أدوناي يغذي بريشته حديقة التنوع الثقافي الاوسترالية فنيا
منذ ان وجد الانسان وجدت معه أدوات التواصل والتعبير.. أدوات يعبر بهاعن أفراحه وأتراحه . والفن كان احد هذه الأدوات بامتياز . فن التراث ، فن الرسم ،الشعر والقصة ، والموسيقى والمسرح..الخ. .. وتطور الفن مع تطور الانسان ، من المحاكاة البسيطة للحياة المحيطة بالإنسان التي حددهامنهج أرسطو .. الي ابداعات فلسفية تساهم في معالجة قضايا الانسان وتطوره. وانعكست صورة الانسان الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في هذا الفن بشكل جمالي ومعرفي اكثر مما كانت عليه في السابق ..وبدا يؤرخ الفن بكل أنواعه وفروعه لنفسه وللواقع الاجتماعية والسياسي والاقتصادي المعاش . وانطلاقا من هذا الواقع واقع التطور وحاجته.. ظهرت مدارس تعبر عن كل مرحلة ووعيها ..لتعكس صورة الانسان بكل ابعادها في الحياة،من حيث الزمان والمكان..ومع هذا التطور تطور ذوق الانسان ووعيه الممنهج في قراءة الواقع وتجسيده فنيا.. وانسجاما مع ذوق وتطور وعي الانسان يقرأ الفن ذاته والواقع بكل حرية ،وبدون حرية لا معنا للفن .. ومهما قرأت أي تحفه فنية تعتبر القراءة ناقصة..وتكتمل قراءة العمل الفني من خلال قراءات متعددة.. وهنا يكمن سر الإبداع .. في تنوع التفسير ووجود بذرة تعدد القراءة التي ينضح بها الموضوع ..يقول:إيمانويل كانت :ان الحكم على الجمال حكم ذاتي وهذا الحكم يتغير من شخص الي اخر)..وضمن هذا الفهم قرأنا إبداعات ريشة ادوناي التي تتنقل في حقل فني متنوع، وهذا ما لمسناه عندما زورنا معرضه في منطقة ألتونا الذي أقيم تحت شعار( لم أختر ان أكون لاجيئا)..وان لوحات المعرض تعكس صورة ادوناي بكل ابعادها الانسانية و الفنية ..
وعندما تحاور اللوحة تخرج إليك بألوانها الهادئة تشبه هدوء الفنان ..وتأخذك بصريا وفكريا من ايام نضال الانسان الارتيري ضد الاستعمار وحتى اخر ماسات هذا الانسان في لامبيدوزا ..انه عمل هادف وملتزم يعالج قضايا الانسانية بشكل عام وقضية الانسان الارتيري بشكل خاص ..ونلاحظ في اعماله وحدة الشخصية الفنية الهادفة والمعبرة مع اختلاف في أسلوب تقديم الذات المعبرة للوحة.. فبعض الاعمال تعبر عن ذاتها من خلال المدرسة الواقعية وهي مرحلة الثورة وضروراتها .. وبعد الثورة حاضرة المدرسة التعبيرية بشكل واضح وتحتل مساحة متميزة في الانتاج الفني ، والرمزية كذلك حاضرة لمساتها .. وان بعض اعمال ادوناي متأثرة بالفن القبطي التي اخرجها من مخزونه اللاشعوري ..وواضح انعكاس تأثيرها في بعض أعماله ،ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النقوش الكتابية وبعض الخطوط التي نجدها في بعض اللوحات، التي لها دلالة رمزية ،وأجاد الفنان في توظيفها على طريقته تلك الرموز ..
