بالفيديو..«الحليسي» العائد من الموت :احتجزوني ورقة ضغط لتسليم المعارضين لحكومة إريتريا
حيث اعتبرته سلطات أسمرا صفقة وفرصة لا تعوض لاستبداله بعدد من الإريتريين المعارضين لنظام أسمرا ويقيمون بالقاهرة مستخدمين حق اللجوء السياسي. «الوفد» التقت القبطان العائد من أغرب رحلة في حياته فوجئ فيها بالحكم عليه بعشرين عاماً سجناً لمجرد دخوله لميناء «مصوع» الإريتري لإصلاح عطل بعض تنكات المركب.. وفي منزله بالمنشية الجديدة بمدينة كفر الدوار محافظة البحيرة باح «الحليسي» لنا بكل الأسرار.
قال الذي يبلغ من العمر 26 عاماً: أعمل قبطاناً علي مركب تجاري تابع لشركة «ألاسكا» الإنجليزية، ومن خلال فرعها في الأردن الذي عينت به خرجت من ميناء بورسعيد في 4 فبراير الماضي متجهاً إلي جيبوتي، ولأن البحر كان عالياً استغرقت الرحلة ستة أيام بدلاً من ثلاثة، وصلنا في 10 فبراير إلي الجانب الإريتري وحدثت مشكلة طارئة في تنكات المركب هناك وحسب القانون الدولي البحري ندخل أقرب ميناء بدون استئذان أي بلد، طالما هناك مشكلة طارئة وما أن نصل الميناء بعد دخول المياه الإقليمية نطلب الاستغاثة وهو ما فعلناه.
< وهل كنت المصري الوحيد علي المركب؟
– نعم.. وكان معي علي المركب طاقم مكون من 12 شخصاً، أربعة من كوبا والباقي من الفلبين، وعندما وصلت إلي الميناء استأذنت وطلبت المساعدة، أخذوا بيانات المركب وسمحوا لي بالدخول إلي الرصيف وكانوا يتعاملون بأخلاق وذوق عال جداً في البداية، ومنحوني تأشيرة دخول وتصريح زيارة البلد لم يخطر ببالي أي مشكلة.
< وماذا حدث بعد ذلك أفسد هذه المعاملة الطيبة؟
– اتصلت بالوكيل الخاص بالشركة في إريتريا وحضر إلينا ومعه المعدات اللازمة لإصلاح العطل، وكان من المفترض إصلاح العطل خلال يومين فقط، ثم نكمل الرحلة بحمولة 13 ألف طن أرز وفاصوليا.. وبينما كنت أتجول في المدينة توقفت أمامي سيارتان، ترجل منهما مجموعة من الأشخاص بينهم رجل يدعي «عبدالوهاب» يتحدث اللغة العربية ويخبرني أنهم من الاستخبارات ويريدون تفتيش المركب، فلم أمانع علي اعتبار أن هذا إجراء روتيني، وبالفعل صعدوا إلي المركب وشاهدوا البضائع وشهاداتها وجوازات السفر الخاصة بالطاقم، بعد ذلك توجهوا إلي غرفة القيادة وفوجئت بهم يجمعون كل شيء خاص بالاتصالات «قمر صناعي وأجهزة لاسلكي» واعتقدت في البداية أنهم يريدون فحص الأجهزة وإعادتها إلينا مرة أخري، وطلب مني التوقيع علي تقرير يفيد استلامهم لتلك الأجهزة واستجبت لهم، وبعد التوقيع سألني أحدهم: عندك كم قمر صناعي؟ ففكرت قليلاً ووجدت أن المركب أصبح بدون اتصال، فقلت له: واحد فقط.. رغم أنه كان يوجد قمر آخر في الغرفة الخاصة بي، ولكني علي الفور وقبل أن يذهبوا لتفتيش تلك الغرف أخفيت القمر في «أباجورة» كانت بجانب السرير، وعندما دخل لم يجد شيئاً، وعندما غادروا المركب اتصلت بشقيقي عادل وأخبرته بما حدث لأنني شعرت بالقلق لأنهم يرتدون زياً عسكرياً، ومع ذلك توقعت أن هذه التحركات نابعة من حرصهم علي توفير الأمان لنا، وفي أقصي الأحوال سيفرضون غرامة مالية بسبب ما حدث للتنكات وإصلاحها ولكن لم أتوقع أبداً ما حدث لنا بعد ذلك.
< وما الذي حدث بالضبط؟
– يصمت «القبطان» للحظات وكأنه يسترجع تلك اللحظات ثم يقول: أخذوا مني كل الأوراق الخاصة بي وقالوا: «ممنوع الخروج ولا حتي ملامسة الرصيف» ووضعوا اثنين من الحراس علي الرصيف، وآخرين علي المركب وظللنا علي هذه الحالة لمدة أربعة أشهر كان وكيل الشركة يأتي إلينا ويأخذ توقيعي علي الفواتير الخاصة بالطعام فقط.
