تساؤل مشروع ــ من المسئول ؟

لقد اطلعت على  قصة حزينة كما تعودنا أن نتلقاه من الأيام التي ترمينا بها قصص المرارات والآلام التي تتلون بأشكال مختلفة ولكنها تلتقي بان تخدش القلب وتوخز الضمير الحي ويظل التساؤل مطروحا على النفس والقصة كما وردت في موقع تجوربا باللغة التجرينية بعنوان من المسئول عن مقتل مأزا نشرت بتاريخ 10/8/2012م بقلم تاديسي كداني لقد ذكر كاتب المقال بان كل الآباء والأمهات لا يحبذون إرسال فلذات أكبادهم إلى معسكرات ساوا ولكنهم مجبرون ولا خيار من اجل أن يكمل أبناءهم مراحلهم التعليمية ويذكر بأنه بدلا من عودة مأزا وهي قد حملت شهادة نجاحها ويبتهجان بعودتها سالمة إلى حضن ودفيء بيتها إذا بهما يتلقيان مكالمة هاتفية من الخارج يطلب منهما بدفع مبلغ مالي مقابل إطلاق سراح ابنتهما حيث هي وصلت إلى السودان وكان القلق والحزن قد ضرب بأطنابه في بيت مأزا الذين لا يملكون شيئا ولكن في سبيل إنقاذ ابنتهما فقد طرقا كل الأبواب الممكنة وتم الاتصال بالأقرباء والمعارف والأصدقاء بالخارج  لجمع المال المطلوب ومع الأسف انه بعد ثلاثة أسابيع تضاعف المبلغ إلى ثمانية ألاف دولار وتم بيع مأزا إلى مجموعة أخرى وصارت هي في سيناء وتعيش مأزا وكغيرها من شبابنا وشاباتنا الذين يواجهون هذا المصير التعذيب وتتلقى الإهانة وما لا يمكن وصفه إلا من كابده  وكلما يتم الاتصال بأهلها تسمعهم بكاءها وتترجاهم بالاستعجال في العمل لإنقاذ حياتها فهي مهددة بالقتل  ولكن ما لم يكن في الحسبان  هو أن يقوم المختطفون المتاجرون بالبشر بمضاعفة المبلغ ليصل إلى ثمانية وعشرون ألف دولار وبمجهود وتعاون العديد ممن لهم صلة أو تعاطفوا مع الحادثة تم دفع عشرون ألف دولار وهنا يتضح تماما عظمة هذا الشعب وتعاونه فيما بينه عند الشدائد  وفي هذه الأثناء وبينما يعمل الساعون لإنقاذ البنت لتدبير المبلغ المتبقي فإذا اتصال يأتي إلى أسرتها ليبلغوهم بان ابنتهم قد فارقت الحياة وهكذا انتهت قصة مؤلمة للبنت مأزا ولكن تركت آلاما وأحزانا لا يزالان مستمران لوالديها  ولكل ارتري يحمل ضمير حر ومشاعر وطنية حقيقية ويتمتع بنبل في التعاطي مع المعاناة ومكابدات أخوته وبني وطنه والمحزن والمخزي هو أن يتم كل هذا في ظل وجود وطن مستقل وقد ختم كاتب المقال كما عنون لسرد القصة الحزينة  فمن المسئول عن مقتل مأزا هل النظام هل التنظيمات السياسية هل الرشايدة هل السلطات الأمنية في السودان هل الشعب الارتري بأسره أجاب اترك السؤال مفتوحا لكل من يقرا القصة ليجيب من المسئول ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ولكن السؤال الكبير إلى متى ستستمر هذه المعاناة وهل يمكن وضع حد لها

لنتساءل من الذي قتل أحلام الشعب الارتري في العيش بكرامة متمتعا بكل معاني وقيم الحرية والعدالة والمساواة

لنتساءل من الذي قتل أحلام الطفولة التي حرمت من كل ما يتمتع به أطفال العالم من العيش بهدوء في حضن الأبوين وكل سبل الحياة الحديثة متوفرة من رعاية صحية وتعليمية وترفيهية

