تحليل استراتيجى ونقدى لمواقف وتكتيكات المعارضة الارترية – ( 1 من 3 )
ان استراتيجية أى منظمة يمكن قراءتها من خلال الأهداف المعلنة والوسائل المتبعة والرؤية والتحليل السياسى والاجتماعى والغايات المسطورة فى صحائفها التنظيمية من ميثاق أو برنامج سياسى. أما التكتيك فذلك موقف لحظى للتعامل مع المتغيرات فى الواقع العملى ومسرح الأحداث بمعزل عن الاستراتيجية فى الغالب الأعم. والكاتب هنا ليس بصدد قراءة البرامج السياسية للمعارضة الارترية بقدر رصد الواقع الارترى بشكل عام ومدى النجاحات التى تحققت للمعارضة, واسقاط ذلك على المفاهيم الاستراتيجية وعلم التخطيط كقراءة نقدية ودراسة حالة.
ان الهدف الأسمى للمعارضة هى عملية التغيير الديمقراطى فى البلاد واسقاط الديكتاتورية, ورفع الظلم عن الشعب عامة والقطاعات التى تدافع عنها أى من تلك المنظمات بشكل خاص, وانجاز التعايش بين مكونات البلاد الاجتماعية والدينية والثقافية. وتمر السنوات على تلك البرامج حتى فاقت العشرين عاما لبعضها وهى مازالت تقرأ نفس النصوص فى برامجها (من خلال المؤتمرات التنظيمية) ولكن لم نسمع أن القيادة قد تم محاسبتها ناهيك عن اقالتها لأنها فشلت فى تحقيق أى من أهدافها المعلنة والتى تصبح تكليفا للقيادة بعد اجازتها.
ان أى خطة تتكون من مرحلة تحديد الأهداف (من خلال تقدير الاحتياجات ورؤية المنظمة الاستراتيجية), ثم تحديد الوسائل( من خلال حصر الموارد المالية والبشرية واللوجستية..الخ), ثم وضع البرامج (لاستخدام الموارد بشكل علمى واقتصادى بضمان حسن توزيع الموارد وتوجيهها وفق اولويات العمل وتطوير البيئة الداخلية للمنظمة من هياكل ادارية ونظم ولوائح لتحقيق الاهداف فى فترة أقصر وتكلفة أقل) ثم البدء فى التنفيذ وفق الخطة, ثم التقييم اثناء التنفيذ والتقويم فى الخطة وفقا لذلك (التقييم والتقويم عملية مستمرة من خلال الرقابة والاشراف ودور القيادة فى قراءة المتغيرات فى بيئة العمل واحتياجات المجتمع وطبيعة المنافسين وقدراتهم) ثم المحاسبة بنهاية الاجال المحددة لمراحل الخطة لتحديد النجاح والاخفاق من خلال المؤشرات المحددة فى الخطة ومدى الانحراف عن تلك المؤشرات. وبالنظر الى وضع المعارضة من خلال هذا المفهوم العلمى نجد فى أغلب الحالات غياب مفهوم التخطيط العلمى فى كثير من جوانبه. فما مدى استجابة التخطيط لاحتياجات المجتمع, وما هى الأهداف التى تم تحقيقها , وما مدى القدرة فى وضع الاولويات فى الخطة, وما دور التقييم والتقويم من خلال الاشراف والرقابة والقيادة والمحاسبة…الخ.
الفرق بين الخطة الاستراتيجية والتكتيك هو الفرق بين القائد والادارى. فالأول يتطلع لنقل العمل فى منظمته الى افاق جديدة وينظر فى الواقع ليقرأ من خلاله التغيرات فى البيئة الداخلية للمنظمة والبيئة الخارجية متمثلة فى المجتمع والمنافسين والحلفاء المحتملين, كما يستقرئ المستقبل ليعد له عدة تتناسب مع الفرص التى تلوح فى الافق ولمواجهة التحديات التى تعترض النجاح. أما الادارى فيشغل نفسه بالتفاصيل اليومية للعمل ويسعى جاهدا لتنفيذ البرنامج الموضوع بغض النظر عن التحولات التى تطرأ على الواقع والتى تقتضى مراجعة الخطة والبرامج.
و اّفة المعارضة أن معظم من على قمتها من الاداريين اصحاب التكتيكات وليسوا من القيادات التى تدير المنظمة برؤية استراتيجية. وخير مثال لذلك الدكتور يوسف برهانو رئيس المكتب التنفيذى للمجلس الوطنى الذى عجز -حتى اللحظة- عن نقل العمل المعارض الى الافاق التى تطلعت لها الجماهير بعد المؤتمر الوطنى للتغيير الديمقراطى بالرغم من كونه شخصية وطنية مخلصة ونزيهة وملتزمة, حيث أخذ يلاحق تحديات العمل اليومى ولم يقدم رؤية قيادية تنتشل العمل من وهدته وترجمة ذلك فى سياسات وخطط استراتيجية. وربما أن قيادة التنظيم الذى ينتمى اليه لها دور سلبى فى هذا الخصوص من باب الحفاظ على التوازنات السياسية.
