التطوع مفهومه ومقاصده

التطوع هو ما تبرع به المرء من ذات نفسه مما لايلزمه فرضا كما ورد فى لسان العرب ويقال تطوع كذا أى تحمله طوعا .
وإصطلاحا : هو تحمل المؤمن فعل خير غير واجب عليه ، راغبا فيه متبرعا به من ذات نفسه  ذكر ذلك ابن جرير والقرطبي والرازى . ويكتسب العمل التطوعى أهمية خاصة فى مجتمعنا الاسلامى ذلك أن الشرع الاسلامى حث على عمل الخير والتطوع وجعل ذلك من القربات العظيمة التى يتقرب بها الانسان إلى خالقه عز وجل قال تعالى (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ) البقرة  وقال تعالى ( فمن تطوع خيرا فهو خير له )البقرة وحث الاسلام جميع أفراد المجتمع ببذل ما يسعهم من طاقة وجهد فى العمل الخيرى الطوعى فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن فعل الخير ليس بوسيلة المال فحسب بل كل ما ينفع الناس فى أمر دينهم ودنياهم من عمل الخير حيث قال صلى الله عليه وسلم( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة  ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة وكل خطوة يخطوها الى الصلاة صدقة ويميط الاذى عن الطريق صدقة .
وجاءت توجيهات القرءان للمسلمين إلى فعل الخير بوجه عام وإلى الاسراع والسبق بصفة أخص قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) وقال تعالى ( أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون ) ويقول السعدى رحمه الله فى قوله تعالى ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) أي السابقون إلى الخيرات فى الدنيا هم السابقون إلى دخول الجنات فى الآخرة  وقال صلى الله عليه وسلم ( من مشى فى حاجة أخيه كان خيرا له من إعتكاف عشر سنوات ) متفق عليه  ويقول صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما ( المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايسلمه ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) متفق عليه
مفهوم التطوع
يختلف مفهوم التطوع فى الاسلام عن مفهوم التطوع فى الفكر العلمانى المادى وفى هذا السياق يحسن بنا ان اسوق لكم كلمات للدكتور ابراهيم بيومى وهو مستشار أكاديمى فى مقال له عن العمل الطوعى يقول: ( إن مفهوم التطوع إنما يقع فى منظومة الفكر المادى العلمانى على طرفى نقيض لمفهوم  [الواجب] أو [الالزام] ولذلك نجدهم يفرقون بين العمل التطوعى والعمل غير التطوعى ومن ثم بين القطاع الخيرى أو اللا ربحى وقطاع الأعمال(أو الربحى) من جهة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والأهلية من جهة أخرى ، والأمر جد مختلف فى منظومة الفكر الايمانى الإسلامى إذ يتصل التطوع بالفرض كما تتصل السنة بالواجب إتصالا وثيقا يصل أحيانا إلى إنتقال العمل الواحد من موقع التطوع إلى موقع الفريضة الملزمة ، وذلك فى الحالات التى عبر عنها الفقهاء بمفهوم(فروض الكفايات) وهى تلك الأعمل التى يتعين القيام بها لمصلحة المجتمع أو الأمة كلها ويناط ذلك بفرد أو بجماعة منها أو فئة معينة تكون مؤهلة لهذا العمل على سبيل التطوع فإن لم ينهض به أحد صار العمل المطلوب فرضا ملزما ، ويأثم الجميع مالم يقم هذا الفرد أو تلك الفئة أو الجماعة أو غيرها بأدائه على الوجه الذى يكفى حاجة المجتمع وكلما كان الفرد أو الجماعة أو الفئة أكثر قدرة على القيام بأداء فرض الكفاية على سبيل التطوع وتقاعس عن ذلك كان نصيبه من الاثم أكبرمن غير القادر عليه أو الأقل قدرة منه ) انتهى كلامه .