< وهل تحدثتم مع وزارة الخارجية المصرية؟
– نعم تحدثت إلي وزارة الخارجية في مصر وكانت تعرف بما يحدث منذ اليوم الأول ومع أن المسئولين بها يعرفون الجانب الإريتري جيداً لم يفعلوا شيئاً، معللين ذلك بأن طلبات الإريترين كبيرة وأنهم يريدون تسليم إريتريين معارضين كانوا قد طلبوا اللجوء السياسي إلي مصر أيام الرئيس السابق حسني مبارك، وتمت الموافقة علي هذا اللجوء وهذه الطلبات تحتاج موافقة ديوان رئاسة الجمهورية، وهكذا أصبحت أنا ورقة الضغط علي مصر لترحيل الإريتريين المعارضين.
< ألم تكن هناك أي وسيلة للإفراج عنكم؟
– توجه فريق من فرع الشركة في واشنطن إلي السفارة الإريترية هناك لمعرفة ملابسات ما يحدث، ولكن السفارة كانت ترفض استقبالهم.. ويضيف القبطان: بعد مرور أربعة أشهر جاءت الاستخبارات وسحبوا شحنة البضائع من المركب، وبعد أيام قليلة، وفي الساعة الثانية صباحاً فوجئت بنفس مجموعة الاستخبارات السابقة تطلب منا جمع كل متعلقاتنا، وأخذونا «جندع» وهي منطقة صحراوية تبعد 40 كيلو مترا من العاصمة أسمرا ولم يكن بتلك المنطقة سوي منزل واحد فقط تحيط به الجبال من كل جانب، وبقينا في هذا المنزل أربعة أشهر أخري ولا أحد يسأل فينا حتي التليفون الوحيد الذي كان يوجد معي تركته علي المركب لأنهم قاموا بتفتيشنا قبل مغادرة المركب وجاء إلينا الصليب الأحمر مرتين ولكن دوره يقتصر علي تقديم المساعدات الطبية فقط.
< وما الاتهامات التي وجهت لكم؟
– حضر إلينا اثنان من أسمرا ومعهما كاميرا كبيرة الحجم وطلبا مني الجلوس أمام الكاميرا وأعطياني ورقة وطلبا مني التوقيع عليها. < وما حكاية هذه الورقة؟ – كانت استمارة بيانات واتهامات باللغة العربية.
< وكيف كان شعورك آنذاك؟
– انتابتني حالة من التوتر والقلق عندما قرأت الاتهامات الموجهة لي وكان أولها التجسس لوكالة أجنبية (CIA) وإلقاء ألغام في المياه الإقليمية الإريترية أدت إلي مقتل جنود إريتريين.
< وهل وقعت علي الورقة؟
– طالبت حضور السفير المصري وقلت لهما: «لو قطعتوني مش همضي» وأنزعجا من هذا الطلب فتملكني الخوف خوفاً من التعدي عليّ بالضرب لإجباري علي التوقيع علي الاتهامات ولكني تذكرت الكاميرا، وقلت إنهم لن يضربوني أمامها فالسلطة هناك مركزية، فالرئيس سوف يشاهد هذا الشريط.. قلت في نفسي: لو أغلقوا الكاميرا فسوف أقوم بالتوقيع ولن أسمح لأحد بضربي.
< وكيف كان رد فعلهم عندما رفضت التوقيع؟
– عندما قلت له لن أوقع علي هذه الورقة قال أمام الكاميرا امتنع عن التوقيع وسمح لي بالخروج من الغرفة، بعد فترة أخبروني أنه تم الحكم عليّ بالسجن 20 عاماً، مشيراً إلي أن السجون لديهم تحت الأرض ولا يوجد بها كهرباء. ويتابع «الحليسي»: أضربت عن الطعام وهذا أزعجهم فأحضروا لي الطبيب الذي قرر نقلي فوراً إلي مستشفي «إينا أيل» العسكري الخاصة بالطيارين، وفي ذلك الحين جاء السفير المصري محمود نايل والقنصل حسن النشار إلي المستشفي ولكنهم منعوهما من الدخول.
