رحيق المنابر

أما بعد:

(قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) الانفال

ورد لفظ التنازع في القرآن الكريم في سبعة مواضع والفشل في اربعة مواضع ، وورد اللفظان معا في ثلاثة مواضع :

والناس اليوم اصبحت بضاعتهم التنازع ومسيرهم الفشل :

ومادام الله نهي عن التنازع فينبغي أن نمنع أسبابه، وهي كثيرة جدا ومنها:

* إختلاف الرأي . اما مقولة( إختلاف الرأي لا يفسد للود القضية) فصحيحة ولكن غالبا التعصب للرأي يجعل الود ضحية .

* الحرص على المصالح .

* إتباع الهوي.

* الإنتصار للرأي .

* العصبية للعشيرة والأهل .

* محبة تصدر المجالس .

* التكبر وإحتقار الناس .

*عدم مراعاة رباط الأخوة الإيمانية .

* كثرة الجدال والمراء في المجالس.

* كثرة الكلام وقلة العمل .

* التشهير بالناس .

* رفع الأسعار والأثمان الخاصة وتضخيم النفس .

* التعصب للإمكانيات والمفاهيم. فمن كان من أهل العلم يريد الناس أن تمضي في هذا الطريق، ومن كان من حملة راية الجهاد يريد الأمة بأجمعها أن تتفرغ لهذه الفريضة، ومن كان من أهل الدعوة يريد الناس أن تهتم بالخروج فقط، وهكذا كل واحد ينزع الى جانبه ويتشدد في النزع حتي يكاد يقطع كل حبال الود ووشائج الأخوة ، ويظن أنه سوف يقيم الدين وينصر الأوطان ويخدم العباد ويرضي الرحمن بقناعاته التي يريد حشر الناس فيها وإلزامهم طريقته ومنهجه،

ولقد طلب منا نبينا  المصطفى- صلى الله عليه وسلم-  التآلف وترك الاختلاف فقال :          ( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ) . وربما إتفاق علي مرجوح أولي من إختلاف وتفرق على راجح .وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( الخلاف شر ) وقال صلى الله عليه وسلم:  ( لا تختلفوا فإن من قبلكم اختلفوا فهلكوا ) .

علينا أن نعلم أنفسنا بغض الإختلاف وحب الإئتلاف ، وذالك لأسباب عديدة ومنها :

1- لأنَ الإختلاف فيه مخالفة لأمر الله.

2- فيه الفشل والضعف والهوان .

3- فيه الخوض في أعراض إخوانك المسلمين التي حرمها الله عليك .

4- هو الوصفة المعلبة  لزرع الأحقاد والضغائن .

وحق لأبي العلاء المعري أن يضيق صدره بهزل الزمان ويتمني حمَام الموت عندما رأى الموازين مبخوسة والأحوال مقلوبة فقال :

إذا عيَّر الطائـيَّ بالبخـل مادرٌ                                     وعيَّر قُساً بالفـهاهـة بـاقـلُ
وقال السُهى  للشمس أنتِ ضئيلة                                 وقال الدجي للصبح لونك حائل
وطاولت الأرضُ السماءَ سفاهةً                                  وفاخرت الشهبَ الحصى والجنادلُ
فيا موتُ زُرْ إن الحياة ذميمـة                                    ويانفس جِدِّي إن دهـركِ هازل.

ما ذا نقول عندما يعير مادر الذي عرف ببخله حاتم الندي والجود والكرم، ويسخر باقل العيي من قس إبن ساعدة الذي توج بتيجان المجد وملك فصاحة اللسان حتي عرف بأنه أخطب العرب، وعندما يقول السها وهو( النجم الخافت الضياء) للشمس في ضيائها وتوهجها انت كسيفة عليلة ، ويقول الليل البهيم للصبح المتلألئ أنت داكن اللون، وعندما تتطاول الأرض الواطية على السماء العالية، وعندما تفاخر الشهب الحصا والجنادل، فهل بقي في الدنيا امرا مستوياً ؟

ورحم الله عائشة كانت تقول رحم الله إبن الزبير كان يقول رحم الله لبيد كان يقول :

ذهب الذين يعاش فى أكنافهم                                     وبقيت في خلف كجلد الأجر.