ولعل فى كلمات الدكتورهذه مايغنى عن غيرها من الكلام فى إطارالتفريق بين مفهومى التطوع فى الفكر الاسلامى والعلمانى ، ولا ريب فى أنه لاتوجد ثقافة عنيت بالتطوع والعمل الطوعى كما إعتنت بها الثقافة الإسلامية إذ تزخر الشريعة الإسلامية بنصوص وتوجيهات التسابق إلى الخيرات والإحسان إلى الخلق  بل إن من أعظم مقاصد الإسلام حصول الخير ودفع الشر ومن قيم الاسلام السامية التراحم والتكافل والعطف والإحسان إلى البشرية جمعاء  بل تشمل رحمة الاسلام وعطفه حتى الحيوانات والكائنات الحية ( فى كل كبد رطبة أجر) ومن قيم الاسلام الرفيعة رعاية الأيتام والأرامل والفقراء والضعفاء وذوى الاحتياجات الخاصة وإعانة المحتاجين وإغاثة الملهوفين ، وتفريج كربات المكروبين ، وإعادة البسمة للمحرومين فى المجتمع .
التطوع والأحوة الايمانية
لما كانت قيم التكافل والتراحم فى المجتمع لاتتحقق ولاتتوطد إلا بتنزيل النصوص فى واقع المجتمع فقد كانت أول خطوة قام بها النبى صلى الله عليه وسلم فى بناء مجتمع المدينة بعد أن تشبعت النفوس بمعانى الإيمان الصادق والأخوة الإيمانية الراسخة هى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصارليكون مجتمعا متماسكا متراحما تتلاشي فيه  كل الفوارق والحواجزوالروابط التقليدية والإنتماءات الأولية ويقول المباركفورى فى الرحيق المختوم ( وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة عقدا نافذا لا لفظا فارغا وعملا يرتبط بالدماء والأموال لاتحية تتدثر بها الألسنة  ولا يقوم لها أثروكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال روي عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قالت الأنصار للنبى صلى الله عليه وسلم اقسم بيننا وبين إخوتنا النخيل قال (لا) فقالوا : فتكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة  قالوا: سمعنا وأطعنا) الرحيق المختوم 
وفى التأريخ والسير مايدعوا إلى الدهشة والعجب من مواقف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو القدوة الأعلى لهم أفضل الخلق وأكملهم خلقا صلوات وسلامه عليه وقد تعهدهم بالتربية والتعليم والتزكية ومكارم الأخلاق وأدبهم بآداب الود والإخاء والمجد فكانوا نماذج فريدة وقدوات حقيقية لمجتمع الاسلام المزكى الذى ينشده كل أهل الإسلام بعدهم.
إذن تعتبر ألأخوة الايمانية الدعامة الأساسية التى يقوم عليها مبدأ التطوع والتراحم بين المجتمع المسلم فبدون إستشعار معانى الأخوة الايمانية لن يتم التراحم والتكافل إلا على أسس دنيوية ومصلحية أوصلات جهوية طلبا للجاه والسمعة والمكانة فى المجتمع وسينغلق كلٌ فى دائرته وجهته وتنعدم الأمة المتراحمة الموحدة بصداقاتها وعطاياها ووجدانها . وما إن يفقد المجتمع رابطة الأخوة الإيمانية حتى ينحدر للروابط الأخرى ويعيش حياة الجاهلية الأولى ونعراتها  وكل عمل خيري لايوطد روح الأخوة الإيمانية بين المجتمع الذى يستهدفه يصبح وبالا على المجتمع لانه سيفقده رابطة الأخوة الايمانية التى لاتقدر بثمن (وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) فياترى هل يستشعر العاملون فى الحقل الخيري ومنظماتهم ومؤسساتهم وكياناتهم السياسية عظم هذه الرابطة الإيمانية فيسعون إلى التنسيق فى مجال العمل الخيرى وإبراز معنى من معانى الأخوة ألإيمانية التى أجلبت عليها السياسة بخيلها ورجلها عسى ولعل أن يعيد ذلك بصيص أمل فى عودة حياة التآلف والتراحم على أساس الأخوة الإيمانية بين أبناء مجتمعنا بعد أن صبغته الكيانات السياسية بصبغته فصار لايتراحم إلا على أسس حزبية وتنظيمية وجهوية إلا من رحم الله من الخييرين الذين لايخلوا منهم زمان ولامكان آمل من الله ان يكون ذلك
التطوع فى رمضان
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود مايكون فى رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرءان فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) رواه البخاري  ويقول ابن حجر فى فتح البارى وعلة زيادة جوده صلى الله عليه وسلم وإحسانه فى رمضان عنه في غيره (أن مدارسة القرءان تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود )
(وقد كان جوده صلى الله عليه وسلم يجمع أنواع الجود كلها من بذل العلم والنفس والمال لله عزوجل فى إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم بكل طريق من تعليم جاهلهم وقضاء حوائجهم وإطعام جائعهم .مجموع فتاوى ابن عثيمين.
(ويستفاد من قول ابن عباس رضى الله عنهما :( أجود بالخير من الريح المرسلة سرعة مبادرته صلى الله عليه وسلم فى الجود والإحسان فى رمضان وإستنفاع الجميع بذلك كماهى سرعة الريح المرسلة وعمومها لجميع ماتهب عليه قال ابن المنيرفى شرحه للحديث [ أى فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هوبصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم ] ) فتح البارى ولذا فالإكثار من البذل والصدقة فى هذا الشهر مما يحث عليه المسلم جدا قال الشافعى : ( أحب للرجل الزيادة بالجود فى شهر رمضان اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم لحاجة الناس فيه إلى مصالحهم ، وإنشغال كثيرمنهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم ، والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد ان الجود كان من أكثر سجاياه بروزا فى حياته وأنه ما لبث ملازما له ولم ينفك عنه لحظة إذ ما كان صلى الله عليه وسلم يدخر شيئا عنده من خير عن الناس وما سئل صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال (لا) البخاري إلا أن جوده كان فى رمضان أجلى وأكثر وضوحا وهذ يعنى أن من أهم الخلال التى لابد للدعاة والقادة التحلى بها الكرم والجود بكافة أنواعه وقتا وجاها ومالا ولطافة لانه ما تمكن من كسب قلوب الأمة وقيادها بقابلية وإختيار عبر تأريخها الطويل جبان أو بخيل)
التنويع فى أعمال التطوع
التطوع وفعل الخير يجب ان يستهدف حاجة المحتاج فتكون برامجه ومشاريعه ملامسة  لإحتياجات الفقراء فقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم تطوعات بالصدقات يحدثنا عنها الإمام ابن القيم فيقول: ( كان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه وتارة بلباسه وكان ينوع فى أصناف عطائه وصدقته فتارة بالهبة وتارة بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء الشيئ فيعطى اكثر من ثمنه ويقبل الهدية ويكافأ عليها بأكثر منها أو بأضعافها تلطفا وتنوعا فى ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن .
وقد كانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وقوله فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء وكان من خالطه وصحبه ورأي هديه لايملك نفسه من السماحة والندى ) زاد المعاد .هذا هدى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ايها المسلمون المقتدرون ايها الدعاة والقادة ايها القائمون على منظمات العمل الخيرى ايها الجباة للصدقات والهبات هل من متأس ؟ وكما قيل أبخل البخلاء  من بخل بما يجود به الناس ولا أبخل من أولئكم الذين يضيقون واسعا على عباد الله  فيحجرون توزيع اعمال الخير على انفسهم وذويهم ويشيعون الغبن بين المجتمع الاسلامى بافعالهم هذه.
