء والأذى على المواطن، ناهيك عن تأثيراتها الاقتصادية التي تؤخر تقدم الدولة وبناء أركانها.
وسأورد بعض الملاحظات التي قد تدعم اتجاه نبذ العنف والإعداد وتهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد الديكتاتورية:
الرغبة في أن لا يكون لنا ميراث سياسي من العنف اللانساني البغيض.
دعوة مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها في نبذ ومحاربة هذا السلوك ودعوة المختصين الارتريين القانونيين والسياسيين والسيكولوجيين والاجتماعيين والإعلاميين وإشراك وإعداد الدعاة من رجال الدين من أجل التنوير وإرساء دعائم لأسس التنافس السياسي الشريف.
إدانة مرتكبي الجرائم في حق الشعب الارتري.
لا علم لنا بما تخبئه معاطف الغيب من سيناريوهات واستراتيجيات أطماع توسعية التي قد تستغل سوء تقديرنا وإدارتنا للأحداث والأزمات التي لم نضعها موضع اعتبار ولم نعد لها الدراسات ولم نقرأ احتمالاتها جيداً.
تشكيل آليات عمل مشتركة ووضع بنود احتياطية لتجاوز حالات الطوارئ والأزمات التي تصاحب حالات التغيير.
الاحتياط لمواجهة الأطماع التوسعية من الجوار أو توسع المحميات الأوروبية في أفريقيا.
الاعتراف بالمؤسسة العسكرية القائمة بالدولة المتمثلة في(الجيش).
عدم تجاوز دور محدودي المطالب في صفوف المعارضة لأن تجاوزهم قد يقودهم إلى اتخاذ العنف كسلوك “للفت الانتباه” إلى مطالبهم وقد يسلمون أمرهم لمن يريد أن يستغلهم لأجندته الخاصة.
إبراز الوجه المشرق للتناقضات والتقاطعات بين جميع الأطراف في المعارضة التي تحمل رؤى متعاكسة.
تفعيل مبدأ الحوار الوطني تحت المظلة الجامعة “التحالف الديمقراطي” والدعوة للحفاظ على مواردنا البشرية والقوة السياسية الوطنية الفاعلة التي من شأنها أن تضع أسس التغير الديمقراطي المأمول وتبعدنا عن شبح الانزلاق الغير مكبوح.
الاعتراف بجميع مكونات الشعب الارتري والابتعاد عن فكرة إقصاء بعضنا البعض وفكرة ” أنا قادم ويسبقني سهيل جواد أجنبي “. ولنعتبر بمن أتوا إلى السلطة بهذه الطريقة لم يستطيعوا منح الاستقرار لشعوبهم حتى الآن.
نقد الممارسات السياسية الخاطئة ممن ينشدون السلطة ويقدمون أنفسهم للمجتمع الغربي على أن هدفهم الأول هو “محاربة الإرهاب” الذي لا “وجود” له وقد تأتي مثل هذه الأطماع الضيقة الأفق والتي تفوح منها رائحة “الانتهازية السياسية” بالعنف والإرهاب من حالة “اللاوجود” لأنه يحمل في طياته تهديد مبطن يمثل حافز رئيسي لرد الفعل الطبيعي “لسلوك العنف المنبوذ ” ويطوره ولا يشجع أو يؤسس لمبدأ الاحترام المتبادل واحترام الأديان و”لا حتى احترام للعقول” باعتبار أن الأديان هي مكون أساسي لجزء كبير من الثقافة الارترية والثقافة الشرق أوسطية” . والاقتداء بنموذج وعي الولايات المتحدة بمصالحها حينما طرحت هذا السؤال “لماذا يكرهنا هؤلاء….) ” وبحثت عن الإجابات للعنف الذي أثر على سياساتها الاقتصادية وهي الآن تحاول أن تقدم نفسها بصورة مغايرة لمن يكنون لها الكره من الشعوب حتى لا تتأثر مصالحها السياسية والاقتصادية ..
دعوة المثقف الارتري للإيمان بالدور المرحلي الذي يمكن أن يلعبه في التركيز بالخروج بالمواطن البسيط في مكونه الفكري من أثر أي أزمة قد تضر بمصالحه، وتسليط الضوء على القضايا الملحة والتي قد تفرض نفسها من خلال قراءة الأحداث.
لا فائدة ما لم يتنزل العمل المشترك لكل القوى السياسية دون استثناء لأي قوة لقلتها أو لمحدودية مطالبها على أرض الواقع وتقسيم الأدوار وتبادل الثقة ولا فائدة ولا ثقة ما لم تظهر رموز المعارضة مجتمعة دون استثناء إلى الجماهير العريضة واضعة يدها فوق يد بعض لتجاوز المنعطف الذي يحتاج منا إلى روية وتأني وشفافية إلى الحد الأعلى وليس الحد الأدنى، وهذا يمكن في إطار الحوار الوطني الجامع.
إظهار التناغم التام في العمل الجماعي من قبل الرموز وقيادات التنظيمات السياسية التي لها أدوار تاريخية في القيادة في عهد الثورة والدولة وفي عهد المعارضة وهذا يمثل تطيب وتطبيب الخواطر وطمأنت النفوس بأن القادم أفضل وليس أن القادم أخطر.
الهدم والدمار لا يكلفنا إلا القليل من الإهمال والأنانية، والبنيان والإعمار يلزمنا بأن نفكر ونعمل بإرادة خمسة ملايين “ارتري”.
Mohamed Saeed Ibrahim Abdalla “Al turki”
محمد سعيد إبراهيم عبد الله “التركي”
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2339
أحدث النعليقات