وكان هذا  يقال في عهد الصحابة فما ذايمكن أن يقال في زماننا ؟

هذا الزمان الذي كنا نحـاذره في قول كعب وفي قول ابن مسعود

إن دام هذا ولم يحدث له غِيَرُّ لم يُبكَ ميتٌ ولم يُفرح بمولـــود

والله عز وجل قال : [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا…) [آل عمران: 103].

فما هو حبل الله الذي ينبغي أن أن نعتصم به ؟

* قالوا هو دين الله.

* قالوا هوالجماعة.

* قالوا هو القرآن.

ونحن نعلم أنه لا يمكن أن يكون الإعتصام بعيدا عن المنهج الرباني[ٍ دين الله ] ولا يقوم الدين إلا [ بجماعة تؤمن به وتطبقه ] ولا يمكن أن تكون هناك فئة أو جماعة أو أمة تنجح وتفوز وتتقدم من غير منهج تعمل به وتجتمع عليه [ القرآن ] ، فهو دين الله الذي ضمنه كتابه لتحيي به الأمة  والجماعة والفرد  ، فهو حبل الله الذي دعانا للتمسك به والإعتصام ،

يتمسك به الفرد ويعتصم  في نفسه وأهله وعشيرته وجيرانه وبلده.

وتتمسك وتعتصم به الجماعة في أنفسها وأوطانها والعالم أجمع .

فمن إعتصم به نجا وفاز ومن إعتصم بغيره هلك وأهلك ، لأن الحبل الذي فيه النجاة  ينبغي أن نتمسك به  وأن نعض عليه بالنواجز جميعا ولا نفرط فيه ، فالحبل قد يحتاجه الإنسان في حالة عادية لقضاء حاجاته، أو يحتاجه في حالات طارئة للنجاة به ، وأمتنا اليوم تحتاج أن تتعلق بهذا الحبل للنجاة من الغرق الذي يهددها ومن الكوارس التي تحيط بها ، ولن تنجوا والخطر يقترب منها وهي تتنازع الحبل فيما بينها في أنانية لم يشهد التاريخ لها مثيلا ، وضيق عطن يكاد لأولي النهي يسبب قيحا وصديدا ،وضحالة فكر تجعل امتنا أضحوكة أمام الأمم ، فهلا كسرنا  القيود والأغلال التي تشل حركتنا وتعيق مسيرتنا وتمنع إنطلاقتنا ؟ تعالوا بنا نجتمع ولا نتفرق ونتوحد ولا نختلف ، وقد قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ إنَ الله يرضي لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضي لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ويكره لكم : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ]

والذي لا يريد أن يتأمل أيات الله ـ عز وجل ـ  ولا توجيهات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  فله في التـــــــــــــــــــــــــــــــــاريخ عبرة :

– ما سبب هوان المسلمين اليوم في ارتريا ؟

– ما سبب تمزق الصومال وتشتته؟

– ما سبب تناحر العاملين للإسلام في كل مكان ؟

ما سبب زوال دول بكاملها من خريطة العالم الإسلامي ؟

إقرؤا التاريخ ففيه العبر          ضل قوم لا يدرون الخير .

اين الأندلس ؟ ما ذا حدث لها؟ يخبرك خبرها أبوا البقاء الزندي رحمه الله .

اسأل بلنسيةَ ما شأنُ مرسيةٍ                                         وأين شاطبةٌ أمْ أين جيَّانُ

وأين قرطبةٌ دارُ العلوم فكم                                         من عالمٍ قد سما فيها له شانُ

قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما                                     عسى البقاء إذا لم تبقى أركان

تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسفٍ                                   كما بكى لفراق الإلف هيمانُ

حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ ما                                فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصلبانُ

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ                              حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ

يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً                                  كأنها في مجال السبقِ عقبانُ

وحاملين سيوفَ الهندِ مرهقةُ                                     كأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعةٍ                                    لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ

أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ                                         فقد سرى بحديثِ القومِ ركبانُ

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم                               قتلى وأسرى فما يهتز إنسان

لماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ                                   وأنتمْ يا عباد الله إخوانُ

ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ                                          أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهُمُ                                         أحال حالهمْ جورُ وطغيانُ

بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم                                واليومَ هم في بلاد الضدِّ عبدانُ

فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ                               عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ         ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ                                لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ      ياربَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما                                كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ                وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ                                    إذ طلعت كأنما ياقوتٌ ومرجانُ    يقودُها العلجُ للمكروه مكرهة                         والعينُ باكيةُ والقلبُ حيران         لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمد                      ٍإن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ.