< ألم يزرك أحد المسئولين الإريتريين؟
– جاءني وزير الخارجية الإريتري عثمان صالح في المستشفي وربت علي يدي وقال: «يا مصري كل واشرب المصريين مايعملوش كده المفاوضات أوشكت علي الانتهاء أسبوع وهترجع بلدك».. أنهيت إضرابي وعدت مرة أخري إلي «جندع» وبعد مرور شهر، وبالتحديد يوم 10 أكتوبر الجاري وجدت أحد العساكر المكلفين بحراستنا ويدعي «عثمان» يهرول ناحيتي ويقول: «ابشر.. ابشر» ووجدت خلفه سيارتين خرج من إحداهما العميد «ح» وسألني: كابتن محمد؟.. فأجبت: نعم.. فقال: أين حقيبتك؟.. وقاموا بإعدادها وجمعوا كل متعلقاتي وأخذوني إلي السيارة، شعرت وقتها بالطمأنينة، كنت أظن أنهم يصطحبونني إلي السفارة المصرية ولكنهم ذهبوا إلي المطار ولاحظت دخولهم من باب خلفي بالسيارة حتي مهبط طائرة صغيرة عليها علامة مصر للطيران، صعدت إليها وجدت المقدم «ك» يستقبلني والسفير المصري والقنصل، وهنأوني بالعودة فانهمرت الدموع من عيني من فرحة العودة إلي الوطن لأنهم كانوا مصرين علي طلباتهم ومصر لا توافق عليها، وفي الطائرة قال لي أحد الضباط: نحن ذهبنا إلي إريتريا في رمضان الماضي من أجلك بتكليف من الرئيس محمد مرسي للتأكد من عدم تورطك في أي عملية جاسوسية.. واستقبلني في المطار مجموعة من ضباط المخابرات وأطلعني علي ورقة تؤكد مغادرة خمسة إريتريين مصر قبل عودتي بأربعة أيام من أجلي.. وقال لي: إن الرئيس مرسي أصدر قراراً بعلاجك مدي الحياة في مستشفي النيل. ويستطرد: فور عودتي إلي المنزل اتصل بي الدكتور محمد مرسي وهنأني علي العودة إلي أرض الوطن.. وداعبني قائلاً: «خلي ماما تبطل عياط» والحمد لله الفضل في عودتي يرجع إلي الله ثم أمي التي ذاقت الأمرين من أجل عودتي ثم الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية الذي لم أره حتي الآن. وتتدخل والدة القبطان عزة محمد عبدالفتاح «ربة منزل» قائلة: محمد هو ابني الثاني بعد «عادل» الكبير الذي يعمل محامياً، بالإضافة إلي «إيمان» و«مؤمن» وليس لي غيرهم في الدنيا بعد وفاة والدهم قبل ست سنوات. وتضيف الأم: تعودت علي سفر محمد ولكن هذه المرة ظل شهراً كاملاً لا أعرف عنه شيئاً، وعلمت بعد ذلك أن شقيقه «عادل» كان يعلم باحتجازه في إريتريا، ولا يريد إبلاغي، وعندما علمت ذهبت إلي ياسر عبدالرافع عضو مجلس الشعب السابق عن حزب الحرية والعدالة دائرة كفر الدوار ليساعدنا.. كما ذهبت إلي وزارة الدفاع حتي شيخ الأزهر، وطرقت كل الأبواب للإفراج عن ابني دون مجيب. وتستطرد: وما أن نجح الدكتور محمد مرسي وفاز برئاسة الجمهورية ذهبت إليه في القصر الجمهوري وهناك أعطوني موعداً لمقابلته وعندما ذهبت في موعدي لم أستطع مقابلته، وخطر ببالي الذهاب إلي أسرة الرئيس في الشرقية، وبالفعل ذهبت وتقابلت مع سيد مرسي «شقيق الرئيس» وطلبت منه مقابلة الرئيس ولأنني لا أعرف شيئاً في القاهرة شرح لي العنوان ذهبت إلي منزل الرئيس، وتقابلت مع زوجته المهندسة «نجلاء» التي أخبرتني أن الرئيس يعلم بالمشكلة وسيقوم بحلها وكان ذلك في أوائل شهر رمضان الماضي.. وبعد عدة أيام ذهبت مرة أخري إلي منزل الرئيس وانتظرته حتي يخرج من صلاة التراويح توجهت إليه وقلت له: أنا والدة القبطان المحتجز في إريتريا.. فقال لي: ابنك مثل ابني وكلفت المخابرات بالبحث في الموضوع.. فقلت له: تليفون من سيادتك إلي رئيس الدولة يفرجوا عنه.. فقال: هناك أشياء لا تعرفينها والموضوع محتاج وقت.. تركته وبعد عدة أيام رجعت وجلست أمام باب المنزل حتي أرسل لي الرئيس أحد الضباط ليأخذني إلي إحدي الفيلل لحين عودة ابني ولكني رفضت وقلت له: «هافضل في الشارع لما الرئيس يرجع لي ابني».. وقبل عودة محمد بيومين جاءني اتصال تليفوني من الدكتور محمد مرسي وقال لي: إن محمد سوف يأتي علي طائرة مصر للطيران وألف مبروك.. لم أصدق أن ابني سيعود لأحضاني مرة أخري، بالفعل توجهنا إلي مطار القاهرة لمقابلته. وتضيف: حاولت مع محمد أن يترك العمل في البحر، خاصة أنه في بكالوريوس تجارة إنجليزي هذا العام ويبحث عن عمل آخر لأن قلبي لم يعد يحتمل، إلا أنه مصمم علي العمل في البحر وليس بيدي شيء سوي أنني أستودعه الله فهو خير الحافظين.
شاهد الفيديو:
المصدر : بوابة الوفد الاليكترونية
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26517
أحدث النعليقات