وان الفنان التشكيلي ادوناي هو شخص متعدد المواهب ،فإلى جانب ممارسة فن الرسم يمتلك ناصية الكتابة السردية( رواية ،قصة قصيرة، نص مسرحي..الخ)..وحتى تتضح الصورة الإبداعية للقارئ طرحنا عليه بعض الأسئلة انطلاقا من مبدأ الحوار المعرفي المتسائل حتى نلامس الأشياء الرئيسية في هويته الإبداعية ..وبدأنا بالسؤال كالآتي :ادونا شخصية متعدد المواهب اين تجد نفسك بشكل واضح في النص المكتوب ام في الرسم؟وكانت الإجابة “-انا اقدم نفسي كفنان تشكيلي وكل جهدي ووقتي موجه الي الفن التشكيلي.. وكل تجربة او معرفة اكتسبتها اسخرها في سبيل هذا الفن وأحيانا امارس فعل الكتابة…إذن ومتى تلجأ الي الكتابة؟يرد أدوناي: عندما لم أستطيع ترجمة فكرة ما الي الفن التشكيلي او عندما ارغب ان طرح فكرة ما عبر الكتابة،ألجأ الي فن الكتابة..وان إنتاجي في حقل الكتابة قليل جدا..ولهذا أكرر وأقول : انا اجد نفسي بشكل واضح في الفن التشكيلي…
-وانت تبدع عمل ما هل يأتيك أحينا احساس ،بان هذا العمل الذي أنتجته لا يستحق الظهور الي المشاهد وبتالي يجب أتلافه او إهماله لانه اقل من الطموح؟
-نعم في البدايات الأولي عندما بدأت الرسم.. اما الان ،لا،لم يواجهني احساس من هذا النوع .. وأي فكرة قبل ان تتخمروتنضج لا أفكر في تنفيذها ..
-هل تتقيد بمنهج محدد عندما تبدأ بتنفيذ عمل ما؟ ام العمل يحدد نوع المنهج؟يقول ادوناي : بشكل عام احدد فلسفة العمل نظريا، ثم أبدا بتنفيذ العمل وفق المنهج الذي حددته سلفا .. واحيانا العمل يفرض شروطه ويكون بذلك الموضوع هو الذي يحدد المنهج..
-من هي الشرائح الاجتماعية التي تستهدفها وتتوجه اليها بهذا الفن ؟..
-أتوجه بهذا الفن الي الوسط الفني بشكل خاص. وايضاً الي الشرائح الاجتماعية الواسعة .. لان كل فرد له ذوق فني يتذوق اللوحة على طريقته ووفق ثقافته ووعيه.. وإنطلاقا من هذه الأرضية ارضية الوعي الفني ،اقدم الفن واترك الامر للمشاهد ان يقرأ ويفسر اللوحة علي طريقته ..هكذا كان الحوار بشكل مختصر لامسنا به غيض من فيض عالم الفنان التشكيلي المبدع مكيئل أدوناي ..
في الختام نقول :ان ادوناي هو اضافة تجربه فنيه الي الفن الأسترالي ،وهكذا سجل حضور فني ارتيري بامتياز الي جانب حضور الانسان الارتيري في غابة الحداثة والتنوع الثقافي الأسترالي ..وان أعماله تعلن منذ النظرة الاولى اليها صفتها الإبداعية ..لانها تخرج من خصوصيتها نحو عالم إنساني واسع..وتوقظ فيك مشاعر الفرح وأحينا اخر ،الحزن ،عبر رسالتها الجمالية..وهكذا يحقق الابداع هدفه الجمالي والمعرفي..وهنا نردد مقولة هيجل( ان الجمال بالمعنى الحقيقي لا يوجد،إلا في الانسان، لان الجمال تعبير عن الصورة العقلية، والصورة العقلية لا توجد إلا في عقل الانسان..) .المرجع /فلسفة الجمال والفن عند هيخل(د/عبد الرحمن بدوي)… و أدوناي الانسان والعقل قدم لنا عبر ريشته صورة جمالية تثير الأشياء في النفس ،وتعبر عن حساس ومشاعر الانسان دون اي التباس..انه تدفق ابداع يغذي الروح والعقل معا..
محمد اسماعيل هنقلا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=30817
نشرت بواسطة فرجت
في يونيو 22 2014 في صفحة الأخبار, المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات