قراءة متواضعة في التغيير الديمقراطي حتى لانمارس بجهل النهج الديكتاتوري
(1)
عندما إنحرف مجرى الثورة بأهداف أخرى غير ثورية (إنصرافية) ضاع وعلى الفور جهد الأبرياء الذين فاضت أرواحهم لحسم القضية وتحرير الإرادة لينعم الشعب الإرتري بكامله المستحق من حقوقه “لا” السعي لتعليقها ومحوها من برنامج عمل القوى السياسية المعارضة والموالية، لكن هواة السلطة والواقعين في غرامها تدفعهم نزعة التملك ومرض حصر الثمار في سلة واحدة للإنفراد بالسلطة وإحتكار حق التمتع بها ، ولهذا هم يأبون أي فكرة تنادي بالمشاركة معهم أو إقتسام ذلك الحق ليتمتع به جميع أفراد المجتمع الإرتري بصورة عادلة ومتساوية حسب ماتقوله قيم التداول الديمقراطي للسلطة لا حسب أهواء المغرمين بها والمصابون بمرض النرجسية والوحدانية ، ولهذا هم يتفقون مع نظرائهم فقط في التأكيد على أن السلطة لغير الشعب ولايختلفون إلا في تفاصيل “تقاسم الثمار”، ذلك أن مبدأ سلطة الشعب يمثل التطبيق العملي الفاضل للشعار الديمقراطي الساقط عن أجندة العمل السياسي التقليدي المجاز اليوم من قبل مؤسسات النظام العالمي الجديد، كأساس للتطبيق العملي لمفهوم السياسة حسب وجهات النظرة الغربية السائدة ومعتقداتها وطريقتها في تقاسم الثمار.
وهو الأمر الذي حول من مجرى العلاقة الطبيعية “العادلة” المفترض أن تنشأ بين الشعب والحكومة داخل إطار الدولة، لتنتقل من شاطئ الحقائق الى التزييف ، وهوالذي جعل حتى قوانا الثائرة في السبعينيات تقع في هذه المصيدة بفعل إنزلاقها في هذا الوحل ظناً منها أن التلطخ به من علامات التمدن والتطور التنظيمي ، ولا يستحي لذلك حتى أبناء المسلمين أن يصرحوا بأن الغرب اليوم والشرق سابقاً هم قدوتهم لا رسول الله “صلى الله عليه وسلم” حسب مايعتقدونه من دين ويختارونه من طريق يحددون به مصيرهم بعد الموت، إن رسالة العمل السياسي الحاكمة اليوم في جميع أنحاء العالم هي رسالة علمانية ملحدة لا تؤمن بالله بقدر إيمانها بقدرات العقل البشري المستقل عن الإرادة الإلهية الحاكمة لوجوده ومساره قبل ميلاده وحتى بعد مماته ، وبالتالي فإن هذا الخطأ التنظيمي الكبير الذي نعيش تحت رحمته لا أعتقد أنه يخفى على عاقل أو سيختلف فيه إثنان لكونه مسار إنحرف عن الطريق الأخلاقي الصائب الذي إلتقت لديه جميع المبادئ الأخلاقية التي أرستها الأديان السماوية “اليهودية والمسيحية والإسلام” ، ذلك أن الطريق الصائب هو الذي يجمع ولا يفرق أما الطريق الخاطئ “المنحرف” فهو الذي يفرق ولا يجمع ، وعليه ندرك أهمية إعادة فك وتجميع القيم والمبادئ والمفاهيم التنظيمية المعمول بها اليوم لتتوافق مع المسار الطبيعي للإنسان عموماً والإرتري على وجه الخصوص ، مما يعني أن مانبزله من جهد في إتجاه التصحيح اليوم لم يرتقي بعد الى مستوى المراجعة الشاملة التي تؤهلنا لنقد المسلمات المخالفة لهذا المسار الإنساني القويم ، فلا يوجد شئ ليس قابلاً للنقد والمراجعة إلا ماصدر عن الخالق الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه .وعليه ندرك أن هناك ثوابت يجب أن نخضع لها ونوقرها وهناك متغيرات تخضع لرقابتنا ومراجعتنا لتوافق الثوابت وتسير وفق مداراتها الطبيعية المناسبة لحاجة الفطرة الإنسانية ومحاربة كل ما يخالف الفطرة ومساراتها التنظيمية الصائبة .
وعليه يحضرني في هذه المقام مقطع الحديث الذي دار بيني وبين عضوية التنظيم في مؤتمر فرع أديس أبابا لجبهة الإنقاذ الذي إنعقد لتصعيد عضويته المنتخبون للمؤتمر الثاني، وبينما كنا نراجع النظام الأساسي بغية إستبدال بعض الفقرات من المواد التي نرى ضرورة تصويبها أو تغييرها ، وقفت عند آلية إتخاذ القرارات في المكاتب التنفيذية والتشريعية التي تبيح عند تساوي الأصوات أن يتم ترجيح الجناح الذي صوت الرئيس الى جانبه ، فقلت لهم : هذا سلوك غير ديمقراطي، فرد علي الجميع: “ليس من في المنصة فقط بل حتى الحضور” قائلين أنه نظام متعارف عليه عالمياً ، فقلت لهم فأين ماتعارفنا عليه نحن، في إشارة مني الى ضرورة تفعيل إرادتنا والتعبير عن حريتنا لتحديد خيارات السير حسب وجهات نظرنا نحن لا وجهة نظر من إختار طريق الغرب دون التمييز بين التفاصيل التي تعبر عن إرادتنا وموروثاتنا الأخلاقية والتي تخالفها، إن مسألة ترجيح الجناح الذي يصوت الرئيس الى جانبه عند إتخاذ القرار تشير الى المسار المعاكس للديمقراطية من خلال تكريس السلطة في يد الرموز بينما نقوم بنزعها من يد الأغلبية المغلوبة على أمرها لأن الرئيس ليس بجانبها ، ولهذا قدمت لهم أعترضي على هذه المادة فأجروا لذلك على الفور تصويت عليها فاختار الجميع الموافقة على المادة وبقيت وحدي الرافض لمبدأ الإحتكار ، مع العلم بأن الحضور 99% منهم من التجرينية والنقاش كان كله بالتجرينية ولم أجد متنفس لتوضيح وجهة نظري بالعربية ومع ذلك شعرت بأن السبب وراء جهل هؤلاء بتبعات مايختارونه من مواد قانونية ودستورية قامعة هو أنهم تلقوا هذه المعلومات على أساس أنها مسلمات لا تقبل النقاش بمعنى أنها معصومة من الخطأ وهو ماجعلني أشعر بالزهول لدعم كل هؤلاء الناس لنظام أساسي يناقض مبدأ الديمقراطية من خلال تثبيته لهياكل وأنظمة سياسية تمارس عليهم الديكتاتورية المعلبة بشعار الديمقراطية على أساس أنها من المسلمات ، والذي جعلها من المسلمات هو أن المجتمع الغربي آمن بها قبلنا وجعلها نظاماً سياسياً في جميع بلدانه، وبهذا المبرر العشوائي فقط يتم تعبئة وغسل العقول ليؤمنوا بماآمن به الغرب فهو ربهم الأعلى، وهي التبعية العمياء التي حدثتكم عنها وقلت بأنها أعاقت تقدمنا وأعترضت طريق وصولنا للحياة الديمقراطية الحقة التي وللأسف الشديد نتشدق بلفظها ونجهل أن آليات تطبيقها تتمثل في الجانب الأخلاقي “الإنساني” الموافق للفطرة لا المخالف لها.
أعتذر للتوقف عند هذه النقطة نسبة للإنشغال الطارئ ولك العتبى عزيزي القارئ حتى ترضى ولك مني وعداً بإكمال مابدأت.
عمر محمد صالح
كاتب ومحلل سياسي
dhnet2010@hotmail.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=26974
أحدث النعليقات