لنتساءل من الذي قتل أحلام وطموحات الشباب في بلوغ تطلعاتهم في بناء مستقبل مشرق لأنفسهم وبلادهم

لنتساءل من الذي قتل أحلام الأمومة في النساء اللاتي حرمن من فلذات أكبادهن وصار الأبناء بعد أن يشتد عودهم لخدمة النظام بدون مقابل

من الذي قتل أحلام المرضى في الشفاء الذين لم توفر لهم المشافى الكافية والتي تتوفر فيها وسائل الطب الحديثة  فالمرضى يعيشون الآلام ليلهم ونهارهم ومن حولهم لا يقوى على عمل شيء إلا  الانتظار حتى يأخذ الله روحهم

فنظام هقدف ودون أية منازع هو المسئول الأول والأخير عن كل قتل للأحلام والطموحات والنفس والمجتمع بأسره حيث أننا نشهد انحدارا بشكل مريع لكل مقومات الحياة في بلادنا  مما صار يكره الناس في الوطن ويزعزع الولاء الوطني ويضعف من روح الانتماء الوطني المطلوب من المواطنين لوطنهم

ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح على كل منا هو من المسئول عن استمرار هذه المعاناة  من المسئول عن استمرار معسكر ساوا الذي صار مرتعا لإفساد العقول وتشتيت الأجيال وتجريد الفتيان والفتيات من كل قيم نبيلة رضعوها من أمهاتهم وتوارثوه عن أبائهم

من المسئول عن استمرار سوق الشباب إلى الخدمة الوطنية القسرية عنوة دون تحديد زمن نهائي لها  وضياع أعمارهم سدى

من المسئول عن استمرار أحرار ارتريا من الشرفاء وهم يقبعون في سجون النظام دون ذنب اقترفوه

من المسئول عن حرمان اللاجئين من عودتهم إلى وطنهم  ومن المسئول من بناء المعسكرات الجديدة للاجئين الارتريين الذين صاروا يتدفقون أكثر من ذي قبل إلى دول الجوار

من المسئول عن استمرار انعدام  الرغيف وانقطاع الكهرباء وانعدام مياه الشرب الصحية

من المسئول عن استمرار الخطف واغتيال الارتريين رجالا ونساء من بيوتهم ليلا وخفية ولا يعلم احد إلى أين يساقون  كذلك لا يعلم احد هل هم على قيد الحياة أم قد فارقوها

من المسئول عن استمرار سيطرة الخوف على الشارع الارتري وتجبر جنرالات هقدف دون أن يكون هناك صوت جماهيري قوي  رادع      من المسئول عن بناء فرعون ارتريا وعن استمرار استبداده  وغطرسته

من المسئول عن تجاهل نظام هقدف لكل مطالب الشعب دون  إعطاء أي اهتمام  لكل ما يحيق بشعبنا وأبنائه من مرارات داخل الوطن وخارجه

أنها أسئلة كثيرة ومتعددة وهي مطروحة على كل ارتري حر غيور رجلا كان أو امرأة  شابا أو شيخا علينا جميعا أن نجيب عليها بطريقتنا الخاصة بشرط أن تكون ايجابية

علينا جميعا أن نتخلى عن السلبية التي ستنال منا جميعا وقبل أن نصل إلى مرحلة لا ينفع معها الندم

التجاهل العمد والتقليل من شان ما يجري عاقبته وخيمة وكل منا سيشرب من ألكاس وماذا بقى أيضا

