”الفشـقــة” هل تصبح خميرة عكننة بين الخرطوم وأديس
صحيفة الرأي العام السودانية -تقرير: ياسـر احمـد عمر
هل هي بداية ازمة بين الخرطوم وأديس .. ام هو توتر «الاحباب» سرعان مايزول وتعود المياه لمجاريها بلا عكر؟..!!
اللجنة السودانية الاثيوبية المشتركة بمدينة قندر الاثيوبية عقدت اجتماعات لتأكيد الحيازات الزراعية في مناطق شرق نهر عطبرة و «الفشقة» الكبرى محل النزاع بين البلدين، جملة تساؤلات حول مصير تلك المنطقة الحدودية خاصة مع تزامن اجتماعات تلك اللجنة المشتركة مع اجتماعات قيادات عسكرية من البلدين لوضع الضوابط الأمنية اللازمة، وزاد في تأكيد تلك التساؤلات وصف د. عبد الرحمن خضر والي القضارف لاجتماعات اللجنة المشتركة بأنها بداية النهاية لقفل نزاعات الاراضي في مناطق التداخل بعد ترسيم الحدود بواسطة ادارة الاحتلال البريطاني.
«الفشقة»
وعلى الرغم من ما تشهده علاقات البلدين العريقة التي تمتد الى ماقبل ما كان يعرف بمملكة «تنهاسو» دورات من الارتفاع والانخفاض وفقا لمتغيرات المكون السياسي الحاكم للبلدين إلا ان بعض النقاط العالقة تقف في مسيرة علاقات البلدين الجارين حول تلك المنطقة «الفشقة» تتمثل في الاتهام المتبادل بعدم الالتزام بالاتفاقيات بينهما واعاقة عمل لجان ترسيم الحدود الى جانب القيام بممارسات تمنع الوفود الرسمية والسياسية من القيام بأعمالها واعتراض السلطة الاثيوبية وعدم سماحها للمواطنين السودانيين بعبور نهر عطبرة للضفة الشرقية بالاضافة الى ان السلطات الاثيوبية انشأت قرى نموذجية اثيوبية ومنشآت في المنطقة المتنازع عليها، ثم الاعتداءات المتكررة على الرعاة والمزارعين السودانيين من قبل السلطات الاثيوبية.
فتح جديد لملف قديم
ومنطقة «الفشقة» الحدودية مع اثيوبيا وموضوع ترسيم الحدود كما قال خبير القرن الافريقي د. حسن مكي اعادة الى فتح ملف جديد لقضية قديمة وفي رأيه ان اثيوبيا تريد فرض الأمر الواقع ولاتريد ترسيم الحدود لأن الترسيم في نظرها يحرم المزارعين الاثيوبيين من الزراعة في مناطق خصبة، رغم ان الفشقة اراضٍ سودانية وتعتبر من اخصب الاراضي الزراعية ولكنها مهملة أو نحن غضينا الطرف عنها. وفي العقود الاخيرة عندما شعر الاثيوبيون ان السودانيين اهملوها
ولم يستغلوها وكانت تطحنهم المجاعات لذلك لجأوا لاستغلال أراضي المنطقة بجانب ان هناك كثيراً من المزارعين السودانيين دخلوا في شركات مع الاثيوبيين في زراعة الاراضي فضلا عن ان كبار المزارعين السودانيين في تلك المنطقة يعتمدون على العمالة الاثيوبية.
اعتبارها «تخوم»
ويضع د. حسن مكي نقاطاً لحل وحسم النزاع في تلك المنطقة تتلخص في الاتفاق أولا على ان لا تكون الحقوق التاريخية المدخل الافضل لحل النزاع في ظل مطالب اثيوبية بهذه المنطقة وهو يقترح معاملة تلك المنطقة باعتبارها منطقة «تخوم» خالية من الوجود الاداري والسياسي على ان تظل تابعة للسودان ولكن المنفعة مفتوحة وتحدد البروتوكولات القانونية طبيعة الانتفاع وكيفية تقسيم الاراضي والمطلوبات الاخرى التي تنجم عن هذا الوضع.
عوامل ذاتية
برغم الخلاف والنزاع حول منطقة «الفشقة» الحدودية إلا انها لم تتسبب في تعقيدات أمنية بين البلدين فقد ظل المزارعون الاثيوبيون طيلة عقود لايتحركون بأوامر سياسية من السلطات الاثيوبية بل يتحركون ويدخلونها لعوامل ذاتية كما اشار د. حسن مكي وفي اعتقادهم ان المستقبل لهم في هذا الاتجاه وفي ايام المجاعات وصلوا حتى مناطق مدن بورتسودان وكسلا وأقاموا مشاريع هناك ولذلك القضية في نظره اقتصادية وليست سياسية ولذلك ليس هناك احتمال بانفجار الوضع بسببها.
