عواتي رجل بهامة وطن
أحمد أبو رضوان
حين نكتب عن عواتي فأننا نكتب عن وطن . وحين نكتب عن عواتي فأننا نكتب عن تاريخ شعب عظيم اتصف بكل مقومات الحياة المدنية الراقية سلام اجتماعي وفكر راقي، فدعوني في عجالة اسرد لكم مقتطفات عن تاريخنا النضالي السلمي ومن ثم نتحدث عن الكفاح المسلح عواتي ورفاقه الاشاوس، فقد كان الإرتريون يعتقدون اطمئنانا منهم إلى الضمانات التي وفرها لهم قرار الأمم المتحدة بأنهم سيتمتعون باستقلالهم الذاتي وبنظام حكمهم الديمقراطي السليم ، ولكنهم صدموا عندما رأوا الموقف المتعسف الذي اتخذته الحكومة الاثيوبية آنذاك، ولهذه الأسباب عقدت جميع الأحزاب المؤيدة لقرار الأمم المتحدة مؤتمراً عاماً في أكتوبر 1953م لبحث الموقف، وبعث المؤتمر إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 12/10/1953م ببرقية تحت رقم ( 58465) تلتها برقية أخرى إلى الأمبراطور ارسلت نسخة منها إلى وزير خارجية اثيوبيا، وعبروا خلال هاتين البرقيتين عن عظيم قلقهم للوضع الخطير في ارتريا وطالبوا الأمم المتحدة أن ترسل لجنة أخرى لتقصي الحقائق.
ولكن الذي يؤسف له أن الامبراطور والأمم المتحدة لم يعيرا للبرقيتان أهمية، فتدهور الوضع في مطلع 1954م وتخللت هذه الفترة سيل من البرقيات الاحتجاجات منها تقديم شكوى إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة باسم شعب ارتريا وموضوعها القرار رقم 390/أ/5 الذي اتخذته الجميعة العمومية في 2/12/1950م ولقد أدخلت مبادئ هذا القرار في الدستور الارتري والقرار الاتحادي الذي قبلتهما الجمعية الارترية وصادق عليهما ونشرهما في 11/8/1952م و 11/9/1952م على التوالي الامبراطور الاثيوبي الذي أعطى وعداً مقدسا بأن يطبق مبادئ قرار الأمم المتحدة المدمجة في الدستور الارتري والقرار الاتحادي والتي كان من أهم مبادئها:-
1/ سيادة الحكومة الارترية في جميع الأمور المحلية الداخلية سيادة تامة مع تحديد واضح معين للصلاحيات كل من الحكومة الارترية والحكومة الاتحادية.
2/ نظام ديموقراطي للحكم في ارتريا بجميع متطلباته وتحفظاته واحترام حقوق الانسانية والحريات الأساسية ، وحكم الشعب بالشعب.
ولكن الحكومة الاثيوبية مع الاسف تجاهلت هذين المبدأين الأساسيين تحت ستار ما يسمى بالحكومة الاتحادية ، فأحلت الضيم الحقيقي محل السيادة الارترية واضطهدت الحريات الديمقراطية وشوهت تفسير النظام الاتحادي من اساسه لكي يتلاءم مع مخالفاتها الصريحة لقرار الجمعية العمومية ، فما أشبه اليوم بالبارحة، فهناك حرب عبثية وسجون وحكم الفرد الذي يتحكم في العباد والرقاب وتشريد شباب وإفراغ وطن من شعبه تحت زريعة اننا لسنا مؤهلين لحكم انفسنا الامر الذي تم إقراره لشعبنا العظيم في الفقرة 2 من القرار أعلاه ، والسؤال الذي يطرح نفسه إلى متى؟ إلى متى ؟ واترك الاجابة لكم.
عواتي والكفاح المسلح:-
أدرك الشعب الارتري أنه لم يعد من الملائم أن يظل يستجدي حقوقه المشروعة في الكرامة والحرية، لذا آمن الشعب بمنطق الثورة وإن الاتحاد الفدرالي بناء غير صحيح وهذا بالتأكيد شأن كل البناءات الخاطئة التي تفرض من الأعلى ولا تقوم على اسس شعبية عميقة ، وبالتأكيد كان الإعداد للثورة أمراً صعبا للغاية لعدم توفر الإمكانيات من العتاد والرجال ولكنها كانت ضرورة ملحة لدعم منطق أن صوت العدالة لن يكون مسموعا مالم تدعمه قوة .
أشار الاستاذ/ حامد تركي في كتابه ( تحديات مصيرية) أن السلطات الاثيوبية لم تكن غافلة عن استعدادات عواتي للمقاومة لذلك قامت بإعداد جيش كبير لاعتقاله في أغسطس 1961م إلا أن أحد الارتريين المنتسبين لسلك الشرطة سرب إليه الخبر فاعتصم بجبل ادال ولم تتمكن السلطات الاستعمارية من اعتقاله .
يروى والرواية على ذمة الراوي أن الشيخ محمد داؤود الزعيم المشهور بالمنطقة طلب من عواتي الجسور إعلان الكفاح المسلح إلا أنه واجه ضغوطات جبارة للعدول عن الكفاح المسلح وكان رده لكل الوسطاء (إذا قمتم بإنزال العلم الاثيوبي ووضعتم مكانه العلم الارتري حينها سأتوقف عن المقاومة) فكان بحق رجل بهامة وطن وأمة ، حيث حشدت السلطات الاثيوبية عتادها ورجالها لمحاصرة عواتي ورفاقه في معركة حامية الوطيس استمرت لسبع ساعات شكلت إعلاناً لمسيرة الكفاح المسلح الذي امتد لثلاثون عاماً وتوج بنصر مستحق في مايو 1991م وغناها لنا الفنان الكبير ادريس محمد علي فك الله اسره وأعلنها ثورة في الـ 61 تغنينا بها فانتصرت دواخلنا وانتصرنا، الا رحم الله الشهيد عواتي رحمة واسعة بقدر ما أعطى لشعبه وأمته.
والختام سلام
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=25731
أحدث النعليقات