إن رجالات هقدف وعلى رأسهم اسياس هم قتلة وسفاكين ومجرمين بامتياز لقد جعلوا من بقاءهم على قيادة  الوطن حتى لو صحراء جرداء قاحلة أفضل من بقاء الإنسان فلقد اتو بفلسفة من صنع الشيطان وهي تقوم على أن الوطن قبل الإنسان وعليه فقد استحلوا كل ما نملكه من الأبناء والأموال والبنيان ولقد جعلوا من أنفسهم أنهم المؤتمنون على وحدة بلادنا وقد صاروا هم  السبب في المساس بكرامتها وتدنيس سيادتها وهم جعلوا من أنفسهم المؤتمنون على وحدة الشعب وبمشروعهم الابليسي قد جعلونا قطعا لا تقبل التقارب لانفراط عقد الثقة فيما بيننا  فهم المسئولين في الأول والأخير وهم السبب فيما نحن عليه من اهانة غير مسبوقة  لم نراها ونعيشها حتى على أيدي المستعمرين .

وأود أن أورد هنا بعض ما يقال من ضعاف النفوس الذين اعتادوا دائما أن يجدوا المبررات الواهية والمسوغات الغير معقولة للذي يجري فيجعلون من الضحية والمجني عليه هو السبب .

يتساءلون قائلين لماذا يخرج هؤلاء الشباب خارج أرضهم وهم يعرفون ويسمعون من الذي ناله من سبقوهم وعليهم أن يصمدوا ويتحملوا من اجل بناء وطنهم كما دفع آباؤهم أرواحهم من اجل الاستقلال   ويمضون قائلين لماذا أهاليهم يدفعون الأموال للمهربين من اجل تخليصهم لأنه هو ما يجعل المهربين يقدمون على المزيد من تهريب هؤلاء وصارت تجارة رائجة كما يقولون أيضا لماذا من هم بالخارج يشجعون أقربائهم للخروج من ارتريا وتبريرات من هذا النوع كثير ولكنهم لا يستطيعون ولا يقدرون من توجيه اللوم والتهمة إلى سياسة هقدف الجائرة التي اختطت أساليب تجعل من هؤلاء الشباب يفضلون الخروج من الوطن والهرب من قبضة النظام لأنه لا يستطيع توفير متطلباتهم من العمل أو التعليم    أما الشباب وقراراهم بالفرار هو المنطق بعينه لان الحياة التي لا ترتاح فيها ليس جسديا فحسب إنما عقليا ونفسيا ليست مؤهلة  للبقاء فيها والبحث عن المخرج في هذا الحالة هو ما يفعله كل عاقل , ولقد سالت عددا من هؤلاء الشباب  الذين التقيت بهم هل تأتون إلى ساوا لكي تكون سببا ومطية للخروج إلى السودان أم التفكير بالخروج يأتي بعد وصولكم إلى ساوا نظرا لقسوة المعاناة قالوا بالحرف الواحد الوضع هناك لا يطاق وبالتالي كل واحد منا يجلس مع الآخر وبدون خوف نتفاكر في طريق الخلاص والهروب من المعسكر وعندما سألتهم  هل لكم معرفة بالطرق قالوا لا ولكنا نقول لن نجد أمامنا ما هو أسوء مما نحن عليه في المعسكر والقصص من معسكرات ساوا لا حصر لها والمأساة لا يمكن سردها هكذا بسهولة .

وأقول للذين درجوا على مجافاة الواقع والتهوين والتقليل مما يعانيه الآخرين ويحاولون دوما البحث عن التبرير بالرغم من انه غير مقبول منطقا وعقلا ولكن كل ذلك مبعثه فقط عدم التفكير بروح الوطنية والانتماء وعدم النظرة للأمور من خلال ما ينبغي أن نكون عليه وليس الإقرار بالواقع المشئوم على انه قدرنا .

علينا أن نفكر في كل معاناة الشباب على أنهم أبناءنا وفي كل الشابات على أنهن بناتنا وأخواتنا وبكل السجناء على أنهم كذلك إخوة لنا من لحمنا وشحمنا فقد حرموا من أبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم لسنوات ولا يجدون أدنى عناية أو رعاية في سجنهم  علينا أن نضع أنفسنا مكانهم  لنستشعر بمرارة  وقسوة الأوضاع التي يمرون بها .

