فشل النظام وضعف المعارضة .. هل هي الانتفاضة .. أم الانقلاب؟
الحسين علي كرار
من يقرأ الساحة الارترية المتردية سياسيا يراها صادمة للمواطن الارتري الذي أصبح المستقبل بالنسبة له قاتما ومجهولا ويخشي علي وجود دولته الفتية التي دفع لتحريرها ثمنا غاليا ، فحال المعارضة المشتتة بائس ويائس ، وحال النظام الضائع العدم ، ويري البديل انهيار الدولة في مثل هذه الظروف ، وأصبح الشارع في المدن الارترية يتحدث جهرا في المقاهي والمجالس وهو يقاوم خوفه الداخلي عن ما آل إليه الوضع ، ومن استمع لتنظيرات الرئيس الارتري اليائسة بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية واعترافه صراحة لأول مرة بالفشل الكامل لنظامه ينذر بحالة التوجس السائدة ، فعدد فشله ابتداء من فلل الإسكان الذي أشاءها الكوريون في اسمرا ومصوع وهللوا لها وقتها كمعجزة في الانجاز إذ وصف من قاموا بإدارتها من سدنته بتلقي الرشاوى والفساد وهي عمائر ومن الداخل خراب ، ثم الاستهزاء وتحقير العمل والبحث عن التعدين لان ذلك لا يعتبر تنمية مستدامة وهو مورد واحد لا نضع عليه آمالنا كما قال وأعتبره حلولا آنية ومؤقتة وقال أنه فشل في الاستفادة من الثروة السمكية التي يشكل نسبة الاستفادة منها 10% وقال انه يبحث عن التنمية المستدامة التي عجز عن تحقيقها خلال العشرون عاما وأن كل ما أنفقه في العاصمة اسمرا وميناء مصوع في السنين الماضية كان خسارة فادحة للدولة لأنها أصبحت استثمارات بدون عوائد ولا جدوى وأن التنمية الحقيقة المستدامة سيبدأها كما قال في مصادر المياه في هيكوته وتسني وأم حجر وقلوج ليحققها خلال العشرون عاما القادمة وقال عن التنمية الزراعية أنها تحتاج للتضحية بعد كل الضحايا والخراب وقال إنها تحتاج للاستثمار ولم يذكر من هم المستثمرين الأفاضل وخزينته خاوية وقال انه يحتاج كذلك للتكنولوجيا والتقنية وكفاءة الكادر وتوعية الشعب بمعني لا يوجد منها شيء بعد العشرون عاما العجاف وقال عن مرتبات العاملين بالدولة سينظر في شأنها في المستقبل وتعتبر القشة التي قسم بها ظهر البعير وقال في المجال السياسي وهو أساس الفشل لنظامه بالدرجة الأولى من يفكر في واقع جديد وقيم جديدة ويحلم بمرحلة جديدة وأفكار مستوردة فهو مخطئ وواهم ونحن نعرف قيمنا وارثنا وهي قيم الجبهة الشعبية وارثها وهي ستوصلنا إلى التنمية المستدامة وهي تحتاج عشرون عاما قادمة لبناء الأمة في التنمية المستدامة ، والملاحظ أن افورقي استخدم لمرات عديدة كلمة المستدامة بشكل لافت كما كررت فضائيته تنظيراته بشكل ممل لعدة أيام ليقينها بملل الشعب من سماعها فتكررها عسي ولعل تجد أذن صاغية ، والحقيقة أن قيم الجبهة الشعبية التي يدافع عنها هي التي أوصلته إلى هذا الموقف الحزين الذي لا يحسد عليه ولكنها ليست قيم الشعب الارتري الذي رفضها وأدت بالنظام لهذا المستنقع الذي يعجز أن يخرج منه ، فضحايا ه من شهداء الانتقام السياسي في السجون يحاصرونه من الإمام ، وضحاياه الشهداء من الجنود الذين قضوا في الحروب العبثية يحاصرونه من اليمين ، وضحاياه الشهداء من الهاربين من ظلم السخرة والمجاعة يحاصرونه من الخلف ، وضحايا ه الشهداء من أنصاره الذين غدر بهم يحاصرونه من اليسار ، فالطوق كامل بالجماجم وليس بسواها ، فإحباط النظام ليس من عدم تحقيق التنمية الآنية أو المستدامة كما يدعي ولكن الإحباط ناتج عن كشف هذه الفاتورة الثقيلة التي يستحيل سدادها فالتراجع عنها يعني الانتحار السياسي وهي المانعة لكل الإصلاح السياسي وبالتالي الاقتصادي ، فأفورقي يعلم فشله لأن الدولة التي يديرها منذ تأسيسها قائمة علي حكم الفرد ، وليس لها : لا أنظمة هيكلية سياسية ولا نظم قانونية متدرجة ، ولا موازنة ولا ميزانية ، و لا ميزان تجاري ولا ميزان مدفوعات ، لا عجز ولا فائض ، لا صادرات ولا واردات عدا التهريب ، ولا سلع ولا خدمات ، ولا رواتب ولا أجور ، نظام مفلس اقتصاده بور حرر نفسه من مسئولية غذاء شعبه ، فرماهم علي دول الجوار ، نظام أغلق نفسه في أعشاش معشعشة ، ويعيش مع من بقي معه من الشعب من العاجزين عن الهرب ، والغارقين تحت خط الفقر المدقع ، ولا يعنيه من مات منهم ، فهو مع من عاش منهم للجباية والسخرة ، وأخيرا أصبحت صادراته من الفرق الجماعية الهاربة من فرق الرياضة وفرق الإعلام وفرق الفن وفرق الجنود وفرق الشباب وفرق المسئولين ، وأصبحت الفرق الفنية المتسولة والفرق الرياضية وفرق العلاقات الخارجية كلها تحتاج منه إلى حراس ، ليمنعها من الهرب ، وأصبح الحراس يحتاجون إلى حراس وهكذا ، وقد نضبت ادوار فرق الموت بعد أن مسحت من الوجود كل الفرق المناوئة للنظام وجاء الدور عليها ، وبعد أن انحصر الصراع في دائرة النظام الضيقة ، ها هو افورقي يعلن شهادة الوفاة لنظامه بعد شعوره بتفكك قبضته الحديدية وفشل مسرحية جوقة المستثمرين ، وكان عليه أن يعرف من الصعب عليه أن يحقق في شيخوخته ما عجز أن يحققه في شبابه ويخلي الساحة لمن هو أقدر .
ولم يكن حال المعارضة العتيقة بأفضل من حال النظام ، يكفيك الدخول في مواقع فصائلها التي تعكس واقعها الأليم حيث تحولت إلى مواقع اجتماعية من التأبينات وأفراح المتزوجين إلى إعلان الندوات وبيانات المناسبات ، وبعد انعقاد مؤتمر أواسا الذي استبشر به الكثيرون ، أصيبت هذه الفصائل بمرض الجفاف ، وأصيبت القيادة التنفيذية للمجلس الوطني المنتخب بالاختفاء الكلي عن المسرح السياسي ، وقتلت كل المعنويات والحماس الذي خلقه لها المؤتمر، وحتى عندما أرادت عن ترفع عنها الحرج وشرعت في زيارة جمهورية مصر العربية اختلطت عليها المداخل ولم تميز الباب من الشباك ، وأخذت دليلها من أعضاء مجلسها ولسان حالها يقول اقرأ خلفي وأنا الإمام ، قيادة اثبت واقعها العجز وعدم القدرة وعدم المعرفة وعدم الخبرة في العمل السياسي ، فكثرت حبائل العناكيب السامة خيمتها ، فظهر من داخلها المشككون في رموز النضال الوطني والحالمون بعودة ارتريا إلى أمها الحنون أثيوبيا والعاملون لأجهزة النظام ، كل ذلك يحصل داخلها دون خوف وبلا رادع ، وارتفع داخلها أصوات القبائل التي ترفع أعلام القوميات اقتداء بأثيوبيا وتأسيا بسياسة النظام ، وكثرت بيانات أيها الشعب وأيتها الجماهير وتباشير الانتصار القادم في الفضاء الفارغ ، وهكذا أصبحت المعارضة تحمل في طياتها الأجنة المشوهة التي جرفتها خارج عملها الرئيسي وأفقدتها دورها الكبير في إسقاط النظام ، وأصبح الدور الفعلي للحراك الشعبي الخارجي وهو المؤثر والأكثر فاعلية منها ، في إضعاف النظام بالاحتجاجات التي يقودها في كل بقاع العالم ويكشف ما يتعرض له الشعب من إذلال وسخرة وتعسف .
والسؤال بعد هذه المآسي المبكية، هل يقف أمل إسقاط النظام بانفجار يقوم به الشعب ولا يستطيع النظام السيطرة عليه بسبب ضغوطات المعيشة الهائلة ، وانعدام الضرورات اليومية ، وفقدان الأمل ؟ أم سيحسمها الجيش بانقلاب عسكري وهو طرف قوي في استمرار هذه المأساة ويوقف هذه المسرحية التي طالت وشاخ قائدها ، وبالتالي يمنع الدولة من التفكك الطائفي والإقليمي والقبلي الذي يهدد مستقبلها لكثرة المظالم والمطالب وانتشار السلاح ؟
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=28911
أحدث النعليقات