من أهم مقاصد التطوع والعمل الخيري
1- تجسيد وحدة المسلمين من خلال قيم التكافل والتراحم بين أصناف المجتمع الاسلامى المختلفة على أسس أخوة الايمان  وعلى اساس الدين يبذل الندى ويكف الأذى وتعطى الصدقات والزكوات . فإذا كان الغرب يهدف من خلال الاعمال التطوعية تحسين صورته لدى المجتمعات الأخرى وترقيع سوءات نظامه الرأسمالى المبنى على المصلحة المفرطة وناتجها الفجوة الهائلة بين الفقراء والاغنياء  فإن التطوع سمة أساسية من مكونات المسلم ومقصد نيبل من مقاصد الاسلام يعكس سماحة الاسلام وقيمه السامية ويحقق الترابط والتكاتف والتعاون بين مجتمع الاسلام والمجمتعات الانسانية الاخرى
2- تجديد معانى الأخوة الإيمانية
أخوة الإسلام ليست مجرد مشاعرشاغرة عن الأفعال ، مجردة عن الوظائف بل لها مقتضيات ولوازم مثلما لها دواع وموجبات ومن لوازم الأخوة الإيمانية  الولاء والنصرة والمحبة ومن لوازمها الصلة والإكرام لكل مسلم .
ولاتترسخ معانى الأخوة الإيمانية دون التراحم والتكافل  فالمؤمن يحس بأنه جزء من محيطه الايمانى عندما يحاط بعناية الأخوة الإيمانية وتتجلى فى صدقات إخوانه وعطاياهم له ووقوفهم إلى جانبه فى حاجاته وعونهم له عند حوجته دون تمييز بسبب لونه أو عرقه  أو بلده ودون من ولا أذى.
3- إشاعة روح المحبة والتآلف وإزالة الغبن الناتج عن الفروق بين الأغنياء والفقراء الصدقات والهبات وكافة أنواع أعمال الخير التطوعية فيشعر الفقير بالرضى عندما يجد الاغنياء بجانبه بصداقاتهم وعطاياهم الدائمة من غير حقه المعلوم فى مالهم وعن طيب نفس ودون من ولا اذى منهم بل طلبا لمرضاة الله  بل فى بعض الاحيان لايعلم الفقير من المتصدق عليه  وهكذا يعيش المجتمع المسلم فى سعادة غنيه وفقيره
وهكذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أن كرمه كان يصل إلى من يستحقه ويحتاج إليه قبل أن يذوب فى طلبه ماء الحياء من وجهه ، كحال الريح المرسلة تأتى الناس برحمات خالقها فى ديارهم واراضيهم ،( وهذا يعنى أن على من إبتلاه الله تعالى بنعمة المال أو كان وكيلا عن الأغنياء فى ذلك ،مؤسسات أو أفراد وبخاصة فى هذا الشهر الفضيل أن يتقوا الله فى هذا الجانب فيجعلوا من عطائهم تقوية لآخذيه وتنفيسا عن مستحقيه لاسبيلا نحو مزيد من كسر القلب والمهانة والذل )
وأخيرا إلى كل أبناء شعبنا إحرصوا على تفقد إخوانكم ومدوا يد العون للمحتاجين كلٌ بما يسعه وعلى شاكلته فقد ضاق الحال بالكثيرين فى هذه البلاد وانعدم النصير فهناك منظمات ولكن برامجها لاتعدوا أن تكون فرحة عابرة وقاصرة لاتشمل كل المحتاجين ولها طقوسها وروتينيتها والوضع اكبر من طاقتها وإن حاجة الناس اليوم فيمن يقدم القوت ويكسوا الاطفال ويعيد البسمة للمحرومين من الأسر التى لاعائل لها فى ظل غلاء مطنب وخانق ضرب هذه البلاد   وليت المنظمات الخيرية تغير من الروتين المعهود فتكسوا الاطفال وتوزع القوت وتنسق فيما بينها  أعان الله الجميع  وفرج عن الشعب الارترى مابه من المحن واللجوء والتشرد
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وتقبل الله من الجميع
ابو صهيب صالح عثمان

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25060

نشرت بواسطة في أغسطس 8 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010