العلاقات مع اثيوبيا كما ذكرنا قديمة ولكن في التاريخ السياسي الحديث نجد ان حزب الامة أول من تعامل مع دولة الحبشة أو اثيوبيا في شكلها الحالي منذ حملات قواد المهدية «حمدان ابو عنجة» و «الزاكي طمل» وما عرف حينها بحرب الحبشة في عهد الخليفة عبد الله التعايشي، ثم لجأ «المك نمر» اليها عندما خرج من السودان وانشأ المتمة الاثيوبية ودفن فيها، والامبراطور هيلا سلاسي وقت الاحتلال الايطالي لبلاده هرب الى السودان واستعاد ملكه بواسطة السودان بمعاونة قوات دفاع السودان عام 1941م. كذلك عندما ضربت الجزيرة أبا في عهد «مايو» لجأ الانصار الى اثيوبيا ولم يلجأوا الى دولة غيرها الى ان نصل الى علامة بارزة في علاقات البلدين وظلت تحمل اسم عاصمتها وهي اتفاقية «اديس ابابا» الموقعة بين حركة «انانيا» المتمردة بجنوب السودان وحكومة جعفر نميري عام 1972م.
وتنبع أهمية اثيوبيا التي تبلغ مساحتها «1127127» كيلو متراً مربعاً وبسكان بلغ عددهم «72» مليون نسمة في انها تقع في منطقة استراتيجية مهمة في القرن الافريقي والسودان يحرص على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع اثيوبيا لاهميتها في انها تملك حدوداً مشتركة ضخمة مع السودان، واثيوبيا اليوم مستورد اساسي للبترول السوداني فضلا عن مياه النيل والانهار المشتركة والتداخل السكاني بين الشعبين وما يمكن ان يحدثه هذا سلباً أو ايجاباً في علاقات البلدين.
تأرجح العلاقات
والعاصمة اديس ابابا وهي في نفس الوقت مقر منظمة الوحدة الافريقية منذ العام 1963 ومقر الاتحاد الافريقي عام 2002م ومقر اللجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للأمم المتحدة ظلت تستقبل وتستضيف كل الوفود والهيئات السودانية حكومة أو معارضة نتيجة لتأرجح علاقات البلدين خلال العهود المختلفة ولم تستقر تلك العلاقات إلا في مطلع يناير «2002» بعد زيارة الرئيس الاثيوبي ملس زيناوي للخرطوم لدى انعقاد قمة الايقاد التاسعة اتبعتها زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه لاثيوبيا في ابريل من نفس العام وتم خلالها التوقيع على عدد من الاتفاقيات الثنائية ابرزها بروتوكول استغلال ميناء بورتسودان وبروتوكول التعاون النفطي واجتماعات اللجان المشتركة من ضمنها لجنة الحدود. وكانت علاقات البلدين قد توترت عقب مجئ نظام «منقستو هايلي مريام» الى سدة الحكم في اثيوبيا الذي خاض حرباً ضد حركات التحرير الاريترية والاثيوبية بدعوى ان السودان يساند تلك الحركات ولذلك احتضن حركة التمرد السودانية وفتح لها اراضي بلاده وساندها بالسلاح، ولكن بعد الاطاحة بنظامه وانتصار حركتي التحرير الارترية الاثيوبية لم تلبث ان عادت حالة العداء بين البلدين واتهمت اثيوبيا النظام الاسلامي في السودان بايواء المعارضين العسكريين والسياسيين والانطلاق من عمق الاراضي السودانية الى ان كانت محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995م في اديس ابابا واتهام الحكومة السودانية بذلك ذروة الخلافات بين البلدين التي لم تشهد انفراجاً وتطوراً إلا مع بداية عام 1999م بزيارة الرئيس عمر البشير لاثيوبيا.
سر التخوف الاثيوبي
وتتخوف اثيوبيا خلال تعاملها مع السودان من انتقال تأثيرات الاسلام السياسي في السودان اليها كما يلمح بذلك د. حسن مكي الذي اوضح بأن عدد المسلمين في اثيوبيا اكثر من عدد المسلمين في السودان مشيراً الى مدى تأثير مثل تلك القوى في المنطقة خاصة إذا عرفنا ان عدد المسلمين في اثيوبيا يحتلون المرتبة الحادية عشرة في الترتيب العالمي، وبعني آخر عدد المسلمين في اثيوبيا يفوق عدد مسلمي الخليج ومسلمي السودان رغم ان وزنهم السياسي والاقتصادي في اثيوبيا لايتعادل مع حجمهم.
ولكن د. مكي يقول بأن النظام الجديد في اثيوبيا بقيادة «ملس زيناوي» اعطى المسلمين كامل حقوقهم واصبحوا شركاء في الدولة والمصير لأول مرة في تاريخ اثيوبيا ولهم كامل حقوق المواطنة ومحاكمهم الشرعية ووجودهم في مراكز القرار مستفيدين من نظام القوميات الذي يكفل لهم حرية اختيار نظامهم التعليمي وادارة شؤونهم الذاتية، كما في المنطقة «العفرية» و«الصومالية» و «بني شنقول» «والأرومو» وغيرها. وبذلك يريد خبير القرن الافريقي ان يفهمنا ويشرح لنا سر التخوف الاثيوبي وتردد اثيوبيا في علاقاتها مع السودان المؤهل للمصالحة ما بين اثيوبيا واريتريا البلدين الجارين اللذين يؤثران بطبيعة الحال على الشأن السوداني، ولكن السياسة السودانية على رأي د. حسن مكي تبدو عاجزة وقاصرة وفاقدة الاتجاه وغير واعية لدورها في المنطقة وخاصة في اثيوبيا واريتريا..!!
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=24597
أحدث النعليقات