تصور معي وضع المسلمين في ارتريا بعد قرائتك لهذه الأبيات الباكية،  لو كان قائلها ـ رحمه الله ـ عرف حال المسلمين في أرتريا اليوم هل كان يمكن أن يهدينا هذه القصيدة ؟  أترك الجواب للجميع””””””””

لكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن: عليك أن تعلم أيها الحبيب أنَ المطلوب منا اليوم هو :

ان ننسي تاريخنا .

أن ننسي دماء شهدائنا .

أن ننسي الآلاف الذين يرزحون في السجون.

أن ننسي حقوق عودة المشردين الى ديارهم ووطنهم الحبيب .

أن نتجاهل مئات الكنائس التي تبني في قرانا ومزارعنا .

أن نتجاهل تجنيد بناتنا والحاق العار بنا .

أن نتقبل منع الصلوات في معسكرات التدريب والجنود .

أن نتقبل عطلة يوم الأحد وننسي صلاة الجمعة .

أن نتقبل تنحية اللغة العربية من بلدنا .

أن نتقبل أننا نستطيع أن نتجنس بجنسات غيرنا .

أن نتقبل وأن نرضي أننا ضعفاء .

اقول لكل إخواني وأخواتي في الله  ، لقد جعل الله  في هذا الكون سنن لا تتغير ولا تتبدل ،[ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] ولكل مجتهد نصيب .

علينا أن نجتمع حوا عقيدتنا  وإقتنع بها قناعة تستبد بنفوسنا  و أن نضحي في سبيلها بأوالنا وأنفسنا وأوقاتنا  ، ووقتها ننتظر ساعة النصر فما هي من العاميلين المتحابين بعيدة .

وينبغي بكل صدق أن نقول : كفــــــــــــــــــــــي: كفـــــــــي : كفـــــــــــــــــي :

تناحر وأحقاد وحزازيات وتفرق وشتات  وتعصب وقبليات وتفاخر وتعالي وإحتقار واعجاب بالرأي والنفس…… ، لأن هذه المخا>ي هي  [ المهلكات الأخلاقية]  وهي التي حذر منها  النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  بقوله :  ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرءبنفسه.

كلمة للمسلمين الأرتريين : أنتم اول الإسلام وحاميه وحارسه ، أجدادنا خدموا هذا الدين وبذلوا له أرواحهم وأموالهم ، وعلموا أن الطريق الوحيد لنجاتهم هو تطبيق هذا الدين في حياتهم ، وأول ما يأمر به هذا الدين وحدة العقيدة ووحدة الجماعة ، فعاشوا بنور الإيمان تحت ظلام الوحدة والأخوة ، فجاءت ثورتنا المباركة وحملت راية الكفاح ومضت في طريق التحرر والخلاص ، ولكن جاء في منتصف الطريق من ابناء هذه الأمة العظيمة من نزع منها عقيدتها وهي ( النور ) الذي كانت تسير به ، فتاهت في وسط الظلام الحالك واتجه كل واحد الى هاوية سحيقة يظن فيها النجاة وتوجه البعض الى سراب تخيله ماء ، ووصل بنا الأمر اليوم الى ما نحن فيه  من التيه والهوان ، ولا قيمة لنا ولا عزة ولا كرامة إلا بتوحيد الله ووحدة صفوفنا ومؤسساتنا وقبائلنا وتقع المسئولية على عاتق العلماء وأسال الله أن يوفقنا لجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم  .

واسال الله للجميع التوفيق والسداد .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخوكم / محمد جمعة أبو الرشيد .

Mja741@hotmail.com

محمد جمعة أبو الرشيد

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2873

نشرت بواسطة في أبريل 2 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010