 لننظر إلى معاناتنا بمشاعر الأخوة والإنسانية وبضمير حر متجرد وبأحاسيس نبيلة حتى نقف على الحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدال وهي أن هناك مأساة واقعة وان النظام هو السبب وانه لا يرجى من هذا النظام عمل أي شيء  حيال الإصلاح والتغيير ولقد مضى على توليه السلطة أكثر من عشرون عاما  ولم نشهد إلا تضاعف المعاناة والأمر هو أن سياسته الطائشة هي السبب وإلا فشعبنا بكفاحه وتطلعه الدائم  للأفضل وحبه لوطنه الذي لا مثيل له  كان سيجعل من ارتريا أفضل البلاد .

 وصحيح أننا وجميعنا إلا القليل نلوم النظام على تجاهله  وعبثه مع التأكد بان رجالاته هم الذين يعملون في التهريب من داخل ارتريا  كذلك نوجه باللائمة على رجالات الأمن في السودان الذين يتواطئون مع الرشايدة وغيرهم من الذين ينشطون في التهريب ونوجه اللعن والسب والشتم على بدو سيناء الذين صاروا يتاجرون في الأعضاء البشرية  لشبابنا ، ولكنا ننسى أن نوجه اللوم على أنفسنا  ننسى أننا نتحمل جزء من المسئولية  أليس من حق الوطن ومن حق شعبنا علينا أن نتساءل وبكل وضوح مع أنفسنا أولا ماذا نحن فاعلون وهل يكفي فقط بان نقف عند نقطة التوبيخ والتأنيب للضمير أم يجب علينا المضي قدما نحو تقديم شيء وفعل الواجب الذي ينبغي من اجل إيقاف الموت البطيء لشعبنا من اجل إيقاف طمس الهوية الارترية بتاريخها وأرضها ودينها وتقاليدها وقومياتها وعشائرها ومدنها وشوارعها .

المقاومة الارترية  كلهم مسئولين عن استمرار وتأزم الأوضاع في بلادنا حيث أن دورانهم حول أنفسهم هو الذي  مكن النظام من المضي فيما يعمل دون اكتراث لأي شيء كما انه هو السبب في إحجام الجماهير للالتفاف حولهم .

الفئات الصامتة والذين لا يأبهون لما يحدث بل يشاركون في احتفالات هقدف ومهرجاناته التي جعلها وسيلة لاستدرار الأموال هم أيضا مسئولين عن استمرار المأساة واستفحال المعضلة وتعنت النظام في عدم استجابته لرغبات الشعب والتخفيف من معاناتهم  لأنه يجد منهم ما يعينه على البقاء في السلطة والاستمرار.

الأقلام الارترية الحرة عليها واجب القيام بتوجيه سهامها على النظام وتسليط الضوء على ممارساته وكشفه في كل الوسائل وعبر كل اللغات ما أمكن ويتوجب عليها أيضا العمل على إعادة الروح الوطنية لشعبنا وتعزيز الانتماء وإعلاء الحس الوطني الفعال والتأكيد على الوحدة الوطنية الارترية وتشجيع الجماهير الارترية لكي تتأطر في الأطر السياسية أو المدنية  حتى تتهيأ جيدا للقيام بدور فعال يعمل على اقتلاع نظام هقدف من جذوره  فبناء الوعي السياسي الذي يجعلنا نتقدم خطوة نحو القيام بالواجب الوطني لا يزال بحاجة إلى عمل كبير وتضافر جهود  الجميع  والسؤال سيظل مطروحا  من المسئول عن القتل والتشريد والجوع والمرض والبؤس والشقاء وانعدام الأمن النفسي ومن المسئول في استمرارها والى متى ستستمر وهل الزمن مجردا كفيل بانهاءها أم لابد من دور للبشر في صنع التغيير وتحقيق المطالب  .

أبو عبدالرحمن محمد الجبرتي

13/8/2012م

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25238

نشرت بواسطة في أغسطس 17 2012 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010