والمثال الاخر نراه فى حزب الشعب الديمقراطى الذى لم تر قياداته ( الادارية ) مخاطر سياساتها على مستوى العمل الوطنى عموما (عدم المبالاة بالانقسام فى جسم المعارضة باصرارها على فرض رؤيتها على الأغلبية أو الابتعاد عن الاجماع الوطنى للمعارضة كخيار سهل. أين روح الديمقراطية؟!), وداخل الحزب بشكل خاص (الانقسام الأول جاء كرد فعل على سياسة الحزب العامة والتى أشرنا اليها أعلاه ورفض المراجعات من داخل الحزب, أما الانشقاق الأخير –والذى نستنكره- جاء تقليدا لاسلوب قيادة الحزب وتربيته لكادره, حيث شاءت مجموعة صغيرة فرض رأيها على الأغلبية وعندما فشلت ابتعدت, وكما تدين تدان), فلم تنتبه القيادة حتى واجهت الازمات والانشقاقات, مثل قائد السيارة الذى لا ينتبه لمخاطر الطريق حتى يتسبب فى الحوادث. ولقد فشلت فى اعتماد سياسة واقعية تعيد الحزب لمكانته الطبيعية فى طليعة العمل الوطنى بحكم دور مكوناته التاريخى المشهود.ولكن يحسب للحزب أنه يعتمد برنامج سنوى تتم المحاسبة بنهايته ويتم تغيير القيادة (غالبا) نتيجة للمحاسبة تلك كما رأينا تغيير ولد يسوس عمّار بحامد ضرار ثم تغيير الأخير بمنقستاّب أسمروم فى نهاية البرنامج السنوى لدورة كل منهما. غير أن الأهداف المعلنة لا نرى أنها تمثل هاجسا حقيقيا الا على مستوى البرنامج المكتوب أو البيانات, فما معنى غياب الحزب عن الفعل والشعب يعانى ما يدبجه الحزب فى البيان الختامى للاجتماع الدورى للمجلس المركزى 24-27 اغسطس 2012.
وقد نتج عن اّفة المعارضة تلك انحراف خط العمل الوطنى عن غاياته الأساسية واتجه نحو التكتيكات التى تحقق ( انتصارات ) متوهمة لبعض القوى على البعض الاخر, وتحقق استمرار تلك الزعامات فى ادارة تنظيماتها ولو من وراء الكواليس, وأصبحت هذه القوى رهينة ظنون وتهويمات لا تسمن ولا تغنى من جوع.
ان بعض (القيادات) تنشغل عادة بالبحث عن ميزانية لا لكى تنفذ برامجها بل لاعاشة كادرها (المفرّغ ) والذى تضخم فى بعض التنظيمات حتى أضحى عبئا عليها وعلى النضال, وتقدم مثل تلك القيادات على التكتيكات وتمييع المواقف فى سبيل ضمان التمويل, ويصبح همها الابقاء على المخصصات التى تتلقاها من الجهات الداعمة من خلال أطر معينة. لذلك ترى أن المؤتمرات تشهد تنافسا محموما على تلك المقاعد, ولا تعير الوثائق المقدمة كبير اهتمام حتى تصطدم بتناقضات فى البنود المجازة وتبحث عن مخارج قانونية لها. بل ان الكارثة تتمثل فى ان بعض (التنظيمات الكرتونية) والتى تقوم اساسا على قاعدة امتهان السياسة فى واقع غير مواة وغير طبيعى -كون امتهان السياسة يتم فى ظل دولة ديمقراطية.
ان نجاح اى خطة يتوقف على الاجابة على تحديات الواقع المراد تغييره, وعلى مدى الاستفادة من الفرص المتاحة, والقدرة على مواجهة المخاطر المحدقة بالمنظمة أو الدولة. وبهذا المعيار نجد أن قياداتنا فشلت فشلا ذريعا, فالتحديات لا تزال ماثلة دون اجابات تثلج الصدور وتسكت الهواجس وتقنع الجماهير بالسير خلف قيادة المعارضة, كما أن الفرص يتم اهدارها تباعا بشكل أحبط روح التفاؤل فى شعبنا, أما المخاطر فالله وحده يحمى منها المعارضة كونها لا خطط لها فى هذا الشان.
والله ولى التوفيق والقادر عليه,
د. عبدالله جمع ادريس
ملبورن – استراليا
31 أغسطس 2012
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25511
أحدث النعليقات